المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كان العام 2017 عاما صعبا، من دون شك، لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على المستويين الشخصي والشعبي. ولكن هذا عام ربما تم فيه تحقيق كل الأهداف الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية، التي وضعها نتنياهو.

من ناحية اقتصادية دقيقة، فإن عام 2017 يتميز بكونه واحدا من الأعوام الأفضل للاقتصاد الإسرائيلي. فنحن نشهد انجازات مثيرة لنهج نتنياهو. ففي المجال السياسي، وكما يبدو، زال خيار الدولتين لشعبين. والضغوط الدولية بهذا الشأن تلاشت بغالبيتها، بعد أن حلّ دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، خلفا لباراك أوباما. واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل استكمل هذا المشهد.

 

ومع نهايات العام 2017، نجحت إسرائيل في خفض الدين العام إلى مستوى 60% من الناتج العام، وبهذا تم تحقيق هدف كان قبل عدة سنوات مجرد حلم بعيد المدى، وهذا بالذات في الوقت الذي تصل فيه نسبة الديون العامة في الدول المتطورة إلى 90% من ناتجها العام.

وتتمتع إسرائيل في هذا العام وللعام الرابع على التوالي، بفائض من العملات الأجنبية، في الحساب الجاري، يصل إلى 10 مليارات دولار، من ارتفاع قيمة الشيكل أمام الدولار، بنسبة تراكمية بلغت 30% خلال عقد من الزمن. وهذه مؤشرات استقرار، ولكن بالأساس هي عامل مركزي في رفع مستوى المعيشة، على صعيد الناتج العام وعلى صعيد القوة الشرائية.

وفي العام 2017، نسبة التشغيل كاملة، ونسبة المشاركة في سوق العمل تشكل ذروة. كما أن القوة الشرائية ارتفعت، بفضل رفع معدل الرواتب بنسبة 4%، والاستهلاك الفردي ارتفع لدى كل الشرائح الاجتماعية، وهذا بفضل نسبة التشغيل العالية، وارتفاع أعداد العاملين، بالأساس بين أوساط "الحريديم" والأقليات، والمتقدمين بالسن والنساء، وأيضا بفضل رفع الأجور، مقابل استقرار الأسعار.

ونهج نتنياهو حقق أهدافه الإيديولوجية أيضا في مجالات أخرى، مثل الخصخصة المتعاظمة في جهاز الصحة، وفي التمريض البيتي، وفي التعليم العالي، وتقليص مكثف في المخصصات الاجتماعية، مقارنة بمستوى المعيشة، وهذا جزء من منهجية نتنياهو للتنجيع من خلال المنافسة الاقتصادية.

وقد حقق نتنياهو عمليا اهدافه في المجال الاقتصادي الاجتماعي، وهو نمط قائم لدى الأميركان وجنوب كوريا، ويرتكز على صرف أقل على الجوانب الاجتماعية. وهذا نهج أدى بإسرائيل لأن تتساوى مع الولايات المتحدة من حيث حجم الصرف على القضايا الاجتماعية، من حيث نسبته من حجم الناتج، وهي النسبة الأقل في العالم المتطور.

ونسبة الصرف على القضايا الاجتماعية هبطت إلى 32% من الناتج العام، وهذا ساهم في خفض الدين العام إلى 60% من حجم الناتج العام، وسمح بخفض العبء الضريبي من 37% إلى 32% من حجم الناتج العام، وعمليا فإن هذا التخفيض هو العامل المركزي في خصخصة الصحة والتمريض البيتي والتعليم العالي. والصرف الفردي على هذه الأمور ارتفع بنسبة هائلة جدا، مقابل انخفاض الصرف الحكومي عليها. فمن يدفع أكثر، يحصل على خدمات أفضل وأكثر. بينما نهج شمال أوروبا هو عكس ما يجري في إسرائيل: إذ أنه يفرض ضريبة كبيرة على الجميع، ولكنه في ذات اليوم يتيح نجاعة أكثر للجهاز الصحي والتعليم العالي، اضافة إلى مخصصات اجتماعية سخية أكثر للشرائح الفقيرة والضعيفة.

إن انجازات النهج الإسرائيلي مثيرة، لكن ثمنها باهظ جدا. فخصخصة الصحة متعلقة أيضا بقلة الأسرّة في مستشفيات المدن البعيدة عن مركز البلاد، وبتقليص إلى النصف في عدد الأطباء في تلك المستشفيات، مقارنة بما هو قائم في وسط البلاد، وسوية مع عوامل أخرى، فإن هذا يتسبب بفجوة سبعة أعوام ونصف العام في معدل الأعمار، بين سكان المدن البعيدة وبين مركز البلاد. كما أن ثلث الطلاب في المناطق البعيدة، تحصيلهم العلمي هو من الأضعف على المستوى العالمي.

كذلك فإنه بسبب عدم التوزيع المتساوي في فرص العمل، بين وسط البلاد والمناطق البعيدة، فإن انتاجية العمل تقل بنسبة 30% عن مستوى الانتاجية في دول الغرب، وإن نصف الأجيرين يتقاضون أقل من 7 آلاف شيكل شهريا، في حين أن استهلاك السيارات الخاصة ارتفع بنسبة هائلة جدا، في مقابل مقدرة البنى التحتية على استيعابها، ولذا فإن الاكتظاظ في الشوارع يستفحل بشكل خطير، بسبب التخلف التاريخي في صرف الحكومات على البنى التحتية.

وبشكل مؤقت، بسبب الزيادة الكبيرة في مداخيل الضريبة، فإن وزير المالية ينجح في زيادة الصرف على القضايا الاجتماعية، مثل المخصصات والبنى التحتية والتعليم، لكن في المقابل يواصل تخفيض الضرائب. ومن الواضح للجميع أن هذا الواقع ليس حصينا، إذ أننا خلال عام أو عامين سنكون بحاجة لمواجهة معضلات نهج نتنياهو: هل سيستمر تخفيض الضرائب، أم توجيه موارد لتطوير البنى التحتية الصحية، والتعليم والشوارع؟ أنا أفضل الخيار الثاني؟ وهنا يبقى السؤال: ما هو موقف المجتمع الإسرائيلي؟.

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, الشيكل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات