*ناشط يساري يهودي: علينا أن نتعلم من الشعب المصري كيف ننتفض*
كتب بلال ضاهر:
لبى قرابة ألف شخص من سكان مدينة يافا والنشطاء اليساريين اليهود النداء للمشاركة في مظاهرة تم تنظيمها في المدينة، مساء السبت الماضي، احتجاجا على إقامة بؤرة استيطانية يهودية في قلب يافا. وتعتبر المظاهرة ذروة النضال الذي يخوضه عرب يافا، مسلمين ومسيحيين على حد سواء، ضد البؤرة الاستيطانية التوراتية. وتأتي النشاطات ضد البؤرة في أعقاب تصاعد تنكيل واستفزازات المستوطنين للمواطنين العرب. وقد انضم نشطاء سلام يساريون يهود إلى المظاهرة، التي انطلقت من "مركز بيريس للسلام" في يافا. وسارت المظاهرة تحت شعار "كفى لأعمال التنكيل واستفزازات المستوطنين في يافا". وجرت المظاهرة، التي جرى العمل على تنظيمها منذ مدة، بالتزامن مع الهبة الشعبية في مصر، ولذلك رفع المتظاهرون في يافا أعلام فلسطين ومصر، وهتفوا بالشعار المركزي: "بالروح وبالدم نفديك يا يافا".
واستمزج موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني آراء عدد من المشاركين في المظاهرة. وقال الناشط اليساري اليهودي متان كامينر إن "علينا أن نتعلم من الشعب المصري كيف ننتفض، وربما بهذه الطريقة سيحقق نضالنا نجاحا". ورأى متظاهر آخر يدعى سعيد أنه "سواء في مصر أو في إسرائيل يحاولون تنفيذ القمع نفسه ضد الشعب بشكل متواصل ومنهجي. ونحن نؤيد بشكل كامل نضال الشعب المصري ضد النظام الفاسد هناك. فالألم هو نفس الألم والمعاناة هي نفس المعاناة، لدى الفلسطينيين ولدى المصريين. وفقط بالانتفاضة والهبّات بالإمكان إحداث انقلابات. ويافا مثلها مثل القاهرة بالنسبة لنا".
وندد مئات المتظاهرين الذين ساروا في شوارع يافا برئيس بلدية تل أبيب - يافا، رون خولدائي، وهتفوا بشعارات مثل "خولدائي استقل، لا نريدك بعد اليوم". وحملوا لافتات كتب فيها "رئيس البلدية يؤيد العنصرية، ها نحن نحذركم" و"لن نترك يافا للمستوطنين" و"لا للأبرتهايد" و"يافا تقول لا للعنصرية" و"خولدائي إصح، المستوطنة ستجلب أزمة". وخلال المظاهرة كانت تصل الأنباء حول الأحداث في مصر فيما هتف المشاركون فيها بالتحيات للشعب المصري.
ووصلت المظاهرة إلى شارع "أتروغ"، الذي يخطط لإقامة مساكن للمستوطنين فيه. والجدير بالذكر في هذا السياق أن أحد مظاهر العنصرية التي يواجهها أهالي يافا هي الأسماء اليهودية والعبرية للشوارع، حتى في قلب أحيائهم العربية. وحمل متظاهرون يهود يساريون صور الفتى يوسف الخليل، من سكان الضفة الغربية والذي قتل بإطلاق مستوطنين متطرفين النار عليه. وندد المتظاهرون أيضا بحدث وقع قبل أسبوعين عندما ألقى يهود متطرفون الحجارة باتجاه مسجد النزهة في يافا.
وقال عضو الكنيست دوف حنين، من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، إنه "جئنا للقول بصوت واضح لا للعنصرية ولا للاستيطان. والعدالة والمساواة ستنتصر على العنصرية والاستيطان". من جانبه رأى عضو الكنيست السابق موسي راز، من حزب ميرتس، أن "هذه مظاهرة ضد موجة العنصرية التي تغرق البلاد كلها، والموجودة في صفد واللد أيضا. والعنصرية آخذة بالتصاعد، وفي يافا يوجد استيلاء على أراض ومحاولة إبعاد السكان العرب من خلال هدم البيوت والتخطيط المنهجي الذي يمكن السكان اليهود من التوسع على حساب العرب".
وأكدت نائبة رئيس البلدية، ميطال لهافي، التي شاركت في المظاهرة على أنه "تتعالى من هنا آلام كبيرة جدا. ففي يافا ينظرون إلى المستوطنين على أنهم يأتون على حساب المجتمع العربي. يجب وقف المستوطنة والقول إن ’يافا هي مدينة تدعو إليها فقط من لديه الاستعداد بالعيش معا، يهودا وعربا’. ومن يأتي للقتال والاستفزاز لا مكان له هنا".
ولم يتمكن منظمو المظاهرة من عزل أنفسهم عما يحدث في مصر. فقد قال رئيس لجنة السكان في حي العجمي، كمال إغبارية، إن "رياحا منعشة تهب من جهة مصر، وآمل أن تصل إلى هنا. وبدلا من بناء مستوطنة هنا، يجب بناء مشاريع إسكان للأزواج الشابة. وقد وصلنا إلى وضع أصبحت العنصرية فيه أمرا مقبولا، والناس لم تعد تخجل بذلك".
مؤتمر يافا
السنوي
عقد في يافا، الأسبوع الماضي، مؤتمر يافا السنوي الذي بادر إليه "منتدى الوفاق المدني" والمركز اليهودي - العربي في يافا واللوبي من أجل العلاقات الحسنة بين اليهود والعرب في الكنيست، بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية بينها الجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب ومعاهد أبحاث ومنظمات المجتمع المدني.
وركز مؤتمر يافا هذا العام بشكل واسع على الموضوع الاقتصادي. لكن ذلك تم بالتعاون وبمسؤولية "السلطة من أجل التطوير الاقتصادي للوسط العربي والدرزي والشركسي في ديوان رئيس الحكومة". وينبغي الإشارة هنا إلى أن هذه السلطة تكاد لا تفعل شيئا لصالح تحسين الأوضاع الاقتصادية للأقلية العربية في إسرائيل، إذ تمتنع حكومات إسرائيل، الحالية والسابقة، عن دمج العرب في العمل في الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية، إلا بنسب ضئيلة وتكاد لا تذكر. كذلك فإن التقارير تؤكد أن القطاع الخاص في إسرائيل يمتنع عن تشغيل العرب. رغم ذلك فقد ركز مؤتمر يافا السنوي لهذا العام على دمج العرب في الاقتصاد الإسرائيلي، وعلى ما يبدو أن هذا التركيز جاء لامتصاص النقمة والغضب والاستياء الواسع بين العرب الذي تتعمد سلطات إسرائيل تهميشهم. كذلك تناول المؤتمر موضوع التسامح والحياة المشتركة بين العرب واليهود. وشارك في المؤتمر وزراء وأعضاء كنيست وقضاة متقاعدون وأكاديميون وخبراء اقتصاديون ورجال أعمال ومندوبون عن منظمات المجتمع المدني.
وحاول خولدائي، خلال خطابه أمام مؤتمر يافا، المساواة بين السكان الأصليين والمستوطنين، وبدا أنه غير قادر على استيعاب الضرر الكبير الذي يحدثه إدخال المستوطنين إلى يافا. لذلك فهو هاجم المستوطنين الذين يسعون إلى تهويد يافا، علما أن بلديته عملت على تهويد يافا منذ عشرات السنين، وهاجم أيضا العرب لأنهم ينظرون إلى أعمال تطوير بلدية على أنها عملية تهويد. ويشار في هذا السياق إلى أن بلدية تل أبيب تدعم وتبادر إلى طرد عائلات عربية من بيوتها، وفي بعض الأحيان تشجع عائلات عربية على الانتقال للسكن في قرى المثلث الجنوبي، مثل كفر قاسم وجلجولية، للاستيلاء على بيوتها لترميمها أو هدمها وإقامة مساكن فاخرة مكانها ليسكنها الأثرياء اليهود من تل أبيب. وذكرت تقارير إسرائيلية في الماضي أن البلدية تعتزم هدم قرابة 400 بيت عربي لتحقيق غاياتها.
وقال خولدائي أمام مؤتمر يافا إنه يرى كيف تنشأ عملية "تحريض وإثارة المشاعر ومحاولات جهات مختلفة بفرض نمط حياة وأفكار" في إشارة إلى المواطنين العرب. وفي الوقت نفسه هاجم رئيس البلدية نشطاء حركة "حباد" اليهودية الدينية المسيانية، التي يشكو سكان شمال تل أبيب من أن هؤلاء النشطاء يحاولون فرض نمط حياة ديني عليهم وعلى أولادهم.
ورأى خولدائي أنه "بإمكان المجتمع التعددي فقط أن يحتوي مجموعات يسود التوتر فيما بينها، لكن المشكلة تبدأ عندما يدخل نشطاء حباد إلى الأحياء العلمانية ويقولون: ’سوف نعيد العلمانية إلى الدين’. وكذلك عندما يشتري مستوطنون قطعة أرض هنا في يافا ويعلنون أنه ’جئنا لنهود’".
واعتبر خولدائي أن "المشكلة تكمن أيضا في قوة صوت المساجد [يقصد الآذان]. وعندما نقيم متنزها جميلا للغاية مثل ذلك الذي خلف ظهري، متنزه ’ميدرون يافو’ ويقول سياسيون محليون إنه تتم إقامته من أجل تهويد يافا، فإنه يتم بذلك إنشاء حالة تطرف".
واستطرد خولدائي في توجيه اللوم إلى المستوطنين والعرب على حد سواء، وقال إنه "لذلك نحن نقيم هنا [في المؤتمر] وجودا وليس تعايشا. وسوف نصر على هذه الأمور بصورة حازمة جدا. وأنا أقول إنه من واجبنا ومن واجب جميعنا ألا نسعى إلى إثارة الخلافات طوال الوقت وإنما إلى تحقيق الاعتدال والحوار وإيجاد الطرق لحل المشاكل". وهاجم خولدائي من زعم أنهم يحاولون تسخين الأجواء وقال إن "هناك محاولة للقول وكأنه يوجد جانب واحد مسؤول بينما الجانب الآخر هو الضحية. فالأمور ليست على هذا النحو. ونحن سوف ننجح في حل المشكلة فقط إذا تحاورنا كمتساوين".
من جهة أخرى انتقد خولدائي أولئك الذين يصفون تل أبيب بأنها مدينة مغلقة ومنعزلة عن واقع إسرائيل. وقال إنه "يوجد وهم عندما ينظر المرء إلى مجتمعنا. عندما يتحدثون عن تل أبيب - يافا يقولون ’دولة تل أبيب’ و’دولة الأغنياء’. لكن لمدينة تل أبيب - يافا توجد صورة بعيدة عن الواقع. فهذه مدينة توجد فيها الأطراف فقط. هذه المدينة التي يعيش فيها أكبر عدد من العائلات الأحادية الوالدين، والأكثر ثراء والأكثر فقرا، ونسبة الشبان هي الأعلى ونسبة المسنين هي الأعلى أيضا. ويوجد فيها [يهود] أرثوذكس وعلمانيون، ويوجد مهاجرو عمل".
ورد عضو بلدية تل أبيب وأحد منظمي المظاهرة في يافا، أحمد مشهراوي، على أقوال رئيس البلدية ومحاولته المساواة بين أهالي المدينة العرب الأصليين والمستوطنين بالقول إنه لا مكان للمقارنة بين الآذان من المساجد وبين المستوطنين الذين جاؤوا لتهويد يافا بشكل معلن. وشدد على أن "صوت المؤذن كان هنا دائما" ورغم ذلك فقد "تم خفض صوته مع مرور السنين انطلاقا من أخذ الجيران [اليهود] بالحسبان. لكن من يتعرض للمصلين في مسجد النزهة لا مكان له في يافا".
ويبدو أن سياسيين محليين يهود لا يستحسنون أداء خولدائي في هذه الناحية. وعبر عن ذلك عضو البلدية المحامي رؤوفين لاديانسكي، وهو أحد قادة النضال ضد نشاط "حباد" في أحياء "رمات أفيف" في شمال تل أبيب، والتي تعتبر رمز العلمانية في إسرائيل. وقال لاديانسكي إنه "لا يتعين على خولدائي أن يتكلم، بل عليه أن يفعل. فمنذ أكثر من عامين وحياة السكان في منطقة رمات أفيف مشوشة من جانب نشطاء حباد، وخولدائي لم يفعل شيئا ضد ذلك".