المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
حكومة بينيت – لابيد: "الأغلبية الهشة" تصمد. (أ.ف.ب)
حكومة بينيت – لابيد: "الأغلبية الهشة" تصمد. (أ.ف.ب)

 يخرج الكنيست الإسرائيلي هذا الأسبوع لعطلة صيفية تستمر شهرين، في حين تُظهر الحكومة الجديدة نوعا من الاستقرار، وهو ما لم يكن منذ ثلاث سنوات، رغم أنها ترتكز على أغلبية هشة، وتعمل مثل الذي يحاول اجتياز النهر الهائج على ألواح خشبية، في كل مرّة احتاجت فيها إلى تمرير قوانين وقرارات. لكن الحكومة التي ستكون بعيدة لمدة شهرين عن أخطار حجب الثقة، بفعل العطلة الصيفية، ستعمل على إقرار الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل، بالقراءة الأولى، حتى نهاية شهر آب الجاري، كي يتسنى لها إنجاز القراءة النهائية في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني المقبل، وإلا فإن الحكومة ستُحلّ تلقائيا، بموجب القانون المؤقت الذي تشكلت على أساسه الحكومة الحالية.

وفي الأيام الخمسين الأولى للحكومة، منذ حصولها على الثقة، وحتى خروج الكنيست الى عطلته الصيفية، لا يظهر أنها حققت إنجازات خاصة، سوى أنها نجحت في تمرير سلسلة القوانين، التي تضمن تسيير أعمال الحكومة، مع تغييرات في أنظمة الحكومة، لتتلاءم مع تركيبة الحكومة الحالية.

وعلى ضوء أنها ترتكز على أغلبية هشة من 61 نائبا، فإن ملامح الاستقرار بالنسبة لها تعد إنجازا، بسبب وجود نواب متمردين، بالذات من الكتلة البرلمانية الصغيرة، التي يترأسها رئيس الحكومة نفتالي بينيت. وقد ذكر، في نهاية الأسبوع الماضي، أن النائب عميحاي شيكلي المنشق عن كتلة يمينا بسبب تشكيل الحكومة الحالية، يفاوض كتلته للانشقاق عن الكتلة بالاتفاق، وليشكل كتلة من نائب وحيد، وأن لا تفرض عليه كتلته عقوبات برلمانية، مقابل أن يدعم ميزانية الدولة للعامين الجاري والمقبل. فلكتلة يمينا 7 نواب، إلا أن النائب شيكلي الذي استقدمه بينيت من الصفوف السياسية البعيدة ليكون عضو كنيست، رفض الحكومة الحالية، وصوّت ضدها. وبموجب القانون، فإنه لا يمكن الانشقاق عن الكتلة البرلمانية، إلا لثلث أعضاء الكتلة البرلمانية على الأقل، كما أن الكنيست لا يمنح امتيازات مالية لكتلة مستقلة من نائب واحد. كذلك يمنح القانون الكتلة البرلمانية الإعلان عن نائب متمرد بأنه نائب منشق، وتحرمه من العمل البرلماني الحر، مثل طرح مشاريع قوانين للتصويت عليها في الهيئة العامة، وتقديم مواضيع للأبحاث. والأهم من كل هذا، أنه سيكون محظورا عليه المشاركة في الانتخابات المقبلة، ضمن أحد الأحزاب الممثلة حاليا في الكنيست، حتى ولو أعلن عن تشكيل حزب جديد.

أما إذا كان الانشقاق بالاتفاق، فإن كل هذه العقوبات تزول. ولهذا يطالب شيكلي بإبرام صفقة مع كتلته يمينا، لدعم ميزانية الدولة، وبذلك يكون للحكومة 62 نائبا، ثم ينشق بالاتفاق عن الكتلة، ويشكل كتلة مستقلة من نائب واحد. وأعلنت مصادر في كتلة يمينا أن الموضوع قيد الفحص، وهناك شك في ما إذا ستقبل الكتلة هذا العرض.

في السياق ذاته قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن أعضاء بارزين في الائتلاف الحاكم توجهوا لنائب من مجموعة نواب الليكود الأكثر تطرفا، شلومو كرعي، وعرضوا عليه أن يجد ثلاثة نواب آخرين من كتلته لينشقوا عن الليكود وينضموا إلى الائتلاف، مقابل وظائف وزارية وبرلمانية كبيرة، إلا أن كرعي رفض العرض كليا. وهذا العرض، يتماشى مع التعديل القانوني الجديد، الذي أقره الكنيست بمبادرة الحكومة، ويجيز لأربعة نواب الانشقاق عن كتلتهم البرلمانية، حتى لو لم يكونوا ثلث الكتلة البرلمانية.

عمليا، وكما ذكر من قبل، فإن الميزانية العامة لن تكون تهديدا لضمان استمرار الحكومة الحالية، وأصلا فعلى مدى السنوات الـ 73 لم تسقط حكومة واحدة بسبب الميزانية العامة، وتركيبتها. وما كنا نشهده، هو أنه في فترات إقرار الموازنة العامة كانت تتفجر أزمات داخلية في الائتلاف الحكومي، تمنع تمرير الميزانية، فالقانون يفرض على كل حكومة مواعيد محددة لتمرير الميزانية العامة، وفي أحيان كثيرة، وخاصة في السنوات الأخيرة، جرت تعديلات عديدة على قانون مواعيد الموازنة العامة، خاصة حينما بدأ إقرار ميزانيات مزدوجة من العام 2009 ولاحقا.

وبعد مرور قرابة شهرين على تشكيل الحكومة، يبدو أن أطراف الحكومة ملتزمين بالاتفاق القائم بينهم، وهو تجنب كل القضايا الخلافية وعدم طرحها إلا بعد مرور عام كامل على تشكيل الحكومة، والقصد هنا مشاريع قوانين وقرارات ليس حولها إجماع في الحكومة.

القضية الخلافية الوحيدة التي ظهرت في الأيام الأخيرة، قبل خروج الكنيست إلى العطلة الصيفية، هي مشروع قانون سيمنع بنيامين نتنياهو من العودة الى رئاسة الحكومة، طالما يواجه لائحة اتهام، إذ بادرت كتلة "أمل جديد" التي يترأسها وزير العدل جدعون ساعر، لمشروع قانون يمنع تكليف عضو كنيست لتشكيل حكومة، في حال يواجه لائحة اتهام ومحاكمة، كما يفرض على رئيس الحكومة الاستقالة من منصبه خلال 30 يوما، من يوم تقديم لائحة اتهام ضده.

وسيكون متاحا عرض مشروع القانون على الهيئة العامة للكنيست مع بدء الدورة الشتوية، إلا أن رئيس الحكومة نفتالي بينيت وكتلته يعارضان هذا القانون، بدعوى أنه موجّه ضد شخص بعينه، أي بنيامين نتنياهو، ولكن الاعتقاد السائد هو أن هذا الموقف المعارض سيتراجع بعد تمرير الموازنة العامة. وفي حال تمرير القانون في الدورة الشتوية، فإن الأزمة ستنتقل فورا الى داخل حزب الليكود.

أداء المعارضة

تنقسم المعارضة البرلمانية الحالية إلى قسمين، فالقسم الأساس الذي يضم 53 نائبا، هم الليكود وحلفاؤه، والنائب المنشق عن كتلة يمينا، والقسم الثاني هو كتلة القائمة المشتركة. وبطبيعة الحال لا يوجد انسجام بين الجانبين، وتصويت كتلة القائمة المشتركة كان عينيا حسب القضايا المطروحة، والتلاقي في الموقف لا يعني إطلاقا التلاقي في الموقف السياسي، على سبيل المثال حينما عارضت كل كتل المعارضة تمديد سريان قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل.

والائتلاف الحكومي مستفيد من هذا الوضع القائم في المعارضة، خاصة لدى طرح اقتراحات حجب الثقة عن الحكومة، إذ من الصعب، إلى درجة شبه المستحيل، أن يلتقي نواب المعارضة الـ 59 في تأييد لأحد اقتراحات حجب الثقة، لأن الموضوع الذي سيطرح كذريعة لحجب الثقة عن الحكومة على الأغلب سيكون سياسيا، هذا أولا، أما ثانيا، فإنه بموجب قانون الكنيست على كتلة برلمانية تبادر لاقتراح حجب الثقة، أن تطرح اسم مرشح لرئاسة الحكومة في حال تم حل الحكومة القائمة، وهنا أيضا من المستحيل أن يتفق طرفا المعارضة على مرشح لرئاسة الحكومة.

عدا هذا، فإنه بموجب القانون لا يجوز إسقاط أي حكومة، إلا بأغلبية عددية لا تقل عن 61 نائبا، وكل أغلبية تقل عن هذا العدد، تُسقط اقتراح حجب الثقة.

الحكومة والائتلاف مستفيدان أيضا من هذا التقاطب في المعارضة، حينما تطرح كتل اليمين الاستيطاني المعارضة اقتراحات قوانين عنصرية وداعمة للاحتلال والاستيطان، فهنا كتلة القائمة المشتركة ستكون معارضة لهذه المشاريع كلها.

يضاف الى هذا أن تصويت كتل اليمين الاستيطاني المعارضة ضد تمديد سريان قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، خفف الضغط على نواب اليمين الاستيطاني في الائتلاف، ليعارضوا مشاريع قوانين للمعارضة، تتماشى مع توجهاتهم اليمينية المتطرفة.

هذا الاستقرار النسبي في الحكومة وائتلافها يثير القلق على نحو خاص لدى عضو كنيست أكثر من غيره: بنيامين نتنياهو، الذي يعرف أنه كلما طال عمر الحكومة واجتازت عامها الأول مع مؤشرات استقرار أكثر، فإن بقاءه على رأس الليكود سيكون تحت علامة سؤال قوية، خاصة وأنه في هذه الفترة سيكون مسار محاكمته قد تقدم أكثر.

الميزانية العامة

ظهر تماسك الائتلاف في أن الحكومة أقرت بالإجماع مشروع الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل، بدون أن تصدر تهديدات من أي كتلة برلمانية من الكتل الثماني التي تشكل الائتلاف بأنها ستصوت ضد المشروع، أو أنها تشترط الحصول على ميزانيات أكبر لتمرير الميزانية.

وتبلغ قيمة ميزانية العام الجاري 2021 حوالي 606 مليارات شيكل (ما يعادل 187 مليار دولار)، إلا أنه في هذه الميزانية هناك ميزانية استثنائية زائدة لمواجهة كورونا، لتهبط ميزانية العام المقبل 2022 إلى 560 مليار شيكل (172 مليار دولار). وكما هو معروف فإن حوالي 33% من هذه الميزانية تصرف على تسديد الديون والفوائد، التي تفاقمت جدا في عام كورونا.

وتتوقع وزارة المالية أن يصل العجز في الموازنة العامة، في العام الجاري، إلى نسبة 6.8% من حجم الناتج العام أي ما يعادل من 96 مليارا الى 100 مليار شيكل (30 مليار دولار). وتهبط نسبة العجز في العام المقبل حسب التخطيط الى 3.9%، وفي العام 2023 إلى نسبة 3%، وتواصل النسبة تراجعها حتى العام 2026 لتكون 1.5%.

وأول ما تم الاتفاق عليه بين أطراف الحكومة كانت ميزانية وزارة الدفاع، التي سيكون أساسها أكثر من 71 مليار شيكل (22 مليار دولار)، بضمنها حوالي 13 مليار شيكل، هي ميزانية الدعم العسكري الأميركي السنوي لإسرائيل، بقيمة 3.8 مليار دولار. وهذا لا يشمل الزيادات السنوية التي يحصل عليها الجيش، كميزانيات استثنائية، تتراوح سنويا ما بين 4 مليارات الى 8 مليارات شيكل، وأحيانا أكثر، خاصة في سنوات الحروب.

ميزانيات المجتمع العربي

سارعت كتلة القائمة العربية الموحدة برئاسة النائب منصور عباس، الشريكة في الائتلاف الحاكم، للإعلان أنها حققت 53 مليار شيكل للمجتمع العربي. وهي مقسمة على النحو التالي: 30 مليار شيكل خطة مالية تصرف على مدى 5 سنوات، بمعنى 6 مليارات شيكل سنويا. ثم 20 مليار شيكل، تخصص للبنى التحتية وخاصة شبكات الشوارع، تصرف على مدى 10 سنوات. وبعد هذا ميزانية 2.5 مليار شيكل لتمويل خطة مكافحة الجريمة المستفحلة في المجتمع العربي، وهي ذات الخطة التي أعلن عنها بنيامين نتنياهو كرئيس حكومة، في خريف العام 2020.

الأمر الأساس من ناحية حسابية، في ما أعلنته كتلة الموحدة، أنها لم تذكر حجم الميزانية الإضافية في هذه المبالغ، لأنه واضح للجميع أن في هذه المبالغ ميزانيات قائمة أصلا بدون حاجة لاتفاقيات خاصة. ولكن ليس هذا فقط، فقد نقلت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية في عددها الصادر يوم 3 آب الجاري، عن مسؤولين في وزارة المالية، قولهم إنهم لا يعرفون عن مصدر الأرقام. وقالت الصحيفة في تقريرها إن المبلغ الإجمالي هو 34.5 مليار شيكل، وليس 53 مليارا، لأن ميزانية 18 مليار شيكل مخصصة سلفا، في وقت سابق، للشركة الحكومية "نتيفي يسرائيل" لتطوير شبكة الشوارع في السنوات العشر المقبلة، خاصة في الشمال والجنوب، حيث نسبة المواطنين العرب عالية.

والمبلغ الذي تذكره الصحيفة، يشمل 2.5 مليار شيكل ستخصص لمواجهة الجريمة، وجلّ هذا المبلغ مخصص لإقامة مراكز شرطة ودفع رواتب لعناصر الشرطة.

وعدا عما ذكرته الصحيفة على لسان مسؤولين في وزارة المالية، فإن قسما من الأموال التي ذكرتها القائمة الموحدة، ملقى على عاتق الوزارات المختلفة، ولا يوجد في ميزانيتها بنود استثنائية للصرف على المجتمع العربي، وإنما سيكون الأمر متعلقاً بنوايا الوزير وشكل صرف ميزانية وزارته، فكل صرف زائد على العرب سيكون على حساب بنود قائمة.

كما نشر المحلل الاقتصادي حجاي عميت في صحيفة "ذي ماركر" مقالا يوم 4 آب الجاري، طرح فيه عدة أسئلة حول جدية هذه الميزانيات التي تطرحها الموحدة، ويقول إن أكثر من نصفها ميزانيات أقرتها الحكومات السابقة، ومنها ما هي مخصصة للمجتمع العربي البدوي في النقب، وميزانيات أخرى مخصصة للمجتمع العربي الدرزي في الشمال، عدا ميزانية البنى التحتية السابق ذكرها- 18 مليار شيكل.
كذلك يشير عميت إلى أن جزءا من الميزانيات التي تتحدث عنها الموحدة هي أصلا ميزانيات لم يتم صرفها في الخطة الحكومية 922 المخصصة للمجتمع العربي وأقرت في العام 2016. وأعيد طرحها وكأنها ميزانيات جديدة.

ويقول عميت: يجري الحديث عن وعود على الورق، لأن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه، "هو حجم الميزانية التي ستصرف فعليا على المجتمع العربي". ويشير إلى الصعوبة القائمة في أن تصرف المجالس البلدية والقروية الميزانيات الاستثنائية التي ستخصص لها. وما لم يذكره عميت هو أن هذه الميزانيات الاستثنائية، هي ميزانيات بناء وتطوير، وكي تتحقق على الأرض بحاجة الى أراض إضافية في الوقت الذي تشهد فيها الغالبية الساحقة من البلدات العربية حالة حصار واكتظاظ، لرفض كل الحكومات توسيع مناطق نفوذها.

ويتابع عميت: "مع الأخذ بالحسبان صعوبات صرف الميزانيات في المجالس البلدية والقروية، كما ظهرت هذه الصعوبات من قبل، فإننا سنكون متشككين في مسألة إخراج هذه الوعود المالية لحيز التنفيذ". وأوضح عميت: "إن قرار رصد ميزانيات في المجتمع العربي لم يظهر كبنود واضحة في أساس الموازنة العامة، بل سيظهر فقط بعد إقرار الموازنة العامة كليا. وعلى الرغم من هذا، فإن وزارة المالية ستكفل فقط نصف الميزانيات المعلنة (التي غالبيتها ميزانيات أساسية)، أما النصف الثاني من هذه الميزانيات المعلنة، فعليها أن تأتي من الوزارات المختلفة، وهذا سيكون مرتبطا عمليا بمدى التزام هذا الوزير وذاك، بالاتفاقيات الائتلافية"، ويقصد ضمنها الاتفاق مع القائمة الموحدة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات