المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يتردد تعبير "حل الدولتين" على ألسنة قادة وزعماء العالم والمنظمات الدولية مرارا وتكرارا بصورة يومية. وقد تحول هذا التعبير إلى شعار ممجوج لدى كل من يتبنى ويسعى إلى إيجاد سبيل لتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينين. لكن على الرغم من الاستخدام الشائع لهذا الشعار على نطاق واسع، فإنه لا يتوفر وعي فيما يتعلق بخلفية وتطور مصطلح أو تعبير "حل الدولتين" والأبعاد العملية لتطبيقه في واقع النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.

 سنستعرض في هذه العجالة خلفية مفهوم حل الدولتين استنادا إلى عدد من الوثائق الدولية المهمة في هذا الصدد.

كما هو معلوم فإن الوثائق المركزية المهمة المتعلقة بعملية السلام، ومن ضمن ذلك قرار مجلس الأمن 242 (الذي صدر في العام 1967) وقرار 338 (الذي صدر في العام 1973)، وكذلك مجمل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في نطاق اتفاقيات أوسلو الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية خلال الفترة الواقعة بين الأعوام 1993 و 1999، لا تتطرق إلى حل الدولتين، وتبقي مسألة المكانة الدائمة للأراضي الفلسطينية (المحتلة في العام 1967)، مطروحة للمفاوضات المباشرة بين الطرفين.

في رسالته إلى رئيس حكومة إسرائيل إسحاق رابين المؤرخة في 9 أيلول 1993، تعهد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات باسم جميع الفلسطينيين بأن "جميع المسائل التي لم تجر تسويتها فيما يتعلق بالمكانة الدائمة، ستحل عن طريق المفاوضات".

وقد تضمنت رؤية رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين فيما يتعلق بمسائل التسوية الدائمة، وفقما ذكر في كلمة له أمام الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي في تشرين الأول 1995، إقامة "كيان فلسطيني يشكل وطنا لمعظم السكان الفلسطنيين الذين يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية". وأشار إلى أن هذا الكيان سيكون "أقل من دولة، وسوف يتولى إدارة حياة الفلسطينيين تحت مسؤوليته".

كما أن خطة مبادئ الرئيس الأميركي بيل كلينتون (في العام 2000) تطرقت إلى فكرة "حل الدولتين" وسط استخدام تعبير "دولة فلسطينية منزوعة السلاح"، ذات سيادة محدودة، تكون "وطنا للشعب الفلسطيني"، وذلك إلى جانب ذِكر دولة إسرائيل كـ"وطن للشعب اليهودي". وكما هو معروف فإن خطة المبادئ هذه لم تطبق من جانب الطرفين.

في التوطئة للقرار رقم 1397 الذي صدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 2002، جرى التأكيد على الحاجة إلى ضمان حدود آمنة ومعترف بها، وهو ما سبق أن ورد في قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في العام 1967.

وقد افترض مجلس الأمن الدولي في سياق تطرقه إلى "رؤية منطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب في حدود آمنة ومعترف بها"، بأن مسألة الحدود يجب أن تبقى موضوعا مطروحا للمفاوضات وأن خطوط العام 1967 لا تعتبر بمكانة حدود دولية.
من جهته عرض الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، في العام 2002، رؤيته القائمة على "دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمن"، مؤكدا في الوقت ذاته على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية بمحاربة الإرهاب وبلورة زعامة فلسطينية جديدة مختلفة.

في العام 2003 بلورت "اللجنة الرباعية الدولية" (التي ضمت كلا من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) خطة لتسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني عرفت بـ "خريطة الطريق" من خلال حل دائم يقوم على أساس دولتين لشعبين. وقد تحدثت هذه الخطة عن "دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية قابلة للحياة" تعيش بسلام وأمن مع إسرائيل والدول الأخرى المجاورة لها، وذلك "داخل حدود مؤقتة مع رموز سيادة". كذلك تحدثت خطة "خريطة الطريق" حول وجوب أن تُدار هذه الدولة الفلسطينية وفق نظام ديمقراطي يرتكز على مبادئ الحرية والتسامح، وأن تضع حدا لكل أعمال العنف والتحريض. كما أكدت "خريطة الطريق" على ضرورة التوصل إلى حل متفق عليه لمسألة مكانة مدينة القدس، واشترطت في الوقت ذاته موافقة الدول العربية على إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.

وقد شددت إسرائيل من جهتها، لدى موافقتها على خطة "خريطة الطريق"، على وجوب أن تكون الدولة الفلسطينية ذات حدود مؤقتة وجوانب معينة من السيادة، وأن تكون منزوعة تماما من الأسلحة والقوات العسكرية، بحيث تحتفظ بجهاز للشرطة وقوات للأمن الداخلي فقط، على أن تكون هذه القوات ذات تسليح محدود ومقلص، وأن لا تتمتع هذه الدولة بصلاحية إقامة أحلاف دفاعية وتعاون عسكري، وأن تواصل إسرائيل تولي إدارة حركة دخول وخروج الأفراد والبضائع في المعابر الحدودية، وكذلك المجال الجوي والمجال الإلكترومغناطيسي.

في الرسالة التي وجهها الرئيس الأميركي جورج بوش في نيسان من العام 2004 إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون، عاد الرئيس بوش وأكد على رؤيته لحل الدولتين، مشيرا إلى أن المفاوضات بين الطرفين يجب أن تؤدي إلى التفاهم حول مسألة "الحدود الآمنة والمعترف بها" وذلك دون العودة إلى خطوط وقف إطلاق النار (الهدنة) من العام 1949.

في الخطاب الذي ألقاه في جامعة بار إيلان في تل أبيب عام 2009، جدد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تمسكه بفكرة حل "دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في إطارعلاقات صداقة واحترام متبادلة، وأن يكون لكل دولة منهما علم ونشيد وحكومة خاصة، دون أن توجه أو تشكل إحداهما تهديدا لأمن أو بقاء الدولة الأخرى".

وأضاف نتنياهو أن رؤيته تتضمن الأسس والمبادئ التالية:
• اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية (والسلطة الفلسطينية) بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي؛
• أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ومن ضمن ذلك حظر استيراد الصواريخ والقذائف الصاروخية؛ عدم الاحتفاظ بجيش أو عقد تحالفات مع عناصر وجهات إرهابية؛ بالإضافة إلى إتخاذ خطوات حقيقية لمنع تهريب الأسلحة إلى داخل مناطق هذه الدولة؛
• حل مشكلة (قضية) اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود دولة إسرائيل؛
• فرض قيود على استخدام (الدولة الفلسطينية) للمجال الجوي.

استنتاجات

من الواضح أن جميع القرارات والوثائق والصيغ الدولية التي تطرقت بصورة جوهرية إلى حل الدولتين، ترتكزعلى فرضيات أساس تطورت على مر السنوات وتعترف بواقع النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.

ويمكن استنادا إلى هذا المسار التاريخي تلخيص المعنى الحقيقي لتعبير أو مفهوم "حل الدولتين" على النحو الآتي:
• أن يكون قيام الدولة الفلسطينية نتيجة لمفاوضات مباشرة بين قيادة فلسطينية موحدة وبين إسرائيل، وأن تُحل القضايا والمواضيع المركزية، ومن ضمن ذلك مسائل الحدود والقدس واللاجئين، عن طريق المفاوضات فقط، وليس عن طريق قرارات صادرة عن الهيئات التابعة للأمم المتحدة أو أية جهات أخرى؛
• أن تكون الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية نتيجة لمفاوضات مباشرة بين الدولتين، وأن لا تكون هذه الحدود قائمة على أساس خطوط الهدنة من العام 1949؛
• من الواضح أنه لا مفر من وجود قيادة فلسطينية موحدة تمثل عموم الشعب الفلسطيني، وأن تكون هذه القيادة قادرة على تقديم التعهدات وتنفيذها، وهو وضع غير متوفر حاليا؛
• يجب أن تعترف الدولة الفلسطينية بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وأن تعترف إسرائيل في الوقت ذاته بالدولة الفلسطينية كدولة قومية للشعب الفلسطيني؛
• يجب أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ومقيدة في قدراتها العسكرية والأمنية وكذلك فيما يتعلق برموز السيادة الأُخرى؛
• يجب أن تستند الدولة الفلسطينية على مبادئ الديمقراطية والحرية والحكم السليم، وهي ملزمة بمنع أعمال الإرهاب والتحريض؛
• من الواضح للمجتمع الدولي أن إسرائيل لن تُسلّم بقيام أو وجود دولة فلسطينية غير مستقرة سياسيا واقتصاديا، أو أن تكون أداة تتلاعب بها جهات وعناصر إرهابية، بحيث تُشكل تهديدا لإسرائيل؛
• استنادا للتجربة المبنية على الاتفاقيات القائمة، فإن أية تسوية دائمة تتطلب ضمانات سياسية وأمنية وقانونية قوية، تكفل عدم قيام الدولة الفلسطينية بإساءة استخدام حقوقها السيادية ومكانتها الدولية من أجل خرق أو انتهاك الاتفاقيات الموقعة.
______________________________________

(*) سفير إسرائيلي سابق يتولى حاليا منصب مدير معهد الدبلوماسية العامة في "المركز المقدسي للشؤون العامة والدولة"، وقد أشغل منصب المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية ومساعد المدير العام للوزارة، كما أشغل منصب سفير إسرائيل لدى كندا ومثلها في العديد من المؤتمرات الدولية، وكان مستشارا وعضوا في وفود المفاوضات الإسرائيلية. هذا المقال ظهر أخيرًا في موقع "المركز المقدسي". ترجمـة خاصـة.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, الكنيست, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات