هاكم اللغز: ماذا يريد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؟.

نحن لا نقصد السؤال عما يريد نتنياهو انجازه، فمن الواضح كليا أنه يريد الاستمرار والصمود في منصبه رئيسا للحكومة. ومن الممكن أنه يطمح أيضا إلى كسر رقم قياسي سجله دافيد بن غوريون، كالشخص الذي كان رئيس وزراء لأكثر عدد من السنوات، من بين رؤساء وزراء إسرائيل- 13 سنة. ومن أجل تحقيق هذا، على نتنياهو أن يبقى في منصبه في هذه الولاية البرلمانية حتى الموعد الأخير الذي ينص عليه القانون (أربع سنوات ونصف السنة من الآن).

واضحة لنا طموحات نتنياهو الشخصية، وهي مفهومة وشرعية، وعادة فإن السياسيين الطموحين مرغوبون. ولكن ما ليس واضحا اطلاقا، هو طموحات نتنياهو الوطنية، بمعنى ماذا يريد تحقيقه لأجل الدولة؟، وما هي أهداف حكومة إسرائيل؟، وإلى اين يريد الذهاب بهذه الدولة؟.

من المحرج جدا أن تكون طموحات نتنياهو الوطنية محجوبة عن الأنظار، وهذا يحرج نتنياهو أيضا، الذي كان في الماضي واضحا جدا. فبين العامين 2003 و2005 حينما كان وزيرا للمالية في حكومة أريئيل شارون، قاد اقتصاد إسرائيل، وكانت لديه استراتيجية واضحة كليا. وأخذ نتنياهو مقود الاقتصاد بيديه، في واحد من أكثر الأوقات صعوبة، في أوج الانتفاضة الثانية، وحينما كانت إسرائيل تشهد الأزمة الاقتصادية الأصعب، منذ فترة التقشف. وعمليا ففي العامين 2001 و2002 كانت إسرائيل في ركود اقتصادي تاريخي. واستلزم الأمر سياسيا انتحاريا كي يتولى حقيبة المالية في تلك الفترة الصعبة.

وأخذ نتنياهو على عاتقه المهمة الأكثر صعوبة، وفعل هذا بإصرار وشجاعة، من أجل انقاذ اقتصاد إسرائيل، وفي هذا السياق طبّق نتنياهو رؤيته "النيو ليبرالية"، مثل حكومة صغيرة (ميزانية)- تقليص المخصصات الاجتماعية، وبالتالي تقليص الضرائب. وفي تلك السنوات، لم يكن بالامكان أن يرتكب نتنياهو خطأ في نواياه، فقد اتخذ القرارات المطلوبة من أجل استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، بما في ذلك اتخاذ القرارات الأكثر صعوبة، التي تقتطع من اللحم الحي. وكان نتنياهو في تلك السنوات يعمل على أساس قناعة أنه ينقذ اقتصاد الدولة، واتخذ قرارات كان من شأنها أن تضره سياسيا، ولكنه أبدى اصرارا من أجل مستقبل إسرائيل.

وبالامكان القول الآن إن العملية الانتحارية التي نفذها نتنياهو في ولايته وزيرا للمالية، فتحت الطريق أمامه لرئاسة الحكومة مجددا. فالاجراءات الشجاعة التي اتخذها كوزير للمالية وضعته في مكانة السياسي الذي لديه رؤية. وما من شك في أن نتنياهو كان من السياسيين كأريئيل شارون، الذين بلوروا إسرائيل في العقد الماضي.

ومنذ اللحظة التي وصل فيها نتنياهو إلى القمة، وبدأ يقطف ثمار نجاحه، بدأت عملية تراجعه.

فمنذ العام 2009 وهو يتولى منصب رئيس الوزراء بشكل متواصل، ست سنوات، على رأس حكومتين، وهو الآن يواصل على رأس الحكومة الثالثة على التوالي، وفي كل السنوات السابقة تلاشت الشخصية الكاريزمية لدى نتنياهو، لتحل محلها الشخصية الضبابية. فماذا يريد نتنياهو؟ وإلى أين يأخذ مقود دولة إسرائيل؟.

في السنوات الست الأخيرة وقعت الكثير من الأحداث التي أثرت على نهج نتنياهو، ومن بينها الأزمة الاقتصادية في العام 2008، التي فرضت عليه لجم خطته للتخفيض الضريبي. ثم حملة الاحتجاجات الشعبية في صيف العام 2011، التي أوضحت أن الجمهور قد ملّ وكره السياسة "النيو ليبرالية"، وطالب الجمهور بتوسيع نطاق الخدمات الحكومية. وخضع نتنياهو مضطرا إلى سلسلة اجراءات ولكن مقابل رفع ضرائب.

لكن لاحقا، وعلى الرغم من أن إسرائيل نجحت في تجاوز الأزمة الاقتصادية التي نشبت في العام 2008، بفضل السياسة الاقتصادية التي وضعها نتنياهو في العام 2003، إلا أن هذا النجاح لم ينعكس في نسب النمو الاقتصادي، التي عادت لتكون منخفضة في السنوات الثلاث الماضية، والرابعة الحالية. كما أن العجز في الموازنة العامة عاد ليقفز عن نسبة 5ر2%. ما يعني أن نجاح نتنياهو في الفترة الأكثر صعوبة، لم يستمر في الفترة الأخيرة.

من دون استراتيجية اجتماعية

قسم من هذا الفشل على الأقل يعود إلى غياب استراتيجية اقتصادية اجتماعية واضحة، يطرحها رئيس الوزراء، فقد غاب حماسه السابق لتقليص الضرائب، وحتى أنه بات يؤيد اجراءات معاكسة، مثل اقتراح تقليص ضريبة المشتريات على المواد الاساسية، وتخفيض الضريبة ذاتها بشكل عام. ولا يبدو أنه سيحافظ على أهداف الميزانية التي وضعها للعام الجاري، وعجز الموازنة ارتفع إلى نسب أعلى.

كذلك ليست لديه استراتيجية لدمج المتدينين المتزمتين "الحريديم" في سوق العمل، وبعد أن صادق في الحكومة السابقة على سلسلة اجراءات كان من شأنها أن تدفع بالحريديم إلى سوق العمل، تراجع عن هذه الاجراءات في اتفاقيات الائتلاف التي وقعها في الأيام الأخيرة.

كما أنه ليست لديه أية استراتيجية لدمج المواطنين العرب في سوق العمل. فمن ناحية يدعو نتنياهو لضم العرب إلى سوق العمل، ومن ناحية ثانية يطلق تصريحات تمس بالعرب، مثل نسبة التصويت بينهم، وهذا بحد ذاته مؤشر لنواياه بإقصائهم عن المجتمع.

وبالإمكان رؤية أن مسألة مشاريع البنى التحتية قريبة إلى قلبه، وبالفعل بالإمكان القول إن إسرائيل تشهد قفزة في مجال البنى التحتية، وهذا يسجل لصالح نتنياهو في الكثير من المجالات. لكن من ناحية أخرى، فإن نتنياهو تقاعس عن احراز تقدم في مجالات أخرى، مثل اصلاحات في شركة الكهرباء الحكومية، كما أنه لم يتدخل بكامل قوته في مسألة الاحتكارات في قطاع الغاز.

في المحصلة نقول إن نتنياهو أبدى عدم اهتمام قاطع بالمواضيع الاجتماعية الحارقة، مثل الجدل حول الاصلاحات في قطاع الصحة، أو الجدل حول الضمان الاجتماعي للمواطن الإسرائيلي، ومكافحة الفقر، كما ورد في توصيات لجنة "الألوف"، وكذا أيضا بالنسبة للإصلاحات في جهاز خدمات الدولة، التي هدفت إلى زيادة نجاعة العمل.

إن القائد غلبه النعاس، وهو يصحو فقط حينما يذكرون له موضوع المشروع النووي الإيراني، أو مسألة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، ولكن بعد ذلك يعود إلى النعاس أمام كل موضوع آخر. وهو يبدي تكاسلا أمام المشاريع السياسية، ولا يبادر إلى اصلاحات جوهرية، ولا حتى يطلق شعارات لامعة تجاه القضايا الاجتماعية، وببساطة فهو لا يقاتل من أجل شيء. فحتى في الاتفاقيات الائتلافية لم يظهر أي بند قاتل من أجله نتنياهو بكل قوته، لربما باستثناء مطلبه السيطرة على الإعلام، وكما يبدو من أجل حماية صحيفة "يسرائيل هيوم".

إن نتائج المفاوضات الائتلافية تبدو كهزيمة لحزب الليكود، وهي إثبات لغياب جاهزية نتنياهو للإصرار على المبادئ. وعمليا ظهر نتنياهو كمن لا يهمه شيء سوى أن يبقى رئيس وزراء، ولذا سيكون من الصعب عليه قيادة دولة إسرائيل، وإحداث اختراقات في مجالات مختلفة.