المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

1- في العام 1964 نشر النائب مناحيم بيغن (الليكود)، من كان رئيسا للمعارضة، ولاحقا في العام 1977 قاد الانقلاب، مقالا في أعقاب تلقيه هدية ارسلها له إلى بيته مواطن يدعى إسحاق إيلون. وقد شكر بيغن المواطن بتعابير دافئة، إلا أنه تنازل عن الهدية بأدب ولطف. وكتب "أرجو أن تتفهم قراري هذا، ولم يكن القصد منه المساس بك، حاشا وكلا، وإنني اقدر كثيرا مشاعرك نحوي"، ثم أنهى رسالته كاتبا "لكن في نهاية المطاف، فإن تقدير الشخص لصديقه لا يحتاج لمكافآت خاصة".


2- لا يمكن أن نتجاوز قضية الهدايا التي تلقاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أرنون ميلتشين ومن أصحاب مليارات آخرين. فبعد 50 عاما تغيرت المقاييس، والعلاقة بالمال تغيرت، والركض وراء المال تزايد جدا، ما أدى إلى فقدان قيم، وإلى تراجع الخجل. فالعبارة التي أنهى بها بيغن رسالته للمواطن: "تقدير الشخص لصديقه لا يحتاج لمكافآت خاصة"، تؤكد ما أقوله هنا بشكل خاص. ومهما يكن القرار القضائي بشأن الهدايا، فإنها تجاوز للقانون، وخرق للثقة على وجه خاص.

لقد رفع نتنياهو وأبناء عائلته ظاهرة التمتع الشخصي إلى مستوى متطرف، ووضعوا لها تعريفات شاذة، وبموجبها فإن السعي لكل متعة هو فعل انساني، وكذلك الرغبة بالتمتع. والركض وراء الخداع جرى بأعين مغمضة، لغرض الرفاهية، دون ذرة خجل، دون ذرة قيم، دون ذرة احساس. ولكن فقدان القيم والخجل هذا، لم يبدأ من نتنياهو، وكما يبدو لن ينتهي عنده. فقد بدأ هذا لدى رؤساء وزراء قبله، إيهود أولمرت، وإيهود باراك، وحتى شمعون بيريس، فكل هؤلاء أحبوا المال الكبير، والحياة الجيدة. كل واحد بطبيعته ونهجه، وهذه شراهة لا حدود لها. حينما تكون مواطنا عاديا فهذا طبيعي، لكن حينما تكون رئيس وزراء، أو صاحب منصب رسمي كبير آخر، فإن هذا رواية أخرى كليا، رواية يجب ان يكون فيها حد أدنى للقيم الأخلاقية بما يتعلق بالمال، وهذا الحد الأدنى اختفى كليا.

3- ومع المال الكبير يأتي أيضا الوسطاء، وفي هذه المحالة هم محامون. كل رؤساء الوزراء في السنوات الأخيرة نمّوا من حولهم مكاتب محامين خاصة تعالج شؤونهم. وفي المقابل، فإن هذه المكاتب تطورت وازدهرت. وفي حالة نتنياهو يجري الحديث عن المحاميين دافيد شيمرون وإسحاق مولخو. وفي حالة شمعون بيريس، فقد كان المحامي شريكه في المشاريع الاقتصادية دورون كوهين، ومكاتب المحاماة هيرتسوغ- فوكس- هنئمان، وحتى المحامي إلداد يانيف، الذي يحارب اليوم الظاهرة التي كان جزءا منها في الماضي. ولدى إيهود أولمرت كان هذا بالأساس إيلي زوهر وأوري ميسر. ولدى أريئيل شارون، كان دوف فايسغلاس ويورام راباد. لماذا رؤساء الوزراء بحاجة لمرافقة دائمة من مكاتب محامين خاصة بهم؟. أولا، لأن الاحتكاك المكثف مع المال الكبير يخلق دائما مشاكل، ولذا يجب دائما ضمان مساعدة الوسطاء، من أجل انقاذهم في أي لحظة ضيق. وثانيا، لأن الاحتكاك مع المال الكبير يخلق فرص أعمال للمحامين أصدقاء رئيس الوزراء. ويعني هذا أنه يوجد هنا التقاء مصالح.


4- محبة رؤساء الوزراء للمال الكبير، لأصحاب المليارات، هو أمر طبيعي كليا، فالناس تميل للإعجاب بمن جنوا مالا كثيرا. والمشكلة الاساسية في هذا ليس الاعراب عن المحبة الزائدة، والطموح للاحتكاك بأصحاب المليارات، أو تبني أنماط الحياة الملكية الفاخرة التي يعيشونها، وإنما تبني وجهات نظرهم. وحينما يكون الاحتكاك مكثفا، أكثر من اللزوم، فإن رؤساء الوزراء يميلون لتبني وجهات النظر الاقتصادية، التي يتبعها أصحاب المليارات، وجهة النظر التي تقدس المال أكثر من العمل، وجهة النظر التي تفضل الضرائب المنخفضة على المال أكثر من الضرائب المنخفضة على الجهد والعمل. هذا الاحتكاك يحقق مالا أكثر لأصحاب المليارات، الذين لا يحبون دفع الضرائب. فالمحامون ومراقبو الحسابات الذين يعملون لدى اصحاب المليارات، يفعلون كل شيء من أجل أن يدفعوا أقل ما يمكن من الضرائب على أموالهم، بما في ذلك رحلة في سفينة، على مدى غالبية ايام السنة. وأرنون ميلتشين يعرف هذا النمط بالتأكيد.

5- من يعتقد أن ميلتشين التقى مع نتنياهو، أو يائير لبيد، من أجل تلقي مساعدتهما للحصول على تأشيرة عمل (للولايات المتحدة)، أو من أجل السيطرة على القناة العاشرة، أو من أجل الحصول على تخفيضات، أو المساعدة لبيع القناة لملياردير آخر، هو لان بلافتنيك، فهو لا يعرف التاريخ كاملا. قادة الدولة، وليس فقط في إسرائيل، ينجذبون للمال الكبير، الذي بحوزة أصحاب المليارات، وهؤلاء ينجذبون لرؤساء الوزراء، بسبب القوة السلطوية، كي تضمن لهم امتيازات، من خلال تبني قادة الدولة لوجهات نظر أصحاب المليارات. إن العلاقة بين ميلتشين ودولة إسرائيل هي في هذا المسار بالضبط. فهذا "الغرام" يشمل زجاجات الشمبانيا والسيجار من ميلتشين، بينما من جانب نتنياهو امتيازات ضريبية بمئات الملايين، إن لم تكن مليارات، وكل هذا من خلال تشريعات تمر من خلال مؤسسات الحكم ذات الصلة.

6- في اطار احتفالات 60 عاما على قيام الدولة، وفي اطار الرغبة بتشجيع الهجرة، واعادة الإسرائيليين من الخارج، تم وضع نظام لضريبة الدخل، تُقدم بموجبه تسهيلات للمهاجرين والعائدين لمدة 10 سنوات، ثم تم توسيع النظام. وبموجب هذا، فإن المواطن العائد بعد غياب سنين، لا يدفع ضريبة دخل اطلاقا لمدة 10 سنوات، وهذا يشمل كل المداخيل. بالمختصر، فإن اصحاب المليارات الذين وكأنهم "هاجروا"، فإن هذا الاعفاء يساوي ذهبا وذهبا كثيرا جدا. وأحد هؤلاء هو ميلتشين. وفي هذه الصفقة الاقتصادية أطلقوا على ذلك القانون تسمية "قانون ميلتشين"، في حين تم الصاق القانون بديباجات وطنية، من بيني روبين، أحد المحامين الكبار. والادعاء المركزي كان: من المفضل أن يكون المال الكبير هنا وليس في الخارج. وبإيجاز فإن إسرائيل بنت لأصحاب المليارات من صنف ميلتشين ملجأ ضريبيا لعشر سنوات، مع اعفاء جارف. وكان رئيس الوزراء في فترة تشريع ذلك القانون إيهود أولمرت. وكان وزيرا المالية في فترة بلورة القانون أبراهام هيرشزون وروني بار- أون.

7- في نهاية المطاف، فإن هذا ما يحصل حينما تلتقى القوة السلطوية مع قوة المال الكبير، إن كان مالا خاصا لأصحاب المليارات، أو مالا كبير للشركات الثرية، فالامتيازات الضريبية تتكاثر. وتوجد منافسة عالمية، من دون ضوابط، حول من يقدم امتيازات أكبر، من أجل ضمان استثمارات أكثر. وهذه العلاقة باتت مبنية أيضا على "هدايا" للسياسيين، إن كانت سيجارا وشمبانيا، أو تبرعات للحملات الانتخابية. والهدف الأكبر هو قوانين الضريبة في إسرائيل كما في دول أخرى. ففي العديد من الأحيان، يتم صياغة قوانين الضريبة لصالح الأثرياء والشركات الكبيرة الثرية. وبشكل عام، هذه علاقة قائمة على مبدأ "خذ وهات"، تتم من خلال مسارات تشريعية، بمساعدة الوسطاء (المحامين) الملائمين، حينها كل واحد يحصل على نصيبه. وببالغ الأسف، أمام هذه الحالة نكون تواقين لأشخاص مثل مناحيم بيغن، الذين آمنوا بتقدير الصديق من دون مكافآت، بينما اليوم كل شيء قائم على "المكافآت"، إن كانت قانونية أو لا.

(عن صحيفة غلوبس الاقتصادية-
ترجمة بتصرف)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات