المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يعتبر فوز شارون فريداً من نوعه، ليس لأنه أول رئيس وزراء ينتخب للمرة الثانية على التوالي منذ مناحيم بيغن، ولا لأنه فاز رغم الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي المخزيين. فمثل هذه الأمور حصلت في السابق. إنه إنجاز مميز لأن رئيس الوزراء يواجه فيه مشكلة سياسية عويصة بشكل منقطع النظير مع قسم من معسكره ذاته، فهو مدعو إلى "عدم ابتلاع" اليمين المتطرف وإلى عدم لفظ هذا اليمين في الوقت نفسه. تلك هي النتيجة العددية لما حدث في صناديق الإقتراع من مفارقة. فالغالبية أرادت زعيماً لا تؤيد غالبية الشعب مواقفه السياسية..

لا يستطيع شارون الآن التهام العصيدة التي طبخها إلا إذا غيّر كلياً توجهه بشأن القضية الرئيسية، التي استـُبعدت من حملته الإنتخابية، ألا وهي قضية التسوية مع الفلسطينيين. فبدون ذلك لا أمل لشارون في إعادة حزب العمل إلى الوحدة الزائفة التي أفادته شعاراتها الجوفاء وعززت قوته في صناديق الإقتراع. بالأمس لم يشكك الكثير من الناخبين في التعهد الواهي بأن شارون يضمر بداخله رغبة بالقيام بعمل جريء وشجاع بأن يقود إسرائيل في طريق إنهاء النزاع (الإسرائيلي- الفلسطيني).وإذا كان شارون يضمر حقا هذه الإرادة، فقد آن الأوان لتجسيدها. أما إذا كان عاجزاً عن القيام بذلك فإنه يترتب عليه التسكع مع أفيغدور ليبرلمان وإيفي إيتام (أي: مع اليمين المتطرف) ومع رجعية سياسية ستـُفضي خلال العام الحالي إلى نزاع أو شرخ في العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة ومع الغرب قاطبة.

من هنا فإن شارون يقف أمام قرارين حاسمين مترابطين بشكل وثيق، ويتوقف عليهما في الوقت ذاته مصير ومستقبل سلطته (حكومته). ألأول يتعلق بكيفية معالجة الصراع الدامي مع الفلسطينيين، والذي يلحق أضرارا مدمرة بالجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء. أما القرار الثاني فهو: كيفية حل العقدة الشائكة المتعلقة باختيار وتركيب الإئتلاف الحكومي الجديد.

ألإنجاز اللافت في هذه الإنتخابات، والمتمثل في فوز فاشل دائم، يعد حالة نادرة في الديمقراطيات الغربية. وقد كان ذلك أولا وقبل كل شيء ثمرة حالة القلق والخوف على المستوى القومي. الآن وبعد أن صنع شارون مجددا النجاح من الفشل، فإنه لمن السيء جدا إذا ما استمرت استراتيجية هذا الرجل ذو السيرة المدهشة في تناقضاتها في قيادة هذه البلاد التي ترزح تحت وطأة مخاوفها. باستطاعة شارون، على الأقل لقترة ما من الوقت، الحفاظ على رصيده السياسي إذا واصل ترويع الشعب وبث الرعب في صفوفه. باستطاعته محاولة إقناع الشعب بالأسباب التي تجعل الدولة ملزمة بالعيش في ظل هذه المواقف طوال فترة ولاية أخرى بائسة، ولديه العديد من الشركاء للقيام بذلك، فالإئتلاف مع هؤلاء، مع الرجعية السياسية الممثلة في قوى مثل قائمة "الإتحاد الوطني" وحزب "المفدال" القومي المتطرف، سيقود صوب كارثة.

قد تكون فترة ولاية شارون، على رأس ائتلاف يميني، أطول مما يتخيل البعض، ذلك لأن جر الساحة السياسية إلى حملة انتخابات جديدة، وبعد ثلاث حملات انتخابية مبكرة، يتطلب توفر سبب كبير أو عظيم الأهمية. ولكن إن لم يعمل رئيس الوزراء بسرعة ووضوح من أجل تغيير نهجه فإنه سيزج بالدولة في أتون أزمة سياسية واقتصادية عويصة، لا نظير لها. وقد رأينا عجز شارون، بل وعجز كل حكومة أو سلطة تتصرف كسلطته، في تجسيد الوعود الطنانة بالقضاء على المقاومة الفلسطينية بالقوة. رأينا الصلة الحتمية بين سياسة الرفض الإسرائيلية – وهي صورة طبق الأصل عن رفض عرفات - وبين تحطيم عظام الإقتصاد والمجتمع.

هناك شرط لا مفر منه لإصلاح هذا المسار التدميري، يكمن في القيام بخطوتين لا تنفصم عراهما: طرح إعلان نوايا سياسي جديد ومقنع، وأن يقود هذا البرنامج ائتلاف يتيح إدارة السياسة الجديدة بصورة جادة. مثل هذا الإئتلاف يجب أن يضم حزب العمل وأي حزب مستعد للقبول بمثل هذا البرنامج السياسي.

والحال فإن المفارقة السخيفة التي تمخضت عنها نتائج انتخابات الأمس، تتمثل في أن شارون أصبح البديل الوحيد لنفسه. وإذا رفض تقديم هذا البديل فإنه لن تتوفر له حكومة تكون قادرة على الحكم. والسؤال: هل هذا ممكن؟! من المحتمل جدا أن يكون الجواب سلبيا. وعندئذ علينا أن نحاول بطريقة ما اجتياز السنة المقبلة، فبعدها إما أن يحصل انقلاب في انتخابات مبكرة جديدة، وإما أن تحل كارثة هنا، فأيهما سيسبق؟!

(هآرتس، 29 كانون الثاني)

ترجمة: "مدار"

المصطلحات المستخدمة:

انقلاب, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات