المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة لعاملين اجتماعيين في ميدان رابين في شباط 2023. (دافار)

أفرزت الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي المزيد من الاحتياجات الاجتماعية الملحّة – المتراكمة أصلاً - لدى مجموعات سكانية كثيرة في إسرائيل. فهناك تراجع اقتصادي واضح يزيد من حجم الفقر أو التدهور في السلم الاقتصادي، مع ما يرافق هذا من ضغوط مختلفة، تحتاج في حالات عديدة إلى تدخّل من قبل سلطات وأجهزة الرعاية والعمل الاجتماعي. ينطبق هذا على أسر مفككة وأخرى يضربها العنف المنزلي، وشرائح شبابية معرّفة على أنها في خطر، ومجموعات عمريّة متقدمة في السن تفتقر لمن يرعاها، وغيرها. في هذا الشأن هناك دور مركزي للعاملات والعاملين الاجتماعيين، مثلما نصّ القانون وكما هو مقرّر في السياسات الحكومية والواجبات الملقاة على أجهزة العمل والرفاه في السلطات المحلية والبلدية.

ومع احتلال الشأن الأمني والعسكري العناوين وطاولات الجدل والانشغال العام، تكاد لا تُسمع الصرخة التي يطلقها العاملون والعاملات في أجهزة الرعاية والعمل الاجتماعي. خصوصاً أن معظم الجمهور الذي يحتاج إلى الرد والعلاج – لو استثنينا جهاز الجيش – من الشرائح المستضعفة والمُفقرة.

تقول نقابة العاملين الاجتماعيين في إسرائيل في بيان أواسط شباط الجاري: "إن مواطني إسرائيل بحاجة إلى العلاج ولا يمكننا الاستمرار في الصمت. الكلمات الجميلة لن تساعد بعد الآن. كفى بالفعل. الناس يقعون في براثن الفقر، كبار السن يموتون في منازلهم، هناك أشخاص ينتحرون ونساء يتعرضن للمساس والأذى. لكن صرختنا لا تخترق انغلاق وزارة المالية والحكومة". وأضافت بين التحذير والتهديد أنها لن تستمر في هذا "وإذا لم يكن أمامنا خيار، فسوف نعطّل الخدمات الاجتماعية مرة أخرى".

للتذكير: في أيلول 2022 انتهى احتجاج العاملات والعاملين الاجتماعيين الذي اشتمل على إضراب ومظاهرات، بتطبيق اتفاقية عمل تم توقيعها. ووفقاً لموقع نقابة العمال العامة (الهستدروت) فقد "دخل الإصلاح في أجور العاملات والعاملين الاجتماعيين حيز التنفيذ في بداية أيلول، ومن المفترض أن ينعكس في الأجور المدفوعة في الأيام المقبلة، بما في ذلك الدفع بأثر رجعي منذ تموز 2021. الإصلاح هو تنفيذ الاتفاقية الجماعية الموقعة بين الهستدروت والحكومة ونقابة العاملات والعاملين الاجتماعيين في أيار 2022، وذلك بعد احتجاج خاضوه في عام 2020 وتضمن أيضاً إضراباً مدةَ 17 يوماً. وتوقفت الخطوات الاحتجاجية بعد التزام الدولة بأن تدفع على قسطين متساويين 200 مليون شيكل لتحسن الأجور".

زيادة بنحو 50% في التوجهات المتعلقة بالعنف المنزلي بسبب الحرب

وفقاً لمعطيات النقابة، هناك زيادة بنحو 50% في التوجهات المتعلقة بالعنف المنزلي بسبب الحرب. وكما تقول عاملة اجتماعية انتُدبت لتشارك في جلسة للجنة العمل والرفاه البرلمانية: "من حق هؤلاء النساء الحصول على ردّ وعلاج، وإذا وصلنا إلى وضع لا نعمل فيه سوى على منع جريمة القتل التالية، فلن نتمكن من علاج قوامه التأهيل والرفاه. كل يوم أعود إلى المنزل وأنا أشعر بالقلق بشأن ما لم يكن لدي وقت للقيام به. لا يوجد سبب يجعلني أتعاطى مع هذا القلق بمفردي. أنتم متخذو القرار يجب أن تشاركوني هذا القلق". وتؤكد النقابة أن الدولة "لا تخصص للخدمات الاجتماعية الموارد والأجور والوظائف اللازمة".

تورد النقابة مثالاً من مدينة كريات شمونة الشمالية التي تم إجلاء معظم سكانها، فتنقل عن إحدى العاملات الاجتماعيات: "منذ اندلاع الحرب، رافقنا جميع سكان كريات شمونة البالغ عددهم 22 ألف نسمة في جميع أنحاء البلاد، بنفس عدد العاملات الاجتماعيات في الأيام العادية وهذه مهمة مستحيلة". وتضيف أن هذا الوضع دفع "ست عاملات رائعات ومخلصات إلى طلب إنهاء عملهن والاستقالة. وفي نهاية المطاف، الخسارة هي للسكان الذين تم إجلاؤهم، وللأطفال الصغار الذين يحتاجون للمساعدة الملحّة ولا يجدون الرد المناسب، ولكبار السن الذين ليس لديهم من يسأل عن أحوالهم، ولمن يعاني من محدودية ما، والذي فقد كامل البرنامج الذي بني له، وللمرأة التي أخذوا زوجها لخدمة الاحتياط، وللشباب الضائع، وللمتضررين من العنف والإهمال".

وهي ككثيرات في جهاز الرعاية الاجتماعية توجّه نقداً حاداً لأجهزة الدولة بالقول: "وجع مدينة بأكملها لا يحظى بالرد والعلاج الكافي، هؤلاء الناس يستحقون المساعدة، لقد تم إجلاؤهم من منازلهم، ودولة إسرائيل لا تعرف متى ستكون العودة الآمنة، وفي الوقت نفسه الدولة لا تهتم بأن يكون هناك من يلتقي بهم ويعتني بهم، سنستمر في بذل كل ما في وسعنا للقيام بعملنا، لكننا نحذركم من أننا لا نستطيع الوصول إلى الجميع".

في جلسة لجنة العمل والرفاه البرلمانية المُشار إليها أعلاه، قالت مديرة الخدمات الاجتماعية في منطقة تل أبيب في وزارة الدفاع: "نحن في حالة تعبئة كثيفة ونساهم في الهم العام، لكن منذ اندلاع الحرب بات لدينا عامل اجتماعي واحد لكل 1000 جريح. وهذه زيادة بنحو 200 جريح لكل عامل. وحتى الآن لم نستقبل سوى نحو 6000 جريح من بين 12000 جريح. من الواضح لنا أننا في بداية الحدث فقط لأننا لم نبدأ حتى في استقبال مرضى ما بعد الصدمة. أعلم أن هناك طلباً لوظائف إضافية، لكننا الآن بعد 4 أشهر من الحرب ولم تتم إضافة ولو وظيفة واحدة".

النقابة تكذّب مزاعم الحكومة عن زيادة ميزانية وزارة العمل والرفاه

تعرّف وزارة العمل والرفاه خدمات العمل الاجتماعي على أنها "تهدف إلى مساعدة المجتمعات من مختلف الأنواع في النهوض بإجراءات التطوير، التخطيط والانتظام الجماهيري، لكي تتمكن من التأثير على إجراءات اتخاذ القرارات المتعلقة بها، بموازاة تحقيق الإمكانيات والقدرات الكامنة فيها. ومن خلال هذه الإجراءات، تنجح المجتمعات في تحسين جودة حياتها، واكتساب مناعة، واستخلاص الحقوق المتوفرة، والنهوض بحقوق إضافية وأن تكون ذات معنى في إطار إجراءات التغيير المجتمعي التي تسري على المجتمع في إسرائيل".

وفقاً للمعطيات ليس هناك نقص في العاملين والعاملات الاجتماعيات، "بل يوجد في إسرائيل  ما يكفي من العاملين الاجتماعيين المؤهلين والمخلصين والمهنيين الذين يمكنهم الاستجابة للجراح البالغة التي خلفتها أحداث 10/7 والحرب المستمرة"، كما تقول النقابة. وهي تورد المطالب التالية مشددة على أن "على حكومة إسرائيل تحمّل مسؤوليتها والتعامل مع عمق الأزمة" من خلال 5 إجراءات:

1. إدخال الدفعة الثانية من اتفاقية العام 2022 لتمكين توظيف العاملين والعاملات الاجتماعيات والعاملات في الخدمة العامة.

2. إضافة ما يصل إلى 5000 أخصائية اجتماعية في كافة الخدمات العامة.

3. الحد من العبء في العمل.

4. التدريب المنتظم لكل عاملة اجتماعية.

5. حوافز اقتصادية إضافية من شأنها إعادة العاملين الاجتماعيين إلى الخدمات العامة.

تكذّب النقابة مزاعم الحكومة عن زيادة ميزانية وزارة العمل والرفاه، مؤكدة أنه: ليست هناك إضافة مليار، بل اقتطاع عشرات الملايين من الميزانية. الوزارة أصدرت إعلاناً مضللاً، حصلت بموجبه على زيادة مليار شيكل - رغم أنها لم تحصل على أي زيادة. بل إن الزيادات التي سُجّلت قد تمت الموافقة عليها عملياً منذ عام تقريباً! أي أنه على الرغم من الحرب، تم تخفيض ميزانية الرعاية الاجتماعية بمبلغ 80 مليون شيكل. وبدلاً من عرض الوضع أمام الجمهور، تتعاون الوزارة مع خطط وزارة المالية الملتوية لتخفيض الميزانية، كما قالت.

اتهامات النقابة لوزارة المالية بالتلاعب بالأرقام لإظهار وضع مختلق وكأنه تمت زيادة ميزانية وزارة العمل والرفاه الاجتماعي، تبيّنها بيانات الوزارة لميزانية 2023-2024، وتقرر فيها منذ نحو عام أن تتم زيادة ميزانية إدارة المحدوديّات بأعلى معدل، وفقاً لقانون خدمات رعاية الأشخاص ذوي المحدوديّات. وتوسيع هذه الخدمات بمقدار 125 مليون شيكل في العام 2023 وبمقدار 476 مليون شيكل في العام 2024. تقرر كذلك أن تحصل رعاية الأطفال والأسر المعرضين للخطر، بسبب العنف الأسري، على زيادة في الميزانية قدرها 110 ملايين شيكل في العام 2023 و 170 مليون شيكل إضافي في العام 2024. وتوسع الخدمات للشباب المعرضين للخطر بمقدار 31 مليون شيكل في العام 2023 و 34 مليون شيكل إضافي في العام 2024. وزيادة في الميزانية لخدمات المجتمع لكبار السن أيضاً قدرها 55 مليون شيكل في العام 2023 و 65 مليون شيكل إضافي في العام 2024.

عدد الحالات التي يعالجها العامل/ة الاجتماعي/ة أعلى بأربعة أضعاف من المعيار

العاملات والعاملون الاجتماعيون يتهمون وزارة المالية بمواصلة التعامل وكأنه لم تقع حرب وأنها تقود مسار تقليصات لما لا يقل عن 3%، أي نحو 78 مليون شيكل، من الميزانية الأساسية. وهي بهذا تقوم بإغلاق الرعاية الاجتماعية. وتقول نقابتهم: الآن على وجه التحديد، عندما زادت احتياجات ضحايا الحرب، والأشخاص الذين تم إجلاؤهم، والمختطفين، وعائلات الجنود وعامة الناس المحتاجين للرعاية والعلاج، بـ 3 مرات، وعندما باتت هناك حاجة إلى 5000 عاملة وعامل اجتماعي إضافي للتعامل مع العواقب الراهنة - يجري خفض ميزانيات الرعاية الاجتماعية.

ارتباطاً بالنقطة السالفة، أوصى تقرير داخلي لوزارة العمل والرفاه الاجتماعي أنه يجب ألا يتجاوز عدد الأسر التي يعالجها العامل/ة الاجتماعي/ة 50 أسرة. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تحديد حجم العمل المطلوب للعاملات والعاملين الاجتماعيين في أقسام الخدمات الاجتماعية. أما الواقع الفعلي، بحسب التقرير الذي كشفته صحيفة "هآرتس"، فإن متوسط ​​عدد الحالات حالياً أعلى بأربعة أضعاف ويصل إلى نحو 200 عائلة. وينتقد التقرير عدم وجود قاعدة للبيانات، ويشير إلى سلسلة من الإخفاقات، بما في ذلك "الاستنزاف المتسارع والتسرب وارتفاع معدل تبدّل العاملين الاجتماعيين"، وهي المشاكل التي حذرت منها المنظمات الاجتماعية والأكاديميون لسنوات عديدة. ورغم الاعتراف الرسمي بـ"تصاعد الأزمة في دوائر الخدمات الاجتماعية"، فإن مصادر مطلعة على التفاصيل تقدر أن فرص تنفيذ التوصيات منخفضة، لأنها "ليست في سلّم أولويات الحكومة".

وبحسب بيانات تشير إلى شهر تشرين الثاني، فإن نحو 435 ألف أسرة (فيها نحو 275 ألف طفل حتى سن 17 عاما معرضين للخطر) تتلقى الرعاية والعلاج في أقسام الخدمات الاجتماعية في عموم البلاد. ومن تحليل وضع القوى العاملة، يبدو أن كل عاملة وعامل اجتماعي يعالج، في المتوسط، 200 أسرة. ويذكر التقرير بشكل استثنائي أن وزارة العمل والرفاه الاجتماعي "غير قادرة على تقدير حجم الاستثمار المطلوب أو المخصص لكل عائلة". كما وجدت دراسة داخلية أجريت في الوزارة أن 40% من جميع العاملات والعاملين في أقسام الخدمات الاجتماعية يتركون عملهم في السنة الأولى - ونحو نصفهم من العاملين مع العائلات. و"لقد تم تخفيض حجم العمل مقابل الأسرة على مر السنين، وأكثر من نصف العاملات والعاملين يعملون في الوقت نفسه في مجموعة واسعة من الوظائف، التي تحتاج إلى معظم موارد وقتهم واهتمامهم".

الشعور بالاستنزاف في العمل وعدم التقدير بهذا المجال يعودان إلى سنوات مضت. فوفقاً لمعطيات نشرتها صحيفة "معاريف" عن العام 2022، جاء أن 25% من العاملات والعاملين الاجتماعيين، يفكرون في ترك هذه المهنة بسبب الأجر المتدني والأعباء الكثيرة إلى جانب ظروف صعبة أخرى. ونحو 70% من العاملين في مجال الخدمة الاجتماعية يتلقون ضمانا للدخل، أي أن أجورهم تقلّ عن الحد الأدنى للأجور. الصورة القائمة الآن هي لتفاقم في الحالات والاحتياجات والاستغاثات مقابل تقليص لحجم ووتائر الرعاية والردود، وسط حرب تواصل مراكمة الأعباء والضائقة والإحباط.

المصطلحات المستخدمة:

الهستدروت, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات