المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نشر الصحافي الإسرائيلي أمير تيفون في شهر حزيران الماضي، مقالا مسهبا في الموقع الإلكتروني "بوليتيكان"، تحدث فيه بالتفصيل الممل عن سنوات طوال من الصراعات المريرة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورؤساء وقادة أجهزة الأمن الإسرائيلية.

ووصف رؤساء أركان وجنرالات سابقون وكبار قادة أجهزة الإستخبارات نتنياهو على أنه رجل مسياني، تُحركه دوافع شخصية، وأنه عاجز عن حماية والدفاع عن مصالح إسرائيل.

ونقل في هذا السياق عن وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، قوله إن سلوك رئيس الوزراء جعله يفقد الثقة به، فيما صرح رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) السابق يوفال ديسكين بأن نتنياهو "يمثل ستة أعوام من الإخفاقات المتواصلة".

إن مثل هذا النوع من الإساءة والتشويه لسمعة نتنياهو ليس بالأمر الجديد، كما أنه ليس مقتصرا على الساحة الإسرائيلية. ففي خلفية تصريحات ديسكين، يتردد صدى الإتهامات التي كالها وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس، والذي قال في كتاب مذكراته بأن "وضع إسرائيل الإستراتيجي أضحى أكثر سوءا – في ظل حكم نتنياهو – وأن ممارسات إسرائيل تساهم في زيادة عزلتها في العالم". وادعى غيتس أن "إسرائيل تصرفت بصورة غبية من ناحية إستراتيجية" من حيث أنها سعت من أجل تحقيق مكاسب تكتيكية، وأضاف مؤكدا أن "عامل الزمن لا يعمل في صالح إسرائيل".

وفي الحقيقة فإن المسيانية والغباء هما الصفتان الأسوأ بالنسبة لزعيم أمة. ولكن، مهلا: كيف يفهم إذن ديسكين وغيتس الإتفاق الذي توصل إليه نتنياهو مع تركيا، وذلك بالتزامن تقريبا مع المقال المذكور الذي نشر في موقع "بوليتيكان"؟!.

فبعد ستة أعوام من إعادة تركيا لسفيرها في إسرائيل إلى أنقرة، نجح نتنياهو في إقناع ودفع الرئيس أردوغان إلى "النزول عن الشجرة" والتراجع عن مطالبه الرئيسة والموافقة على استئناف كامل للعلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وهذا الإنجاز للسياسة التي ينتهجها نتنياهو لا يعدو كونه مثالا واحدا من أمثلة كثيرة، يبرز التناقض المستمر بين سمعة نتنياهو، كسياسي عديم الكفاءة، وبين سلسلة الإنجازات التي حققها فعليا.

فمنذ عودته إلى رئاسة الحكومة في العام 2009، واجهت إسرائيل تحديات جمة – ابتداء من التحول المعادي لتركيا، مرورا بالبرنامج النووي الإيراني، وأنفاق "حماس" وإطلاق الصواريخ على المدنيين، وإنتهاء بـ "إرهاب" السكاكين.

لقد كان من شأن أي تحدٍ من هذه التحديات أن يضع على المحك أيضا الخبراء ورجالات الإستراتيجيا اللامعين. علاوة على ذلك، فقد إنزلقت كل من مصر وسورية إلى أتون إضطرابات أهلية في فترة ولاية نتنياهو، وحولت الحرب الأهلية في سورية حدود إسرائيل الأكثر هدوءاً، الى "منطقة مستباحة"، تكتظ بمجموعات "جهادية" متناحرة. وفي مصر أطيح بنظام حكم الرئيس حسني مبارك، مما أدى لمرابطة حكومة الإخوان المسلمين، وإن بصورة مؤقتة، على الجانب الآخر للحدود في قطاع غزة.

صحيح أن رئيس مصر الحالي، عبدالفتاح السيسي، تصدى منذ ذلك الوقت بقوة لحركة حماس، ولكن في ظل الفلتان السلطوي في شبه جزيرة سيناء تحولت المنطقة الى مأوى لإرهابيين بايعوا تنظيم "الدولة الإسلامية".

إلى ذلك، وفيما يتعلق بالولايات المتحدة فقد تغير التوجه الأميركي نحو الشرق الأوسط بصورة كبيرة عقب إنتخاب باراك أوباما للرئاسة والذي رأى في المستوطنات عائقا مركزيا أمام تحقيق سلام مع الفلسطينيين.

وقد استغلت إيران بدورها الفراغ الناشيء لتوسيع دائرة تأثيرها إلى العراق وسورية ولبنان وغيرها. وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وقع أوباما مع الإيرانيين على إتفاق وقعت عليه أيضا ألمانيا والدول الخمس الكبرى، مما ساهم في إعلاء شأن إيران ومنحها شرعية متجددة بالعودة إلى أسرة الشعوب، في الوقت الذي بقي فيه البرنامج النووي الإيراني على حاله دون أي مساس أو ضرر تقريبا.

كيف عالج نتنياهو هذه التهديدات؟

صحيح أنه لم يعالجها بصورة ناجعة تماما، لكنه أثبت نفسه كزعيم حذر، يقرأ بصورة واعية أوضاعا مركبة وينجح في تحريك خصومه كما يشاء وحماية مصالح إسرائيل.

كذلك فإن التهديد المتزايد من جانب حركة "حماس"، والمخاطر المنعكسة من إيران، لم تقل أو تتوارى. ولكن إذا ما تفحصنا أعمال وسلوك نتنياهو كرئيس للحكومة، فسوف نجد هنا قائمة إنجازات غير متوقعة في السياسة الخارجية، يمكن لغالبية زعماء العالم أن يتباهوا بها لو أنها كانت من نصيبهم.

الحدود مع سورية

انزلقت المشكلات الناجمة عن الحرب الأهلية في سورية لتمتد في كل اتجاه وصوب، إذ نزح ملايين اللاجئين السوريين إلى الأردن، لبنان، تركيا، العراق وأوروبا، كما تدفقت مجموعات إرهابية مختلفة على سوريا، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية، والذي يشكل أيضا تهديدا إستراتيجيا لكل من العراق والأردن ومصر، فضلا عن قيام تنظيم الدولة – داعش بتنفيذ هجمات كبيرة ومستمرة في قلب العواصم والمدن الأوروبية.

في المقابل فإن إسرائيل، ورغم حدودها المشتركة مع سورية نجحت حتى الآن في البقاء خارج هذا الأتون. وعلى الرغم من أن سورية كانت على امتداد سنوات طوال دولة معادية، إلا أن انزلاقها إلى حرب أهلية وضع تحديا إستراتيجيا كبيرا أمام إسرائيل. قبل خروج الوضع في سورية عن السيطرة، كانت إسرائيل تأمل التوصل إلى اتفاق سلام مع دمشق. مثل هذه الإمكانية، حتى لو كانت ضعيفة، لم تعد قائمة مع دولة تعيش في حالة فوضى وإضطراب. على أية حال فقد كان يتعين على إسرائيل أن تواجه تهديدات فورية أكثر ناجمة عن الأزمة. فقد تمكنت العديد من المنظمات الإرهابية التي تقاتل ضد نظام الرئيس الأسد – ومن ضمن ذلك جبهة النصرة وشهداء اليرموك – من إيجاد موطيء قدم لها على امتداد الحدود الإسرائيلية – السورية في هضبة الجولان.

إلى ذلك فقد كانت هناك، وما تزال، عوامل وأطراف أخرى تزيد من تعقيدات الوضع، فضلا عن محاولة حزب الله وإيران إستغلال حالة الفوضى في سورية من أجل فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل في الجولان.

رغم كل ذلك، فقد ظلت إسرائيل مكانا آمنا. وقد عالج نتنياهو بهدوء التطورات من أجل حماية مصالح دولته، فتوصلت حكومته إلى تفاهمات (دون الإعلان عنها رسميا) مع مجموعات المتمردين المنتشرة على الحدود السورية – الإسرائيلية والتي تدرك، ومن ضمنها منظمات جهادية، بأنها لا تحتاج لحماية جبهتها الداخلية الغربية، وفي المقابل تمتنع عن مهاجمة إسرائيل، بل وتمنع المجموعات الأخرى من القيام بذلك. كما أنها تقيم تنسيقا مع قوات الجيش الإسرائيلي وتقوم بنقل مقاتلين ومدنيين جرحى لتلقي العلاج في المشافي الإسرائيلية. في المقابل فقد قدمت إسرائيل من جهتها مساعدات لهذه المجموعات، لكن ليس من الواضح إذا ما كان الحديث يدور على شيء يتعدى معونات الغذاء والدواء.

بالإضافة الى ذلك تعمل إسرائيل من أجل حماية تجمعات الطائفة الدرزية التي تتعرض للخطر. وفي هذا السياق نُقل عن عضو الكنيست أيوب قرا (الليكود) قوله في العام 2015 "إن دولة إسرائيل تعمل من أجل الدروز في سورية. ومثل هذه الأمور تجري بهدوء دون الإعلان عنها" وليس من المعروف إذا ما كانت المساعدات الإسرائيلية (لمجموعات المعارضة) تشمل مكونا عسكريا.

في شهر أيلول 2015 نشأت مصاعب وتعقيدات جديدة، عقب دخول قوات روسية وإنضمامها للقتال بهدف مساندة نظام الرئيس الأسد. وفي الوقت الذي حولت فيه تركيا الرئيس بوتين الى عدو عقب قيامها باسقاط طائرة مقاتلة روسية ضالة دخلت المجال الجوي التركي خطأ، امتنعت إسرائيل مرتين عن إعتراض طائرتين روسيتين تسللتا إلى مجالها الجوي. ويعمل ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي وقادة سياسيون في إطار تعاون وثيق مع نظرائهم الروس بُغية تحاشي وقوع حوادث إطلاق نار متبادلة بين قوات الجيشين (الروسي والإسرائيلي).

مع ذلك، يجب الإشارة إلى أن نتنياهو لم ينجح في إقناع الروس بعدم نقل صواريخ متقدمة من صنعهم إلى منظمة "حزب الله"، هذا في الوقت الذي ما زالت فيه إيران وحليفتها منظمة "حزب الله" تبذلان كل ما في وسعهما من أجل تعزيز مكانتهما في مواجهة إسرائيل. صحيح أن إسرائيل لم تنجح في إيقاف شحنات الأسلحة الروسية إلى إيران وسورية، لكنها قصفت قوافل أسلحة كانت في طريقها إلى لبنان، دون أن يؤدي الأمر إلى عمليات إنتقامية من جانب "حزب الله" وسورية أو إيران.

كذلك فقد أحبط سلاح الجو الإسرائيلي خطة "حزب الله" بوضع تهديد ضد إسرائيل انطلاقا من هضبة الجولان. ففي 18 كانون الثاني 2015 هاجمت مقاتلات إسرائيلية قافلة تحركت في الجانب السوري لهضبة الجولان فقتلت ستة من أفراد "حزب الله" وضابطا كبيرا برتبة جنرال في "حرس الثورة الإيرانية" (أحد قتلى "حزب الله" في هذه الغارة كان نجل عماد مُغنية القائد العسكري السابق لـ "حزب الله).

تركيا

في شهر أيار 2010 أقدمت إسرائيل على ما بدا في ذلك الوقت خطأ جسيما: ففي نطاق الحملة لفك وتخفيف الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة نظمت جمعية تركية مؤيدة للفلسطينيين أسطول مساعدات على أمل الوصول إلى شاطئ غزة، أو جر إسرائيل لإرتكاب خطأ محرج. وقد نجح مقاتلو وحدة الكوماندوس البحرية في اعتراض أسطول المساعدات التركية، غير أن مجموعة من النشطاء الذين كانوا على ظهر سفينة "مرمرة" هاجموا الجنود الإسرائيليين، وقد لقي تسعة من النشطاء الأتراك مصرعهم في المجابهة التي دارت على ظهر السفينة وأصيب عشرة من أفراد الوحدة الإسرائيلية بجروح.

هذا الحادث أدى إلى مزيد من التدهور في العلاقات مع تركيا، والتي كانت متوترة أصلا. ففي أعقاب ذلك طردت تركيا سفير إسرائيل في أنقرة وأعادت سفيرها في إسرائيل، كما هددت بنشر سفن أسطولها لمرافقة سفن مساعدات في المستقبل، بل ومنع إسرائيل من ("استغلال") ضخ الغاز الطبيعي في حقول النفط في البحر المتوسط. وإستعرض الطرفان عضلاتهما، وقيل وقتئذ إن طائرات مقاتلة إسرائيلية اقتربت من سفن الأسطول التركي، وفي المقابل أبحرت صواريخ سفن تركية على مسافة استفزازية من المياه الإقليمية الإسرائيلية.

لكن التهديد التركي بإرسال مزيد من أساطيل المساعدات إلى قطاع غزة تبدد في نهاية المطاف. فقد لجأت إسرائيل إلى سياسة تدمج بين الدبلوماسية والتجسس والتوجه إلى القانون الدولي بغية إحتواء وإبطال التهديد التركي. في العام 2011، وعندما حاولت الجمعية التركية التي نظمت أسطول "مرمرة" إرسال أسطول مساعدات آخر الى قطاع غزة، جرى إيقاف هذا الأسطول داخل حدود الميناء (اليوناني). فقد نجحت إسرائيل في بلورة معارضة دولية واسعة لهذه الحملة. كذلك صرح وزير الخارجية التركي بأنه يتعين على المنظمين إعادة النظر في خطتهم، ووفقا لتقارير صحافية فقد حاولت إدارة الرئيس أوباما إقناع تركيا بمنع إرسال الأسطول مقابل إستضافة مؤتمر سلام للشرق الأوسط في أنقرة.

منذ تلك الحادثة سعى نتنياهو إلى إقامة تعاون إستراتيجي مع خصمي تركيا اليونان وقبرص. وقد أثمرت شبكة العلاقات هذه عن إكتشاف غاز طبيعي إسرائيلي – قبرصي، بكميات كبيرة. كذلك من المفترض بمشروع "أنبوب البحر المتوسط" المقترح أن يربط بين إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا، كما أعلنت الحكومة البلغارية إعتزامها الإنضمام أيضا إلى هذا المشروع الذي سيتجاوز تركيا ويحبط تطلعها في أن تكون المحور المركزي لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي.

مع ذلك، فقد وضع نتنياهو دائما موضوع إصلاح العلاقات مع تركيا كهدف إستراتيجي. ففي العام 2013 جرت بمبادرة من الرئيس أوباما محادثة هاتفية بين نتنياهو وأردوغان اعتذر فيها الأول (نتنياهو) عن "أي خطأ كان من شأنه أن يؤدي إلى إزهاق الأرواح" أثناء اقتحام أفراد البحرية الإسرائيلية لسفينة "مرمرة"، كما توصل نتنياهو وأردوغان إلى اتفاق حول التعويضات المالية لذوي الضحايا الأتراك. وفي هذا الإطار توقف أردوغان أيضا عن مهاجمة إسرائيل ووافق على عدم محاكمة مسؤولين إسرائيليين كبار لضلوعهم في الحادث. أما نتنياهو فقد حقق الهدف الإستراتيجي المهم من ناحيته وهو إبقاء الحصار المفروض على قطاع غزة ساري المفعول. في نهاية المطاف فإن تركيا – وليس إسرائيل - هي التي تلقت الضربة وعانت من عزلة دولية. وفي العام 2016، وفي نطاق البحث عن مصدر جديد للغاز الطبيعي في أعقاب التوتر بين تركيا وروسيا، التقى مسؤولون أتراك في محادثات مع مسؤولين إسرائيليين، وفي 29 حزيران من العام ذاته صادقت الحكومة الإسرائيلية على اتفاق المصالحة مع أنقرة ووافقت في نطاقه على دفع 20 مليون دولار تعويضات لعائلات ضحايا سفينة "مرمرة". وقد واجه نتنياهو موجة انتقادات شديدة حول الصفقة التي توصل لها مع أردوغان، ولا سيما من جانب ساسة يمينيين مثل الوزيرين في حكومته أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت.

من جهته قال نتنياهو الذي توقع مثل هذه الهجمات والانتقادات، إن إستئناف العلاقات مع دولة إسلامية قوية من موقف قوة هو مصلحة إستراتيجية لإسرائيل.

وقد تمسك نتنياهو بهذا الموقف لفترة طويلة ولم يتزحزح عنه.

إسرائيل وشركاؤها السُنيون

على الرغم من الاضطرابات في المنطقة إلا أن علاقات إسرائيل مع الدول العربية السُنية تعززت بصورة عامة في فترة ولاية نتنياهو. ومما ساهم في ذلك المخاوف المشتركة من برنامج إيران النووي وقوتها المتنامية الأمر الذي مهد الطريق لتعاون هادئ ومُجدٍ في ذات الوقت.

وبما أن إسرائيل ترى في المملكة السعودية - الخصم العربي الأقوى لإيران - وزنا مضادا لطهران، فقد أتاحت لها مساحة مناورة أوسع في شؤون أمنية وإستراتيجية. وفي الشهر الماضي زار إسرائيل علنا جنرال سعودي متقاعد ومستشار سابق للحكومة السعودية واجتمعا مع أعضاء كنيست وموظفين كبارا في وزارة الخارجية الإسرائيلية.

وفيما يتعلق بمصر فقد تحسنت العلاقات مع القاهرة في عهد السيسي، بعد فترة حكم قصيرة لكنها حافلة بالمخاطر للرئيس السابق محمد مرسي. ووصف نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي يائير غولان التعاون الاستخباري القائم مؤخرا بين الدولتين بأنه "منقطع النظير". كذلك فقد صوتت مصر للمرة الأولى إلى جانب مشروع قرار في الأمم المتحدة يدعو إلى قبول إسرائيل كعضو في "لجنة الشؤون الفضائية". وفي تموز الماضي وصل إلى إسرائيل في زيارة علنية نادرة وودية وزير الخارجية المصري سامح شكري، بل وشاهد مع نتنياهو نهاية بطولة كأس أمم أوروبا لكرة القدم.

أما العلاقات بين إسرائيل والأردن على الصعيدين الأمني والإقتصادي فما زالت تجري على أساس آمن وقوي نسبيا. وفي كانون الأول من العام الماضي كشفت الدولتان عن خطة مشتركة بتكلفة 800 مليون دولار لإنشاء قناة بهدف إنقاذ البحر الميت من التجفف. وكانت وزارة الداخلية الإسرائيلية قد أقرت قبل ذلك بشهر واحد خطة لجلب 1500 مواطن أردني للعمل في فنادق إيلات. وفي شهر نيسان 2015 صادق نتنياهو على صفقة لتزويد الأردن بالغاز الطبيعي بقيمة 500 مليون دولار. وفي صيف العام الماضي جرت مناورة عسكرية مشتركة تلقى خلالها طيارون إسرائيليون وأردنيون معا تدريبات في سماء ولاية ألاسكا الأميركية. وتقيم الدولتان علاقات إستخبارية وثيقة، وخاصة فيما يتعلق بالمجموعات الإرهابية الناشطة في سورية.

أفريقيا

في تموز من العام الجاري عاد نتنياهو من جولة ناجحة جدا في أفريقيا، أشارت إلى توطيد العلاقات مع العديد من دول القارة. فقد عاد نتنياهو من هذه الجولة بإنجازات حقيقية ومن ضمنها تأييد كل من أثيوبيا وكينيا علنا إعادة مكانة إسرائيل كمراقب في الإتحاد الأفريقي، كما أعلنت غانا، ذات الأغلبية المسلمة، إستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، والتي كانت قد جُمدت في العام 1967. كذلك أعلنت تنزانيا إعتزامها فتح سفارة في إسرائيل. ويرى نتنياهو في توثيق هذه العلاقات فرصة للفوز بحلفاء جدد ليشكلوا وزنا مضادا للأغلبية الأوتوماتيكية المساندة للفلسطينيين في المحافل الدولية.

وبحسب قول نتنياهو "ربما سيحتاج ذلك بالتأكيد الى 10 سنوات أخرى، ولكننا سنغير الأغلبية الأوتوماتيكية ضد إسرائيل، هذا الأمر لم يكن ممكنا فيما مضى".

الفلسطينيون

فيما يتعلق بالوضع مع الفلسطينيين، يمكن القول إن إمكانية التوصل إلى إتفاق سلام بعيد المدى مع الجانب الفلسطيني لا تلوح في الأفق حتى الآن. إن التوصل إلى حل سلمي قابل للحياة بين الجانبين سيبقى مجرد حلم ما لم تتوصل القيادة الفلسطينية إلى قناعة بأن الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود سيحقق لها مكاسب أكثر من إستمرار النزاع، ولعل ذلك هو السبب في عدم إيجاد حل للمشكلة حتى الآن، بكل ما يترتب على ذلك من أبعاد وإنعكاسات، ومن ضمن ذلك استمرار "الإرهاب" وإطلاق الصواريخ والإدانات الدولية الشديدة والحرب القضائية والقانونية بين الطرفين.

من جهة أخرى، لم ينجح الفلسطينيون منذ خروج الجانب الإسرائيلي منتصرا في الانتفاضة الثانية، في تشكيل تهديد جدي لدولة إسرائيل بأي شكل من الأشكال. صحيح أن موجات العنف الموسمية (كتلك التي شهدتها الضفة الغربية في العام الأخير) تدفع المحللين عادة للتحذير من أن الانتفاضة الثالثة قاب قوسين أو أدنى، غير أن جولات العنف هذه لا تنجح في إكتساب تأييد واسع لها، كما أنها لا تؤدي الى أي تغيير يصب في صالح الفلسطينيين.

من الواضح أن الجهد الرئيسي للسلطة الفلسطينية ضد إسرائيل يجري في المحافل الدولية، إلا أن هذا الجهد، ورغم ما ينطوي عليه من إزعاج لإسرائيل، لا يسفر عن نتائج ملموسة على الأرض. وعلى سبيل المثال فإن سعي السلطة الفلسطينية للحصول على إعتراف كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، واجه معارضة من جانب حكومات دول الغرب، ودخل في حالة جمود تام، ولم تنجح جهود الرئيس محمود عباس على هذا الصعيد سوى في الحصول على إعتراف كدولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة.

ويمكن القول إن الفلسطينيين فقدوا الثقة بحركتهم الوطنية.

من جهة أخرى فإن التهديد الذي تمثله حركة "حماس" في قطاع غزة ما زال يكبر ويزداد، ومن ضمن ذلك في ضوء الجهود الإسرائيلية الرامية لإضعاف الحركة وإستعادة الردع. إن إستعداد "حماس" لخوض حرب ضد إسرائيل بين فترة وأخرى إنما يدل على أن إسرائيل لم تنجح في خلق الردع في مواجهة الحركة على مدى فترة زمنية طويلة. فضلا عن ذلك فإن "حماس" تأتي بصيغة محسنة أكثر تطورا في كل جولة جديدة من جولات المواجهة العسكرية، وقد أنشأت الحركة وحدة خاصة بإسم "النخبة" تضم بضعة آلاف من المقاتلين. وقد نجحت الحركة في جولة (عملية "الجرف الصامد") العام 2014 في قتل 66 جنديا إسرائيليا، بل وتمكنت من شل حركة الطيران من وإلى مطار "بن غوريون" طوال 24 ساعة. ويُشار هنا إلى أن مدى صواريخ "حماس" اتسع أكثر، وبات في وسع عناصر "حماس" الآن تهديد تل أبيب والقدس كما يحلو لها تقريبا.

[للبحث صلــة]

______________________________

(*) الكاتب صحافي ومحرر في مجلة "تايمز أوف إسرائيل". هذا المقال نُشر في مجلة "كومنتري" الأميركية الشهرية المختصة بالشؤون الدولية في آب الفائت وقمنا بترجمته عن العبرية من موقع "ميدا" اليميني.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات