المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
غارة إسرائيلية على قرية الخيام جنوب لبنان في 23 آذار 2023. (أ.ف.ب)
  • كلمة في البداية
  • 595
  • أنطوان شلحت

كان القتال الذي شهدته الجبهة الشمالية (مع لبنان) في الأسبوع الماضي هو "الأعنف" منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي هذه الجبهة أيضاً يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك بحسب توصيف أكثر من وسيلة إعلام إسرائيلية خلال الأيام الأخيرة.

ووفقاً للمراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (29/3/2024)، لم يظهر هذا التطوّر على نحو جليّ في التغطية الإسرائيلية الإعلامية عموماً، ولم يثِر اهتمام المواطن العادي الذي يعيش في جنوب حيفا، لكن سكان منطقتي الجنوب اللبناني وشمال إسرائيل شعروا بذلك جيداً، حيث أن عشرات القذائف الصاروخيّة أُطلقت على كريات شمونه، وعلى هضبة الجولان، كما أُطلقت صواريخ مضادة للدروع على قواعد عسكرية ومستوطنات مجاورة للسياج الحدودي، وأدت إلى تفعيل عشرات صافرات الإنذار.

وتشير التقديرات السائدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية بمعظمها إلى أن وضع القتال في الشمال سوف يستمر، ذلك أنه حتى الآن لم يطرح الوسيط الأميركي، عاموس هوكشتاين، أي اقتراح ملموس يمكن أن يتبلور في قادم الأيام إلى مصاف تسوية سياسية يتم الاتفاق عليها وتبنيها. كما أن حزب الله، وعلى لسان أمينه العام السيّد حسن نصر الله، ما زال يربط استمرار الحرب في الشمال بالحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة. كذلك يمكن القول إن في هذه التقديرات الإعلامية ما يوحي بأن إسرائيل تراهن وإن بحذر على ما تصفه بأنه ازدياد الضغط اللبناني الداخلي على حزب الله، ولديها اعتقاد بأن هذا الضغط بالإضافة إلى عوامل أخرى هو ما يحول دون انضمام حزب الله إلى حرب شاملة حتى الآن، بالرغم من أنه كانت لديه فرص كثيرة وجيدة لكي يفعل ذلك. وفي ضوء هذا يحافظ حزب الله على المعادلات المعمول بها، ولا يوسّع دائرة القتال.

يبقى السؤال المطروح هو: ما الذي يحدث في الفترة الأخيرة في الجبهة الشمالية؟

ما يمكن الاستدلال عليه من التقارير والتحليلات في وسائل الإعلام الإسرائيلية أن ما تقوم به إسرائيل في الوقت الحالي في هذه الجبهة هو ثلاثة أمور أو بكلمات أخرى تقوم ببذل ثلاثة جهود:

الأول، خوض معركة دفاعية في مواجهة محاولات تسلل قوات من طرف حزب الله، وفي مواجهة إطلاق الصواريخ والمسيّرات.

الثاني، مهاجمة قدرات حزب الله بصورة أقوى وأوسع نطاقاً. وبموجب ما أورد المحلل العسكري رون بن يشاي وغيره، كثفت إسرائيل في الأيام القليلة الفائتة من هجماتها على المُسيّرات، وعلى مصانع إنتاج الصواريخ الدقيقة، وعلى بطاريات الدفاع الجوي، والهدف من تكثيف هذه الهجمات برأيه هو تقليص القدرة القتالية لحزب الله، قبل احتمال اندلاع  حرب شاملة مع لبنان سيحاول خلالها هذا الحزب استخدام الترسانة الصاروخية لديه والمسيّرات من أجل ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بينما سيكون سلاح الجو الإسرائيلي بحاجة إلى حرية العمل من أجل تقليص الضرر الذي سيلحق بالجبهة الداخلية في أسرع وقت ممكن ("يديعوت أحرونوت"، 29/3/2024).

والجهد الإسرائيلي الثالث هو تسريع الاستعدادات للحرب الشاملة. وفي هذا الإطار كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الجيش أجرى تدريباً متعدّد الأذرع بصورة مفاجئة، تمثّل الهدف الرئيس منه في تحسين الاستعداد لمواجهة سيناريوهات مختلفة من القتال في الجبهة الشمالية. وقادت هذا التدريب شعبة العمليات العسكرية وشمل القيادات والأذرع والأجنحة والقيادة العامة. بالإضافة إلى ذلك، وفي ما قيل إنه بمثابة استعداد للمناورة البريّة في لبنان، قامت قيادة الجيش الإسرائيلي باستخلاص الدروس من الحرب الدائرة في قطاع غزة، وأجرت تدريبات في هضبة الجولان، ووافق رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الجنرال هرتسي هليفي على الخطط التي يجري تحديثها طوال الوقت بما يتلاءم مع التطورات الأخيرة، ومع المعلومات الاستخباراتية الجديدة التي جُمعت نتيجة استئناف تحليق سلاح الجو في الأجواء اللبنانية.

وبالإضافة إلى كل ما تقدّم لا بُدّ من التنويه بأن هناك ازدياداً في الأصوات الإسرائيلية التي تؤكد أنه مع كل يوم يمرّ في الجبهة الشمالية يرتفع الثمن الذي تضطر إسرائيل إلى دفعه نتيجة استمرار الحرب فيها، وما ترتب على ذلك من إخلاء عشرات البلدات الإسرائيلية الحدوديّة. وفي قراءة عدد من المحللين العسكريين، توقفت عندهم قناة التلفزة الإسرائيلية 12، على الرغم من الرغبة في فصل الجبهات القتالية لا يمكن أن تستمر إسرائيل في خيار تجميد الوضع في منطقة واسعة من الشمال والاكتفاء بردّ محدود في مقابل هجمات لا تتوقف من أراضي لبنان. ويشدّد هؤلاء على أنه ربما كانت "استراتيجيا اعتبار الجبهة الشمالية ثانوية" صحيحة في بداية الحرب على قطاع غزة، لكن وبعد مرور نحو نصف عام عليها حان الوقت لتحديث الخطط وتغيير طريقة العمل برمتها.

وفي قراءة المحلل العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية 13 ألون بن دافيد، فإن تبادُل إطلاق النار الذي تديره إسرائيل مع حزب الله منذ نصف عام تقريباً أدى إلى إنجازات تكتيكية، لكن الإنجاز الاستراتيجي يظل محفوظاً لحزب الله، ويتمثّل في إبعاد سكان الشمال عن منازلهم. وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي يُلحق الضرر بمواقع حزب الله ومقاتليه فهذا الثمن في نظر الحزب هو ثمن يمكن تحمله في مقابل الإنجاز، ولذا يجب تغيير ذلك.

وختم بن دافيد تحليله بالكلمات التالية: "في الأسبوع الماضي سألني أحد سكان الشمال عما إذا كان الطلاب سيعودون إلى مدارسهم في أيلول 2025. ويجب على الجيش أن يزودنا بإجابة واحدة على هذا السؤال: نعم. في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كانت إسرائيل لا تزال عالقة في المنطقة الأمنية في الجنوب اللبناني، وجّه قائد المنطقة العسكرية الشمالية حينها، يوسي بيلد، أوامره بحفر العنوان التالي في جميع المواقع العسكرية: الهدف - حماية بلدات الشمال. وقد آن الأوان لحفره من جديد" ("معاريف"، 30/3/2024).

ويتفق معه المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشواع الذي أشار هو أيضاً إلى أن إسرائيل "حققت انتصارات تكتيكية، إذ قتلت نحو 350 ناشطاً من حزب الله ومن تنظيمات أُخرى، وجرى دفع قوات الرضوان إلى الوراء، كما تم ضرب البنى التحتية ومخازن السلاح"، لكنه في الوقت عينه شدّد على أن حزب الله حقق إنجازاً استراتيجياً "تمثل بإخلاء عشرات المستوطنات الإسرائيلية على الحدود الشمالية منذ ستة أشهر. وفقط عندما نرى السكان يستقبلون فصل الربيع في منازلهم، نستطيع القول إن المهمة أُنجزت" (29/3/2024).

إذا كانت هذه القراءات تتسم برصد مجموعة من آخر المستجدات والقضايا المرتبطة بسير الحرب في الجبهة الشمالية فإنها ربما تعدّ أيضاً مولّدة لمعاني المرحلة المقبلة، وما يمكن أن تنطوي عليه من تطوّرات.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات