المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
يهودا فوكس "ينسحب" في زمن اليمين الزاحف داخل الجيش. (صحف)

في نيسان 2024 أعلن اللواء يهودا فوكس نيته ترك منصبه مع انتهاء ولايته في آب 2024. فوكس هو قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، والحاكم العسكري للضفة الغربية، والذي تحت "منطقة السيادة" التابعة له تعمل أيضاً السلطة الفلسطينية (منطقتا "أ" و"ب") والإدارة المدنية (منطقة "ج")، ويعتبر أيضا "وزير الأمن الداخلي" بحيث أن الشرطة والمخابرات وحرس الحدود وباقي قنوات التنسيق الأخرى، تعمل تحت موافقته وإشرافه. يأتي إعلان فوكس هذا في ظل عام ونصف العام من احتجاجات المستوطنين عليه، والدعوة إلى تعيين قائد منطقة جديد مقرب منهم.

وتلعب القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي دوراً محورياً في مناطق الضفة الغربية، وباعتبارها تضم الألوية التي احتلت الضفة الغربية العام 1967، فإنها نصبت نفسها حاكماً عسكرياً مهمته إدارة شؤون الأرض والسكان الواقعين تحت الاحتلال إلى حين إيجاد حل سياسي للمنطقة المحتلة، وبهذا فإن قائد المنطقة الوسطى أصبح منذ 1967 هو الحاكم العسكري، وصاحب السيادة، والمشرع الذي تسري أوامره العسكرية على منطقة نفوذه.

والقيادة العسكرية الوسطى للجيش الإسرائيلي هي جهاز بيروقراطي "مهني" يشبه الدولة ويحتوي على:

  1. سلطة تشريعية: فالأوامر العسكرية تعتبر بمثابة دستور لهذه المنطقة المحتلة. كما أن أي قانون تقره دولة إسرائيل عليه أن ينضوي تحت مصنف "قانون طوارئ"، ويتم انفاذه على المستوطنين، أو الأراضي "ج"، من خلال أمر عسكري.
  2. سلطة قضائية: تضم عدة محاكم عسكرية ومستشارين لضمان ممارسة الاحتلال سلطته وفق القانون الدولي للاحتلال.
  3. سلطة تنفيذية: تضم وحدة المنسق والإدارة المدنية، وبالتالي أيضا قنوات التنسيق المدني والأمني مع السلطة الفلسطينية.

كما أن القيادة الوسطى للجيش هي التي تسيطر على حدود الأرض المحتلة من جسور، ومعابر، والجدار والحدود مع الدولة الخارجية (أي الأردن). ولا بد من الإشارة إلى أن عدداً ليس بسيطا من الضباط الكبار العاملين في القيادة الوسطى، أو تحتها، لديهم خلفيات أكاديمية أو عملية، في علوم إدارة السكان، الإدارة العامة، التخطيط السكاني والاستراتيجي، وغيرها.

وحسب المتعارف عليه منذ 1967، فإن على قائد المنطقة الوسطى أن يصوغ أهدافا إستراتيجية وتحركات تكتيكية للمحافظة على استقرار المنطقة المحتلة، وأن يضمن أن يتماشى "الاحتلال العسكري المؤقت" مع ما هو مقبول ومتعارف عليه في القانون الدولي الذي ينظم الحروب والاحتلالات. لكن منذ أن تحول الاستيطان من استيطان أمني محدود (1967-1977) إلى مشروع مدني تتبناه حركات، ومنظمات، ووزارات في الدولة (وتحديداً، بشكل متسارع بعد العام 2000)، فإن إدارة المنطقة "ج" بدأت تدريجياً تخرج عن السيطرة الشاملة للقيادة الوسطى للجيش، وتستدعي بشكل متزايد نقل صلاحيات إدارة المنطقة "ج" (حسب المستوطنين: لا يوجد "مبرر" لأن يتم إدارة الشؤون الحياتية لمدن وبلدات المستوطنين من قبل "جيش") إلى الحكومة الإسرائيلية نفسها- وهذا هو المعني العملي للضم. والسبب هو أن نقل إدارة حياة نصف مليون مستوطن إلى الحكومة الإسرائيلية مباشرة يعني أن دولة إسرائيل أقدمت على إعادة تعريف حدود دولتها، بشكل أو بآخر، لأن المنطقة "ج" ستتحول قانونياً إلى منطقة تحت سيادة "دولة إسرائيل"، وليست منطقة محتلة (حسب القانون الدولي) أو منطقة متنازع عليها (حسب الموقف الرسمي لدولة إسرائيل). وهذا ما تم في شباط 2023 عندما تم نقل صلاحيات إدارة حياة المستوطنين، والتخطيط والبناء في المنطقة "ج"، وجزء من عمليات مصادرة الأراضي، من القيادة الوسطى للجيش إلى وزارات مدنية.

تشير الأحداث التالية إلى تناقض واضح بين المشروع الاستيطاني وتطلعات المستوطنين الذين يقفون على رأس ثلاث وزارات مفتاحية (وزارتا الإدارة المدنية والمهمات القومية بيد الصهيونية الدينية ووزارة إيتمار بن غفير المسؤولة عن الشرطة وحرس الحدود في المنطقة "ج")، وهي وزارات تعمل، وفق القانون، بشكل مستقل عن سلطة القيادة الوسطى للجيش، مما يشير إلى تضارب في الصلاحيات، قد لا يحتمل التوفيق. خلق هذا الأمر تحديات كبيرة لفوكس، قائد المنطقة، لأن سلطته بدأت تتآكل ولم يعد من حيث المبدأ قادراً على الاستمرار كصاحب السيادة على منطقة محتلة:

  1. في الأسابيع الأولى من الحرب على قطاع غزة، اعترض فوكس أمام رئيس هيئة الأركان العامة على تعمد الشرطة الإسرائيلية تحت قيادة بن غفير عدم فرض الأمن في شوارع الضفة الغربية، وتركها المستوطنين المسلحين يمارسون أعمالاً إرهابية، ارتجالية، وبقوة السلاح.[1]
  1. بتاريخ 23 كانون الأول 2023، أصدر مستوطنون نداءات يمكن أن تفهم بأن لديهم نية للتعرض لحياة فوكس، قائد المنطقة الوسطى، لأنه جَمع عشرات قطع السلاح من المستوطنين المتطرفين، وأصدر أوامر اعتقال إدارية بحق بعض المستوطنين الإرهابيين، وقام بتفكيك نواة توراتية واستبعادها عن الضفة الغربية.[2]
  1. في شباط 2024، دعا المستوطنون، لكن هذه المرة بصوت غاضب ومستنكر، إلى إقالة قائد المنطقة الوسطى لأنه أجرى تدريباً عسكرياً، بمشاركة المخابرات الإسرائيلية، يُحاكي عملية اختطاف شاب فلسطيني على أيدي المستوطنين. ولقد استنكر كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزير بيني غانتس الأمر، بالإضافة إلى قيادات المستوطنين، وأدى الأمر إلى أن "يعتذر" فوكس على "هذه الغلطة" والتي بدا خلالها الجيش مهتماً بحياة الفلسطينيين، وقلقاً من "إرهاب المستوطنين".[3]

بدأ اللواء فوكس عمله في آب 2021 تحت حكومة نفتالي بينيت ووزير الدفاع في حينها بيني غانتس. خلال فترة عمله، تغيرت الحكومة، وصعدت حكومة نتنياهو-سموتريتش- بن غفير، مما أدى إلى تغيير كبير في السياسة تجاه المستوطنات. ويثير بعض المحيطين باللواء فوكس مخاوف من فصل الجانب الأمني عن الجانب المدني في الضفة الغربية. في المقابل، يعتقد بعض المستوطنين أن هذه التغييرات كان يجب أن تحدث منذ سنوات، بحيث تضمن رفاهية نصف مليون مستوطن لم يستفيدوا من الخدمات المدنية. هذا النقاش يجري حاليا داخل إسرائيل في ظل قلق بشأن احتمالية مناقشة محكمة العدل الدولية في لاهاي شرعية الاحتلال، ما قد يؤدي إلى توترات دولية وحتى إلى فرض عقوبات على إسرائيل.

 

[1] أنظر/ي: https://www.ynet.co.il/news/article/skibbvtnp

[2] أنظر/ي: https://www.mako.co.il/news-military/6361323ddea5a810/Article-322f133df67ac81026.htm

[3] أنظر/ي: https://www.ynet.co.il/news/article/b1jyi6ko6

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات