قراءة في دراسة إسرائيلية جديدة حول إيران والخليج العربي

وثائق وتقارير

كتب بلال ضاهر:

 بدأ المفتش العام الجديد للشرطة الإسرائيلية يوحنان دانينو بمزاولة مهمات منصبه في الأول من أيار الحالي، في وقت يشكو فيه هذا الجهاز من نقص كبير جدا في القوى البشرية بموازاة تصاعد الفساد والإجرام المنظم. وطالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المفتش العام الجديد، خلال خطاب ألقاه في حفل تنصيبه، بالتركيز على محاربة الفساد والجريمة المنظمة.

 

ويعرف دانينو كأحد ضباط الشرطة الذين يحاربون الفساد، بسبب منصبه السابق وهو قائد وحدة التحقيقات والمباحث. وقد برز خلال حفل تنصيبه غياب رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان. وعزت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا الغياب إلى أن دانينو كان مسؤولا عن التحقيقات معه في شبهات فساد أوصى في نهايتها، عندما حول ملف التحقيق إلى النيابة العامة، بتقديم لائحة اتهام جنائية ضد الوزير تشمل تهم فساد عديدة أبرزها تلقي الرشى. وكان المستشار القانوني للحكومة يهودا فاينشتاين قد أعلن، مؤخرا، عزمه تقديم لائحة اتهام ضد ليبرمان، بعد إجراء استجواب أخير ضده، تتضمن مخالفات فساد خطيرة، لكنها لن تتضمن تلقي رشى. وبين التهم التي ستوجه إلى ليبرمان خيانة الأمانة وغسيل الأموال.

وتتفاقم قضية الفساد والجريمة المنظمة في منطقة وسط إسرائيل، وفي مدينة تل أبيب والمدن المجاورة لها تحديدا. ويشكو قادة الشرطة، إضافة إلى النقص في عدد أفراد الشرطة، من ظروف عمل أفراد الشرطة ومكانتهم في المجتمع الإسرائيلي في وقت تتصاعد فيه التحديات التي تواجهها الشرطة. ويوضح هذا الوضع القائد السابق للشرطة في منطقة تل أبيب، شاحر أيالون، الذي تم تعيينه قائدا لجهاز الإطفاء الإسرائيلي.

وقال أيالون في مقابلة صحافية أدلى بها قبل أسبوعين إنه "يوجد اليوم في الجهاز عدد كبير من أفراد الشرطة الذين يفتقرون إلى ما أسميه بالحاسة السادسة، أي غريزة الشرطي في التعرف على المخاطر والمشاكل التي يواجهها في الشارع. ويخدم ابني في سرية إغوز [إحدى وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي]، وقد قلت له أن يشجع زملاءه على الانخراط في صفوف الشرطة، إذ أن الحديث يدور على أشخاص هم ملح الأرض، لكنه سخر مني وقال إنه مع الراتب الذي يتقاضاه أفراد الشرطة لن يوافق زملاؤه على الانخراط في العمل في الشرطة [هآرتس - 29.4.2011]".

وأكد أيالون موافقته على أقوال نجله مشددا على أنه "إذا أردنا اليوم تجنيد أشخاص نوعيين فإن اللعبة اسمها شروط عمل جيدة وراتب جيد. والحل هو تجنيد أفراد شرطة حرفيين ونوعيين، تجنيد أشخاص لا يغادرون العمل في الشرطة بعد خمس سنوات بعد أن يدركوا أن الشرطي لا يمكنه إعالة عائلته، إذ لا يمكن أن يدفع الشرطي ثمن اتصالاته الهاتفية خلال قيامه بعمله. وليس معقولا أن يدفع الشرطي من جيبه أجرة سفره في الحافلة من أجل الوصول إلى مركز الشرطة للقيام بورديته. وأحيانا أرى أفراد الشرطة الشبان وأقول لنفسي إنهم ساذجون لأنه وافقوا على العمل في ظروف كهذه".

 

المنظمات الإجرامية

 

ويشير أيالون إلى القضايا التي تواجهها الشرطة في منطقة تل أبيب، وهي شبيهة بتلك التي تواجهها الشرطة في المناطق الأخرى. وأبرز هذه القضايا هي الجريمة المنظمة، التي تتصاعد باستمرار وتلائم نفسها مع التطورات الاجتماعية والسياسية والتكنولوجية، وهي مرتبطة بالفساد، أو لعلها تخلق الفساد وتشجعه، خصوصا وأن الأمر يتعلق بالمال، بل بأموال كثيرة.

في العام 2008 أقامت الشرطة في منطقة تل أبيب وحدة خاصة أطلق عليها اسم "لاهف 433" وتولت معالجة أمر غالبية المنظمات الإجرامية. وقال أيالون إن "جميع العائلات الإجرامية تنشط في تل أبيب أيضا لكونها مفترقا مركزيا". وشدد على أنه على الرغم من نجاح الشرطة في الكشف عن التنظيم الإجرامي الذي يقوده عزات حامد من يافا والتنظيم الإجرامي الذي تقوده عائلة عزرا من مدينة أور يهودا، إلا أن التنظيمات الإجرامية تمكنت من تركيز قسم كبير من نشاطها في تل أبيب والمدن المجاورة "بصورة مثيرة للقلق".

وأكد أن "المنظمات الإجرامية حاولت الدخول إلى البلديات والمجالس المحلية، وفي بعض الحالات التي تجري في منطقة تل أبيب نجحت هذه المنظمات في التغلغل إلى البلديات. وهذه المنظمات تحاول الدخول إلى مجال العقارات والمناقصات الداخلية في البلديات المختلفة. وهذا موضوع يثير قلق الشرطة وبحق، لأن الحديث يدور على وقود جديد يتم ضخه للمنظمات الإجرامية".

وأضاف أيالون أن "المنظمات الإجرامية تملك اليوم نوادي ليلية في تل أبيب والمنطقة، وتعمل في مجال جمع الحديد والزجاجات الفارغة وإعادة إنتاجها وفي تجارة الخضراوات بالجملة. وعمليا تعمل هذه المنظمات في كل مجال يسهل فيه إخفاء الدخل. ورغم أن الشرطة غير قادرة على التغلب بالكامل على الجريمة المنظمة، إلا أنها تحاول الوصول إلى هذه التنظيمات بشكل معقول. لكن هناك من يستطيع أن يملأ الفراغ مكان أية منظمة إجرامية تخرج من النشاط في مجال معين، لأن الحديث يدور على الكثير من المال".

ولفت إلى أن الشرطة تواجه في الفترة الأخيرة جبهة جديدة، وقال إن "التنظيمات الإجرامية تسيطر على المراهنات غير القانونية في شبكة الانترنت، ويوجد حولها عالم كامل من الإجرام بحجم يتسع باستمرار. وفي الماضي كانت التنظيمات الإجرامية تمتلك دور الزنى والكازينوهات، أما الآن فأصبح هناك العالم الافتراضي. وهم يعرفون دائما كيف يلائمون أنفسهم للواقع الجديد".

المهاجرون الأفارقة

 

واعتبر أيالون أن إحدى المشاكل التي تواجهها الشرطة، وخصوصا في منطقة تل أبيب، هي ظاهرة تكاثر المهاجرين الأفارقة، الذي يتسللون إلى إسرائيل عبر الحدود مع مصر. ويصل قسم كبير من هؤلاء المهاجرين، الذين يقدر عددهم بأكثر من 35 ألفا، إلى جنوب تل أبيب. وقال إنهم يشكلون "مشكلة خطيرة". وقد بادر إلى إقامة مركز للشرطة خصيصا لمواجهة المهاجرين الأفارقة.

رغم ذلك، فإن أيالون يشدد على أن جميع الأنشطة التي تمارسها الشرطة ضد المهاجرين ليست كافية، وأن الحل موجود لدى الحكومة الإسرائيلية وأن عليها اتخاذ القرارات اللازمة في هذا السياق. والجدير بالذكر أن القوانين الدولية تلزم إسرائيل بالتعامل مع المهاجرين الأفارقة، أو مع غالبيتهم على الأقل، على أنهم لاجئون، إذ أن قسما كبيرا منهم لجأوا إليها من أوطانهم التي تعاني من حروب أهلية. وتفيد التقارير الإسرائيلية أن قسما من هؤلاء الأفارقة هم مهاجرو عمل.

وقال أيالون إن "ظاهرة الأجانب يجب أن تعالج على المستوى الوطني وألا تكون مشكلة لشرطة منطقة تل أبيب، ونحن كشعب إسرائيل لا نساعد هؤلاء المهاجرين، بل نجعلهم يعيشون في أوهام وحسب، ولا يمكننا أن نقبلهم كجزء من دولة إسرائيل ولن يتم قبولهم كإسرائيليين رسميين أبدا".

وادعى أيالون أن المهاجرين الأفارقة الذين يحضرون إلى هنا يهربون من التجند للجيش في دولهم، ويأتون من أجل رفع مستوى معيشتهم في إسرائيل. ولا توجد هنا بنية تحتية قادرة على استيعابهم.

العنف

 

تعتبر قضية العنف إحدى المشاكل التي تواجهها الشرطة الإسرائيلية، وخصوصا في محيط النوادي الليلية وأماكن الترفيه المنتشرة بكثرة في تل أبيب خصوصا. وقال أيالون إنه في العام 2009 باتت أحداث العنف في أماكن الترفيه في تل أبيب تهديدا داهما على الجمهور الذي يرتاد هذه الأماكن. وفي محاولة لخفض مستوى العنف قرر أيالون في حينه نصب حواجز في المناطق التي تقع فيها أماكن الترفيه وأصدر أوامر لأفراد الشرطة بتفتيش أي شخص يتم الاشتباه بأنه يحمل سكينا أو سلاحا من أي نوع.

وقال "لقد حاربنا العنف في النوادي الليلية وأغلقنا العشرات منها التي لم تستجب للمواصفات. ولم نتسامح مع النوادي التي سمحت بدخول رواد أكثر من العدد المسموح به. وأصحاب النوادي عبروا عن غضبهم، لكننا أوضحنا لهم أن حريقا واحدا قد يحدث ويسقط فيه ضحايا سيؤدي إلى إغلاق عدد كبير من النوادي وسيلحق ضررا بدخلهم. وقد تفهموا هذا الأمر. وفي السنتين الأخيرتين لا توجد حالات قتل داخل النوادي الليلية، لأنهم أدركوا أنه إذا دخل رواد يحملون السكاكين وحدث شيء ما فإن النادي سيغلق فورا". لكن أيالون أشار إلى أنه لم يتم القضاء على العنف وإنما "الأحداث التي وقعت في السنتين الأخيرتين كانت خارج النوادي وليس بداخلها. واليوم لا يوجد ارتفاع في مستوى العنف في مناطق النوادي الليلية".

رغم انخفاض نسبة العنف بـ 50%، وفقا لأيالون، إلا أنه شدد على أن "ثمة قلقا على سلامة الجمهور" وذلك بسبب عدم حدوث ارتفاع في عدد أفراد الشرطة. وقال إنه "لا يوجد عدد كاف من أفراد الشرطة الذي يعملون في الدوريات التي تجوب الشوارع. على الجميع أن يدرك أنه لا توجد في إسرائيل مناعة ضد العنف. وببساطة علينا أن ننزل المزيد من أفراد الشرطة إلى الشوارع. ووفقا للوضع اليوم فإن هناك نقصا في عدد أفراد الشرطة بما يشكل خطرا على الجمهور. وقد تم المس بقدرة رد فعل الشرطة على الأحداث".

وقال أيالون إن عدد أفراد الشرطة في منطقة تل أبيب الذين يعملون في ثلاث ورديات هو ثلاثة آلاف "وهذا العدد غير كاف". وأوضح أن "الاعتقاد السائد هو أن منطقة تل أبيب للشرطة مسؤولة عن مدينة تل أبيب فقط، لكن الواقع هو أنها مسؤولة عن كل منطقة غوش دان [أي مدينة تل أبيب والمدن المجاورة لها]. وفي السنوات الأخيرة حدث ارتفاع كبير في حجم البناء في المنطقة، وتم بناء أحياء كاملة في مدن مثل كريات أونو ويهود وبني براك وتل أبيب وهرتسيليا. كذلك تمت إضافة أماكن ترفيه كثيرة ومتنزهات في تل أبيب. لكن رغم ذلك لم يضف حتى شرطي واحد إلى منطقة تل أبيب. عدد السكان ازداد والأماكن الإشكالية ازدادت لكن الشرطة بقيت على حالها من حيث القوى البشرية".

وإضافة إلى مهام الشرطة المعروفة فإنه خلال السنتين الماضيتين وبالتعاون مع قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي، ألقيت على أيالون مهمة تجهيز منطقة تل أبيب لمواجهة وضع تتعرض له لهجمات صاروخية. وادعى أيالون أن الشرطة في المنطقة جاهزة لمواجهة كافة السيناريوهات، وقال إن "تل أبيب دخلت في مرمى تهديد صواريخ أعدائنا. ولقد أدركنا هذا في السنوات الأخيرة. والشرطة في المنطقة تجهز نفسها منذ فترة طويلة لليوم الذي ستتحقق فيه هذه السيناريوهات. وستضطر الشرطة إلى توفير رد أولي إلى حين وصول قوات الجيش وقوات الإنقاذ الأخرى".