شكل رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، حكومة يمينية- حريدية ضيقة تستند إلى تأييد 61 عضو كنيست.
ودعا نتنياهو، خلال عرضه الحكومة على الكنيست، قائمة "المعسكر الصهيوني" ورئيسها إسحاق هرتسوغ، إلى الانضمام إليه وتشكيل حكومة وحدة، فيما رفض هرتسوغ هذه الدعوة في كلمته في الكنيست.


وأكد نتنياهو في خطاب ألقاه، أول من أمس الأحد، بمناسبة ما يسمى بـ"يوم القدس"، وهو الذكرى السنوية الـ48 لاحتلال القدس الشرقية بحسب التقويم العبري، أنه مستمر في سياسته تجاه الفلسطينيين ورفض التوصل إلى سلام، وشدد على أن القدس "ستبقى موحدة" وأنها "عاصمة للشعب اليهودي فقط"، كما أعلن عن مواصلة البناء الاستيطاني في القدس الشرقية.


وأجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة خاصة حول هذه الحكومة ومستقبلها مع المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الدكتور ألون ليئيل، الذي يتعرض مؤخرا لملاحقة سياسية من جانب اليمين المتطرف، حيث طالب عضو الكنيست ينون ميغال، من حزب "البيت اليهودي"، المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، بمحاكمة ليئيل بتهمة "الخيانة"، بسبب دعوته برلمانات أوروبية للاعتراف بدولة فلسطين في حدود العام 1967.


(*) "المشهد الإسرائيلي": هل بإمكان حكومة إسرائيلية تستند إلى 61 عضو كنيست أن تؤدي مهامها وتستمر في ولايتها؟


ليئيل: "أعتقد أنه بإمكانها ذلك. صحيح أن هذه حكومة ضيقة، لكن من الناحية الفعلية لا توجد معارضة لها في مجالات كثيرة، وخاصة في المجال السياسي. المعارضة التي تضم 59 عضو كنيست مكونة من ثلاث كتل: الكتلة الأولى هي القائمة المشتركة المؤلفة من 13 عضو كنيست، وهناك كتلة ثانية مؤلفة من أحزاب العمل وميرتس و’ييش عتيد’ برئاسة يائير لبيد، والكتلة الثالثة هي حزب ’يسرائيل بيتينو’ برئاسة أفيغدور ليبرمان. وليبرمان هو معارضة لهذه الحكومة من جهة اليمين. وهذا يعني أن احتمال أن يتعاون نواب المعارضة الـ59 في الموضوع السياسي، وفي مواضيع اقتصادية واجتماعية أيضا، هو احتمال ضئيل، خاصة وأن قسما منهم أعلنوا أنهم سيؤيدون الحكومة في مواضيع اقتصادية واجتماعية. لذلك فإنني لا أرى هنا وضعا فيه كتلة مؤلفة من 59 نائبا ضد ائتلاف مؤلف من 61 نائبا. وإنما الوضع هو 61 نائبا مقابل معارضة غير متجانسة ولن تستطيع أن تؤدي دور معارضة حقيقية وبشكل خاص في المجال السياسي".


(*) هل تعتقد أنه يوجد احتمال لتوسيع الحكومة، وأي أحزاب يمكن أن تنضم إليها؟


ليئيل: "بحسب تصريحات ليبرمان، فإنه لا يتوقع أن ينضم إلى هذه الحكومة. كذلك فإنني أعتقد أن احتمال انضمام ’المعسكر الصهيوني’ للحكومة لم يعد موجودا، لأنه تم توزيع الحقائب الوزارية. وبالإمكان التحدث عن ذلك بوضوح أكثر بعد أن نرى ما سيحدث لحقيبة الخارجية، لأني لا أعتقد أن بإمكان رئيس الحكومة الاحتفاظ بحقيبة الخارجية لفترة طويلة. وفي حال حصل أحد النواب من الليكود، مثل غلعاد إردان، على هذه الحقيبة فإن ذلك سيغلق الباب نهائيا أمام توسيع الحكومة. وعموما أعتقد أن احتمال توسيع الحكومة ضئيل للغاية".


(*) الحكومة الإسرائيلية السابقة واجهت مصاعب في العلاقات مع المجتمع الدولي، وخصوصا مع الولايات المتحدة، حتى عندما كانت تسيبي ليفني ولبيد وزيرين فيها. ما هي التوقعات في هذا السياق خلال ولاية حكومة يمين متطرف كالتي تشكلت الآن؟


ليئيل: "بالإمكان تقسيم ولاية الحكومة السابقة إلى فترتين. الأولى عندما جرت مفاوضات أدارتها ليفني مقابل وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. وأعتقد أنه خلال هذه الفترة لم تكن هناك أية ضغوط على إسرائيل تقريبا. وعندما انهارت المفاوضات بدأت تمارس بعض الضغوط، وخاصة من الجهة الأوروبية وليس الأميركية، رغم أن هذه كانت توصف حكومة يمين – وسط. والآن، وعلى ضوء الحقيقة بأنه لا توجد معارضة إسرائيلية سياسية، ونحن لا نسمع هرتسوغ أو لبيد يوجهان انتقادات للحكومة بسبب عدم وجود عملية سلام، وإنما يجلسان بهدوء، فإن المعارضة الحقيقية لهذه الحكومة موجودة في العالم وليس في إسرائيل. وأعتقد أنه على ضوء حقيقة أن هذه حكومة ضيقة جدا، ستواصل توسيع المستوطنات، وفقا لبرامج الأحزاب التي تشكل الحكومة، ولذلك فإن الضغوط الدولية ستتزايد".


(*) كيف سيتعاملون في العالم مع نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطوفيلي، وهي عضو كنيست يمينية متطرفة جدا؟


ليئيل: "سيتعاملون معها مثلما تعاملوا مع ليبرمان. فليبرمان يسكن في مستوطنة وهو من اليمين وتحدث عن تبادل سكاني. وأعتقد أن الدول العربية وحتى الإسلامية التي لديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مصر والأردن وتركيا، لم تتعامل مع ليبرمان وأعتقد أن هذا الوضع سيستمر رغم أن حوطوفيلي معروفة أقل منه. وباستثناء العالم الإسلامي فإن باقي الدول تعاملت مع ليبرمان ولا أعتقد أنه سيحدث تغيير كبير الآن. لكنني لا أعتقد أنها ستقود الدبلوماسية الإسرائيلية لفترة طويلة وأن نتنياهو سيعين وزير خارجية والأهمية ستكون لمن سيتولى هذه الحقيبة الوزارية".


(*) هل يمكن أن تجمد إسرائيل الاستيطان وشرعنة البؤر الاستيطانية نتيجة لضغوط دولية تُمارس عليها؟


ليئيل: "يصعب معرفة مستوى الضغوط التي ستمارس على إسرائيل. ولا توجد مؤشرات في هذه الأثناء على أن الولايات المتحدة ستمارس ضغوطاً. الولايات المتحدة هي الجهة التي لديها أكبر إمكانيات للضغط على حكومة إسرائيل. كذلك فإن الضغوط الأوروبية، في الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الفائت، وكل قرارات البرلمانات للاعتراف بفلسطين، زال تأثيرها في الشهور الأولى من العام الحالي، والسبب الأساس برأيي هو الاعتداءات التي حدثت في أوروبا، وخصوصا في باريس. والآن توجد مؤشرات على استئناف هذه الضغوط، ومن بين هذه المؤشرات البيان الأخير للفاتيكان، وهناك عدة دول بدأت برلماناتها تبحث في الاعتراف بفلسطين، وهناك التصويت في فيفا والذي لا أعرف كيف ستكون نتائجه. والسؤال بشأن أداء إسرائيل في المستقبل مرتبط بمدى حجم الضغوط عليها. فإذا اتجهت الضغوط إلى المزيد من اعترافات برلمانات بفلسطين وإذا نجح الفلسطينيون في تجنيد تسع دول مؤيدة في مجلس الأمن لمشروع قرار الاعتراف بفلسطين وإرغام الولايات المتحدة على تحديد موقفها، فإن من الجائز أن يكون للضغوط تأثير أكبر. لكن لا توجد حاليا ضغوط مؤثرة، وهذه الضغوط لا يشعر بها الجمهور الإسرائيلي، ولذلك لا أعتقد أن الحكومة موجودة تحت ضغط دولي الآن".


(*) ألا يوجد تخوف في إسرائيل من احتمال عدم استخدام الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن وألا تمنع قرارات ضدها؟


ليئيل: "من الناحية النظرية يوجد تخوف كهذا. لكن في هذه الأثناء لا توجد أية مؤشرات على أن الولايات المتحدة تعتزم ألا تستخدم الفيتو. فقد قال كيري قبل الانتخابات الإسرائيلية إن الولايات المتحدة تمنح إسرائيل مظلة فيما يتعلق بالفيتو حتى الانتخابات. والآن أصبحنا بعد الانتخابات، وهم منشغلون الآن بالاتفاق مع إيران، ولا أعتقد أنه يوجد هنا مؤشر على أن الولايات المتحدة لن تستخدم الفيتو. رغم ذلك فإنني أعتقد أن هذه أمور لا تتعلق بالولايات المتحدة، فإذا ازداد الزخم في أوروبا واعترفت المزيد من البرلمانات بفلسطين سوية مع دول أخرى أعضاء في مجلس الأمن، بعد توقيع اتفاق مع إيران في نهاية حزيران أو بداية تموز، فإن الأمور ستكون أوضح وخصوصا الموقف الأميركي".


(*) كيف تنظر إلى الملاحقة السياسية في إسرائيل ضد شخصيات يسارية، مثل المطالبة بمحاكمتك بتهمة "الخيانة" لأنك دعوت برلمانات أوروبية للاعتراف بفلسطين في حدود العام 1967؟


ليئيل: "توجد أوساط في صفوف اليسار الإسرائيلي ليست فقط محبطة من الوضع العام، ومن عدم وجود تقدم باتجاه حل الصراع، وإنما هي أيضاً مستاءة من أن اليسار البرلماني، مثل حزب العمل ولبيد، لا يكافح من أجل هذا الأمر، وحتى أنه أخفى مواقفه خلال الحملة الانتخابية. ولذا قلت لك في البداية إنه لا توجد معارضة برلمانية في المواضيع السياسية. وعليه فإن هناك جهات في المجتمع المدني تشعر بأن ثمة حاجة لأن تدخل إلى هذا الفراغ، رغم أن الحكومة وقسما من الجمهور لا يحبان ذلك. وهنا، برأيي، ينبغي الفصل بين المجموعة التي تدعو إلى الاعتراف بفلسطين في حدود العام 1967، وأنا أنتمي إلى هذه المجموعة، وبين مجموعة من الإسرائيليين الذين يدعون مؤخرا إلى مقاطعة المستوطنات. وقد رأيت عريضة وقعها 1300 إسرائيلي تدعو إلى مقاطعة المستوطنات، ولم أوقع عليها. وحتى الآن لم يفعلوا شيئا ضدهم، وأعتقد أن هذه هي السياسة تجاههم رغم أن القانون يعاقب على الدعوة لمقاطعة المستوطنات. عندما تنظر إلى الكنيست والخارطة السياسية في إسرائيل وترى أنه لا يوجد بحث حقيقي في موضوع التقدم نحو تسوية، فإنه يوجد في المجتمع المدني الإسرائيلي كثيرون يشعرون بعدم ارتياح من حقيقة أن الاحتلال دخل عامه الـ48 وسيبذلون كل ما بوسعهم من أجل ألا يدخل عامه الخمسين".