ارتفاع حاد في نسبة الطلاب المتسربين من جهاز التعليم في إسرائيل خلال السنة الدراسية المنصرمة، 2014 – 2015، مقارنة بالسنة الدراسية التي سبقتها، 2013 – 2014، في جميع المراحل التعليمية: من 17% إلى 5ر19%، بالمعدل العام. وبالأرقام، يتضح أن 24525 طالبة وطالبة في مراحل التعليم الابتدائية، الإعدادية والثانوية "تسربوا" من جهاز التعليم ولم يستطيعوا إنهاء المرحلة الثانوية، أي الصف الثاني عشر، ولم يكونوا بالتالي بين مستحقي الحصول على شهادة الثانوية (البجروت). ويعني هذا أن كل طالب خامس في إسرائيل، في مراحل التعليم المختلفة، هو طالب "متسرب" ـ "يتساقط" من جهاز التعليم ولا يكمل مسيرته التعليمية حتى إنهاء المرحلة الثانوية.

هذا هو المعطى الأبرز والأخطر الذي كشفت عنه المعطيات الرسمية التي نشرتها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية في نهاية تموز الأخير، في إطار "الاستعدادات" لافتتاح السنة الدراسية الجديدة، 2015- 2016، التي انطلقت رسميا في مطلع أيلول الجاري (حتى الآن، لم تبدأ السنة الدراسية الجديدة في العديد من المدارس المختلفة، في شتى المراحل التعليمية في مدن وبلدات مختلفة، جراء إضرابات أعلنتها لجان أولياء أمور الطلاب أو هيئات معنية أخرى، احتجاجا على العديد من النواقص وعلى عدم الحصول على حقوق مستحقة).
ومن المعروف أن ظاهرة "التسرب" من المدارس موجودة في جميع البلدان ولها أسباب عديدة ومختلفة، بعضها الأكثر موضوعيّ وبعضها الآخر ذاتي. ويمكن القول، عموما، إن أي واقع تربوي لا يخلو من هذه الظاهرة وقد يكون من المستحيل على أي نظام تربوي أن يتخلص منها نهائيا، مهما كانت فعاليته أو تطوره، إلا أنها تتفاوت في درجة حدتها وتفاقمها من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة دراسية إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى.

فالتسرب هو إهدار تربوي هائل وله إسقاطات على جميع نواحي المجتمع وبنائه، إذ يزيد من حجم الأمية والبطالة ويضعف البنية الاقتصادية الإنتاجية للمجتمع والفرد، ويزيد من الاتكالية والاعتماد على الغير في توفير الاحتياجات ويزيد من حجم المشكلات الاجتماعية من انحراف الأحداث والجنوح، مما يضعف النسيج الاجتماعي ويفسده. والتسرب يؤدي إلى تحول اهتمام المجتمع من البناء والإعمار والتطور والازدهار إلى الاهتمام بمراكز الإصلاح والعلاج والإرشاد، والى زيادة النفقات اللازمة على العناية الصحية العلاجية. كما يؤدي تفاقم "التسرب" إلى استمرار الجهل والتخلف، وبالتالي سيطرة العادات والتقاليد البالية التي تحد وتعيق تطور المجتمع مثل: الزواج المبكر والسيطرة الأبوية المطلقة وبالتالي حرمان المجتمع من ممارسة الديمقراطية وحرمان أفراده من حقوقهم فيتحول المجتمع إلى مجتمع مقهور وتابع، إذ لا يمكن أن يكون المجتمع سيداً وحراً طالما بقي جاهلاً: مجتمع تسوده العنصرية والتحيز والانغلاق والتعصب.

"التسرب" بين الطلاب العرب ـ أوسع، أعمق وأخطر!

وعلى الرغم من أن ظاهرة "التسرب"، كما عرضتها المعطيات الرسمية، منتشرة ـ وإن بصورة متفاوتة ـ في جميع الشرائح المجتمعية المختلفة في إسرائيل، عابرة للقوميات والانتماءات المختلفة الأخرى، في كافة المراحل التعليمية وفي كافة المدارس بغض النظر عن نوعها وفي كافة المناطق التعليمية وبين جميع أوساط الطلبة من ذكور وإناث وبين أوساط مختلف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن هذه المعطيات الرسمية نفسها تؤكد أن هذه الظاهرة تتفاقم بوجه خاص بين فئات اجتماعية معينة، إذ هي تعاني منها بصورة أوسع، أعمق وأخطر من المعدل العام.

وعلاوة على هذا، ومما يزيد الأمر تعقيدا وخطورة، آنية ومستقبلية، ينبغي الانتباه إلى حقيقة افتقار هذه الفئات عينها إلى الأدوات والإمكانيات، المادية والاجتماعية والسياسية، لمعالجة هذه الظاهرة، لجمها أو الحد من وتيرة تفاقمها على الأقل، ثم مواجهة تبعاتها ومعالجة مخلفاتها التي تكاد تكون تدميرية بكثير من المعاني في كثير من المجالات.

ففي "الوسط العربي"، تحديدا، بلغت نسبة "تسرب" الطلاب من الجهاز التعليمي في مراحله المختلفة نحو 3ر22%، مقابل 5ر19% في المعدل العام على صعيد الدولة كلها و4ر13% في الوسط اليهودي!

غير أن الواقع هو أدهى وأمرّ بالنظر إلى حقيقة أن هذه المعطيات هي "معطيات رسمية" مبنية على تقارير وتوثيقات رسمية لا تشمل، بالتأكيد، الظاهرة المسماة "التسرب الخفيّ"، التي لا تتوفر أية إحصائيات أو معطيات رسمية حول مدى انتشارها. و"التسرب الخفي" يتعلق بالطلاب المسجلين، رسميا، في مدارسهم وأطرهم التعليمية المختلفة وغير منقطعين عنها تماما ولذلك فهم لا يُعتبرون "متسربين"، ورغم ذلك فهم ليسوا مواظبين تماما على دراستهم ويتغيبون لفترات متباينة ومتقطعة ولا يصلون في نهاية المطاف إلى ما يمكن اعتباره "إنهاء المرحلة الثانوية".

وهؤلاء، كما أشرنا، ليست ثمة أية إحصائيات أو معطيات رسمية موثوقة تبين أعدادهم الحقيقية.

ومع ذلك، فإن المعطيات الرسمية عن ظاهرة "التسرب" الموثقة تعكس، في حد ذاتها، عمق الأزمة ومدى خطورتها بالنسبة للطلاب العرب و"الوسط العربي" في إسرائيل. فإضافة إلى المعطى العام الذي يشير إلى نسبة "تسرب" تبلغ 3ر22% في جهاز التعليم في المجتمع العربي عموما، ينبغي الانتباه إلى ما يخفي هذا المعطى من واقع أشد قتامة وخطورة فيما يتعلق بالتمايزات الداخلية في المجتمع العربي نفسه: فوفقا للتوزيعة "الرسمية"، كما تضعها وزارة التعليم، نرى أن نسبة "التسرب" في المدارس في "الوسط البدوي"، مثلا، بلغت 2ر36%، و 5ر15% في "الوسط الدرزي" و 7ر19% في "الوسط العربي" (مسيحيون ومسلمون)!

في المقابل، بلغت نسبة "التسرب" العامة في "الوسط اليهودي" عموما 4ر13%، بينما بلغت في "الوسط اليهودي غير الحريدي" 6ر5% فقط، مقابل 7ر45% في "الوسط اليهودي الحريدي"!

لكن الأمر هنا يحتاج إلى توضيح ضروري: فبينما موضوع "التسرب" في "الوسط الحريدي" هو قضية اختيارية، بمعنى جنوح "اليهود الحريديم" إلى الانعزال وعدم المشاركة أو الانخراط في جهاز التعليم الرسمي، لأسباب خاصة لا مجال للخوض فيها هنا، مما ينعكس في هذه النسبة المرتفعة جدا لمدى انتشار ظاهرة "التسرب" بين طلابهم، فإن الواقع يختلف، اختلافا جذريا تاما، بالنسبة للمواطنين العرب ومدارسهم في إطار جهاز التعليم الرسمي. وهو يتصل، اتصالا وثيقا، بالسياسات الرسمية المنهجية المتبعة من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مر العقود تجاه الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل.

ففي واقع المجتمع العربي في إسرائيل، تعكس السياسة التعليمية الإسرائيلية الُمعدّة للمواطنين الفلسطينيين أهداف الدولة تجاههم ونوعيّة سياسة الدمج الإسرائيلية المعمول بها، والتي تهدف بالمجمل إلى طمس الوعي الجماعي والهوية الوطنية وتغييب التاريخ والسيطرة على الذاكرة الجماعية للمجتمع الفلسطيني.

كما تعمل إسرائيل، من خلال تجاهل مشاكل التعليم العربي المختلفة والمعقدة، سواء على صعيد البنى التحتية والتجهيزات وعدد الغرف (الصفوف التعليمية) أو على صعيد التعيينات والرقابة، فضلا عن عدم تطوير برامج التعليم، على الحفاظ على الدونية الاقتصادية للمجتمع العربي وإبقاء التبعية الاقتصادية، الى حد بعيد، بمصادر دخل مصدرها هوامش الاقتصاد اليهودي والدولة.

ففي جانب مستويات وجودة التعليم، وبحسب معظم الدراسات والمعطيات، لا يزال المجتمع العربي متخلّفًا عن المجتمع اليهودي، ويعاني من مستويات تعليم وتثقيف متدّنية. وهذا التخلّف ليس مُقتصراً على عدد مستحقّي شهادات "البجروت" فقط، إنّما يشمل نوعيّة وجودة التعليم والتأهيل الممنوحة لأبناء الأقلية.

وهبوط أيضا في نسبة مستحقي شهادة "البجروت"

وإلى جانب الارتفاع الحاد في نسبة "التسرب" في المدارس، أظهرت المعطيات الرسمية التي نشرتها الوزارة، أيضا، هبوطا في نسبة الطلاب مستحقي شهادة الثانوية العامة (البجروت) خلال السنة الدراسية المنصرمة، 2014 ـ 2015، إذ بلغت نسبتهم 7ر52% مقابل 4ر53% في السنة الدراسية التي سبقتها، 2013 ـ 2014، على المستوى العام في الدولة.

ونشير هنا إلى أن استحقاق شهادة الثانوية (البجروت) في حد ذاته لا يعني شيئا بالنسبة لمدى استحقاق حاملها للانتساب إلى إحدى الجامعات ومدى قدرته على الانخراط في التعليم الأكاديمي و"الصمود" أمام متطلباته. ذلك أن هذه الشهادة، في حد ذاتها، وفي حالات كثيرة جدا، لا تستوفي متطلبات وشروط القبول في الجامعات.

وتبين قراءة المعطيات التفصيلة، طبقا لتوزيعة المجموعات التي تعتمدها الوزارة في إحصائياتها، أن عدد الطلاب الذين استحقوا شهادة الثانوية في "الوسط اليهودي" بلغت 63%، بينما انخفضت نسبتهم في "الوسط الحريدي" إلى 9ر15%، وهي النسبة الأدنى بينهم خلال السنوات الدراسية الست الأخيرة، إذ كانت نسبتهم في السنة الدراسية 2008 ـ 2009 نحو 3ر22%. أما بين اليهود الفلاشا (الأثيوبيين) فكانت نسبة الطلاب مستحقي شهادة الثانوية 50%. ويشار هنا إلى أن الفارق أكبر بكثير جدا فيما يتصل بشهادة الثانوية (البجروت) التي تلبي متطلبات الدراسة الأكاديمية وتؤهل حاملها للانتساب إلى إحدى الجامعات. فبينما تبلغ نسبة الحاصلين على شهادة ثانوية تؤهلهم للانخراط في إحدى الجامعات من بين الطلاب اليهود عامة 5ر52%، فإنها بين الطلاب من أصل أثيوبي لا تتجاوز 5ر26%!!

وفي "الوسط العربي"، أشارت المعطيات إلى ارتفاع طفيف جدا في نسبة مستحقي شهادة "البجروت" من 7ر45% في السنة الدراسية 2013- 2014 إلى 9ر45% في السنة الدراسية التي تلتها. وفي داخل "الوسط العربي"، أشارت المعطيات إلى: ارتفاع نسبة مستحقي شهادة الثانوية بين "العرب" (مسيحيين ومسلمين) من 7ر54% إلى 7ر59%، وارتفاعها بين الدروز من 6ر68% إلى 1ر73% مقابل انخفاضها بين البدو من 3ر50% إلى 5ر47%.

وفي التوزيعة حسب الجنس، بينت المعطيات أن الطالبات، على مستوى الدولة، هن أكثر استحقاقا لشهادة الثانوية، إذ بلغت نسبة الاستحقاق بين الطالبات 7ر68% مقابل 8ر61% بين الطلاب الذكور.