المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اذا كنتم قد تلقيتم في الاونة الاخيرة أمر استدعاء للخدمة الاحتياطية بعد الاول من نيسان، فمن الأجدر بكم ان تشدوا علي أيادي وزارة المالية. اذا انتصر موظفو المالية في الصراع حول الميزانية الامنية فان هذه الأوامر ستلغي خلال الشهر القادم. هذا ما يقولونه في جيش الدفاع: اذا لم يكن هناك مال فلن نستدعي الاحتياط.المعركة حول ميزانية الدفاع توفر لنا في كل عام سيناريو شبه ثابت، ذروة هذا السيناريو المعتادة هي الحركة التكرارية التي تعرض فيها وزارة المالية قسيمة مليئة بالاضافات علي عميد معين فيرد الجيش برسالة غاضبة موجهة من زوجة ضابط في الخدمة الالزامية حول ضحية العائلة. الا ان الحكاية مغايرة تماما في هذه السنة. فبعد مدة طويلة من السنين التي شهدت عمليات تملص وتهرب سقط الحذاء الثاني. المسألة في هذه المرة تدور حول مطالب حقيقية فعلا.

حكاية ميزانية الدفاع لعام 2003 هي من الحكايات التي يجدر ان نقصها علي المواطنين قبل ان يخلدوا للنوم، كل واحد منا يتجول احيانا في أروقة الحكم ومن ثم يصف ما شاهده هناك، يعرف الرد: لماذا تحدثني عن ذلك، يقول المواطن العادي الذي كان يود ان يعتقد ان ضرائبه واخلاصه للدولة يستغلان من قبل الحكومة بطريقة معقولة تقريبا. ميزانية الدفاع هي نموذج للطريقة التي تتخذ فيها القرارات ولا تتخذ في دولة اسرائيل في المسائل الهامة جدا. خلاصة القول لم تأت بعد، ولكن اليكم احدي الامكانيات حسبما يصرح أحد المقربين للمداولات الجارية. هذا الشخص يقول ان الحرب مع الفلسطينيين قد تنتهي في هذه السنة. ليس لان الامر سيحسم في الوعي وانما لان المال قد نفد.

* بازار شرق اوسطي

الحكاية تبدأ في المصادقة علي ميزانية 2003 في ايام الحكومة السابقة بمعارضة وزير الدفاع في ذلك الحين، بنيامين بن اليعازر ـ لاسباب لا تتعلق بميزانية الدفاع. منذ اندلاع الانتفاضة حصل جهاز الدفاع علي علاوات لتمويل القتال الجاري في المناطق. في عام 2002 وصلت العلاوات الي ثلاثة مليارات شيكل بما في ذلك علاوة خاصة لتمويل عملية السور الواقي . العلاوات هي علاوات صرفة: في البنود المختلفة كان في الواقع اضافة 5 مليارات بالمقارنة مع تقليص يبلغ مليارين في البنود التي كانت في الميزانية السابقة. المالية ادعت ان العلاوة قد صرفت لمرة واحدة، أما التقليص فقد كان في الميزانية الأساسية. هذا الذي يشكل ارضية للنقاش من سنة الي اخري. أي انه يتوجب ان يبدأ النقاش بخمسة مليارات شيكل أقل مما كان في عام 2002 . أحد المشاركين الكبار في البازار الشرق اوسطي أراد تعريف المداولات الجارية. المسؤولون في وزارة الدفاع وطاقم الدفاع في وزارة المالية لم يجروا حوارا فيما بينهم وانما أخذوا يساومون بعضهم بعضا.

لم يكن هناك في واقع الامر أي قرار صادر من الأعلي حول صورة الدفاع في دولة اسرائيل بحيث يأخذ بعين الاعتبار التهديدات والاحتمالات التي تواجهها الدولة والحدود التي ستدافع عنها وبأي ثمن. لم يكن هناك أي نقاش يضع المجريات الامنية في اطارها الاقتصادي. أما اذا سألتم ان كان هذا الامر نابعا من ادارة فاشلة ومن غموض وإبهام مقصود أو من مزيج من الاثنين، فالجواب موجود عندكم.

الطرفان توصلا الي اتفاق في نهاية المطاف بحيث بقيت فجوة تبلغ 340 مليون شيكل فقط. كيف؟ الجيش وافق علي تقليص أقل من مليار شيكل، المالية أخذت علي عاتقها جزء بينما وجدوا حلا ابداعيا لما تبقي من خيرة ما أنتجه شعار سيكون الامر علي ما يرام اسرائيلي الصنع: مدير عام وزارة الدفاع، عاموس يارون، أعلم (رئيس الحكومة والوزير، أما باقي الوزراء فقد اكتفوا باعلامهم بأن هناك حلا للمسألة حتي يرفعوا أيديهم) بأن الوزارة ستحصل علي قرض بمليار دولار من دولة اجنبية - يبدو انه يقصد دولة ذات علاقات تجارية أمنية مع اسرائيل.

الجانبان يُقسمان بأن القرض قادم، الا ان تلك الدولة الاجنبية لم تقتنع بهذه الخدعة المتمثلة في المصادقة علي الميزانية ولم تعط القرض المنشود. في الاسبوع الماضي هبطت المساعدة الخاصة بقيمة 200 مليون دولار التي كان من المفترض ان تقدمها الولايات المتحدة لاسرائيل. في اللحظة الراهنة يمكن القول ان ميزانية الدفاع الاسرائيلية تعاني من ثقب يبلغ ستة مليارات شيكل. المالية تقول هذه مشكلتكم. والجيش يرد عليها من ناحيته، اذا كان الامر كذلك فلن يكون هناك احتياط ولا أمن.

* الاستخبارات غير ملزمة بأن تعرف كل شيء

هلموا بنا نوضح ماذا يعني وجود ثقب يبلغ ستة مليارات شيكل. التقليص الأساسي البالغ أقل من مليار شيكل قد تسبب في هذه السنة بتقليص ايام تدريب الاحتياط الي النصف. والي تقليص تزود الجيش بالعتاد (وتقليص تزويد الجيش بالعتاد يعني فيما يعنيه الاقالات والمظاهرات التي شهدناها في صناعات ريشف تكنولوجيا في هذا الاسبوع)، والغاء تدريب القيادات الكبير، والي ثقب ملموس في ميزانية قسم الاستخبارات. ومن الممكن بالتأكيد ان نقرر انه لا يجدر بالاستخبارات ان تعرف كل شيء في الدولة التي توشك علي الافلاس، الا ان هذه هي المسألة بالضبط: يتوجب اتخاذ القرار وتحديد الهدف وتحديد سلم الأولويات. وبدلا من ذلك، قال رئيس الحكومة للعسكريين ان عليهم ان يتصرفوا كالمعتاد في الربع الاول من السنة، أي مثلما كان الحال عليه في العام 2002. وبعد ذلك لكل حادث حديث. بهذه الطريقة صدرت أوامر الاحتياط في نيسان (ابريل)، هذه الاوامر التي لا يوجد مال لتمويلها حتي الآن. وبهذه الطريقة ايضا تواصل وزارة المالية التحدث عن تقليص يبلغ ستة مليارات شيكل، أي خُمس ميزانية الدفاع، من دون التطرق لحقيقة استحالة هذه المسألة ببساطة. أحد المراقبين الخارجيين المجربين قال ان أي مؤسسة كانت لا تستطيع ان تقلص 20 في المئة في سنة واحدة من ميزانيتها وان تبقي في ذات الوقت علي قيد الحياة.

* الضرر يتركز في المنتوج

في مؤتمر قيساريا الاخير عرض الخبير الاقتصادي، البروفيسور داني تسيدون، ورقة عمل أشرف علي اعدادها الوزير دان مريدور. هذه التجربة كانت محاولة علنية نادرة للتطرق للحرب مع الفلسطينيين من خلال وسائل اقتصادية. الورقة تتضمن معطيات مثيرة، حول من كان أكثر تضررا من العنف (الطبقات الضعيفة طبعا)، واستخلاصا واضحا واحدا: ضرر الارهاب الأساسي الذي لحق بالاقتصاد الاسرائيلي يكمن في فقدان المنتوج، وليس في النفقات الأمنية المتزايدة. بكلمات بسيطة، إعادة الأمن وتهدئة الصراع، يكملان بعضها البعض مهما كلف الامر.

نفـــس الاستنتاج يظهر من دراسة اخري كان تسيدون شريكا فيها الي جانب البروفيسور تسفي اكشتاين وآخرين، التي دارت حول تأثير الجدار الفاصل علي الاقتصاد. استنتاجهم هناك قاطع ايضا: اذا كان الجدار الفاصل يسهم حقا في منع الارهاب داخل الخط الاخضر (حيث يوجد اجماع عام حول ذلك) فان ذلك يعــــادل قيمته بعشرات الأضعاف. صحيح ان ليس كل شــــيء اقتصادا، الا ان الدولة التي تقترب بسرعة من ازمة كارثية يكون الاقتصاد فيها مسألة غير بسيطة. يقولون ان رئيــــس الحكومة يدرك كل هذا، ويقولون حتي ان هذا ما كان وراء الحكومة التي شكلها. الا ان هــــذا الادعاء لا يخلو من البطلان: حكومة ورئيــــس حكـــومة الذين يعتبرون كفار دروم ونتساريم اماكن مقدسة، يعتبر تواصل الاحتلال أُمنية بالنسبة لهم، والفصل ليس مسألة واردة في الحسبان، ولذلك يمكن القول انهم لا يدركون ان المال قد نفد للحرب في صيغتها الحالية. ومثلهم ايضا من هم في داخل الجيش نفسه، اولئك الذين يتحدثون حول الحسم الفكري في الوعي وتقليص أحجام الارهاب الي مستويات يمكن تحملها حتي عام 2006.

الامر يتعلق بقرار لا يوجد استعداد لأحد ان يتخذه ولا حتي لأي جهاز مدني كان. الجيش يستطيع، الا انه يعتقد وعن حق ان هذا ليس دوره.

والشعب يرفض الاستيعاب. الحل اذا سيكون شد الامور من هنا وهناك وايجاد حلول ابداعية وعدم حصول جنود الاحتياط علي أوامر الغاء لأوامر الاستدعاء التي تلقوها. رفع الضرائب لن يحدث، وزيادة العجز ليست ممكنة. الحسم الحقيقي ـ مثلما هو الحال في المسألة المائية وفي الحركة علي الطرق ـ سيأتي من الواقع. وعندما يأتي هذا الحل سيكون كما هو الحال دائما اسوأ الخيارات المتاحة.

(عوفر شيلح، "يديعوت احرونوت" 28 شباط)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات