لا شكّ في أن قراءة ما صدر عن أغلب محللي الشؤون الأمنية في إسرائيل بشأن آخر المستجدات المتعلقة بما يوصف بـ"الملف النووي الإيراني"، من شأنها أن تعطي انطباعاً قويّاً بوجود شبه إجماع في صفوفهم على أن إيران قطعت شوطاً بعيداً في كل ما يتعلق بإنتاج قنبلة نووية، وأن طريقها إلى إنتاجها باتت الأقصر منذ أن هجست بهذا الأمر منذ نحو عقدين، وهذا في حال أنها قررت امتلاك سلاح نووي.
يشهد الاقتصاد الإسرائيلي حالة مضاربة بين نمو اقتصادي عال، ومداخيل ضرائب أعلى بـ 22% من المخطط، وبطالة رسمية متدنيّة، وفي المقابل، ارتفاع في التضخم المالي بوتيرة لم تشهدها السوق الإسرائيلية منذ 20 عاما، ليقرر بنك إسرائيل المركزي زيادة العبء برفع الفائدة البنكية، وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل سنوات كثيرة. وبهذا فإن النمو الاقتصادي واختفاء العجز من الموازنة العامة، يبقى عند خزينة الحكومة وكبار المستثمرين، والبنوك، في حين أن الشارع يعاني من غلاء فاحش، إلا أن هذا لا ينعكس على نتائج الانتخابات البرلمانية، التي ستجري في الأول من تشرين الثاني المقبل، بحسب الاستطلاعات المكثفة التي تظهر تباعا.
بتاريخ 26 آب 2022، توصل إيتمار بن غفير (رئيس حزب "قوة يهودية") وبتسلئيل سموتريتش (رئيس حزب "تكوما (الاتحاد القومي)" وتحالف "الصهيونية الدينية") إلى اتفاق لخوض الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في قائمة واحدة. ويمثل الحزبان تيارين متنافسين داخل قطاع الصهيونية الدينية في إسرائيل، وفي انتخابات الكنيست الـ 24 في آذار 2021، خاضا الانتخابات ضمن قائمة انتخابية واحدة حصدت 6 مقاعد الأمر الذي اعتبر في حينه إنجازا سياسيا. لكن منذ ذلك الإنجاز وحتى اليوم، نمت القاعدة الانتخابية للصهيونية الدينية إلى أن أصبح كل حزب من الاثنين يعتبر نفسه التيار الأكبر، الأمر الذي أدى إلى دخول الحزبين في سجالات لتحسين حظوظهما من ناحية التمثيل داخل الكنيست.
سبق أن نوهنا، قبل ثلاثة أسابيع، بأن ثمة أموراً كثيرة تطفو على سطح السجالات في إسرائيل على أعتاب معركة انتخابات عامة مبكرة أخرى، هي الخامسة خلال أقل من أربعة أعوام، موضحين أننا سنتوقف عند أمرين منها تطرقنا إليهما كثيراً في الماضي، وهما: الأول، بعض جوانب الأزمة التي تسم الأحزاب في إسرائيل، وهي الجوانب التي تتراوح بين ما يمكن توصيفه بأنه "فتنة الطغيان"، وزعزعة البنية الاجتماعية للأحزاب. والأمر الثاني هو جوهر المعسكرات السياسية المتنافسة في هذه الانتخابات، والذي سنخوض فيه في هذا المقال بعد أن استوفينا ما يمكن أن يُقال حتى الآن حيال الأمر الأول، في إطار كلمة الفاتح من شهر آب الحالي.
الصفحة 142 من 875