المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كرر رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، في الأيام الماضية، أمام وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني، ووزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير، وأمام المراسلين السياسيين لوسائل الإعلام الإسرائيلية، الادعاء أنه ملتزم بحل "الدولتين للشعبين"، وأن إسرائيل مستعدة لتنفيذ خطوات لبناء الثقة تجاه الفلسطينيين، وقال "لست معنيا بدولة ثنائية القومية".


في المقابل، اعتبر نتنياهو أن "المشكلة المركزية ليست المستوطنات. لقد حولوا ذلك إلى أساس الصراع وقد أثبتت إسرائيل عندما انسحبت من غزة أن هذا ليس صحيحا". وأضاف أن أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين "يجب أن يكون اتفاقا طويل الأمد، تكون فيه السيطرة الأمنية الفعلية بيدي إسرائيل. وأنا أقصد ذلك حقا. وهذه ليست نزوة أو خدعة".


وتابع خلال لقائه مع المراسلين، يوم الخميس الماضي، أن "المشكلة الأساسية والأولى بالنسبة لمواطني إسرائيل هي مسألة كيف سيكون النظام، ومن ستكون الجهة التي تفرض الاستقرار الأمني في المناطق التي تُطالب إسرائيل بإخلائها. وقد تم امتحان ذلك في غزة. واليوم لا يوجد تهريب أسلحة إلى غزة، لكن كيف بإمكانك منع صنع أسلحة داخلية؟ وماذا سنفعل كي لا يتكرر هذا الأمر في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية)؟ سأطرح هذا الموضوع مرة بعد أخرى. وأعتقد أن هذا الأمر مفهوم أكثر مما يُعتقد".


حول تصريحات نتنياهو هذه، أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة خاصة مع رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون في بئر السبع، البروفسور يورام ميتال.

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل نتنياهو ملتزم بأي شكل من الأشكال بحل الدولتين؟

ميتال: "إن تصريحات نتنياهو الأخيرة والتي كأنه عبر فيها عن التزام كهذا، تعكس تصرفا لمن هو بين المطرقة والسندان، أي بين الائتلاف اليميني الضيق الذي يقوده، والذي يشارك جميع أعضائه في رأيهم المعارض لقيام دولتين، وبين السندان الذي هو الائتلاف الدولي الذي يطلب دفع الأمور باتجاه الدولتين، وخاصة بعد أن سئم هذا الائتلاف الدولي من المماطلة التي ميزت سياسة نتنياهو منذ بداية ولايته الأولى في رئاسة الحكومة في العام 1996. وفي هذا السياق، أعتقد أن نتنياهو يكرر التزامه، منذ خطاب بار إيلان، حيال الدولتين، أو بشكل أدق، يبدو لي أن تصريحاته الأخيرة تدل على استعداده لاستئناف المفاوضات المباشرة بثلاثة شروط. وينبغي الانتباه إلى أن نتنياهو يشدد مؤخرا على المفاوضات ’المباشرة’ مع السلطة الفلسطينية. والهدف من كلمة ’مباشرة’ هو إحباط أي محاولة لتدخل دولي في المفاوضات، وبضمن ذلك الولايات المتحدة، كي لا تمارس ضغوطا دولية على إسرائيل. وعمليا، عندما تجري مفاوضات مباشرة، وهذا ما حدث خلال ولاية نتنياهو السابقة، فإنها لا تقود إلى أي شيء. وهدف ثان للمفاوضات المباشرة هو إحباط الخطوات الدولية التي يقودها أبو مازن، إذ أنه بعد فشل المفاوضات بين تسيبي ليفني وصائب عريقات وجون كيري، خلال ولاية نتنياهو السابقة، غيّر الفلسطينيون اتجاههم بأن بدأوا يتوجهون إلى المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومؤسساتها والمحكمة الجنائية الدولية. وعندما يقول نتنياهو إنه يريد مفاوضات ثنائية فإنه يقصد سحب البساط الدولي من تحت أقدام أبو مازن".

(*) ما هي شروط نتنياهو الثلاثة التي ذكرتها؟

ميتال: "المطلب الأول هو المفاوضات المباشرة. والشرط الثاني، وهو ما يذكره في كل خطاباته، أنه قبل إحراز أي تقدم هام في المفاوضات يتعين على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل بأنها دولة يهودية. والشرط الثالث، كشف نتنياهو عنه في الفترة الأخيرة، وهو أنه يريد التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول مواصلة البناء داخل الكتل الاستيطانية وفي القدس الشرقية. وهو يقول إنه يريد رسم حدود هذه الكتل. أي أنه يريد مواصلة البناء في المستوطنات في موازاة المفاوضات مع الفلسطينيين. واضح أن غاية ذلك أن يشكل مطلبا مضادا للمطلب الفلسطيني بتجميد أية أعمال بناء في المستوطنات خلال المفاوضات. وأعتقد أن خلاصة القول هي أنه لا جديد في قول نتنياهو إنه مستعد لاستئناف المفاوضات، وإنما هو تكرار لأفكار قديمة، ونتنياهو كرجل تسويق متفوق يحاول رزمها بورق جديد. لكن المشكلتين الأساسيتين هما أن داخل الرزمة الجديدة ثمة الشروط الثلاثة إضافة إلى أن هناك، في غير صالح نتنياهو، كل السنوات الماضية التي جعلت الفلسطينيين والعالم متعبين منه".

(*) كل ما ذكرته سيؤدي إلى إحباط احتمال استئناف المفاوضات...

ميتال: "نعم، هذا واضح. فهو يحاول من خلال تصريحاته أن يضع شروطا بحيث أن كل واحد منها سيحبط إمكانية استئناف مفاوضات جدية. ولذلك فإن احتمال أن يوافق الجانب الفلسطيني، وحتى الجانب الأميركي، على كل هذه الشروط ضئيل، خاصة وأن نتنياهو استخدم كافة الخدع والوسائل، خلال السنوات الماضية، من أجل منع التوصل إلى اتفاق دائم وإلى حل الدولتين".

(*) هل موقف نتنياهو حيال الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أيديولوجي أم أنه نابع من اعتبارات البقاء السياسي كما يدعي البعض؟

ميتال: "ما يوجه نتنياهو هو موقف أيديولوجي واضح للغاية. وهذه الإجابة موجودة في عمق شرطه بشأن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. فالحديث هنا ليس عن تسوية إقليمية، ولا عن حل كهذا أو ذاك. وقد طرأ تغير على خطاب نتنياهو في بار إيلان، ولكن من حيث السياسة الفعلية التي يقودها، فإن غايتها ليس عرقلة إمكانية التوصل إلى اتفاق فقط، وإنما منع تنفيذ ما يقوله هو بنفسه. نتنياهو هو زعيم ذكي جدا، وهو يعرف كيف يستخدم أوراق اللعبة السياسية وهدفه الأساس هو تخليد الوضع القائم. وكلما دام هذا الوضع القائم فترة أطول، فإنه يقربه من غايته، وهي وجود دولة يهودية وإلى جانبها ربما يكون هناك حكم ذاتي فلسطيني مكون من جيوب معزولة عن بعضها، في منطقة جنين ومنطقة رام الله ومنطقة بيت لحم ومنطقة الخليل. لكن هو يرفض قيام دولة فلسطينية كالتي تحدثوا عنها في أعقاب أوسلو".

(*) كيف تنظر إلى الخطوة الفلسطينية في الفيفا ونتائجها؟


ميتال: "الخطوة الفلسطينية في الفيفا مثيرة جدا، وهي جزء لا يتجزأ من توجه السلطة الفلسطينية إلى المحافل الدولية. والأمر الثاني الهام، أن هذه الخطوة أظهرت أن المجتمع الدولي بإمكانه تأدية دور هام جدا في هذا النزاع. والأمر الثالث هو أنه في إسرائيل سارعوا للاحتفال بعدم إخراج إسرائيل من الفيفا، وكأنها حققت النصر. لكنني أعتقد أن هذه القصة بعيدة جدا عن نهايتها، وستتكرر قريبا. وأن يوافق نتنياهو على تنقل حر للاعبي كرة القدم الفلسطينيين لا يعني الكثير، لأن عليه أن يثبت أنه يطبق ذلك فعلا، لأن هذا الأمر لم يحدث في الماضي. والأمر الآخر، كيف سيتم التعامل مع الرياضيين الفلسطينيين الآخرين الذين يريدون الاستعداد للألعاب الأولمبية؟ ففي غزة يوجد رياضي يمارس سباق الماراثون، ولا يسمح له بالتنقل. هذا يعني أن بالإمكان التوجه إلى اتحادات رياضية دولية أخرى. وهذا يظهر أن الجانب الفلسطيني لم يعد يكتفي بخطابات أبو مازن في الأمم المتحدة. إن الجانب الفلسطيني، وبعد عشرات السنين من الكفاح المسلح والاعتماد على دعم دول عربية ومحاولة التوجه إلى مفاوضات عن طريق الأميركيين، رأى أن هذه المحاولات كلها لم تؤد إلى إحداث تغيير في التقدم نحو الدولتين، وإنما أدت فقط إلى توسيع النشاط الاستيطاني، وحتى أن هذه المحاولات لم تؤد إلى وضع قريب مما أراد الفلسطينيون تحقيقه. الآن توجد عملية تاريخية جديدة، بدأت قبل عام ونصف العام تقريبا، وهي عملية التوجه إلى المجتمع الدولي. ولا نعرف ما إذا كانت ستنجح أم لا".

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, كرة القدم

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات