المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الصعود الاسطوري لشمعون بيريس الى فوز استطلاعي صوري هو من المؤشرات غير المذهلة بتاتاً في معركة الانتخابات المنفلتة هذه. انها منفلتة وحتى خطيرة لأن ناخبيها يؤيدون اساسا ما هو غير ممكن. بدءا بالتتويج العبثي لبيريس رئيسا للحكومة حتى ابقاء شارون المتوقع في منصبه بعد ان نقض كل وعوده. ليس هناك شيء مستحيل في بلاد النقائض. لا عجب مثلا في ان هناك اغلبية مع الشيء الاخير الذي يمكن للجهاز السياسي ان ينتجه – الحل الوسط مع الفلسطينيين – وفي نفس الوقت نجد هذه الاغلبية تصوت الى جانب العكس من ذلك تماما.الناخبون الحائرون يهرولون بجموعهم وراء "شينوي"، الذي ينفي وجود "شاس" لذلك لن يسمح لـ "الليكود" بتحقيق نزعة قومية اخرى: التواجد مرة اخرى في حكومة وحدة. وفي داخل كارثة اقتصادية، فإن تفضيلاتهم في الصندوق تميل الى الحزب الذي جلبهم. في انتخابات العكس هذه سيحص الناخبون على ما لا يريدونه، وبنسبة تركيز اعلى. لأنه الدلائل تقول انهم سيحصلون على تحالف يمين رافض سيعمق ضائقتهم الاقتصادية. قد تكون الشبهات المتشعبة حول الفساد سببا في اثارة غثيانهم، لكن ذلك لا يضايقهم بالضبط. بالعكس: قبل اسبوعين، وعندما بدا لاول مرة في هذه الحملة المتدنية ان الليكود سيتلقى ضربة بسبب ملفات الفساد، حدث العكس تماما.

هذا هو تنافس الفاشلين، بين شارون ومرشح ضعيف عن "العمل"، وفيه سيفوز من قدم اثباتات مفصلة اكثر على فشله. هذه السيرورة الفاسدة تشوه تماما مبدأ الأجر والعقاب، الذي يعد عاملا اساسيا في منافسة البدائل الديموقراطية. لكن التشويش ليس شأن الحملة المنتهية فحسب، حمدا لله. انه يحمل رائحة عفن عميق في اجهزة الحسم لدى الاغلبية الاسرائيلية. هذه النسبة غير المسبوقة تقريبا من البلبلة والحيرة في الطريق الى صندوق الاقتراع لا بد ان تدل على قدر مماثل من اليأس. كل ناخب خامس لا يدري كيف سيصوت لانه لا يملك من يصوت له وليست لديه رغبة في التصويت للنقيض التام لما تراه عيناه. لذلك لا يمكن الا ننظر الى هذه المعركة على انها شهادة بائسة تكاد تكون تراجيدية على حال الامة.

استبدلت طريقة الانتخابات مرتين في العقد الاخير لاصلاح الخلل الاساسي في عملية الحسم. الانتخاب المباشر افسدها اكثر فأكثر. لكن بعد ان الغيت ايضا يلتصق غالبية الناخبين بعادات التصويت مع اشخاص وليس لاجل قضية مركزية. وهكذا تخلدت الصورة المشوهة لشارون باعتبارها متكأ يثير الشعور بالامن، جعلته بسبب ذلك التضليل المزمن المحفور في الاعمال التي قام بها، بالطريقة المعكوسة، رمزا لاستمرارية الاستقرار. استقرار أي شيء بالضبط؟ هل هو استقرار الوضع الاسرائيلي المبلبل، المتأزم، المفتقد للاتجاه والمضلل؟

ولكن الخوف الكبير الذي يوجه الكثير من الناخبين هو في نفس الشيء الذي من المفترض ان تقدمه الانتخابات، وبخاصة في اوقات الازمة: تغيير ما في الاتجاه القومي. غرق متسناع عميقا في اللجج في كل مرة قرر فيها ان يلتزم بلغة واضحة ضد الوحدة بقيادة شارون ومع الحوار مع الفلسطينيين بدون شروط مسبقة. لقد قال في موضوع النزاع ما سبق ان قاله بيريس فارس الاستطلاعات الجديد. لكن لا عجب في ذلك في انتخابات بلاد النقيض التام. بيريس، لاسباب جديرة بحد ذاتها، صور نفسه في السنوات الاخيرة على انه شخصية مثيرة للانطباع.اصبح المحبب لدى الشارع لان اراءه لا تهم الشارع. لانه لو تم ترفيعه الان لرئاسة "العمل"، لما صوتت له غالبية مريديه الجدد – نقيض على نقيض بطبيعة الحال.

يجب على دولة تمر بأزمة خطيرة وفي فشل متواصل وتتأرجح بهذا الشكل في الطريق الى حسم قومي، ان تتوقع اسوأ ثمن مقابل جوهر اعتباراتها الموجهة. في معركة انتخابات من اكثر المعارك التي عرفناها هنا اثارة للاحباط بمستواها، الشعب ينتخب المصيبة.

(هآرتس، 22 كانون الثاني)

ترجمة: "مدار"

المصطلحات المستخدمة:

شينوي, الليكود, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات