المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1942
  • ميراف أرلوزوروف
  • برهوم جرايسي

هل الفجوات الاجتماعية هي مصدر للقلق؟ هذا السؤال نسمعه كما لو أنه صدر عن أعضاء حركة "حفلة الشاي" الأميركية، بمعنى خبراء الاقتصاد المحافظين، الأكثر يمينية. فمن الواضح للجميع أن الفجوات الاجتماعية هي مصدر للقلق. وعمليا، فإن أنخيل غورييه، مدير عام منظمة التعاون الاقتصادي والتطوير OECD،
اعتاد على القول بوتيرة متقاربة إن الفجوات مقلقة أكثر من الفقر، لأن الفجوات هي مصدر عدم الاستقرار الاجتماعي. وكما هو معروف، فإن الثورات الاجتماعية قادها برجوازيون متذمرون، وليس الفقراء.

وعلى الرغم من هذا فإن السؤال: هل ظاهرة اللامساواة هي مصدر للقلق؟ هو السؤال الذي يتطلب بحثا معمقا، وبالأساس على ضوء الاستنتاج المقلق الذي توصلت اليه موران موشيه حنتسيس، الخبيرة الاقتصادية الرئيسية في وزارة المالية، والتي نشرت الشهر الماضي، بحثا تحليليا حول مصدر اللامساواة في إسرائيل. ولم يتركز التحليل في حجم ظاهرة اللامساواة، والتي هي في إسرائيل من الأعلى بين الدول المتطورة، وإنما إذا كانت الظاهرة نابعة من التكاثر الطبيعي لأعداد الفقراء، أو من تزايد أعداد كبار الأثرياء.

وأهمية هذا السؤال تعود لأسباب كل واحد من شقي السؤال: إذا كانت ظاهرة اللامساواة ناجمة من تكاثر الفقراء، فإن الدولة ملزمة بتركيز عملها في مكافحة الفقر. وفي المقابل، إذا كانت المشكلة نابعة من تزايد ذوي الثراء الفاحش، فإن على السياسة أن تكون مختلفة كليا. ومن أجل الرد على هذا السؤال استخدمت الباحثة طريقة احتساب جديدة وعصرية، تم تطويرها في منظمة OECD، تحاول كشف وزن كل جانب في ظاهرة اللامساواة: من الجانب الضعيف، أم من الجانب القوي. وتوصلت حنتسيس إلى استنتاج بأن القسم الكبير لمشكلة اللامساواة في إسرائيل نابع بالذات من تزايد ذوي الثراء الفاحش، وليس من تكاثر الفقراء بالأساس.

ففي جانب معدل المداخيل، وجدت الباحثة أن الفجوة بالذات بين الأغنياء وحدهم هي كبيرة جدا. ففي حين أن معدل المداخيل بين من هم في التدريجين الاجتماعيين الثامن والتاسع متقارب جدا، فإن الفجوة كبيرة جدا بين هذين التدريجين، وبين من هم في التدريج العاشر الأكثر ثراء. ثم فحصت معدل المداخيل بين من هم في التدريج العاشر وحدهم، ووجدت الفجوة الأكبر بين من هم في عداد الـ 1% من الجمهور، وبين سائر السكان.

والمعطى الأبرز في البحث هو أن قسما كبيرا من ظاهرة اللامساواة في إسرائيل مصدره الـ 1% فقط، فـ الـ 1% هذا يهرب إلى الأعلى مع مستويات ثراء فاحش، ويزيد من ابتعاده عن جمهور الـ 99%. وهذا يذكرنا بحملة الاحتجاجات الأميركية التي حملت شعار "نحن الـ 99%"، وهي حملة احتجاجات للشرائح الوسطى ضد الفجوات الاقتصادية الضخمة جدا، بينهم وبين من هم في عداد الـ 1% الأميركان، وهي حملة عادلة بطبيعة الحال.

وهذه بالضبط هي الظاهرة الاجتماعية التي يتضح أنها قائمة أيضا في إسرائيل، وليس فقط في الولايات المتحدة الأميركية.

الفقر ليس الضائقة الوحيدة في إسرائيل

المقارنة العالمية التي أجرتها الخبيرة حنتسيس تدل على أن مشكلة الـ 99% الإسرائيلية هي حقا قريبة بحجمها للمشكلة القائمة في الولايات المتحدة الأميركية، حتى وإن كانت في حالتنا أقل سوءا بقليل. ولكن حينما نجري مقارنة بين حجم الظاهرة لدينا وبين ما هو قائم في الدول الأوروبية، مثل الدانمارك أو فرنسا، فحينها تتكشف المشكلة الإسرائيلية بكامل حدتها: لدى إسرائيل مشكلة اللامساواة أكثر حدة بكثير مما هو قائم في الدانمارك، إن كان على مستوى أوضاع الفقراء، أو على مستوى أوضاع الأقوياء. وفي المقارنة مع فرنسا لا يوجد ما نتعلم منه، لأن المشكلة في فرنسا مشابهة بحدتها في إسرائيل.

وبيّن بحث حنتسيس أنه إذا ما استبعدنا الـ 1% من المجتمع الإسرائيلي، فإن ظاهرة اللامساواة ستبدو حدتها أقل. وبموجب مصطلحات "مؤشر جيني" لفحص ظاهرة اللامساواة، فإن مستوى الظاهرة في إسرائيل يهبط من 37 نقطة إلى 4ر34 نقطة، ولكنه يبقى مستوى عاليا، إذ أنه من دون الـ 1%، تبقى مشكلة اللامساواة قائمة، ولكن بقدر أقل.

إن كشف مشكلة الـ 99% بحدتها هو كشف جديد، لأنه حتى الآن يتقوقع أصحاب القرار في مشكلة تكاثر الفقراء، وبالأساس العرب والحريديم، وليس بتزايد ثراء الأغنياء. وواضح أن مشكلة اللامساواة نابعة من تكاثر الفقراء، ولهذا فإن مكافحة الفقر ضرورية. لكن توجد أيضا مشكلة الـ 1%، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما العمل مع هذه المشكلة، وإذا هي أصلا مشكلة.

تكاثر الفقراء ليس بالضرورة مشكلة

بخلاف تكاثر الفقراء، الذي هو أيضا مشكلة اجتماعية وكل دولة رفاه تريد القضاء عليه، فإن تكاثر الأغنياء ليس بالضرورة مشكلة. على العكس، فإن الدول التي تشجع الاقتصاد الحر، تريد رؤية مواطنيها يغتنون، وكلما تكاثر أعداد الأغنياء فإن هذا أمر محمود. إلا أن مشكلة تكاثر الاغنياء قد تثير مشكلة في جانبين، الأول، مسألة الفجوات: هل تكاثر الأغنياء يثير الشعور بالتمييز، وعدم الاستقرار بين أبناء الشرائح الوسطى؟
هذا ما قصده غورييه بقوله إن الفجوات مقلقة أكثر من الفقر، ولكن في المقابل من الممكن الادعاء أيضا أنه إذا كانت الفجوات نابعة من مؤهلات ومبادرات حرة، فإنه ليس للدولة ما تعترض عليه. ويسأل خبراء اقتصاد: "من الممكن حل مشكلة اللامساواة، بواسطة القاء التقنية العالية من النافذة، فهل هذا ما تريد إسرائيل تحقيقه؟". وبالتأكيد سيرد الناشطون الاجتماعيون قائلين إن المستثمرين في التقنية العالية ليسوا معنيين بالعيش في دولة ليست مستقرة، ويعاني الجمهور فيها من شعور التمييز.

والجانب الثاني هو مصدر ثراء الـ 1%، فهل هو نابع فقط من قدرات ومؤهلات مستثمرين ناشطين، أو أنه نابع من حجم الاحتكارات، وضعف المنافسة، ما يحقق جني أرباح طائلة لعدد قليل من اللاعبين. وبحث حنتسيس لا يرد على هذا السؤال.

فرض ضرائب أكثر على الـ 1% لأجل الـ 99%

وكلا الجانبين يثيران سؤالا: أي سياسة على إسرائيل اتباعها؟.

إن السياسة المطلوبة هي الاستمرار في مكافحة الاحتكارات الكبرى، من أجل منع القلة من جرف الأرباح الفاحشة إلى جيوبهم على حساب الكثيرين. والجانب الآخر، الذي يجب البحث فيه، هو زيادة الضرائب على كبار الأغنياء، على افتراض أن الفجوات القائمة تخلق مشكلة. وهناك خلاف حول هذه السياسة، لأن الكثيرين لن يوافقوا على وجود مشكلة في زيادة الثراء الناجم عن المؤهلات والقدرات، ولأنه أيضا توجد مشكلة في فرض ضرائب أكثر مما هو مفروض الآن.

إن ضريبة الدخل القصوى في إسرائيل ليست منخفضة، مقارنة مع النسب القائمة عالميا، والضرائب التي تستطيع إسرائيل فحصها مجددا، هي الضرائب على رأس المال، مثل الضريبة على الورثة وعلى أرباح رأس المال. إلا أنه في ظل العولمة، حينما تنافس الدول بعضها على تخفيض الضرائب على رأس المال، فإن قدرة إسرائيل على فرض ضرائب أكبر ستكون محدودة.

على أي حال، من الصعب الإشارة لسياسة واضحة، قادرة على مواجهة مشكلة الفجوات الاجتماعية بين الأغنياء وحدهم، عدا زيادة الضرائب المفروضة على كبار الأغنياء، من أجل استفادة الـ 99%، ولربما يكون حينها بقدرتهم الوصول هم أيضا إلى مبادرات تقنية عالية ناجحة.

[عن صحيفة "ذي ماركر"]

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات