المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كان انحياز عدد من كبرى وسائل الإعلام من صحف وقنوات تلفزيونية، لطرف ما في المعركة الانتخابية، أوضح من أي معركة سابقة جديد هذه المعركة، وضوح صحيفة "يديعوت أحرونوت" وموقعها على الانترنت ضد نتنياهو "يسرائيل هيوم" واصلت حربها على كل من يعارض نتنياهو سياسيا وإعلاميا لا يمكن التعامل مع أداء الصحف الانتخابي بمعزل عن سياق السنوات الأخيرة التي حارب فيها نتنياهو شخصيا وسائل الإعلام اليمين يستعد لقوانين تقوض وسائل الإعلام

مع "هدوء" غبار المعركة الانتخابية في الشارع الإسرائيلي، بدأت قراءات لجوانب مختلفة حولها، وليس فقط نتائجها السياسية، ففي هذه المعركة كانت وسائل الإعلام طرفا في المعركة. ويمكن القول إن من قاد إلى هذه الوضعية، هو بنيامين نتنياهو ذاته، وصديقه الأميركي الثري، صاحب صحيفة "يسرائيل هيوم"، شلدون إدلسون. فنتنياهو لاحق بأدواته المتعددة الصحف والقنوات التلفزيونية التي انتقدت سياساته في جوانب عديدة. أما إدلسون فقد حوّل مشروعه الداعم لنتنياهو إلى أداة لضرب الصحف الأخرى.

ونستطيع القول إننا شهدنا في هذه المعركة الانتخابية، بشكل أوضح، انحياز صحف ووسائل الإعلام للأحزاب التي تعارض نتنياهو وخارج معسكره. فعلى مدى السنين عرفنا مختلف الصحف بانحيازها إلى تيار أو توجه ما، ولكنها في ذات الوقت نجحت في لعب "دور الموضوعية" إلى حد ما. أما في المعركة الأخيرة، فإن الانحياز كان واضحا لصالح المعسكر المناهض لنتنياهو. وبرزت في هذا الاطار صحيفة "يديعوت أحرونوت" وموقعها على الانترنت، اضافة إلى صحيفة "هآرتس". كما أن القناتين التلفزيونيتين الثانية والعاشرة، كانت لهما توجهات شبه واضحة.

في المقابل، فإن صحيفة "يسرائيل هيوم" واصلت نهجها الذي تأسست لأجله قبل ثماني سنوات، مدافعة عن نتنياهو، وتفتح النار في كل عدد صادر ضد كل من يعارض نتنياهو إن كان من الساحة السياسية، أو في الإعلام. وكان المشهد وما يزال فظا في "يسرائيل هيوم".

واختار محللون ومعلقون في وسائل إعلام أخرى انتقاد نهج الصحف وقنوات التلفزة، واعتبروا أن وسائل الإعلام التي تحيزت لأي طرف قد خسرت ثقة الجمهور، ولكن ليس واضحا إلى أي درجة هذا دقيق. لأن التعميم والتعامل مع وسائل الإعلام هذه، على أساس نهجها خلال المعركة الانتخابية وبمعزل تام عن سياق سنوات حكم نتنياهو، فيه كثير من التجني وعدم الموضوعية، لأن الصحف وقنوات التلفزة، كان تصرفها رد فعل على ما كان، واستباقا لما سيأتي.

تعامل بنيامين نتنياهو مع وسائل الإعلام في سنوات حكومته الأولى، في النصف الثاني من سنوات التسعين الماضية، بعدائية، وكان يتهمها بأنها منحازة إلى اليسار. ونذكر له خطابه في حملة انتخابات العام 1999، الشهير باسم "إنهم يخافون" وكان كله موجها ضد وسائل الإعلام، التي كانت تنتقد نهجه السياسي والاقتصادي. وقد استخدم نتنياهو هذا الأسلوب ذاته في حملة الانتخابات الأخيرة، عدا عن أنه اتهم خصومه بأنهم يتلقون دعما وتمويلا من جهات خارجية، بينما واقع الحال يؤكد أن نتنياهو كان أول من استقدم الدعم المالي من الخارج، بأموال طائلة.

نهج سنوات الألفين

في منتصف العام 2007، بدأت تصدر صحيفة "يسرائيل هيوم" اليومية المجانية. وصاحبها الوحيد هو الملياردير الأميركي اليهودي شلدون أدلسون، صاحب أكبر شبكة مقامرة في الولايات المتحدة، وخاصة لاس فيغاس، ودول أخرى، منها الشرق الأقصى. وكان توزيعها بداية يقتصر على شبكة القطارات، وفي منطقة تل أبيب، ثم بدأ يتوسع انتشارها، حتى باتت الأوسع انتشارا من بين الصحف اليومية، نظرا لمجانيتها، إذ أن مضامينها هزيلة بمستواها الصحافي، وكلها مجنّدة لتسويق سياسة نتنياهو في كل المجالات، والدفاع عنها، ومهاجمة كل من ينتقدها.

وجرى الحديث كثيرا، في المستويات السياسية والصحفية والحقوقية وغيرها من الأطر التي تعنى بالديمقراطية، حول أن هذه الصحيفة هي عمليا رشوى مالية واضحة لنتنياهو. وفي الدورة المنتهية، سجلت المبادرة لتقويض هذه الصحيفة، نجاحا اوليا، باقرار مشروع قانون لهذا الغرض، بالقراءة التمهيدية، وحصل على دعم من نواب من الائتلاف. إلا أن نتنياهو وأد هذا القانون، وقيل إن أحد دوافع نتنياهو لتقديم موعد الانتخابات البرلمانية، كان خوفه من اقرار القانون. ولكن في هذا مبالغة نوعا ما.

لم يكتف نتنياهو بهذا، بل أقدم على طرح أنظمة وقرارات حكومية، من خلال وزارات مختلفة، تهدف إلى ضرب الصحف الورقية اساسا، ومن بينها اجراء تخفيض حاد في ميزانية الإعلانات الحكومية، تراوح بما بين 50% إلى 70%، على عدة مراحل. وعمل على تغيير أنظمة، بشكل يكون متاحا نشر الاعلانات الحكومية في "يسرائيل هيوم" أيضا.

كانت صحيفة "يسرائيل هيوم" سببا مركزيا في انهيار صحيفة "معاريف" رغم توجهاتها التي تميل إلى اليمين. ولجمت انتشار الصحف المركزية، وخاصة "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، فكل منهما حافظت على نسب انتشارها ولم ترتفع، بفعل المنافسة غير المتكافئة. وتكبدت الصحف الورقية خسائر جراء هذه الاجراءات، أضيفت للخسائر التي تتكبدها الصحف الورقية في السنوات الأخيرة، بفعل تطور وتنوع وسائل الإعلام التكنولوجية.

لكن ليست الصحف وحدها كانت مستهدفة، بل إن نتنياهو حارب بقوة القناتين الثانية والعاشرة، والأخيرة أكثر من غيرها. فرفض نتنياهو التعامل مع أزمتها المالية تارة، وتلاعب في مسألة استمرار ترخيصها تارة أخرى. وكانت القناة العاشرة على شفا الإغلاق أكثر من مرّة، وهذا لم يكن صدفة، بل لأن هذه القناة انتقدت سياسته، وكشفت الكثير من خبايا سياسته، ودوافع نتنياهو في اجراءاته كانت مفضوحة جدا.

وللتوضيح نقول إن الصحف مملوكة من حيتان مال، بينهم أيضا صراعات، وكذا قنوات التلفزة التجارية، الخاضعة لسلطة البث الثانية. ومن الواضح أن جزءا من صدامها هو الصدام والتنافس بين كبار أصحاب رأس المال، لكن ما رأيناه في السنوات الأخيرة لم يقتصر على حرب المستثمرين في ما بينهم، بل أيضا هناك الجانب السياسي، وسعي اليمين المتطرف للسيطرة على وسائل الإعلام.

وهذا ما أفصح عنه النائب البارز في حزب "الليكود" المستوطن ياريف ليفين، إذ صرّح لوسائل الإعلام يوم صدور النتائج قائلا إن تركيبة الحكومة المقبلة ستتيح لها استئناف العمل في سن قوانين تخص وسائل الإعلام، وأخرى تخص المحكمة العليا. ولحقه آخرون ليتحدثوا عن قانون "الدولة القومية اليهودية"، والقانون الذي من شأنه أن يشل عمل الجمعيات الحقوقية. ولكن في هذا السياق، نلتفت إلى ما يقوله ليفين بشأن وسائل الإعلام. فهو بالتأكيد لا يقصد قانون تقويض انتشار "يسرائيل هيوم"، بل على العكس، قوانين تفرض قيودا على وسائل الإعلام الالكترونية، من قنوات تلفزة وإذاعة، ولكن لا نعلم حتى الآن، ماذا في جعبة اليمين المتطرف ضد الصحف الورقية ومواقعها على شبكة الانترنت.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات