المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقابلات
  • 1603
  • بن نورتون

الملاحقات السياسية والاعتقالات وتقييد حرّية التعبير ـ من أعراض الأزمة التي تعيشها إسرائيل!

*كلّما زادت السلطات الإسرائيلية من القمع وصعّدت من حملات التحريض ضد الفلسطينيين كان ذلك تعبيراً أوضح عن حالة الضعف وقلّة الحيلة*

دارين طاطور فلسطينية من مواطني إسرائيل، اعتـُقلت بسبب كتابات شاركتها عبر الشبكات الاجتماعية. في شهر تشرين الأول الماضي، اقتحمت الشرطة بيت الشاعرة ابنة الـ 35 عاماً في منتصف الليل، كبلت يديها واقتادتها. "منظرك يوحي بأنك استشهادية"، قال لها أحد المحققين. اتهمت حكومة اسرائيل طاطور بالتحريض على العنف، من خلال قصائد ومنشورات على "الفيسبوك".

ما زالت المحاكمة مستمرة ومن المقرر أن تعقد المحكمة جلستها القادمة يوم 6 أيلول القريب. وإذا ما تمت إدانتها بالتهم الموجهة إليها، فقد تواجِه حكماً بالسجن الفعلي لعدة سنوات. وقد قضت طاطور، حتى الآن، ثلاثة أشهر في السجن الإسرائيلي سبقتها ستة أشهر أخرى من الاعتقال المنزلي في شقة في مدينة تل أبيب، كان على عائلتها أن تتحمل تكاليفها.

في نهاية شهر تموز الماضي، قرر قاضي المحكمة في الناصرة تحويل طاطور إلى الحبس المنزلي في بيت عائلتها في قرية الرينة (قرب الناصرة). وقد جاء هذا القرار في إثر رسالة مفتوحة تطالب بإطلاق سراح طاطور وقّع عليها 250 شخصية ثقافية معروفة عالميا شملت مفكرين وأدباء وفنانين، من بينهم نوعم تشومسكي، نعومي كلاين، دايف ايجرز، كلوديا رانكين والعشرة الحائزون على جائزة "بوليتزر"، بينهم الأديبة المعروفة أليس ووكر والصحافية كاترين شولتس. ومنذ نشر الرسالة، وقع عليها حتى الآن ما يزيد عن 7000 شخص، كما قام نشطاء بإطلاق حملة تضامن عالمية لدعم الشاعرة الشابة.

قصة طاطور هي واحدة من قصص كثيرة. في الفترة بين تشرين الأول 2015 وتموز 2016، اعتقلت السلطات الإسرائيلية نحو 400 فلسطيني بسبب كتابات نشروها على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، طبقا لما وثقته منظمات حقوقية محلية. ومع ذلك، فقد أثارت قضية دارين طاطور اهتماماً دولياً خاصاً مع الأخذ في الاعتبار انعكاساتها الواسعة والخطيرة على حقوق المواطن للفلسطينيين في داخل إسرائيل، الحليفة الأقرب لحكومة الولايات المتحدة.

"الصوت اليهودي للسلام"، وهي مجموعة تنشط في الولايات المتحدة من أجل العدل الاجتماعي، نشرت مؤخراً مقابلة مصورة مع طاطور من سجنها المنزلي. وهي مقابلة شخصية أجراها موقع "صالون. كوم" مع طاطور باللغة العربية، ثم تمت ترجمتها إلى اللغة الانجليزية بمساعدة الناشط يوآف حيفاوي الذي يتابع القضية عبر مدونته "حيفا الحرة".

س: حدّثينا عمّا حصل منذ اعتقالك.

ما زلتُ معتقلة رهنَ المحاكمة. كل شيء بدأ عندما حضروا في الساعة 3:30 من فجر يوم 11.10.2015. قوّات كبيرة من الشرطة داهمت بيتنا، طلبوا من أهلي أن ينادوني، لأنهم جاؤوا ليأخذوني. لم يكن معهم أمر اعتقال، بما يخالف أبسط القوانين. بعد التحقيق معي، قرّروا محاكمتي، وسَجني لحين انتهاء الاجراءات. أستطيع القول إنّ التحقيق ومجريات المحاكمة كانت مهزلة تُخجل أيّ نظام يدّعي الديمقراطية. في البداية سُجنت لمدّة 3 شهور، نقلوني خلالها بين ثلاثة سجون: الجلمة، الشارون (تلموند) والدامون. لاحقًا، فرضت عليّ المحكمة الاعتقال المنزلي في منطقة تل أبيب. عمليًا، تمّ نفيي بعيدًا عن بلدتي. مكثت هناك 6 شهور، منعوني خلالها من الخروج ومن التواصل عبر الإنترنت طيلة ساعات الليل والنهار. بعد ذلك، وفي أعقاب تصاعد حملة التضامن واستنكار الممارسات غير الديمقراطية بحقّي، حوّلوني إلى الاعتقال المنزلي في بلدتي (الرينة). هنا أيضاً لا يُسمح لي بالخروج سوى 6 ساعات في الأسبوع، كما وضعوا في رجلي حلقة إلكترونية لرصْد تحركاتي.

س: كيف كانت ظروف اعتقالك؟ حدّثينا عن تجربتك وعن الأسرى الفلسطينيين عمومًا.

أولاً، هناك آلاف الأسرى الفلسطينيين يقضون محكوميّات في السجون الإسرائيلية المختلفة، من بينهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى المعتقلين الإدرايّين الذين تحتجزهم إسرائيل دون توجيه أية تهم إليهم ودون محاكمات بالطبع، لمدد غير محددة، إذ يمكن للقائد العسكري تمديد الاعتقال الإداري مرارًا وتكرارًا بموجب أنظمة الطوارئ الانتدابية.

فترة السجن الفعلي قضيتها مع الأسيرات الفلسطينيات وعايشت خلالها معاناة الأسرى الفلسطينيين من كل النواحي الإنسانية. شهدت الإهمال الذي يعانونه في السجون الإسرائيلية، من ناحية الظروف البيئية والصحية والمعاملة القاسية. فالأسرى عمومًا، والأسيرات خصوصًا، محرومون من أبسط حقوق الإنسان، وأقصد على وجه الخصوص الحصول على العلاج الطبي اللائق. ومهما وصفت لن أستطيع نقل ما يعيشه الأسرى الفلسطينيون من ظلم هناك. التقيت أسيرات بريئات لم يرتكبن أيّ جُرْم. فأنا مثلاً اعتقلوني بسبب قصيدة. شابة أخرى التقيتها في السجن اعتـُقلت بسبب رسالة كتبتها إلى أختها تحكي فيها عن همومها الشخصية والعائلية، ولأنها ذكرت كلمة "انتحار" زجّوا بها في السجن لمدّة 3 شهور.


س: لماذا، برأيك، تلاحق إسرائيل الشعراء والفنانين وتعتقل الفلسطينيين بسبب منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟

الملاحقات السياسية والاعتقالات وتقييد حرّية التعبير هي، في رأيي، من أعراض الأزمة التي تعاني منها إسرائيل. فكلّما زادت السلطات الإسرائيلية من القمع وصعّدت من حملات التحريض ضد الفلسطينيين كلما كان هذا تعبيراً أوضح عن حالة الضعف وقلّة الحيلة. من جهة، يصبح الفلسطينيون أكثر تمسكاً برفض ممارساتها الاستعمارية والعنصرية؛ ومن جهة أخرى، وكردة فعل على بثّ ثقافة الكراهية على المستوى الشعبي، نرى أن هناك تياراً معادياً للفاشية بدأ يتبلور ويظهر في المجتمع الإسرائيلي. وهذا يضع إسرائيل في مأزق يضطرّها إلى تصعيد القمع ويكشف، بالتالي، عن جوهر النظام الإسرائيلي المعادي للديمقراطية.
س: أليس من النفاق من جانب إسرائيل أن تصرّ على أنها دولة ديمقراطية بينما تقوم، في الوقت نفسه، باعتقال من ينتقدونها؟

بالطبع، فإسرائيل ليست دولة ديمقراطية، وإن كانت كذلك فإن ديمقراطيتها تنطبق فقط على فئة واحدة من الناس، من المواطنين- أي أنها ديمقراطية لليهود فقط. لهذا، أسمّيها ديمقراطية فئوية أو ديمقراطية مزيّفة أو منافقة، ولكن حتى هذا النوع من الديمقراطية آخذ في الانهيار مؤخرًا، كما أوضحت في إجابتي السابقة.

س: هل ساعدت الرسالة التي وجّهتها 250 شخصية أدبية، حسب علمك؟

نعم، بالتأكيد. حملة التضامن، بما فيها العريضة التي وقّع عليها الكثير من الفنانين والكتاب والأشخاص من كلّ أنحاء العالم، ساعدت كثيرًا في تخفيف ظروف اعتقالي. في البداية، كانت ظروف الاعتقال قاسية جدًا. اعتقلوني لعدّة شهور في بيت في منطقة تل أبيب، بعيدًا عن أهلي وعن مكان سكني؛ عزلوني عن الناس تمامًا، إذ منعوني من مغادرة البيت كليًّا. كان ذلك الاعتقال أشبه بالعزل الانفرادي في زنزانة في المنفى، وقد استمرّ طيلة 6 شهور. قبل أن تتصاعد حملة التضامن، قام المحامي بتقديم طلب لنقلي من الاعتقال البيتي في تل أبيب إلى الرينة- بلدي، لكنهم رفضوا رفضًا قاطعًا، حتى أنهم لم يبحثوا الطلب أصلاً. أما بعد نشر العريضة، فقد تغيّرت طريقة التعامل مع الطلب، وفي نهاية الأمر تمّت الموافقة على تسهيل ظروف اعتقالي، بإعادتي من تل أبيب إلى الاعتقال المنزلي في الرينة.


س: هل يمكن لاستمرار الضغط الجماهيري أن يؤثر على الحكم النهائي في القضية؟

لا شك لدي في ذلك، فالتفاعُل الجماهيري مع نداء التضامن في قضيّتي، وقضّية حرّية التعبير عمومًا، يشكّل عامل الضغط الوحيد القادر على تغيير هذا الوضع البائس. أعتقد بأنّ الضغط الجماهيري قد يُجبر السلطات الإسرائيلية على إعادة النظر في سياسة ملاحقة الفنانين والأدباء والناشطين الفلسطينيين الشباب لمجرّد أنّهم يعبّرون عن رفضهم للاضطهاد.


س: ما الذي يبعث فيك الأمل؟

الأمل هو أساس الحياة. هنالك عبارة طالما كنت أردّدها قبل اعتقالي، وما زلت أردّدها: "نحن نحلم لكي نستمر بالحياة". وهنا أنا أساوي بين الحلم والأمل، لأننا من دون الأمل سوف نموت ونحن أحياء، لتبقى أجسادنا فقط. الأمل هو الإحساس بالحياة، بالحرية، بالأمان؛ هذا ما يعطي كل ما يعيشه الإنسان معنىً. نحن نتنفس الأمل كي نتمسّك بحياة ذات معنى.

س: ما الذي يمكن أن يفعله ناشطو حقوق الإنسان، في الولايات المتحدة وغيرها، لدعم حقوقك وحقوق الفلسطينيين الآخرين؟

الإدارة الأميركية هي الداعمة الأولى لإسرائيل في العالم. وأظن أن الناشطين في المجتمع الأمريكي يستطيعون الضغط على إسرائيل من أجل تسليط الضوء على قضية حرّية التعبير، وتنكيل السلطات الإسرائيلية بمن يعارضونها الرأي. أبناء الشعب العربي الفلسطيني في إسرائيل يواجهون حملة تحريض عنصري، على المستوى الرسمي والشعبي، وتتكاثر الاعتداءات عليهم لمجرّد أنهم يتحدّثون العربية في الأماكن العامّة. هذة تطوّرات خطيرة، وأعتقد في هذا الخصوص بأنّ على ناشطي حقوق الإنسان دقّ جرس الإنذار قبل فوات الأوان.

____________________________
(*) نشرت هذه المقابلة للمرة الأولى باللغة الانكليزية على موقع “salon.com” يوم 10.8.2016، ثم على موقع "هعوكتس- اللسعة" باللغتين العبرية والعربية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات