المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

القائمة الإسمية لأعضاء الحكومة والكنيست، ورؤساء وأعضاء المجالس البلدية والقروية، ورجال الأعمال، المتورطين بتحقيقات الفساد في إسرائيل في هذه الأيام، تكاد تشكل تقريبا دليلا تلفونيا، وبالإمكان أن تقدم للقارئ تفسيرا للشعور بالامتعاض، والتوصل لاستنتاج بأننا في فترة سيئة، في جبهة مكافحة علاقة رأس المال بالسلطة. لكن في حين أن الامتعاض مفهوم، فإن الاستنتاج الخاطئ هو أن ظاهرة علاقة رأس المال بالسلطة قائمة عندنا منذ وقت طويل، ولها ألوان وأنواع وأشكال عديدة، بينما طابع وكثرة التحقيقات العلنية الجارية هو الجديد في هذه الظاهرة.

 

لماذا؟ لأن المشكلة الأولى هي أن الفصل بين الفساد الجنائي، كالذي من شأنه أن يوصل الشخص إلى قفص الاتهام، وبين الفساد العام وعلاقة رأس المال بالسلطة، هو أن الأخير لا يؤدي إلى المحكمة عادة؛ وذلك بفضل الدقة في التعامل مع القانون، بشكل يبقيه خارج النطاق الجنائي. والمشكلة الثانية، هي أن الجمهور لا يعرف التفاصيل، وهو يفهم بشكل طبيعي الفساد البسيط، الذي يعرفه في السوق والشارع، ولكن فلتت من معرفته كليا الصفقات الضخمة بأضعاف، التي يتم إبرامها في غرف جلسات الشركات والوزراء وكبار المسؤولين والمحامين الذين يمثلونهم.

حينما يتلقى رئيس الحكومة السيجار والشمبانيا، بمئات آلاف الشواكل، من رجل أعمال ثري جدا، مقابل مساعدته في بلورة اسم في السوق ذي هيبة، وفي أن تكون له شبكة علاقات دافئة مع سلطة الضرائب، وبعض الهمس بشأن مصالحه الخاصة في آذان كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، فسنفهم الفساد والصفقات التآمرية. ولكن حتى في هذه الحال، فإن الأمر لن يكون محسوما كليا، طالما أن الأمر لا يتجاوز الخط نحو المخالفة الجنائية.

ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يدعي بطبيعة الحال أن الأمر لم يتعد الخط الجنائي، ويقول: "مسموح الحصول على هدايا من أصدقاء". وبحسب اعتقاده، من الطبيعي أن يكون مسموحا تقديم المساعدة بين الحين والآخر، نظرا إلى أن الاصدقاء يساعدون بعضهم. وكما يبدو فإن بحوزته وجهة نظر من محام كبير، حول قانونية شبكة العلاقات هذه. وستحتاج النيابة العامة والمستشار القانوني للحكومة أن يقررا من هو الصادق: رئيس الحكومة أم الأخلاقيات والعقل المستقيم؟.

وحينما يحصل رئيس الائتلاف المستقيل دافيد بيطان، ورؤساء بلديات، ومسؤولون كبار في المجالس البلدية على ملايين الشواكل من مقاولين ومبادرين، من أجل حصول المقاولين على اراض وتراخيص بناء، فحينها نكون قد فهمنا الفساد بالشكل الدقيق، وكيف يعمل. فالشلة تجلس في مطعم محلي، ويتم ابرام الصفقة، ثم تبدأ ضغوط على من هم عالقون بالديون، ولربما أيضا تهديدات من جنائيين، ثم يجدون حلولا ابداعية لتبييض المدفوعات. وحسب الشبهات لربما من خلال متجر محلي للأثاث وبهذا يتم تحويل الأموال. ولا حاجة لخبرة قضائية، أو شهادة بفلسفة الأخلاق من أجل فهم الفساد.

أيضا حينما حصل رئيس الحكومة إيهود أولمرت، الذي سبق بنيامين نتنياهو في المنصب، على مغلفات فيها عشرات آلاف الدولارات، من أجل خدمة مصالح أحد ما، وهي أموال تم وضعها في خزنة سكرتيرته من دون تسجيل، فإننا نفهم فورا ما الذي جرى وأين الفساد. ولهذا، إذا فجأة تراكمت أحداث كهذه دفعة واحدة، فإن الشعور الفردي والعام هو أن الفساد يستفحل بشكل كبير جدا.

وحقيقة تراكم التحقيقات الحالية، بما تشمله من شبهات ضد شخصيات سياسية وعامة، تُخرج كل نهاية أسبوع آلاف الناس من بيوتهم إلى المظاهرات التي تجري في تل أبيب وبيتح تكفا. وحتى وإن كان الكثير منهم تابعين لمعسكر سياسي، يعارض سياسة بنيامين نتنياهو، فإن آلافا آخرين يتظاهرون في الشوارع أساسا ضد ظاهرة علاقة رأس المال بالسلطة.

لكن هذه الحالات، التي نعرضها هنا، تتعلق بمبالغ صغيرة، وبعمليات مكشوفة؛ في المقابل فإن الفساد الأكبر حقيقة هو المتعلق برأس المال، الأكثر تعقيدا، والذي يتركز في صفقات ضخمة، لدرجة أنه يكون صعبا بدرجة أكبر نقلها من المجال الأخلاقي إلى المجال الجنائي.

وهاكم نموذجا صغيرا: لنفترض أن وزيرا أو رئيس حكومة يستضيف بشكل دائم في بيته رجال أعمال، بمن فيهم من تؤثر قراراته على مصالحهم. وهم يُعجبون بلوحات فنية على جدران بيته رسمتها زوجته، ويقررون شراءها؛ فهل هذا فساد؟ هل تم هنا دفع رشوة؟ هل هذه صفقة بين أصحاب رأس مال ومسؤول؟ وهل إعجاب الاثرياء بلوحات فنية هي قضية جنائية؟ الجواب الأخلاقي واضح جدا، ولكن باقي الأسئلة ستبقى من دون رد. في هذه الحالة التي حصلت فعلا (الكاتب يقصد قضية أولمرت)، لم يتم فتح تحقيق ولم يتم تقديم لائحة اتهام.

لكن هذه أيضا حالة مال قليل، ومناورة ليست ذكية إلى هذا الحد. فالمال الكبير في الصفقات بين كبار أصحاب رأس المال والسلطة، لا يتم الاتفاق عليه في المطاعم، ولا في البيوت، ولا من خلال مغلفات نقود. الصفقات الكبيرة يبرمها أشخاص جديون، بعد جلسات عديدة بمشاركة مكاتب محامين كبيرة، وهناك يرتدون كلهم بدلات وربطات عنق، بينما السكرتيرات يقدمن في كل ساعة قهوة بجودة عالية، وكلهم يبتسمون ويشعرون براحة، لأن الصفقة قانونية.

قسم من الصفقات الكبيرة في الاقتصاد تابعة لهذه الفئة. فحينما حصل محامو شركتي نوبل إنرجي ومجموعة "ديلك" التي يملكها يتسحاق تشوفا، على حقوق التنقيب (عن الغاز) دون دفع مقابل المساحة البحرية، عند شواطئ إسرائيل، ولاحقا اتفقوا مع الحكومة على مستويات وحجم الضريبة وشكل احتكار حقول الغاز، فإن هذا كان صفقة بين رأس المال والسلطة الحاكمة.

وليس دائما سارت الأمور على ما يرام، فالمستثمرون كانوا بحاجة لتجنيد رئيس الحكومة ووزير الطاقة إلى جانبهم، وكان من الضروري إزاحة المسؤول عن الاحتكارات في وزارة المالية من منصبه، وإزاحة مسؤولين آخرين. وقد تم عمل أساس في وسائل الإعلام، من أجل التأثير على الرأي العام، وإلى جانب هذا مواجهة انتقادات المحكمة العليا. وفي نهاية المطاف تم ابرام الصفقة، وها هو الغاز موجود؛ والصفقة التي أبرمت مع شركة الكهرباء الحكومية تثير أسئلة استغراب كثيرة. والمستثمرون سوقوا صفقات الغاز في البورصة، وتم استغلال الامتيازات الضريبية، والمال وصل إلى حسابات المستثمرين.

وهذا هي الحال في صفقات كثيرة أخرى، تكون الدولة طرفا فيها، من خلال السياسيين وكبار المسؤولين، وبطبيعة الحال مع المستثمرين الكبار. كذلك الامتيازات الضريبية الضخمة جدا، التي تم منحها لشركة "طيفع"، وهي القضية التي تقف الآن في أوج جدل شعبي، بعد أن بلغ حجم الامتيازات أكثر من 20 مليار شيكل، باتت تبدو اليوم مشكوكا بها، خاصة على ضوء الانتقادات الحادة من مراقب الدولة العام.

وقبل قضية شركة "طيفع" بعدة أشهر، كشفنا كيف أن السياسيين لم يقتربوا من شركة الاتصالات "بيزك" حينما كانت بملكية حاييم تسبّان، بل غيروا موقفهم حينما تم استبدال الحكم، وتغيير المالكين للشركة، حينها تجند رئيس الحكومة وجهات حكومية لمنع اصلاحات في شركة الاتصالات كانت ستطيب للجمهور، ولكنها ستضر بربحية الشركة.

كذلك فإن قسما من المسؤولين في المؤسسات الحكومية، وبعد أن استقالوا من مناصبهم، باتوا يعملون لدى رجال أعمال كانوا قد أبرموا معهم صفقات، وهم يعملون الآن هناك بسبب شبكة علاقاتهم بمؤسسات الحكم.

وعمليا فإن الصفقات الكبرى تكون على المستوى الوطني، ويتم ابرامها على أيدي مسؤولين كبار، ومحامين يصادقون على قانونية الصفقات، وهي حتى لا تبدو كرشوة، أو من مظاهر علاقات رأس المال بالسلطة، وإنما كنهج متبع لمستثمرين يحققون صفقات.

من الطبيعي أن يغضب الجمهور من صفقات الفساد والرشاوى، ومن علاقات رأس المال بالسلطة. لكن للأسف لا يفهم الجمهور أو يتجاهل صفقات بين رأس المال والسلط، أضخم بكثير وجوهرية أكثر، وذلك لأنه من الصعب تفسيرها من ناحية جنائية، لكن هذه الصفقات تؤثر كثيرا عليه وعلى الاقتصاد.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات