المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب أسعد تلحمي:
تودع إسرائيل العام 2002 في أجواء مربدّة يصعب معها التكهن بما سيحمله إلينا العام الجديد. لكن يمكن الإشارة إلى تطورين هامين تقف إسرائيل، من أقصاها إلى أقصاها، وهي مشدودة أمامهما. ألأول الإنتخابات البرلمانية المبكرة المقررة ليوم الثامن والعشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل، وهي خامس انتخابات خلال السنوات العشر الأخيرة، سنوات "الصراع على السلام" وغياب الإستقرار السياسي. والثاني هو الحرب الأميركية المقررة على العراق التي تواترت المؤشرات في الأيام القليلة الماضية إلى كونها غاية مشتهاة، إسرائيليا. ويقف أكثر من مراقب على كون الإنشداد الإسرائيلي إلى هذين التطورين وتحديدا إلى الثاني عائدين إلى حقيقة أن نتائجهما ستكون الأسطع انعكاسا على القضية الأهم التي ما زالت تؤرق إسرائيل منذ تأسيسها بل منذ أكثر من قرن من الزمن، هي القضية الفلسطينية.

مع ذلك، يسقبل الإسرائيليون العام الجديد بقناعة راسخة بأن ما كان (في العام 2002) هو ما سيكون أيضا (في العام 2003)، مستندين في ذلك، ضمن أشياء أخرى، إلى حدوث تطورات عالمية جعلت التحالف مع واشنطن أكثر من استراتيجي.

* الإنتخابات البرلمانية

على رغم انحسار شعبية "الليكود" اليميني في استطلاعات الرأي للنصف الثاني من ديسمبر 2002، على خلفية فضائح الفساد والرشوة التي جاءت بوجوه جديدة مشبوهة بعلاقاتها مع الإجرام المنظم إلى لائحة الحزب الإنتخابية، لا تزال كفة أحزاب اليمين راجحة لتشكيل أغلبية في الكنيست الجديدة (الـ 16) مستفيدة في ذلك من انحراف الشارع الإسرائيلي منذ بدء الإنتفاضة إلى التشدد والعداء للفلسطينيين.

في تفسير هذه - "مفارقة شارون" – يحاول المحللون السياسيون في اسرائيل تفسير حجم التأييد الكبير الذي يحظى به أكثر رئيس حكومة فاشل في تاريخ إسرائيل على الصعد كافة. فالسلام المنشود، حتى بالصيغة الإسرائيلية، ليس واردا في قاموسه، والإقتصاد في حالة ركود غير مسبوق في تاريخ اسرائيل، والفجوات بين شرائح المجتمع اتسعت، والأمن مفقود. لكن شارون، ومع كل هذه "الأعباء"، يبقى الشخصية المفضلة لمواصلة إدارة دفة الحكم في اسرائيل!

وفيما يرى أبرز المعلقين في جريدة "هآرتس"، يوئيل ماركوس، أن مثل هذا التناقض يستدعي تدخل أطباء نفسيين لتحليله، يتفق معظم زملائه على أن غالبية الإسرائيليين التي تمنح الموضوع الأمني صدارة اهتماماتها، ترى في شارون "شيخ القبيلة" والعسكري المحنك القادر على إدارة شؤون دولتهم وقت المحن على نحو أفضل من غيره، على رغم قناعتهم بأنه، وبسياسته القائمة على توظيف أكبر قدر من التشدد تجاه الفلسطينيين، لن يجلب لهم لا سلاما ولا أمناً، إنما قد يبقي - في أحسن الأحوال - على الوضع الراهن الصعب، وهذا "أهون الشرور"، في نظرهم.

ولم يختلف العام المنتهي، الثاني على الإنتفاضة الحالية، عن سابقه من حيث استغلال شارون ردة الفعل العنيفة لدى الإسرائيليين على الإنتفاضة والعمليات الإستشهادية داخل مدنهم، التي خاطبت غرائزه ومخاوفه من الفلسطينيين. فعمل على إحياء هذه المخاوف والترويج لمزاعم أن إسرائيل تفتقر إلى شريك للسلام فسمح لنفسه بتوسيع رقعة عدوانه على الشعب الفلسطيني وأصراره على تقويض كل رموز السيادة الفلسطينية في مناطق السيادة الوطنية الفلسطينية: محاولا في الوقت ذاته الظهور كسياسي معتدل مستعد لتقديم "تنازلات مؤلمة" تبين أنها لا تتعدى موافقته على إقامة دويلة فلسطينية مقطوعة الأوصال على أقل من نصف مساحة المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 وبشروط تعجيزية يعرف هو نفسه أنه لن يجد فلسطينيا واحدا يقبل بها.

* العلاقات مع واشنطن والحرب على العراق

تباهى شارون في أكثر من مناسبة بعلاقاته الحميمة مع الإدارة الأميركية الحالية ليؤكد أن التناغم بين مواقف واشنطن وتل أبيب في مختلف المسائل لم تعرفه العلاقات بين البلدين منذ نشوئها. حتى "ملامة" الأصدقاء التي كانت أشبه بضريبة كلامية تدفعها الولايات المتحدة لتخفيف حدة الإنتقاد لانحيازها للدولة العبرية لم تعد قائمة، ومعظم المسؤولين في هذه الإدارة يبدون في بعض المواقف أكثر تطرفا من شارون، ما يتيح للأخير مواصلة مسعاه لفرض الحلول على الفلسطينيين تحت فوهات الدبابات الإسرائيلية والحصار التجويعي المتواصل منذ ثمانية أشهر. وفي ذلك تكفي الإشارة إلى الموقف الأميركي الأخير بقبول الطلب الإسرائيلي إرجاء البت في "خريطة الطريق" بشأن التسوية في الشرق الأوسط إلى ما بعد الإنتخابات الإسرائيلية رغما عن أنف "الرباعية" الدولية، هذا فضلا عن وجود أعلى درجة تنسيق عسكري حول الهجوم العسكري الأميركي المتوقع على العراق.

وتعول إسرائيل كثيرا على هذه الحرب وتتحدث صراحة عن أمنيتها بأن تأتي نتائجها بما تسميه شرق أوسط جديدا "يجعل العرب يدركون أن خيارهم العسكري قد سقط فيضطرون إلى القبول بحلول وسط في المفاوضات". وينسجم هذا الموقف مع توصية سابقة للقيادة العسكرية الإسرائيلية تقدمت بها إلى المستوى السياسي بإدامة عمر الحرب على الفلسطينيين ليس لتمكين جيش الإحتلال من حسمها عسكريا فحسب إنما لضرورة انتظار الحرب الأميركية على العراق التي قد تمكن الدولة العبرية من تحقيق مخططها بالقضاء على السلطة الفلسطينية وترحيل رئيسها وفرض حل بصيغة شارونية على الفلسطينيين.

* بديل "العمل" غير وارد!

يسعى شارون، المطمئن إلى تكليفه بتشكيل الحكومة القادمة، إلى إعادة تشكيل حكومة "وحدة وطنية" بمشاركة حزب "العمل" المحسوب على "معسكر السلام" الإسرائيلي ليضمن من جديد إجماعا إسرائيليا في مواجهة الإنتفاضة ولامتصاص أي ضغط دولي متوقع على إسرائيل كي توقف قمعها أو لإعادتها إلى مائدة المفاوضات.

ويبدو شارون مطمئنا إلى جهة نجاحه في مسعى كهذا على رغم إعلان زعيم "العمل" الجديد عمرام متسناع رفضه الجلوس في حكومة وحدة وطنية بزعامة شارون. ويبدو أن مرد الإطمئنان كامن في موقف غالبية أقطاب العمل وعلى رأسهم بنيامين بن إليعيزر المؤيد لإعادة الشراكة مع "الليكود"، بالإضافة إلى عجز الحزب عن إقناع الإسرائيليين بأنه يشكل البديل لسياسة شارون ويبدو أنه يدفع ثمن جلوسه في الحكومة المنتهية ولايتها بظهوره كنسخة طبق الأصل عن "ليكود" لا يمتلك هوية سياسية خاصة به. وتأتي في حسابات شارون أيضا الحرب الأميركية على العراق التي "سترغم" العمل على الإنضمام إلى "حكومة وحدة" على غرار ما حصل في الماضي حين شكلت حكومات كهذه في أزمان الحروب.

وفي انتظار جلاء التطورات، خصوصا على الجبهة العراقية، وحيال عقلية إسرائيلية مرعوبة ومرتبكة ترى في الإبقاء على الوضع الراهن "إيديولوجية معقولة" وتخشى أوضاعا أسوأ إذا ما سلمت دفة الحكم لغير شارون، فإن الحديث عن تسوية سلمية أو مصالحة تاريخية تنطلق في العام 2003 يبدو ضربا من الخيال أو حلما بعيد المنال: "الإسرائيليون يرون في الإنتخابات القريبة نوعا من الإستعراض والترفيه التلفزيوني.. الفائز معروف سلفا وما كان في الأصل هو ما سوف يكون بما في ذلك على الصعيد الإقتصادي والأمني.. فالجمهور الإسرائيلي منهك ولا مبال وربما هو مريض، ولا يؤمن بسياسييه والإنتخابات بالنسبة له مضيعة للوقت"، كما ما يكتب المعلق السياسي في صحيفة "معاريف"، حيمي شاليف.

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, الكنيست, هآرتس, أمنا, معسكر السلام

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات