المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تنشغل الحلبة السياسية الإسرائيلية ووسائل الإعلام معها بأسماء عدد من السياسيين العائدين إلى الحلبة السياسية، أو الشخصيات الجديدة وفي غالبيتها من قادة الأجهزة العسكرية والأمنية، الذين يطلقون إشارات حول نيتهم خوض الانتخابات المقبلة، إما مباشرة أو من خلال دعم أحزاب قائمة. ولكن خلافا لما شهدناه في عدد من الجولات الانتخابية السابقة، التي برز فيها لاعبون جدد وحصلوا على نتائج جدية، فإن فرص العائدين والجدد لا تبدو كبيرة في الانتخابات المقبلة، رغم أنها باتت أبعد مما كان يبدو حتى قبل أسابيع قليلة.

 

ومن أبرز الأسماء، وزير االدفاع السابق موشيه يعلون، الذي أقصاه بنيامين نتنياهو عن منصبه لصالح أفيغدور ليبرمان. وقد أعلن يعلون عن تشكيل حزب جديد. وهناك الوزير الأسبق غدعون ساعر، الذي انسحب من الحياة السياسية قبل عامين ونصف العام، وأعلن مؤخرا استئناف نشاطه في حزب "الليكود". ومن الأسماء الجديدة المطروحة، رئيسا أركان الجيش السابقان غابي أشكنازي وبيني غانتس. وليس واضحا حتى الآن ما إذا سيخوض الانتخابات أيضا الوزير الأسبق حاييم رامون، الذي أقام مع عسكريين وسياسيين سابقين حركة أسماها "الحركة من أجل انقاذ القدس اليهودية".

ونعرض في ما يلي الفرص القائمة لأبرز هذه الشخصيات:

يعلون وحزبه الجديد

غادر يعلون الحكومة غاضبا، وحسب ما نشر في حينه فإنه رفض تولي حقيبة أخرى عدا حقيبة الدفاع، ولكن هذا ليس مؤكدا. ومن الواضح أنه لا يوجد خلاف سياسي جوهري بين يعلون وحزب الليكود ورئيسه نتنياهو. لا بل إن يعلون يُعد من الجناح الأشد تطرفا في الساحة السياسية. وهذا ما يفرض قيودا أكثر على تحقيق مكاسب انتخابية، لأنه سينافس في حلبة مكتظة، يسيطر عليها الليكود، وتحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، والحركات المنبثقة عن حركة "كاخ" الارهابية، المحظورة صوريا في إسرائيل.

وقد أسس يعلون حزبا جديدا، كما يبدو من باب المعرفة المسبقة أنه لا يمكنه الانخراط في الأحزاب القائمة. ولكن فرص هذا الحزب باتت ضعيفة وفق استطلاعات الرأي الأخيرة. فحينما غادر يعلون صفوف الحكومة، كانت تمنحه استطلاعات الرأي من 8 إلى 11 مقعدا، إن كان على رأس حزب جديد او تحالف مع وزير المالية موشيه كحلون، أو انضمت له شخصيات أخرى.

أما استطلاعات الشهر الأخير فقد منحته من 6 مقاعد، وحتى 4 مقاعد، في حين أن المقاعد الأربعة تعني أنه يصارع نسبة الحسم 25ر3%. وفي حال استمرت هذه النتيجة، فسيكون أمام يعلون ثلاثة خيارات: إما الانسحاب من المنافسة، أو البحث عن معسكر أوسع يضم شخصيات، أو أن ينضم لحزب قائم، رغم ضعف الخيار الأخير. في حين أن توسيع المعسكر فيه أيضا اشكالية، إذ مشكوك فيه أن يقبل "نجوم" جدد الانضمام إلى حزب يقوده يعلون، المعروف بشخصيته المتصلبة.

غدعون ساعر

أعلن غدعون ساعر استئناف نشاطه في حزب الليكود، في أوج الضجة حول الاتفاق بين نتنياهو، ووزير المالية موشيه كحلون، حول سلطة البث الجديدة. وبضمن هذا الاتفاق سحب قسم الأخبار والبرامج الاخبارية والسياسية من سلطة البث الجديدة، واقامة سلطة جديدة خاصة بها. وفي خضم ذلك النشر، قالت سلسلة من التقارير الاخبارية، إن القشة التي قصمت ظهر الجمل لدى نتنياهو، حينما علم أن سلطة البث الجديدة تعاقدت مع زوجة ساعر، الاعلامية البارزة غيئولا إيفين، لتقديم نشرة الأخبار المركزية.

ولم يعد بالإمكان الاستهتار بهذه الأمور الشخصية، أو التقليل من شأنها، بعد أن اعترف نتنياهو قبل بضعة أشهر، بأنه قرر حل الحكومة السابقة، بعد عامين على الانتخابات، لمنع سن قانون كان من شأنه أن يوجه ضربة قاصمة لصحيفة "يسرائيل هيوم" المناصرة له بالمطلق، إلى جانب أن أعضاء كنيست بارزين في محيط نتنياهو يتذمرون علنا من اسماء الصحافيين والإعلاميين الذين سيعملون في سلطة البث الجديدة، وتتم مهاجمتهم على خلفية توجهات سياسية.

ومن المؤكد أن عودة ساعر إلى النشاط السياسي هي إشارة لعزمه خوض الانتخابات المقبلة، وهذا قرار لم يكن نتنياهو يريد سماعه، إذ أنه يحارب كل مرشح لمنافسته على زعامة الليكود. وقد تؤدي عودة ساعر إلى النشاط في الليكود، بحسب اعلانه، إلى تعزيز الفرص لخلق معسكر مناهض ضد نتنياهو في داخل الليكود، بعد أن صفى نتنياهو على مدى السنوات كافة معارضيه أو منافسيه في الحزب، حتى بات الزعيم الأوحد. ولذا ليس من المستبعد أن يحارب نتنياهو عودة ساعر إلى الليكود، ويسعى إلى دحره إلى أماكن متأخرة في صفوف الحزب، إلا أن ساعر مدعوم من تيار المستوطنين المتطرف في الحزب.

وأحد الأمور البارزة التي سيصطدم بها ساعر في الفترة المقبلة في الليكود أنه خلافا لفترات سابقة لن يجد أسماء بارزة تؤازره، في حال قرر منافسة نتنياهو، أو أن يشكل معسكرا نديا له. فحينما شكّل نتنياهو حكومته الحالية، وجد غلعاد إردان نفسه مهمشا في توزيعة الحقائب، فقرر عدم الدخول إلى الحكومة لفترة استمرت ثلاثة أسابيع، وخلالها دأب إردان على الظهور في أكثر من مناسبة إلى جانب ساعر، ما أوحى بخلق معسكر جديد ضد نتنياهو داخل الليكود. ولكن سرعان ما تمت تسوية الأمور وعاد إردان إلى الحكومة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا سيقرر ساعر منافسة نتنياهو على رئاسة الحزب في الانتخابات المفترضة؟. فمنافسة كهذه نتيجتها واضحة لصالح نتنياهو. إلا أنه في حسابات ساعر ضمان موطئ قدم في زعامة الليكود، تحسبا للمرحلة المقبلة. وقد تكون في حسابات ساعر تطور التحقيقات في شبهات الفساد ضد نتنياهو، إلى درجة تلزمه بمغادرة منصبه والحلبة السياسية.

وبموجب ما هو قائم، من المستبعد أن "يخاطر" أي من الوزراء أو النواب في الوقوف ضد نتنياهو، لأنه سيجد نفسه فورا على قوائم التصفية التي سيعدها نتنياهو تمهيدا للانتخابات المقبلة بعد أن أحكم نتنياهو قبضته على الحزب كليا. كذلك فإن ساعر لن يكون المنافس على زعامة الليكود، في حال اضطر نتنياهو لمغادرتها، فقد يطرح وزير المواصلات يسرائيل كاتس نفسه مجددا، وهو أيضا شخصية لا يستطيع ساعر الاستهانة بها.

الجنرالات الجدد

معروف عن الأحزاب الإسرائيلية، خاصة الكبرى منها، أنها سعت طيلة الوقت لضمان أماكن متقدمة لجنرالات بارزين، خلعوا البزة العسكرية، وحتى رؤساء أركان، من أجل طمأنة جمهور المصوتين على سلامة القرار العسكري، في مجتمع يتميز بأجواء العسكرة. وخلال السنوات الـ 69 الماضية، تولى رئيسا أركان رئاسة الحكومة، إسحاق رابين وإيهود باراك، وكلاهما رئيسان لحزب "العمل". كما أن رؤساء أركان بارزين تولوا حقائب وزراية بارزة وهم يغئال يادين وموشيه دايان وحاييم بار ليف وموطي غور ورفائيل ايتان وأمنون لبيكين شاحك وشاؤول موفاز وموشيه يعلون السابق ذكره.

والآن يجري الحديث عن رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، الذي برز في مواقف مناهضة لسياسات ونهج بنيامين نتنياهو، وخلفه بيني غانتس، الذي حسب التقارير فإن مواقفه قريبة من مواقف أشكنازي. وهذا هو ضمن مجموعة قادة عسكريين وأمنيين أكثروا في السنوات الأخيرة من توجيه الانتقادات لنهج نتنياهو، وفي أحيان ليست قليلة انتقاد لسياسته. وبضمنهم رئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" الاسبق يوفال ديسكين، ورئيس الموساد الأسبق مئير دغان، الذي مات قبل اكثر من عام. وانضم لهم في الاسابيع الأخيرة رئيس الموساد السابق تامير باردو، الذي يقل في المجاهرة عن المواقف والتقييمات السياسية.

وفي حال قرر أشكنازي وغانتس أو واحد منهما خوض السياسة فعلا، فإن الاحتمال الأكبر أن يقررا الانخراط في واحد من الأحزاب القائمة، وبالذات تلك التي لها فرص تحقيق نتائج متقدمة في الانتخابات، مثل حزب "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لبيد. أو لربما يقرر أحدهما الانضمام إلى حزب "العمل" سعيا لإنقاذه من الانهيار المفترض بحسب استطلاعات الرأي.

حاييم رامون

أقام حاييم رامون مع عدد من العسكريين والسياسيين السابقين، قبل أكثر من عام حركة جديدة، أسماها "الحركة لإنقاذ القدس اليهودية". وفي صلب برنامجها فصل 28 حيا من أحياء القدس المحتلة عن مركز مدينتهم، ما يعني سلخ 200 ألف مقدسي عن مدينتهم، بهدف تهويد القدس.

وحاييم رامون هو أحد أبرز وزراء حزب "العمل" في سنوات التسعين وسنوات الألفين الأولى، قبل أن ينشق ويتجه إلى حزب "كديما"، وكان من أبرز الشخصيات التي دفعت في حكومة اريئيل شارون لبناء جدار الاحتلال على أراضي الضفة. واعتزل السياسة قبل بضع سنوات. ويشاركه في الحركة جنرالات احتياط بارزون، من بينهم عامي أيالون، وعدد من كبار قادة الشرطة السابقين، ووزراء ونواب سابقون مثل مئير شطريت وحجاي مروم وغيرهما.
وجاء في بيان التأسيس: إن "الحركة لانقاذ القدس اليهودية تشكلت بهدف العمل من أجل القدس اليهودية من خلال قطع 28 قرية فلسطينية ضمت إلى المدينة بعد حرب الايام الستة (عدوان حزيران)، القرى التي لم تكن في أي يوم من الايام ضمن القدس مثل مخيم شعفاط للاجئين، جبل المكبر، سور باهر وغيرها". ويضيف المؤسسون، أن هذه الخطوة ستعزز "يهودية القدس"، بعد فصل 200 ألف فلسطيني عن مدينتهم، وستعيد للمدينة ما أسموه "الأمن"، وأن الخزينة الإسرائيلية ستتحرر من "عبء موازنة" يتراوح ما بين 500 مليون إلى 750 مليون دولار، هي ضمانات اجتماعية وصحية عمن سيتم فصلهم عن المدينة.

وحتى الآن، لم يعلن رامون عن عزمه خوض الانتخابات من خلال هذه الحركة، ويكتفي بحراك سياسي لدفع مشروعه إلى الأمام. ولكن التجربة علمت أن رامون من الأسماء التي تتحين الفرص، ولهذا فإنه سيفحص بدقة احتمالات هذه الحركة في ما لو خاضت الانتخابات. وحسب المعادلات القائمة، اضافة إلى خلفية رامون، فإن فرصه في تحقيق انجاز من خلال حركة يرأسها ستبقى ضعيفة.

المشهد الانتخابي المتوقع

بموجب ما هو قائم، فإن الانتخابات المقبلة، أيا يكن موعدها، ستكون بمشاركة "اللاعبين" الحاليين، من أحزاب وتحالفات انتخابية، أو من أسماء سياسية بارزة، وكل جديد سيكون هامشيا. وهذا خلافا لكل الانتخابات التي جرت، على الاقل في العقود الثلاثة الأخيرة، التي دخل في كل واحد منها حزب جديد أو أكثر، نجح في قلب معادلات واصطفافات، انعكست هي أيضا على شكل الحكم.

واستنادا إلى استطلاعات الرأي، التي تظهر بنتائج متشابهة في الاسابيع الأخيرة، فإن المتغير في الانتخابات سيكون اعادة توزيع المقاعد في المعسكرات القائمة، بمعنى معسكر الائتلاف الحاكم، ومعسكر المعارضة الحالية. ويبدو أن كل تمدد لحزب ما سيكون على حساب تراجع حزب من ذات المعسكر. وهذا يعني أن كل انتخابات مقبلة، ستفرز على الأغلب حكومة جديدة برئاسة حزب الليكود، وربما على الأغلب برئاسة نتنياهو أيضا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات