المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
في الصراع على الحكاية: من فعالية ثقافية لطلاب فلسطينيين من الداخل في وادي الصليب بحيفا.  (عن موقع: أرابكا نت)
في الصراع على الحكاية: من فعالية ثقافية لطلاب فلسطينيين من الداخل في وادي الصليب بحيفا. (عن موقع: أرابكا نت)

ضمن النقاشات والتحركات السياسية لإقرار الميزانية الإسرائيلية العامة في الكنيست، ثم النجاح بتمريرها، نشرت وزارة الثقافة والرياضة بياناً بلهجة احتفالية جاء فيه: "لأول مرة، وكجزء من خطة خماسية رائدة وثورية، سيتم تخصيص نحو 360 مليون شيكل للثقافة في المجتمع العربي". وتدّعي أن ميزانية تنظيم الثقافة العربية ستزداد بمقدار 15 مليون شيكل على مدى السنوات الخمس المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تخصيص نحو 30 مليون شيكل لتجديد المؤسسات الثقافية في المجتمع العربي، مع التركيز على المنالية للجمهور وتسهيل إمكانية الوصول للمؤسسات.

منذ البداية يجب الإشارة إلى ما يلي: وفقاً للأرقام الرسمية، فإن الميزانية الحالية المخصصة لوزارة الثقافة في إسرائيل تبلغ نحو مليار و100 مليون شيكل. أما الأرقام التي تحدثت عنها الوزارة أعلاه ضمن الخطة الخماسية، نحو 360 مليون شيكل للثقافة في المجتمع العربي، فهي موزعة على خمس سنوات، أي أنها ما زالت بعيدة جدا عن نسبة الفلسطينيين من المواطنين: نحو 20%.

بموجب البيان المشار إليه أعلاه، فإن نحو ثلث الميزانية سيخصص لإنشاء "مؤسسات ثقافية تشكل بنية تحتية ونقلة مهمة إلى الأمام لترويج الفنون في المجتمع العربي". وضمن هذه الخطة سيتم التركيز "بشكل خاص على ميزانية البنية التحتية المادية، بما في ذلك لغرض إنشاء وإتاحة الوصول إلى مواقع تاريخية في مختلف البلديات والسلطات المحلية في المجتمع العربي التي ستشكل مقراً للمؤسسات المذكورة".

تركّز الوزارة على "إنشاء أول متحف في المجتمع العربي ليكون منارة للعمل الاحترافي والجيد في مجالات القِوامة والحفاظ على التراث الثقافي". وفصّلت بأنه "سيتم إنشاء أول متحف في المجتمع العربي، وكذلك صالات عرض، ومدرسة سينما، ومدرسة للمسرح والفنون، ومركز تراثي للثقافة العربية".

عموماً، اعتادت الحكومات الإسرائيلية على تخصيص قدر ضئيل جداً من الميزانيات لمؤسسات الثقافة العربية. مثلا، في العام 2015 دلّت الأرقام الرسمية على أن ميزانية الثقافة العربية، بالمعطيات والمعايير والتعريفات الرسمية، تعادل 3.2% فقط من مجمل ميزانية وزارة الثقافة، وتقف عند 14 مليون شيكل في السنة من أصل ميزانية عامة تبلغ 700 مليون شيكل. وضمن ميزانيّة وزارة الثقافة الإسرائيليّة للعام 2011 رصدتْ ميزانيّةً بمبلغ 37.7 مليون شيكل للمتاحف، ولكن لم يخصص ولو شيكل واحد للعرب. كذلك، كانت تخصّص وزارة الثقافة 40 مليون شيكل لمؤسّسات ثقافيّة يهوديّة حصراً، واستثنت منها أي مؤسّسات عربيّة.

53 متحفاً معترفاً بها بموجب قانون المتاحف للعام 1983

أشار بحث لمركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست العام 2005، إلى أنه يوجد في إسرائيل أكثر من 200 متحف، بما في ذلك 53 متحفاً معترفاً بها بموجب قانون المتاحف للعام 1983. هذا القانون يحدّد الالتزامات والقيود التي تسري على المتاحف المعترف بها. وتدار شؤون المتاحف في إطار لوائحها الداخلية وميزانيتها، وفقاً لأحكام هذا القانون. "الإدارة الثقافية" داخل الوزارة تقوم بتقسيم ميزانيتها بين المجالات المنوطة بها (المسرح، السينما، الموسيقى، الرقص، المتاحف). وتشارك في تمويل ميزانيات المتاحف المعترف بها فقط. من أجل الحصول على الدعم، فإن المتاحف المعترف بها ملزمة بالامتثال لأحكام هذا القانون أو اللوائح بموجبه. وفقاً لبنود وأنظمة القانون، تلتزم إدارة كل متحف بتقديم تقرير سنوي إلى الإدارة الثقافية عن أنشطة المتحف للفترة من 1 نيسان إلى 31 آذار من كل عام.

أما المتاحف المعترف بها فهي: متحف الفن الإسلامي، القدس؛ متحف أرض إسرائيل، تل أبيب رمات أبيب؛ متحف أراضي القدس التوراتي؛ بيت أهارونسون، زخرون يعكوف؛ بيت أوسيشكين، كيبوتس دان؛ بيت جوردون، كيبوتس دجانيا؛ بيت همئيري، صفد؛ بيت هتفوتسوت، تل أبيب؛ بيت ميريام، كيبوتس بلماحيم؛ بيت روبين، تل أبيب؛ بيت سطورمان، هجلبوع؛ متحف بار دافيد، كيبوتس برعام؛ متحف جو ألون للثقافة البدوية، كيبوتس لاهاف؛ حديقة العلوم، معهد وايزمان؛ متحف الآثار في وادي جان هشلوشا، بيت شيعان؛ متحف رمات غان للإنسان والحيوان؛ متحف بيتاح تكفا للإنسان والبيئة؛ متحف الخان، الخضيرة؛ متحف بلومفيلد للعلوم، القدس؛ متحف النقب، بئر السبع؛ متحف هرتسليا للفنون؛ هيئة متاحف يوآف، كيبوتس كفار مناحيم، كيبوتس رفاديم؛ متحف ويلفريد لثقافة وفنون الشرق، كيبوتس هزوريع؛ متحف حيفا، حيفا؛ متحف باحة هييشوف، القدس؛ المتحف الوطني للعلوم والتخطيط والفضاء، حيفا؛ متحف ياد فاشيم، القدس (غير مصنفة)؛ متحف ياد مردخاي، كيبوتس ياد مردخاي؛ متحف يهود إيطاليا، القدس؛ متحف يانكو دادا، كيبوتس عين هود؛ متحف بداية الاستيطان، كيبوتس يفعات؛ متحف إسرائيل، القدس؛ بيت لوحمي هغيتاؤوت، الجليل الغربي؛ متحف مانا كاتس، حيفا؛ متحف برج داود، القدس؛ متحف هيخت، جامعة حيفا؛ متحف مجموعة داجون؛ متحف كيبوتس نحشوليم للزجاج؛ متحف تاريخ مزكيرت باتيا؛ متحف الإنسان القديم، كيبوتس معيان باروخ؛ متحف فنون الكيبوتس، عين حرود إيهود؛ متحف ناحوم غوتمان، تل أبيب؛ المتحف الأثري في عين دور، كيبوتس عين دور؛ متحف الييشوف القديم في عين شيمر؛ متحف آثار الجولان، مستوطنة كتسرين؛ متحف ريشون لتسيون التاريخي، ريشون لتسيون؛ متحف الثقافة اليرموكية، كيبوتس شاعر هجولان؛ متحف تل أبيب للفنون؛ متحف باحة تل حاي للفنون؛ متحف برج تيفن؛ متحف يغئال ألون، كيبوتس غينوسار؛ المتحف الأثري لتاريخ كفار سابا؛ ومتحف الفن الإسرائيلي.

ولكن فيما يتجاوز التساؤلات عن الالتزام العملي التنفيذي بتخصيص هذه الميزانيات، وبجعلها تذهب الى العناوين المُعلن عنها، هناك سؤال المضامين: من الذي سيحدد مضامين مؤسسات غاية في الحساسية، سياسياً وثقافياً واجتماعياً وتاريخياً، مثل متحف أو "مركز للتراث الثقافي"؟ أي سردية ستقدمها مثل هذه المؤسسات، أهي سردية الدولة أم سردية المواطنين العرب الفلسطينيين بكونهم جزءا من شعبهم وجزءا من تاريخه ومما تعرّض له من الجهة التي تشكّل الوزارة مركباً فيها؟

رواية معلنة وواضحة بل تشكل مكوّناً في الرواية الرسمية

علم المتاحف، بموجب بعض الموسوعات الافتراضية الجديدة، يستكشف تاريخ المتاحف ودورها في المجتمع، فضلا عن الأنشطة التي تشارك فيها، بما في ذلك القيمون، المحافظة، البرمجة العامة، والتعليم. وركز علم المتاحف الأوروبي في القرن التاسع عشر، على تأطير المتاحف كمؤسسات من شأنها أن "تثقف وتحضّر" عامة الناس. خدمت المتاحف عادةً المصالح القومية، وكان هدفها الأساس غالباً الاحتفال بالدولة أو القوة الاستعمارية. مثلا، المعرض الكبير للعام 1851 في لندن أو معرض شيكاغو العالمي، رغم أنهما كانا متحفين مؤقتين، إلا أنهما كانا من الأمثلة الأولى لمساحات العرض الكبيرة المخصصة للأجندات القومية؛ حيث أرادت كل من بريطانيا وأميركا تأكيد وجودهما كقادة دوليين في العلوم والصناعة.

ظهرت ابتداءً من خمسينيات القرن الماضي، أشكال جديدة من علم المتاحف كوسيلة لتنشيط الدور التعليمي للمتاحف. ولاحقاً ظهر أيضاً خطاب علم المتاحف النقدي، وتكثف في مطلع القرن الحادي والعشرين. في حين أن هذه الخطابات النقدية تهيمن على علم المتاحف المعاصر، هناك العديد من أنواع المتاحف المختلفة الموجودة اليوم، وبعضها منخرط في ممارسات جديدة، والبعض الآخر أكثر تقليدية وبالتالي أقل نقديّة. هنا يُطرح السؤال عن التوجه الإسرائيلي السائد في هذا المجال؟

وفقاً لمقال كتبه مدير قسم التاريخ والمقتنيات في متحف لندن، أليكس ويرنر، التاريخ الذي تستهلكه المتاحف أقرب إلى ما يمكن تسميته "التاريخ العام" من التاريخ المتداول داخل المؤسسات الأكاديمية. بمعنى أن كل متحف يتبنى سردية تاريخية. ونجد الأمر بارزاً في إسرائيل مع طغيان غير مخفي للرؤية الأيديولوجية الصهيونية. مثلا، نرى أن "متحف الكنيست" الإسرائيلي يعرض هويته كمن "سيسرد رواية الديمقراطية الإسرائيلية" وكيف أنه "سيسمح لزواره بتجربة التعرف على برلمان دولة إسرائيل منذ سنواته الأولى وحتى يومنا هذا". أما متحف إسرائيل في القدس فيقدّم نفسه على أنه "المؤسسة الثقافية الأهم في دولة إسرائيل" ويُبرز مكانته في "عرض مجموعاته الموسوعية" مع التركيز على "جناح الفنون والتراث اليهودي (...) ومجموعة شاملة للآثار ترجع الى فترة التوراة ولآثار الأراضي المقدسة. وخلال أربعين سنة على وجوده، وبمساعدة التبرعات والمتبرعين الكثر من جميع أنحاء العالم، استطاع المتحف ضم مجموعة كبيرة ومتنوعة تضم نحو نصف مليون قطعة. من بين القطع المهمة لفائف مخطوطات البحر الميت وهي أقدم أسفار للتوراة، ترجع الى أكثر من ألفي سنة ومخطوطات يهودية للتوراة من العصور الوسطى". في الحالتين، متحف الكنيست ومتحف إسرائيل، هناك رواية معلنة وواضحة، ليس فقط أنها تتماهى مع الرواية الرسمية، بل تشكل مكوّناً في هذه الرواية.

وعن تأثير المتحف في الجدل العام، وتأثّره بالرأي العام، من حيث ما سيرويه، يمكن إيراد حادثة من العام 2018، حيث قام "متحف التاريخ الطبيعي" في القدس بتغطية معرض حول التطور الإنساني من أجل تجنب الإساءة للزوار اليهود المتشددين. المعرض بعنوان "بداية التطور الإنساني والثقافة"، روى مراحل التحول التدريجي من القردة الى البشر الحديثين، مع عدة جماجم، نماذج وأدوات صيد قديمة مع شرح مكتوب. وبكون العديد من اليهود المتشددين يرفضون نظرية التطور الإنساني العلمية، انصاع المتحف لضغوط وغطى ذلك المعرض.

سردية الدولة أم سردية المواطنين العرب الفلسطينيين؟

في السياق الفلسطيني، تذكر مراكز المعلومات الفلسطينية كيف سارعت سلطات الاحتلال بعد أيام من احتلالها لمدينة القدس العام 1967 إلى بسط سيطرتها على المتحف الفلسطيني ومحتوياته الأثرية؛ وتم إلحاقه بدائرة الآثار الإسرائيلية. هذا المتحف الذي تم افتتاحه في العام 1938 ليكون أحد أقدم متاحف الآثار في الشرق الأوسط، أطلق عليه منذ الاحتلال اسم "متحف روكفلر"، وهو يضم مجموعة كبيرة من القطع الأثرية المكتشفة من الحفريات التي أجريت في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني ما بين العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين.

وحول مركزية المتحف كمؤسسة في إرساء وتكريس السيطرة، تلاحظ منظّمة "عيمق شفيه" أن هناك "استبداداً للرواية"، إذ أنه "منذ البداية، تمت صياغة قوانين التخطيط في الحيّز الأرض-إسرائيلي من وجهة نظر تحتسب الآثار امتداداً للبلاد المقدسة، أرض العهد القديم". هذه المنظمة الناشطة "من أجل حقوق الثقافة والتراث، وبهدف الحفاظ على المواقع الأثرية كممتلكات عامة تابعة لكل المجتمعات والشعوب، وضد استعمال مواقع التراث والآثار كأداة سياسية في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين"، تشير إلى وجود "ثلاثة مركبات أساسية للحفاظ على الآثار في البلاد في ذلك الوقت – القانون وسلطة الآثار والمتحف".

وهي تشرح كيف "تبنت دولة إسرائيل قانون الانتداب البريطاني الذي مكّنها من توطيد العلاقة ما بين التاريخ اليهودي السابق للدولة من جهة، ومحو الصلات التي تربط مواقع أثرية أخرى بفترات متأخرة أكثر من جهة أخرى. إن قوانين الحفاظ على الآثار القليلة التي أضيفت لحماية المواقع المتأخرة أكثر، تنصبّ هي الأخرى وبشكل واضح على تاريخ الاستيطان اليهودي في البلاد (مواقع الاستيطان والنصب التذكارية). استطلاع بقايا المباني المعدة للحماية في البلاد يوضَح أن المعايير الرئيسة في الحماية هي محلية للغاية، وتتطرق الى الهوية ذاتها والرواية الواحدة التي تروي قصة التوطّن والانبعاث في أرض إسرائيل".

بناء على هذه المعطيات والتحليلات، من الضروري البدء بطرح السؤال عن الرواية والمضامين التاريخية والثقافية (والسياسية، بالضرورة) التي سيُملأ بها حيّز "متحف المجتمع العربي" الذي تقول وزارة الثقافة الإسرائيلية إنها رصدت الميزانيات لإقامته. هل ستقوم الحكومة الإسرائيلية فعلاً بالمضيّ قدماً في مشروع إقامة متحف يتحدث باللغة العربية، حضارياً وتاريخياً، وسياسياً؟

كما هو واضح حدّ البداهة، ليس المتحف مستودع أغراض، مهما بلغت قيمتها. بل إنه يقدّم رؤية وسردية وقراءة لحقبة من التاريخ أو لسيرورة من التطورات. يكفي تخيّل الصورة التي سيُراد بها رواية تاريخ الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل، وفقاً للمعجم الرسمي. أي حضور وأي وزن لنكبة الشعب الفلسطيني العام 1948 سيكون في هذه الرواية؟ هل يُتوقع من حكومة إسرائيلية، ممثلة بوزارة ثقافة، أن تموّل فعلا متحفاً ينطق بلسان ووعي ووجدان الفلسطينيين في إسرائيل، من حيث كونهم مع شعبهم متأثّرين بدرجات مصيرية من النكبة التي وقعت بفعل ممارسات مخططة وأخرى متفرّقة ارتكبتها الجهات التي باتت بعد وقت قصير تؤلّف الدولة كمؤسسة؟

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات