المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب محمد دراغمة:
لم تحمل قياسات الرأي العام الإسرائيلي في هذه الحملة الانتخابية الكثير من المفاجآت، لكن واحدة كانت كافية للدلالة على حجم الأزمة التي يعيشها هذه المجتمع، وهي تلك التي كشفت عن تفوق حرب العمل تحت قيادة شمعون بيرس، صاحب لقب الخاسر دوماً، على حزب الليكود بقيادة شارون، الموصوف بالرابح حتى في أسوأ الأحوال والظروف.

فقد بينت هذه النتيجة التي أظهرها غير استطلاع للرأي العام مؤخراً، وأشاعت حالة من الحماس دفعت بالعديدين من قيادات العمل إلى مطالبة رئيسه الحالي عمرام متسناع بالتنحي لصالح بيرس، أن الشارع الإسرائيلي مصاب بحالة من عدم اليقين، وأنه إنما يتوجه لانتخاب شارون لعدم توفر البديل.

وقد حملت العملية الانتخابية الجارية العديد من المؤشرات على فقدان الإسرائيليين لليقين السياسي، منها وجود كتلة كبيرة تشكل حوالي 40% من الجمهور، لم تقرر بعد لمن ستدلي بصوتها في يوم الانتخابات.

ومنها أيضاً تدني ثقة الإسرائيلي بفئة السياسيين عموماً، والتي لم تتجاوز ألـ"17%" مقارنة مع الارتفاع الصاروخي لثقتهم بمؤسسات أخرى مثل الجيش "80%".

وعلى غير العادة في المراحل المفصلية من تاريخ دولتهم ، فإن الإسرائيليين يقبلون على هذه الانتخابات بلا شهية.

والمار في الشوارع الإسرائيلية اليوم لا يرى الكثير غير اللافتات مما يدل على أن هذه الدولة تشهد انتخابات مفصلية ستقرر مصير شعبها لسنوات وربما عقود طويلة قادمة.

وتظهر عدم حماسة الجمهور الإسرائيلي للانتخابات إدراكه أنها لن تحمل له جديداً.

فشارون، الزعيم الذي يتوجه الإسرائيليون لاختياره لولاية ثانية، مدتها، نظرياً، أربع سنوات، لم يضع في اعتباره حتى مجرد إطلاق وعد بتحسين الاقتصاد الذي أعلنت دائرة الإحصاء المركزية أنه يمر بأسوأ حالاته منذ خمسين عاما، أي منذ عمر الدولة تقريباً.

ولإدراك مهندسي الحملة الانتخابية لشارون إفلاسه في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية المرشحة للتدهور طالما بقي الوضع الأمني في إسرائيل متدهوراً، فقد نأوا بهذه الموضوعات عن حملتهم، واختاروا الميدان الذي لا منافس لزعيمهم فيه وهو ميدان الحرب والدماء والدمار.

ولأن الثقافة السياسية والاجتماعية والدينية للإسرائيليين نشأت على نفي الآخر الفلسطيني، ولأن الفلسطيني أيضاً لم يرسل للجمهور الإسرائيلي الكثير غير "القنابل البشرية"، فقد وجد جمهور ناخبي الكنيست السادسة عشرة أنفسهم مساقين، دونما إرادة، إلى مذبح شارون. وقد بدا الناخبون طيلة الحملة الانتخابية كالغريق الذي ينتظر خشبة الخلاص، دون أن تظهر هذه الخشبة، ولا حتى في أكثر أحلامهم وردية.

فحزب العمل، وهو الحزب الوحيد الذي ينافس حزب الليكود على المستوى الوطني، وليس على المستويات القطاعية، كالمتدينين والشرقيين والغربيين والروس وغيرها، لم يظهر للناخبين ما يميزه عن الليكود الذي بدا مثله مسؤولاً عن الأوضاع الراهنة في الدولة، بعد أن اشترك وإياه في حكومة واحدة دامت حوالي عشرين شهراً.

كما أن هذا الحزب - أي العمل - ما زال في نظر الإسرائيليين مسؤولاً عن ما يرون فيه تدهوراً شاملاً في أوضاعهم ، لكون الانتفاضة اندلعت عقب ما يسمونه التنازلات التاريخية التي قدمها زعيم الحزب باراك للفلسطينيين في كامب ديفيد، والتي يعتقدون، بناء على رواية العمل نفسه، أن الفلسطينيين ردوا عليها بالعنف طمعاً منهم بالحصول إلى ما يهدد بقاء الدولة الإسرائيلية مثل عودة خمس ملايين لاجئ وغيره،ولعدم اكتفائهم بإقامة دولتهم في 97% من الضفة والقطاع.

يوم الثلاثاء يتوجه الناخبون الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع بفتور وتردد من يتوجه، ملزماً، إلى صفقة خاسرة.

وحتى لو نجح شارون في تشكيل حكومة مريحة بعد الانتخابات فإن المراقبين في إسرائيل يكادوا يجمعون على أنها ستكون واحدة من حكومات العمر القصير في التاريخ الإسرائيلي، وذلك نظراً لحجم التناقضات المتفجرة، ليس فقط بين الأحزاب المرشحة للمشاركة فيها، بل أيضاً في داخل كتلة الحزب الرئيس فيها وهو الليكود.

ولأن شارون يدرك أن حكومته المقبلة ستكون انتقالية، فإن من المرجح أن يعمل على إطالة عمرها لأطول فترة ممكنة عبر ما يوحد الإسرائيليين حوله لا ما يفرقهم عنه، وهو الخطر الفلسطيني.

فسياسي دموي مثل هذا،مدان، حتى إسرائيلياً، بارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل، لن يجد غير تصعيد حربه ضد الفلسطينيين ليبقي على نفسه قيد الحياة السياسية، خصوصاً وأنه يعلم أن ولايته هذه ستكون الثانية والأخيرة.

وطريق شارون هذه تبدو إجبارية حتى لو أراد غيرها، كما يعتقد البعض، وذلك بسبب الأطواق التي تحيطه برجال وقوى اليمين من كل حدب وصوب.

فالمؤكد أن حلفاء شارون وممثلي حزبه في الكنيست، وأكثريتهم من معسكر خصمه اللدود بنيامين نتنياهو، لن يسمحوا باختيار نهاية أخرى له غير تلك التي سيختارونها له، وهي تلك التي تكون في نهاية الحرب.

لذا فإن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم أمام مرحلة جديدة من المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، تفرض عليهم تحديات أكبر من تلك التي واجهوها خلال العامين الماضيين.

وربما يكون الحوار الوطني الجاري في القاهرة هذه الأيام ميداناً لقادة الشعب الفلسطيني لاختبار هذه التحديات، والبدء في التحضير للاستجابة لها بما تطلبه المصلحة الوطنية. وهم قل ذلك مطالبون بالاستجابة لها بلغة أخرى غير تلك التي جربت في الماضي وقادت إلى نتائج عكسية.

والسؤال الفلسطيني اليوم هو: هل ستعطي الفصائل وللمرة الأول أولية للمصلحة الوطنية العليا على المصلحة الذاتية للفصيل،وهل سيتنازل الفصيل عن رؤياه التي غالباً ما تكون ضيقة لصالح الرؤيا الوطنية التي غالباً ما تكون أكثر رحابة وحكمة.

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, الكنيست, باراك, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات