المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يشهد حزب "العمل" الإسرائيلي منافسة شديدة على رئاسته، إذ ستجري الانتخابات لرئاسة وهيئات الحزب في الرابع من الشهر المقبل، تموز، وكما هو متوقع فإن الرئاسة لن تحسم في الجولة الأولى، ولهذا فإن الجولة الثانية ستجري بعد ذلك اليوم بأسبوعين. وحتى الآن يتنافس ستة مرشحين، من بينهم الرئيس الحالي إسحاق هيرتسوغ، دون أية إشارة إلى من هو صاحب الاحتمالات الأقوى للوصول إلى رئاسة الحزب؛ فما يجمع المرشحين الستة، غياب النجومية السياسية عنهم، من أقدمهم وحتى من قرر أن يظهر على الساحة الآن.

 

والمرشحون الستة هم: رئيس الحزب الحالي هيرتسوغ، ورئيس الحزب الأسبق، النائب عمير بيرتس، الذي انشق عن الحزب مرتين، وهو يسجل حالة غير مسبوقة في التنقلات الحزبية، والنائب أريئيل مرغليت، والنائب عومر بارليف، نجل الجنرال الأسبق حاييم بارليف، والوزير السابق آفي غباي، الذي استقال من حكومة بنيامين نتنياهو الحالية قبل عام، وكان وزيرا عن حزب "كولانو"، الذي يتزعمه وزير المالية موشيه كحلون، وأخيرا جنرال الجيش في الاحتياط، اللواء عميرام ليفين، الذي يطرق السياسة لأول مرة، وهو في الـ 71 من عمره. وبالإمكان القول، إنه لا أحد من المرشحين الستة، قد ضمن وصوله إلى الجولة الثانية، باستثناء أن الاحتمالات الأضعف هي للمرشحين بارليف وليفين.

وكان حزب "العمل" قد خاض الانتخابات البرلمانية الأخيرة في ربيع 2015، ضمن قائمة تحالفية مع حزب "الحركة" الذي تتزعمه النائبة تسيبي ليفني، وأطلق على التحالف اسم "المعسكر الصهيوني"، وقد حقق 24 مقعدا، من بينها 19 مقعدا لصالح حزب "العمل"، وهي أعلى نتيجة يحققها الحزب منذ انتخابات 2003، علما أن حزب "العمل" هو الحزب المؤسس لإسرائيل، إلا أنه سجل تراجعات متتالية في السنوات العشرين الأخيرة. وكانت المرّة الأخيرة التي ترأس فيها الحكومة في العام 1999، حينما كان يرأس الحزب إيهود باراك، وسقط الحزب عن الحكم بعد 20 شهرا، في شباط 2001، في انتخابات جرت لرئاسة الحكومة وحدها، خسر فيها باراك لصالح أريئيل شارون.

ويشهد الحزب حالة تخبط سياسي كبيرة، تبعده عن أن يكون مرشحا للعودة إلى رئاسة الحكومة. وفي مطلع العام 2016، أقر الحزب برنامجا سياسيا، في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ تخلى عن برنامجه السابق، الذي كان اقرب إلى خطة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، في خريف العام 2000. ويدعو برنامج الحزب الجديد إلى "انفصال من جانب واحد"، عن الضفة، بحيث يكون جدار الاحتلال هو الحدود، للمدن الفلسطينية الكبرى ومحيطها، ويتم "منحها" إدارة ذاتية، دون أي تواصل مباشر مع العالم الخارجي، على أن تكون مرحلة لا تقل عن 10 سنوات، حتى يبدأ الحديث عن مفاوضات حول حل الدولتين.

كذلك فإن الحزب طرح على جدول أعمال الكنيست مشروع قانون لاستكمال بناء جدار الاحتلال من الجهة الشرقية للضفة المحتلة، على أن يقتطع الجدار مساحات شاسعة من الضفة وضمها إلى المستوطنات، وتحول منطقة أريحا إلى منطقة مغلقة ومعزولة.

وتبدو ملامح تقرّب غالبية نواب حزب "العمل" إلى اليمين المتشدد واضحة، وهذا واضح من خلال أداء الحزب أمام موجة التشريعات العنصرية، والداعمة للاحتلال والاستيطان، كما أن الغالبية الساحقة من نواب "المعسكر الصهيوني" مشاركة بهذا القدر أو ذاك في التشريعات الداعمة للاحتلال والاستيطان، وسلب حريات الشعب الفلسطيني، وليس فقط مشروع جدار الاحتلال.

وتقول سلسلة من استطلاعات الرأي، إن تحالف "المعسكر الصهيوني" قد يخسر نصف مقاعده الـ 24، في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة، وتتراوح نتيجته ما بين 11 إلى 15 في أحسن الأحوال.

ونعرض في ما يلي للمرشحين الستة ومواقفهم:

إسحاق هيرتسوغ

إسحاق هيرتسوغ (57 عاما) هو محام بمهنته، وشريك أول في واحد من أكبر مكتب للمحاماة في إسرائيل، وهو نجل رئيس إسرائيل الأسبق حاييم هيرتسوغ في سنوات الثمانين، وقد ظهر إسحاق هيرتسوغ على الساحة السياسية، حينما استقدمه رئيس الحكومة في حينه، إيهود باراك، ليكون سكرتيرا لحكومته، في العام 1999، وهناك برز نجمه السياسي، على أنه كان من أكثر المقربين لباراك، ودخل إلى الكنيست لأول مرة في انتخابات مطلع العام 2003، ثم انتخب وزيرا للبناء والإسكان عن الحزب في حكومة أريئيل شارون الثانية.

كذلك انتخب هيرتسوغ وزيرا عن الحزب في حكومة إيهود أولمرت، وحكومة بنيامين نتنياهو السابقة (جزئيا)، وتولى على التوالي منصبي وزير السياحة ثم الرفاه، وكان داعما لعودة إيهود باراك إلى رئاسة الحزب في صيف العام 2007. وعلى مر السنين، وخاصة في الانتخابات الداخلية التمهيدية التي جرت في الحزب في الأعوام 2006 و2009 و2013، تبوأ هيرتسوغ في لائحة الحزب البرلمانية، على التوالي المكانين الثاني والثالث وعاد في الأخيرة إلى الثاني، وباعتباره شخصية اجماع في صفوف الحزب.

وقد فاز برئاسة حزب "العمل" متغلبا على الرئيسة السابقة للحزب شيلي يحيموفيتش، في تشرين الثاني 2013، وقاد الحزب في انتخابات 2015. وبعد أن كان هيرتسوغ يتبنى الخط السياسي المركزي في الحزب، فقد قاد ابتداء من نهايات العام 2015، خطا يمينيا واضحا. وقد اشتهر في تلك الأيام في خطابه الذي قال فيه إنه على الحزب أن يضع حدا للانطباع الناشئ عنه، بأنه "يحب العرب"، وقد أثارت تصريحاته ضجة كبيرة، ليدعي لاحقا أنه يقصد الفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ العام 1967، إلا أن هذا "التفسير" زاد من الانتقادات له.

وبعد ذلك الخطاب بأيام، ألقى خطابا سياسيا جوهره تحول إلى برنامج الحزب في منتصف الشهر الأول من العام الماضي 2016، والسابق ذكره هنا، أي الانفصال من جانب واحد من الضفة، وتأجيل المفاوضات حول الدولتين إلى سنين طويلة.

عمير بيرتس

نشأ عمير بيرتس في حزب "العمل"، الذي أوصله إلى البرلمان في العام 1988، ومكث في الكنيست حتى يومنا، ولكن في إطار عدة كتل، فقد تمّرد بيرتس على حزبه الأول في الانتخابات النقابية سوية مع حاييم رامون في العام 1994، ولكنه خاض الانتخابات في العام 1996 ضمن حزبه "العمل"، إلا أنه قبل انتخابات العام 1999، شكّل حزبا جديدا وأسماه "عام إيحاد"، وخاض الانتخابات بشكل مستقل في العامين 1999 و2003، ولكن في العام 2005، عاد مع حزبه إلى صفوف حزب "العمل"، ونافس على رئاسة الحزب، وفاز على منافسه شمعون بيريس، الذي فتح الأبواب أمامه ليعود إلى "العمل".

بيرتس حزب "العمل" في انتخابات 2006، ولكنه لم يحقق انجازا للحزب بل سجل تراجعا جديدا، وخسر بيرتس رئاسة الحزب في العام 2007 لصالح العائد إيهود باراك، ولكن بيرتس بقي في الحزب في انتخابات 2009، إلا أنه قبل انتخابات مطلع العام 2013، انشق مجددا عن حزب "العمل"، معلنا احتجاجه على أجندة رئيسة الحزب في حينه، شيلي يحيموفيتش، التي أسقطت قضية الصراع من أولويات أجندتها الانتخابية، وانضم بيرتس إلى تسيبي ليفني، التي أقامت يومها حزب "الحركة"، ولكن ليس قبل أن يضمن لنفسه المقعد الوزاري الثاني، وهو ما حصل عليه بعد انضمام ليفني وحزبها لحكومة نتنياهو.

وحصل بيرتس على حقيبة حماية البيئة، إلا أنه غادر الحكومة في نهاية صيف 2014، وقبل وقت قصير من إعلان نتنياهو حل حكومته، والتوجه إلى انتخابات مبكرة، جرت في الـ 17 من آذار العام التالي 2015.

وضمت ليفني بيرتس اليها في تحالف "المعسكر الصهيوني"، إلا أنه بعد عام من تلك الانتخابات، أعلن انسحابه من حزب "الحركة"، ليعود مجددا وللمرة الثانية إلى حزب "العمل"، ولينافس مجددا على رئاسته. ولا تذكر الحلبة السياسية مثل هذا الشكل من التنقلات السياسية، بحيث أن بيرتس انسحاب من حزبه مرتين وعاد اليه مرتين، ومع كل عودة كان ينافس على رئاسة الحزب.
وعلى الرغم من أن بيرتس ضمن الاربعة المرشحين الذين لهم فرصة للانتقال للجولة الثانية، إلا أن فرصه بالفوز برئاسة الحزب على الأغلب ضعيفة.

أريئيل مرغليت

أريئيل مرغليت (56 عاما) هو رجل أعمال بالأساس، ويحمل لقب دكتوراة في الفلسفة من جامعة كولومبيا الأميركية. وصل إلى الكنيست لأول مرة في الدورة البرلمانية الـ 19، بعد انتخابات 2013، وناشط في حزب "العمل" منذ سنوات. في العام 2011 رشّح نفسه لمنصب رئيس الحزب، في أعقاب الانشقاق الذي قاده إيهود باراك، في مطلع ذلك العام، إلا أنه انسحب داعما إسحاق هيرتسوغ، الذي خسر لصالح شيلي يحيموفيتش في ذلك العام.

اهتمامات مرغليت البرلمانية تتركز في الشأن الاقتصادي، وهو يُعد من المتمسكين بالخط السياسي المركزي في حزبه. وهناك من يراهن على أن لديه احتمالا في الوصول إلى المنصب الذي ينافس عليه.

آفي غباي

ظهر آفي غباي (50 عاما) في السياسة لأول مرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حينما خاض الانتخابات ضمن حزب "كولانو" الجديد، الذي يرأسه وزير المالية موشيه كحلون. وقد حل في المرتبة الـ 11 في قائمة الحزب للانتخابات، إلا أن الحزب حصل على 10 مقاعد، فقرر كحلون تعيين غباي وزيرا للبيئة عن الحزب في حكومة بنيامين نتنياهو؛ إلا أن غباي قرر مغادرة الحكومة بعد عام على توليه منصبه، وهناك من قال إنه من ضمن الأسباب التي دفعته للاستقالة كانت سياسة الحكومة، وقد تعزز هذا بعد أن قرر قبل بضعة أشهر الانضمام إلى حزب "العمل".

وقبل ذلك، برز اسم غباي في السنوات الأخيرة حينما تولى من العام 2007 إلى العام 2013 منصب المدير العام لشركة الاتصالات الأرضية شبه الرسمية "بيزك"، وقبل ذلك على مدى أربع سنوات كان مديرا عاما لشركة الاتصالات الدولية التابعة لشركة "بيزك". وتقول تقارير إن راتبه السنوي في الشركة كان حوالي مليوني دولار، وهو بات من رجال الأعمال

في الأشهر الأخيرة حظي غباي بتغطية واسعة في الصحافة الاقتصادية، على وجه الخصوص، التي عملت على طرح توجهاته الاقتصادية، إلا أن ما كان أشبه بحملة اعلامية لتسويقه تراجع في الأشهر القليلة الأخيرة.

وينشر غباي استطلاعات للرأي تدعي أن حزب العمل برئاسته من شأنه أن يستعيد بعضا من قوته. وهو من ضمن الأربعة المرشحين الأقوى للانتقال إلى المرحلة الثانية.

عومر بارليف

وصل عومر بارليف (64 عاما) إلى الكنيست في انتخابات مطلع العام 2013. وهو يُعد ممن يسمون "أمراء السياسة" في إسرائيل، فهو نجل قائد أركان الجيش الإسرائيلي حاييم بارليف، من العام 1968 إلى العام 1972. كما كان حاييم بارليف، عضو كنيست من العام 1977 إلى العام 1992، عن حزب "العمل"، ولاحقا سفيرا لإسرائيل في موسكو لفترة قصيرة حتى وفاته في صيف 1994.

عومر بارليف من مؤسسي حركة "السلام الآن"، ولكن في المقابل كان ناشطا في جيش الاحتياط، وشارك في الحرب على لبنان في العام 1982، برتبة ضابط في وحدة النخبة "دورية قيادة الأركان".

حصل في العام 1989 على اللقب الثاني في العلاقات الدولية، وكانت رسالته حول شكل اتفاقية استراتيجية تحل الصراع الإسرائيلي السوري. ولاحقا كان مستشارا في طواقم المفاوضات مع الجانبين الفلسطيني والأردني.

في يوم 5 شباط 2014، نشر عومر بارليف مقالا في موقع "إن آر جي" الاخباري الإسرائيلي، يرد فيه على مشاريع قوانين وخطط سياسية تدعو إلى ابقاء منطقة غور الأردن تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، ويشرح أن على إسرائيل أن تكتفي بترتيبات أمنية ومراقبة، وأن تنسحب.

ويختتم المقال بفقرة توضح بعض توجهاته السياسية، وجاء فيها ما يلي: "إن اتفاق انتهاء الصراع يشكل العمود الفقري للأمن القومي الإسرائيلي، ويثبّت إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. سوية مع هذا، هناك بعض الأخطار، ولكنها ليست أخطارا تهدد وجود إسرائيل. وهذا بخلاف التهديد الناشئ من استمرار الوضع القائم، الذي قد يحوّلنا إلى دولة ثنائية القومية. إن السيادة الإسرائيلية في غور الأردن، مع أو من دون بلدات (مستوطنات) إسرائيلية، لا تشكل ضمانا لمنع هذه الأخطار، لا بل إن هذه السيادة من شأنها أن تكون عقبة أمام تحقيق الاتفاق ذاته، وكما أنها تضعف خط الدفاع في الجبهة الشرقية".

ويضيف: "يجب التوقف عن بث أجواء التخويف، واتخاذ قرار بشأن الطرق الأكثر فاعلية للحفاظ على الأمن، والشروع بمبادرة سياسية وقيادتها، فهذا ما فعلته الصهيونية منذ ظهورها، وهذا ما علينا فعله".

إلا أن بارليف هو من بين النواب الذين يبدون تقاربا لمواقف اليمين المتشدد، فهو مثلا المبادر الأول في هذه الولاية البرلمانية لمشروع قانون بناء جدار الاحتلال في الجهتين الشرقية والجنوبية للضفة المحتلة، السابق ذكره هنا. كذلك نشير من خلال رصد القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، أن بارليف امتنع عن التصويت على تمديد قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية، حينما طرح للتصويت في حزيران 2016، إلا أنه أيد تمديد القانون، حينما طرح للتصويت في منتصف حزيران الحالي.

ويشكل بارليف نموذجا للتحولات الجارية عند غالبية نواب حزب "العمل".

عميرام ليفين

عميرام ليفين (71 عاما) هو من أبرز جنرالات الجيش الإسرائيلي في سنوات التسعين، خاصة حينما تولى قيادة الجيش في جنوب لبنان، قبل أن يتولى قيادة المنطقة الشمالية. وقد أمضى ليفين كل حياته في الجيش، إلى أن خلع البزة العسكرية في العام 1998. وقد عينه رئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو، نائبا لرئيس جهاز المخابرات الخارجية "الموساد"، وبقي في منصبه لفترة قصيرة.

لم يبرز ليفين في واجهة الحياة العامة والسياسية، وهذه المرّة الاولى التي يقرر فيها خوض السياسة ومباشرة للتنافس على رئاسة حزب "العمل". ولكن من الأمور اللافتة أنه في الآونة الأخيرة، عبر عن دعمه لمنظمة "لنكسر الصمت"، وهي منظمة لجنود وضباط احتياط تعمل على توثيق شهادات الجنود عن التنكيل بالشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة منذ العام 1967. وتلقى هذه المنظمة الجريئة هجوما مستمرا من الحكومة الحالية ورئيسها، ولذا فإن دعم الجنرال احتياط ليفين لهذه المنظمة يحمل مؤشرات سياسية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات