المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في السبت الماضي ليلا، أضرمت النار في المقر الانتخابي لحزب "يهدوت هتوراه" في القدس، وإلى جانب الكنيس التابع لزعيم التيار "الليطائي"، الراب يوسف شالوم إلياشيف، رُسم صليب معقوف. ويدعي نشطاء "يهدوت هتوراه" أنهم يعرفون من قام بهذه الأعمال، لكنهم يترددون بإعطاء الأسماء للشرطة. من الواضح لديهم أنهم جاءوا من جمهور "الحريديم" نفسه.

العنف داخل المجتمع الحريدي ليس بالجديد. أتباع "غور" اعتدوا بالضرب على مناحيم بوروش وكسروا نظارته، و "دوريات الاحتشام" ضربت إمرأة تجرأت على ترك زوجها، والكثير الكثير. لكن الصليب المعقوف تجاوز هذه القمة، خاصةً لأنه يأتي من مناطق جديدة، متعصبة، وليس لوجه الله فقط.

شعبية باروخ مارزل وقوموية "حيروت" العنصرية النابية في أوساط الحريديم تثير قلق غالبية القيادة الحريدية بشكل بالغ. وقد اجتمع "مجلس كبار التوراة" خصيصًا في الأسبوع الماضي لدعوة الجمهور لعدم التصويت لأحزاب تدنس السبت. أراد الرابانيون أن يشددوا على أنه ممنوع التصويت لأناس يعتمدون على "قوة ذراعي"، ومن خلال ذلك التطرق صراحةً لباروخ مارزل، ولكنهم انذهلوا من أنفسهم وشطبوا هذا السطر.

الاصطلاح "بقوة ذراعي" أستخدم في الماضي غير البعيد كرمز دائم في النضال الحريدي ضد الصهيونية. اليوم الصهيونية العقلانية، مكملة درب مؤسسي الدولة، أبعدت إلى الزاوية، وصُنفت تحت العبارة المهينة "اليسارية". وهناك مجموعة صغيرة من الليطائيين، من أتباع بعلز، الطائفة الحريدية وآخرين، الذين يضعون مقولة نبذ الاقتتال في مركز منظورتهم الحياتية المعتدلة - تبدي هذه المجموعة تهاونًا أمام نهج القوموية المتطرفة، الذي يهدد بجرف آلاف الحريديم الشباب.

حتى أن العلمانيين لا يشعرون بهذه العاصفة. هم مقتنعون بأن الأمر لا يعنيهم، بأن الحديث يدور عن شأن حريدي داخلي. لكن هذا الشأن يعني المجتمع الاسرائيلي برُمّته. مرة أخرى يعبر المجتمع الحريدي تغييرًا، وحتى وإن كان ملحوظًا أصلا، فإنه يُفسر خطأً. من منظار المعلقين العارفين ومن منظار التقارير في التلفزيون والجرائد ينعكس التغيير على هذا الشكل: الحريديم، الذين كانوا منغلقين حتى اليوم في "الغيتوات" الخاصة بهم، يخرجون ويتداخلون في المجتمع العلماني أكثر من أية مرة في السابق. نساؤهم يتعلمن في الكليات، أبناؤهم يستخدمون الحواسيب، والكثير منهم يدرسون مواضيع تكنولوجية متطورة.

إذا كان الأمر كذلك، يقول المعلقون الذين يتحدثون إعتمادًا على أفكارهم الخاصة، ها هم يتغيرون من دون أن يحسّوا هم أنفسهم بذلك، وحالا، وبعد جيل أو اثنين، سيصبحون مثل العلمانيين - سينجبون أقل، وسيحافظون على عادات وتقاليد قديمة أقل. باختصار - التقدم سينتصر. الوجه الثاني لنفس العملة المغلوطة ينعكس في الجمعيات الخيرية - "ياد ساراه"، "عيزر متسويان" وحتى "زاكا" (التنظيم الذي يهتم بلملمة الجثث وبقايا الجثث بعد كل عملية تفجيرية)، التنظيم شبه العسكري التابع للضابط يهودا ميشي زهاف. العلمانيون الذين يقابلونهم ينسحرون (بحق) من مستواهم المهني العالي، وينسحرون بالجمالية والنجاعة التي تميز نشاطاتهم، وأكثر من كل ذلك، بالانسانية النادرة عندهم. الحريديم، يقولون، يختلفون عمّا فكرنا. اليوم، هم ضالعون أكثر بكثير. يوجد حريدي جديد.

غير صحيح. القدرة على استخدام الحداثة والتكنولوجيا لغرض نشر الدين، تحولت إلى أداة متطورة في يد الأصولية في كل العالم (مثلا، الاسلام في أوروبا). الحريديم يندمجون أكثر، ولكن فقط في الأماكن التي انهارت فيها دولة الرفاه - في مد يد العون للمعاقين، والمسنين، والمتخلفين، والجائعين وضحايا العمليات. هذا هو الوجه الاجتماعي للعملة. الوجه السياسي القوموي نما في دفيئة "غوش أيمونيم"، الذي حوّل الصهيونية من صبوة شرعية للسيادة، إلى أيديولوجيا إحتلالية، وبثّ في توراة إسرائيل روحًا سيئةً من الأيمان الأعمى والمتطرف بمقدم المسيح المنتظر. هذه هي الروح الجارفة الآن بين الحريديم، التوّاقين لقيادة ولمضامين جديدة تنشلهم من الحياة اليومية المنهكة والرمادية.

لعمل الخير الذي استبدل دولة الرفاه توجد أجندة دينية واضحة، تطمح لتغيير بطاقة هوية اسرائيل، والقوموية تلائم هذه الأجندة كالقفاز لراحة اليد. كتلة اليسار، التي كان من المفروض أن تطرح البديل الاجتماعي - الاقتصادي والأيديولوجي، في طور الانهيار. (حملة "العمل" الانتخابية الفاشلة تنجح حتى في تمويه إنجازات "ميرتس" في المجال الاجتماعي، التي حققتها بكدٍ وتعبٍ). في الفراغ المتبقي تبيع "شينوي" الوهم للجمهور، وكأنه بالامكان بناء جدار فاصل بين العلمانيين والحريديم. إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، فإن الحريديم سيجمعون قوةً هائلةً في الجولة الأولى. في الجولة الثانية - هذه القوة ستبقى مع كل سيئاتها على الجمهور عامةً. بمن فيهم الحريديم. حتى في أسوأ أحلامهم، لم يرَ كبار التوراة أبدًا، الدولة الحديثة تداس تحت الحذاء الديني. وبالتأكيد ليس تحت الجزمة الدينية - القوموية.

("هآرتس"، 21 كانون الثاني)

ترجمة: "مدار"

المصطلحات المستخدمة:

مجلس كبار التوراة, الصهيونية, شينوي, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات