وجهت إسرائيل إصبع الاتهام في أعقاب الاعتداء الإرهابي في قرية دوما إلى المجموعات اليهودية اليمينية المتطرفة في المستوطنات في الضفة الغربية، المعروفة باسم "شبيبة التلال" و"تدفيع الثمن"، على أنها تقف وراء حرق منزل عائلة دوابشة واستشهاد الطفل الرضيع علي وإصابة والديه وشقيقه بصورة حرجة.


وتوالت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المندّدة بالاعتداء ووصفه بالإرهابي، رغم أنه طوال السنوات الماضية، ورغم إقدام هذه المجموعات الإرهابية على ارتكاب آلاف الاعتداءات على الفلسطينيين وأملاكهم ومقدساتهم، في كلا جانبي الخط الأخضر، فإن السلطات الإسرائيلية تعاملت معهم دائما بتسامح وتساهل، وحتى أنها لم تحاكم أحدا منهم تقريبا.


ويؤكد مسؤولون أمنيون إسرائيليون أنه من أجل محاربة هذه الظاهرة ينبغي بداية التعامل مع هذه الاعتداءات على أنها إرهابية، لكن حكومات بنيامين نتنياهو المتعاقبة منذ العام 2009، رفضت مطالب كهذه.


ويبدو أن الحرج الذي تسبب به الاعتداء الإرهابي في دوما، في أعقاب ردود الفعل الدولية المنددة بالاعتداء والتأكيد على تسامح وتساهل السلطات الإسرائيلية حيال هذه الجرائم، دفع وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، إلى الإعلان بأنه يؤيد استخدام إجراء الاعتقال الإداري ضد نشطاء يمين متطرف مشتبهين بالضلوع في أنشطة إرهابية، وأنه أبلغ جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) بموقفه هذا. لكن هذا لا يعني أنه سيتم التعامل مع هذه المجموعات المتطرفة على أنها مجموعات إرهابية.


وقال المحاضر في قسم تاريخ شعب إسرائيل في جامعة حيفا، البروفسور داني غوطفاين، في مقابلة خاصة أجراها "المشهد الإسرائيلي" معه، إن "هذه جريمة من أبشع أنواع الجرائم، ولا يمكن ألا تثير الغضب لدى أي إنسان يوجد لديه أدنى حس أخلاقي. وهذه الجريمة المروعة هي أبعد مما يمكن لأي إنسان أن يتخيله. لكن المسألة الأهم هي أن علينا أن ندرك أن استمرار الصراع يقودنا إلى هذا الاتجاه، وأن الصراع سيصبح نازفا أكثر وعنيفا أكثر وغير مبرر، ولذلك فإنه عدا التنديد والتعبير عن الاشمئزاز من هذا الاعتداء، ينبغي أن يكون التنديد غير مساوم للقتلة. وأعتقد أن على مجتمعينا البدء بالتفكير في كيفية الخروج من هذا الصراع والتوجه نحو تسوية".


(*) "المشهد الإسرائيلي": المسألة الأساسية هي أن هؤلاء الإرهابيين الذين نفذوا هذا الاعتداء ورفاقهم نموا تحت حكم الاحتلال والاستيطان، ولا يبدو أن السلطات الإسرائيلية بصدد فعل شيء من أجل اجتثاثهم.


غوطفاين: "هذا صحيح. وواضح تماما أن هذه المجموعات الإرهابية اليهودية تؤيد شروط الاحتلال. وفيما يتعلق بما تفعله أو لا تفعله دولة إسرائيل فإنه واضح أنها لا تفعل ما فيه الكفاية. لكن ما أسمعه من جهات يمينية يؤكد أنهم يرون أن هذه المجموعات تشكل خطرا عليهم. المسألة هي أن اليمين الشرعي، اليمين السياسي، خائف من هذا الاعتداء لأنه يتحداه. وإذا نظرنا إلى الواقع السياسي في إسرائيل منذ وقوع هذا الاعتداء، واضح تماما أن اليمين الإسرائيلي يشعر بأنه مهدد من هذا الاعتداء، ومن الناحية الفعلية فإن هذا الإرهاب اليهودي يشكل حربا داخل اليمين. وهي حرب تخوضها عناصر متطرفة لا تتقبل الإستراتيجيات السياسية لليمين التقليدي الإسرائيلي. وينبغي النظر إلى الوضع من هذه الزاوية".


(*) ثمة أمر ملفت هو أن جماعات "شبيبة التلال" أو "تدفيع الثمن" الإرهابية المتطرفة تتحدث عن حكومة إسرائيل والجيش الإسرائيلي بمصطلحات مثل "هؤلاء الصهاينة". من هم أعضاء هذه الجماعات الإرهابية؟


غوطفاين: "هؤلاء المتطرفون هم مجموعات سلفية دينية يهودية معادية للصهيونية. وهم يرون أن الأفكار الصهيونية سياسية. وبرغم أنه توجد داخل الصهيونية أفكار متنوعة كهذه أو تلك، لكن واضح تماما أن الصهيونية تنظر إلى الوجود اليهودي بمصطلحات وجود قومي – سياسي – علماني. ولا توجد في الفكر الصهيوني مضامين هوية دينية بشكل بارز. وفي المقابل، فإن هذه المجموعات المتطرفة ذات مضمون مسياني سلفي، ومن وجهة نظرها فإن العنصر الصهيوني خطير لأنه يريد إخضاع الدين للسياسة".


(*) ما الذي تريد هذه المجموعات الإرهابية المتطرفة تحقيقه؟


غوطفاين: "الغايات النهائية لهذه المجموعات موجودة في المجال المسياني. ومن هنا فإنها تصطدم باليمين الرسمي، الذي يرى بالمبدأ السياسي الصهيوني مبدأ مركزيا. والمشكلة التي نشأت هنا هي أنه بالنسبة لليمين الرسمي، استمرار الاحتلال وما إلى ذلك ينتج هذه المجموعات. وهذه المجموعات، وبصورة واضحة ولا لبس فيها، خارج كافة الأفكار الصهيونية. وهي تعتقد أنها تمثل قضية دينية مسيانية تتناقض مع الفكرة الصهيونية".


(*) هذه المجموعات تتلقى التعليمات والتشجيع لجرائمها من حاخامين في المستوطنات؟


غوطفاين: "الاعتقاد السائد هو أن هناك حاخامين يمنحونهم الدعم. وهؤلاء الحاخامون على خلاف مع حاخامين آخرين. ومصطلح الحاخام في اليهودية غير مبلور أبدا، إذ أنه يوجد لكل حاخام رأي مختلف عن الآخر. والحقيقة أنه توجد مجموعة من الحاخامين تمنح دعما، نظريا على الأقل، لهذه المجموعات، علما أن الحاخامية تطورت في القرون الأخيرة من خلال التمسك بمبدأ عدم الدخول في صدام مع أمم العالم. والمفهوم الذي يعبر عنه الحاخامون المتطرفون موجود في هامش المؤسسة الحاخامية، ورغم ذلك فإن هذا المفهوم المتطرف موجود. وأعتقد أن وجود هؤلاء الحاخامين المتطرفين يشكل اختبارا للفكر الديني اليهودي وأنا أعرف أنه يجري التنديد بهذه المجموعة المتطرفة. والحاخامون يحاربون هؤلاء المتطرفين ولكن هذا يتم بطرقهم وأساليبهم، كما هي الحال في ديانات أخرى".


(*) توجد محاولة للربط بين الاعتداء الإرهابي في دوما وبين الهجوم على مسيرة المثليين في القدس وطعن مشاركين فيها من جانب رجل متدين. ما رأيك؟


غوطفاين: "يدور الحديث حول حالتين مختلفتين، ورغم ذلك ثمة علاقة بينهما. والعلاقة بين منفذي الاعتداءين هي أن المجتمع الإسرائيلي يجب أن يحيا بموجب الشريعة اليهودية. وبما أنه في الشريعة اليهودية، وفقا لتفسيرهم لها، لا مكان للمثليين، ولأن المجموعات المتطرفة في الضفة الغربية تريد الوصول إلى عهد مسياني، وفقا لتفسيرهم للدين، فإنهم في كلتا الحالتين يعارضون وجود مجتمع يهودي يعتمد على قانون علماني ويعترف بمجموعات مختلفة ومتنوعة. هذه الرؤية المتطرفة تهدد المجتمع اليهودي لأن هذه المجموعات المتطرفة تنفي وجود شرعية للقومية وللعنصر الديني الرسمي الإسرائيلي. ولذلك فإن هذه بمثابة حرب ضروس تدور داخل صفوف اليمين الإسرائيلي".