المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
محطة تكرير لصالح الري الزراعي في إسرائيل. (صحف)

يتناول التقرير السنوي لمراقب الدولة الإسرائيلية قضية التلويث وتهديد الصحة العامة من جانب استخدام المياه العادمة التي تتم معالجتها وتنقيتها لاستخدامها في الري الزراعي. حيث يتم سنويا في إسرائيل، تصريف ما يقرب من 600 مليون متر مكعب من المياه العادمة في نظام الصرف الصحي، حيث تتم معالجة معظمها في مرافق تطهير المياه العادمة، ويحوَّل أكثر من 80% منها إلى الري الزراعي بواسطة منشآت استعادة المياه العادمة. حيث أن استخدامها يحل مشكلة التخلص منها ويساهم بالتالي في الحفاظ على جودة البيئة وجودة مصادر المياه الطبيعية. هذه المنشآت تتزوّد بالمياه من مرافق تطهير المياه العادمة وتشكل نظام النقل الذي ينقل تلك المياه من المنتجين (مرافق التطهير) إلى المستهلكين (المزارعين).

وتتوزع الصلاحيات في قطاع الصرف الصحي بين عدة جهات، من بينها سلطة المياه ووزارة الصحة ووزارة حماية البيئة. يتم تنظيم التعامل مع هذه القضية من خلال قوانين وأنظمة مختلفة، بما في ذلك قانون المياه، 1959، وأنظمة الصحة العامة (معايير جودة المياه العادمة وقواعد معالجة المياه العادمة، 2010). ويشير التقرير إلى أن تطوير البنية التحتية للنقل وتحسين جودة المياه العادمة سيمكن من استخدامها بالشكل الأمثل وتقليل المخاطر البيئية والصحية الكامنة في استخدامها.

يتضح من فحص مكتب المراقب أن 40 من أكبر مرافق تطهير المياه العادمة الـ 87 (أي 46% منها) لم تقم بتطهير يصل المستوى "الثلاثي" الذي يسمح بالري للأغراض الزراعية دون قيود على نوع المحصول المروي. ووفرّت هذه المرافق حوالى 34% من إجمالي كمية المياه العادمة التي تمت تنقيتها في العام 2021. هناك 30 مرفق تطهير وفرت مياهاً نقية بمستوى يسمح بالري ضمن قيود على نوع المحاصيل الزراعية المروية. والعشر مرافق المتبقية كانت المياه الناتجة فيها ذات مستوى أقلّ.

هذا الوضع قائم على الرغم من أن الأنظمة نصّت منذ العام 2015 على أن كبريات مرافق تطهير المياه العادمة يجب أن تنقيها بمستوى ثلاثي. حيث أن استخدام المياه العادمة التي لا تلبي المعايير التي حددتها الأنظمة قد يعرّض صحة الجمهور للخطر. وقد تتسرب إلى المياه الجوفية وتلوثها، كما قد تلوث التربة والجداول ومياه البحر.

اتجاه متصاعد لكمية المياه العادمة التي يتم تصريفها في البيئة

يقدم التقرير مقارنة بين جودة المياه العادمة التي تمت تنقيتها في إسرائيل ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، حيث أن إسرائيل تعتبر رائدة في العالم من حيث مدى استخدام المياه العادمة للري الزراعي، وهي تستعيد أكثر من 80% منها للري الزراعي، بينما الدولة الثانية بعدها هي إسبانيا التي تستخدم حوالى 30% من مياهها السائلة للري الزراعي. ولكن على الرغم من هذا فإن حجم التنقية الثلاثية للمياه العادمة في العام 2020 صغير مقارنة بدول المنظمة (حوالى 56% في العام 2020). في 12 من بين 19 دولة فحصها التقرير كانت نسبة المياه العادمة التي تمت تنقيتها للمستوى الثالث أكبر مما كانت عليه في إسرائيل.

إن المياه العادمة الزائدة التي لم يتم تنقيتها كما هو مطلوب بموجب الأنظمة أو المياه العادمة الخام التي يتم التخلص منها نحوالبيئة قد تلوث أودية وجداول المياه وتشكل خطراً بيئياً وصحياً. ومما يورده التقرير: في الأعوام 2010 - 2016، كان هناك اتجاه تنازلي في حجم المياه العادمة التي يتم تصريفها في البيئة. مع ذلك، منذ العام 2016، هناك اتجاه متصاعد في كمية المياه العادمة التي يتم تصريفها في البيئة نسبتها من إجمالي النفايات السائلة في العام 2020 أكبر مما كانت عليه كان ذلك في العام 2010. ففي العام 2020 كانت الكمية أكبر بنسبة 72% منها في العام 2010. تبيّن أيضاً أن جودة حوالى 88% من المياه العادمة التي تم تصريفها في العام 2020 إلى البيئة لا تتوافق مع الجودة المنصوص عليها في أنظمة الجودة بخصوص التصريف للأودية.

هناك مناطق ذات حساسية هيدرولوجية (متعلقة بنوعية الماء) عالية، نظراً لخطر تلويث التربة والمياه الجوفية، ويقول التقرير إنه من المهم جداً تنفيذ الإرشادات المتعلقة بالري بواسطة المياه العادمة. وينطبق هذا بشكل خاص على المناطق ذات الحساسية المتوسطة والحساسية العالية، حيث يكون احتمال تسرب التلوث إلى المياه الجوفية كبيراً. وفقاً للمعطيات، فإنه اعتباراً من العام 2018، تم استخدام 9% من المياه العادمة للري في مناطق ذات حساسية العالية، مثلا في منطقة السهل الساحلي الجنوبي ومنطقة الجليل الأعلى ومنطقة غرب بحيرة طبريا.

مقاضاة ضئيلة جداً على الأعطال المسببة للتلويث

وفقاً لفحص أجرته سلطة المياه بناءً على بيانات مسح المياه العادمة للعام 2016، فإن 100% من المياه العادمة المستخدمة للري في المناطق ذات الحساسية الهيدرولوجية العالية لا تلبي متطلبات الجودة. وحوالى 32% من المياه العادمة المستخدمة للري في المناطق ذات الحساسية المتوسطة لا تلبي متطلبات الجودة. كذلك فما بين 18% إلى 42% من منشآت تطهير المياه في العام 2021 تمت مخالفة واحدة على الأقل من القيم المستهدفة التي حددتها أنظمة الجودة. وتم تسجيل مخالفات في نوعية المياه العادمة في السنوات السابقة أيضا، ومن خلال فحص عينة أجراه مكتب مراقب الدولة بخصوص 30 منشأة، تبين أن 24 منها (80%) لديها موقع على شبكة الإنترنت أما بالنسبة للمصانع الـ 24 التي لديها موقع إلكتروني، فقد أبلغت 16 منها (حوالى 67%) على موقعها الإلكتروني عن جودة المياه العادمة في الخزانات التي تمتلكها، ولم يتم العثور على مثل هذه البيانات على الموقع الإلكتروني للمصانع الـ 8 الأخرى (حوالى 33%). 6 من المصانع الـ 30 التي شملتها العينة (20%) ليس لديها موقع على شبكة الإنترنت، ونتيجة لذلك، لا يتم الإبلاغ عن مخالفة الأنظمة بشكل كامل للجمهور.

وجد التقرير وقوع أعطال في أنظمة الصرف الصحي واستعادة المياه للاستخدام، فهناك زيادة بنحو 135% في عدد الأعطال في شبكات الصرف الصحي والمياه العادمة المبلغ عنها لمركز البيئة من العام 2017 إلى العام 2022 (من 657 عطلاً في العام 2017 إلى 1544 عطلاً في العام 2022). ومع ذلك، فإن معدل إخطارات الغرامات التي تشكل أحكاماً قضائية بشأن تدفق المياه العادمة إلى البيئة يبلغ حوالى 4% إلى 5% من إجمالي عدد حالات الفشل المسجلة كل عام. على سبيل المثال، في العام 2021، أرسلت هيئة الطبيعة والمتنزهات 60 إشعاراً بغرامات فقط، وهذا من أصل 1422 عطلاً.

ونوّه مكتب مراقب الدولة إلى أنه وضع نموذجاً عشوائياً لـ 150 عطلاً تم الإبلاغ عنها إلى مركز البيئة في العام 2022 (حوالى 10% من إجمالي الأعطال المتعلقة بالمياه العادمة التي تم الإبلاغ عنها إلى مركز البيئة في ذلك العام)، ووجد أنه لم يتم الإبلاغ عن أي عطل فعلياً للجمهور في الوقت.

وُجدت أدلة على وجود ملوثات ناتجة عن الأدوية

في الدراسات التي أجريت في إسرائيل، وُجدت أدلة على وجود ملوثات ناتجة عن الأدوية. وقد وجدت هذه الملوثات في المنتجات الصناعية والزراعية والمحاصيل الزراعية المروية بالمياه العادمة، وخاصة في الفواكه والخضروات. وقد تم العثور على أدلة على تركيزات منخفضة من هذه الملوثات بين البشر الذين استهلكوا المنتجات الزراعية المروية بالمياه العادمة. على الرغم من أن الباحثين يقدرون أنه لا توجد مخاطر صحية من استهلاك هذا المنتج، حيث أن تركيز الملوثات الموجودة كان ضئيلا، إلا أن وزارة الصحة لم تقم بإجراء تقييم شامل لمخاطر آثار الملوثات الدقيقة على الصحة العامة، وذلك على الرغم من الري المكثف للمحاصيل الزراعية بالمياه العادمة.

ومن الجدير بالانتباه أن معظم المياه العادمة في المناطق الفلسطينية المحتلة العام 1967 – البيتية منها والصناعية - لا تخضع لمعالجة كافية لإزالة الملوثات، ويتم تصريفها في الجداول أو خزانات الصرف الصحي. فحوالى 68% من المياه العادمة المنتجة العام 2022، تم تصريفها في مجاري المياه والبيئة دون معالجة على الإطلاق. وتظهر وثائق سلطة المياه من كانون الأول 2021 أن المياه العادمة من مدن نابلس وطولكرم وقلقيلية، من بلدة بيت جالا، من غرب بيت لحم، والمياه العادمة من جزء من قطاع غزة تتم معالجتها في مرافق في إسرائيل ويتم تصريفها كنفايات سائلة للري الزراعي في إسرائيل، كما يظهر من جدول المياه. وتقول سلطة المياه الإسرائيلية إن "المياه العادمة من مدن الخليل وحلحول وجنين تتدفق في مجاري في أراضي السلطة الفلسطينية، عابرة الجدار الفاصل وتتدفق في مجارٍ إسرائيلية، ويتم معالجة جزء من هذه المياه العادمة في إسرائيل للري الزراعي". ويشدد المراقب على أن تدفق المياه العادمة غير المعالجة بالمرة والمياه العادمة التي لا تتم معالجتها بشكل صحيح، يسبب تلوثاً خطيراً لمياه الينابيع. وقد يتسرّب هذا التلوث في طبقات المياه الجوفية ويلوثها ويؤثر على جودة مياه الشرب.

يؤكد المراقب في توصياته على أنه يجب على سلطة المياه استكمال الفحص في ما يتعلق بجميع منشآت التطهير الفرعية ووضع خطة تفصيلية بالتعاون مع سلطات التخطيط والمياه مع تقديم وجهة نظر استشرافية. ويوصى أن تتضمن مثل هذه الخطة الأولويات، والخطوط العريضة لتوسيع المحطات الفرعية في الأماكن المطلوبة والارتقاء بها إلى مستوى التطهير الثالث، وكذلك وضع جداول زمنية تفصيلية لتنفيذ كل ذلك لكل محطة فرعية، كما يجب على سلطة المياه مراقبة تنفيذ خططها بشكل مستمر.

يجب إنفاذ أنظمة جودة المياه العادمة ورفع مستوى محطات معالجتها

نظرا للزيادة المتوقعة في فائض المياه العادمة وفي إنتاج المياه العادمة بسبب زيادة عدد السكان وزيادة استهلاك المياه، ونظرا لعدم وجود حلول في ما يتعلق باستخدام كامل كمية المياه العادمة، الأمر الذي قد يؤدي للتخلص منها في البيئة والأودية - يوصى بأن تقدم سلطة المياه ووزارة البيئة الحلول المختلفة معاً لتوسيع استخدام المياه العادمة، بحيث يتم خفض تصريف المياه العادمة إلى الأودية.

يوجز التقرير بأنه في العقود الأخيرة، شهدت إسرائيل زيادة في كمية المياه العادمة المعالجة والمستخدمة في الري الزراعي واستخدامات أخرى. ويرجع ذلك، من بين أمور أخرى، إلى الزيادة السكانية وزيادة استهلاك المياه الناجمة عنها، مما يزيد من كمية المياه العادمة المنتجة. وتظهر النتائج المفصلة في هذا التقرير أن معظم المياه العادمة تتم معالجتها في محطات معالجة المياه العادمة التي وصلت إلى الحد الأقصى من قدرتها على المعالجة، كما أن حوالى ثلث كمية المياه العادمة المنتجة لا تستوفي ضوابط الجودة المطلوبة، وهذه المياه العادمة تستخدم للري في المناطق الحساسة وتشكل خطراً محتملاً على البيئة والصحة العامة.

ويضيف أن الاستخدام المتزايد للمياه العادمة لأغراض الري الزراعي يتطلب الالتزام الصارم بجودتها، وتشديد الرقابة على عمليات معالجة واستخدام هذه المياه. يجب على سلطة المياه ووزارة الصحة ووزارة حماية البيئة العمل معاً من أجل التنفيذ الكامل لأنظمة جودة المياه العادمة ورفع مستوى جميع محطات معالجة المياه إلى المستوى المطلوب، كما يجب عليهم الحرص على الحفاظ على جودة المياه العادمة، بكافة قطاعاتها، منذ إنتاجها وحتى استخدامها من قبل المزارعين، كما يجب على سلطة المياه ووزارة الصحة ووزارة البيئة ووزارة المالية ووزارة الزراعة تعميق العمل الموحّد من أجل تخطيط فعال وأمثل لمعالجة المياه العادمة، من  أجل تحقيق الاستفادة القصوى وضمان استخدامها الآمن، مع تقليل المخاطر الصحية والبيئية التي قد تنشأ عنها.

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات