البروفسور يورام ميتال لـ "المشهد الإسرائيلي": السياسة المصرية إزاء إسرائيل ستكون نقدية أكثر من السابق

وثائق وتقارير

*موقف البيت الأبيض جاء انطلاقا من مصالح أميركية صرفـة*

 كتب بلال ضاهــر:

 مما لا شك فيه أنه في حال نجاح الهبة الشعبية المصرية في تغيير سلطة الرئيس المصري حسني مبارك، والأحداث تؤكد احتمال حدوث مثل هذا الأمر، وتم إقامة سلطة جديدة في مصر، فإن تأثير ذلك سينعكس على المنطقة، ولكن بشكل خاص على العلاقات المصرية - الإسرائيلية، كما يتوقع أن يؤثر على الوضع الفلسطيني.

ورغم معرفة قادة إسرائيل وسياستها لهذه الحقائق إلا أنهم اختاروا التزام الصمت المتحيز إلى جانب الرئيس المصري، حسبما يظهر من التصريحات القليلة، وخصوصا تلك التي أطلقها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس، أمس وأول من أمس.

 

وحاول قادة إسرائيل في تصريحاتهم المقتضبة جدا التغاضي عن أن الجماهير المصرية المنتفضة بغالبيتها العظمى من غير أتباع "الإسلام السياسي"، وركزوا على التخوف من استيلاء حركة "الإخوان المسلمين" على الحكم. وعبر نتنياهو وبيريس، ومعهما جوقة من المحللين السياسيين، عن تخوف إسرائيل من "قيام جمهورية إسلامية" عند حدود إسرائيل الجنوبية. كذلك اعتبر قادة إسرائيل أن غياب حكم مبارك سيزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، الذي، برأيهم، حافظ عليه مبارك من خلال حفاظه على اتفاق السلام المصري - الإسرائيلي. وفي هذا السياق عبرت إسرائيل عن استيائها البالغ من الموقف الأميركي والأوروبي المؤيد للهبة الشعبية، لدرجة أن وزارة الخارجية الإسرائيلية بعثت برسائل مستعجلة إلى الدول المركزية في العالم تطالبها بالتوقف عن تأييد المتظاهرين المصريين. ويبدو أن إسرائيل تقوم بذلك بسبب مفاجأتها من الهبة الشعبية المصرية العارمة.

وقال رئيس "مركز حاييم هرتسوغ لأبحاث الشرق الأوسط والدبلوماسية" التابع لجامعة بن غوريون في بئر السبع وأحد أبرز الباحثين الإسرائيليين في الشؤون المصرية، البروفسور يورام ميتال، لـ "المشهد الإسرائيلي" إنه "لم يتوقع أحد الثورة الشعبية التي اندلعت قبل أسبوع في مصر. وخلال عدة أيام سوف نكون في مرحلة انتقالية وحكم الرئيس حسني مبارك سوف ينتهي خلال فترة قصيرة جدا. وواضح تماما أن كل الخريطة السياسية في مصر تقف أمام تغيير دراماتيكي وشامل. وهذه بشرى جيدة للشعب المصري، وربما لشعوب أخرى أيضا، ذلك بأنه سينشأ في مصر نظام ديمقراطي يتم التعبير من خلاله عن القوى السياسية الموجودة في المجتمع المصري. والفترة التي نتواجد فيها الآن هي مرحلة انتقالية. وهذا يعني أن علينا أن نبدأ بالتفكير ’خارج العلبة’. وإذا أردنا أن نحلل ما سوف يحدث في مصر قريبا، وإذا أردنا أن لا نستخدم فقط الأدوات التي تم استخدامها خلال ثلاثين عاما من حكم حسني مبارك، فإننا أمام تغير كبير. وفي الفترة الأولى سيكون التغيير في الواقع السياسي وواقع الحكم. وهذا يعني، مثلا، أنه إذا كانت، حتى اليوم، القوة السياسية الوحيدة التي وقفت في وجه الحزب الحاكم هي الإخوان المسلمون، فإنه منذ الآن سيختفي الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم من الحلبة. وعندما يتم الحديث عن انتخابات حرة وديمقراطية فإن أحزابا قديمة وجديدة سوف تتنافس، والإخوان المسلمون سيستمرون في نشاطهم كإحدى القوى السياسية الكبرى لكنهم لن يبقوا القوة الوحيدة التي تجذب المعارضين".

(*) "المشهد الإسرائيلي": هذا يعني أنه لا يوجد أساس في الواقع للتخوفات الإسرائيلية من سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم في مصر؟

ميتال: "لا أساس للخوف من سيطرة الإخوان المسلمين على مصر. ويوجد هناك تخوفات لا تستند إلى فهم، ولو حتى بالحد الأدنى، لما يعنيه ’الإسلام السياسي’ وما هي تركيبة المجتمع المصري من الناحية السياسية. والتخوف (الإسرائيلي) مبني على تخوفات مؤلفة من أفكار مسبقة أكثر مما هي مبنية على الواقع. وواضح تماما أن الأخوان المسلمين كحركة، لديها موقف نقدي للغاية، بل حتى معاد، تجاه سياسة إسرائيل. ولدى قسم منهم سياسة معادية وتستند إلى تفسير راديكالي للشعب اليهودي عموما. ويوجد لدى قسم من الإخوان أيضا منظور سطحي ويستند إلى أفكار مسبقة. لكن مثلما يحدث لدى حركات كثيرة في العالم، فإنه إذا أصبح الإخوان المسلمون في مراكز القوة في البرلمان المصري، فإنه سيكون لهذا تأثير على التعامل مع إسرائيل. لكن أنا مثلا لا أخشى من أن النظام الجديد سيلغي اتفاق السلام مع إسرائيل بصورة أوتوماتيكية".

(*) كيف سيكون شكل هذا النظام الجديد وما هي مركباته؟

ميتال: "علينا هنا أن نأخذ بالحسبان ثلاث مؤسسات مركزية. المؤسسة الأولى هي الجيش. فالجيش هو المؤسسة الأكثر تنظيما والأقوى، وهو يمثل معظم المجتمع المصري، ويعتبر جيش الشعب وليس جيش حسني مبارك. وقد رأينا ذلك في الهبة الشعبية الحالية قياسا بقوات الشرطة والأمن. والجيش كان وسيبقى مؤسسة هامة في مصر وهو يلعب دورا هاما في الواقع المصري. لذلك فإن للجيش مسؤولية في بلورة السياسة الأمنية القومية المصرية. وفي هذا السياق فإن سياسة الأمن القومي المصري تشمل العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل أيضا. والمؤسسة الثانية هي الرئيس. والرئيس المصري يحمل صلاحيات سياسية وهو مسؤول عن السياسة العامة. والنظام الرئاسي سيستمر في مصر. والسؤال الكبير طبعا هو من سيكون الرئيس القادم، وهذا سؤال مصيري. وتوجد في هذه المرحلة شخصية بارزة واحدة في معسكر المعارضين المبادر وهي الدكتور محمد البرادعي، الذي بصورة تكاد تكون نبوئية تحدث منذ نصف عام عن أنه إذا لم يعدل مبارك الدستور ويسمح بإجراء انتخابات حقيقية، فإن ما سيحدث هو أن الشعب سينتفض ضده بهدف إسقاطه. وهذا ما يحدث. كذلك قام البرادعي خلال نصف العام الأخير بخطوة سياسية ذكية للغاية، فقد أقام الجبهة الوطنية للتغيير وفتح حوارا قاد إلى تفاهمات مع عدد من المجموعات داخل المعارضة وعلى رأسها الإخوان المسلمون. والآن بدأ يقطف الثمار. وما يحدث الآن هو أنه يظهر، سواء في الإعلام العالمي أو المصري، أنه الشخص المناسب في الوقت المناسب للتنافس على منصب الرئاسة. وصحيح أنه يوجد انتقادات ضده، وأنه لم يتواجد في مصر في اليومين الأولين للمظاهرات، لكن لا شك في أن البرادعي سيكون أحد الأشخاص البارزين المرشحين لمنصب الرئيس. وعندما ننظر إلى مواقف البرادعي وعلى توجهه نحو الديمقراطية والقيم الشمولية، التي تحظى بتأييد واسع في مصر، فإني أقول إن انتخابه لن يقود إلى فوضى وإنما إلى استقرار وحتى إلى استمرارية قسم من السياسة المصرية. والمؤسسة الثالثة، الذي ستصبح مؤسسة جديدة تماما من ناحية تأثيرها على ما يحدث في مصر، هو البرلمان. واضح أنه كان هناك برلمان في مصر، لكن كان يحكمه نظام مبارك وهذا لن يبقى. وفي تقديري أن البرلمان الجديد سيلعب دورا أساسيا داخل مجلس النواب للشعب المصري. وأنا أتوقع أن نرى داخل البرلمان، للمرة الأولى منذ عشرات السنين، نقاشات حقيقية ومراكز قوى من التيار الإسلامي والتيار الليبرالي وسنشهد تعبيرا عن الأغلبية الصامتة، التي كانت يائسة من المشاركة في العملية الانتخابية في الماضي. وعلينا أن نتذكر أنه يوجد هنا مجتمع لديه تاريخ سياسي غني ولديه الآن فرصة لإجراء حياة سياسية نشطة داخل هذا البرلمان. وستضطر هذه المؤسسات الثلاث إلى بلورة السياسة العامة لمصر وسوف يستغرق الأمر شهورا، لكني أرى هنا أملا لمصر والمجتمع المصري بتنفيذ خطوات إيجابية وربما تنطوي على رسالة هامة للشعوب الأخرى في الشرق الأوسط".

(*) كيف ستؤثر هذه التطورات في مصر على علاقتها مع إسرائيل؟

ميتال: "إن أحد أكبر الامتحانات للقيادة الجديدة في مصر سيكون موضوع السلام مع إسرائيل وطبيعة العلاقات بين الدولتين. وأعتقد أنه يتوقع أن نرى وضعا جديدا هنا، لا يتم فيه، في الأمد القصير، إلغاء اتفاقية السلام، لكن السياسة المصرية تجاه إسرائيل ستكون نقدية أكثر بكثير من السابق. ومن الناحية العملية فإني أرى أن القيادة الجديدة ستطلب فتح صفحة جديدة في العلاقات بين مصر وحركة حماس وسيكون لذلك تأثير على الجانب الإسرائيلي طبعا. وإذا أردت أن تأخذ خلاصة القول، فإن ما أقوله يعني أنني لا أرى مصر في ظل الحكم الجديد تلغي اتفاق السلام مع إسرائيل، لكني أرى فعلا أن الحكم الجديد سيكون نقديا أكثر بكثير وبما لا يقارن تجاه السياسة الإسرائيلية. وهذا يعني أنه في حال حدوث مواجهة عسكرية صعبة بين إسرائيل والفلسطينيين، لا سمح الله، وخصوصا في قطاع غزة، فإن العلاقات بين إسرائيل ومصر في وضع كهذا قد تتدهور وربما تصل إلى أزمة شديدة جدا".

(*) هل هذا يعني أن الحصار على غزة سيتوقف، وأن مصر ستفتح المعبر الحدودي بينها وبين القطاع لعبور البضائع والأفراد بشكل حر أكثر من اليوم؟

ميتال: "نعم، ولذلك أنا أشدد على أن مصدر الامتحان الكبير للعلاقات بين إسرائيل ومصر سيكون قطاع غزة. وحتى في حال عدم حدوث مواجهة بين إسرائيل وحماس فإن إسرائيل ستبقي الحصار على غزة، بينما أتوقع من الحكم الجديد في مصر أن يجري تغييرات في عمل معبر رفح بين مصر وقطاع غزة. وهذا قد يؤدي أيضا إلى حدوث توتر كبير بين إسرائيل ومصر... هذا أمر وارد. وفيما يتعلق بالعلاقة بين مصر وبين حركة فتح، فإني أعتقد أن الحكم الجديد في مصر سيعود إلى الفكرة الأساسية بأن فتح وحماس وكافة الفصائل الأخرى ملزمة بإجراء حوار والتوصل إلى اتفاق وإنهاء الانقسام الذي يخدم من يقف ضدها وحسب. وواضح تماما أن العلاقات الوثيقة بين مبارك والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وحقيقة أن كليهما ضد حماس، سوف تتغير. أي أن مصر لن تستمر في التعاون مع إسرائيل ضد حماس، وسوف تلعب مصر دورا جديدا ومختلفا داخل السياسة الفلسطينية".

(*) كيف تفسر تنازل الولايات المتحدة وتخليها عن حليفها المصري، مبارك؟

ميتال: "أعتقد أن الأزمة الكبرى هي تلك التي رأيناها في الأسبوع الأخير، وبدايتها كانت في شهر تشرين الثاني، أي قبل شهرين. فعندها أدركت الولايات المتحدة أنه تم تزوير نتائج الانتخابات البرلمانية المصرية من أجل تمهيد الطريق أمام استمرار حكم مبارك وربما أيضا توريث الحكم لنجله، جمال. وقد عارضت الولايات المتحدة هذا الأمر منذ ذلك الحين. والرئيس مبارك استخف بالأميركيين واتجه نحو تزوير الانتخابات، ومن هنا بدأنا نرى توترا كبيرا جدا حول السياسة المصرية. والنقطة الثانية، وهي لا تقل أهمية عن الأولى، هي أن الإدارة الأميركية في الأيام الثلاثة الأولى للهبة الشعبية لم تعرف كيف ستتصرف وكان هناك من اعتقد أن مبارك سوف ينجح في كسر غضب المتظاهرين. لكن منذ يوم الجمعة الماضي، اتخذت الولايات المتحدة قرارا تاريخيا، وفعلا كان هذا قرار دراماتيكي، بأن يتحول تأييدها إلى جانب المتظاهرين وعمليا فإنها أدارت ظهرها إلى حليفها منذ أكثر من ثلاثين عاما، الرئيس مبارك. وأعتقد أن الحسابات الأميركية كانت أن نظام مبارك سيسقط وأنه من الأفضل لهم أن يظهروا كمن أيدوا الهبة الشعبية وليس كمن يقفون ضد رغبة الشعب، ولذلك أصدروا البيانات المطالبة بالسماح للمتظاهرين بالتعبير عن رأيهم وعدم إطلاق النار عليهم. وجاء هذا انطلاقا من مصالح أميركية تقضي بالحفاظ على التعاون الإستراتيجي مع النظام المقبل الذي سيقوم في مصر. ويجب أن نتذكر أن مصر هي لاعب بالغ التأثير على ما يحدث في الشرق الأوسط".

(*) وهل ستستمر في هذا الدور؟

ميتال: "أعتقد أنها ستستمر في كونها دولة ذات تأثير كبير على ما يحدث في الشرق الأوسط. والأميركيون يعرفون هذا بكل تأكيد".