المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عصفت المظاهرات التي نظمها اليهود الأثيوبيون في القدس وتل أبيب، يومي الخميس والأحد الماضيين، بإسرائيل من حيث قوتها وحجم الغضب الذي نفثه المتظاهرون، وعبر عن معاناة هذه الطائفة وشعورها بالظلم وبالتعامل العنصري معها. وتسود التوقعات في هذه الأثناء بأن احتجاجات الأثيوبيين ستستمر في الفترة القريبة المقبلة. وعكست احتجاجات الأثيوبيين اتساع الشروخ في إسرائيل من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولعل الشرخ الأكبر هو اليهودي – العربي.


حول هذا الموضوع أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة خاصة مع المحاضر في كلية التربية في جامعة تل أبيب وقسم الحكم والمجتمع في الكلية الأكاديمية تل أبيب – يافا، الدكتور ساغي إلباز.


(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى المظاهرات الاحتجاجية للأثيوبيين؟
إلباز: "لقد تم التعبير عن احتجاجات الأثيوبيين بشكل ملموس، وربما بصورة عنيفة بعض الشيء، يوم الأحد، لكن هذه الاحتجاجات هي نتيجة أعراض موجودة منذ فترة طويلة، وبسبب عدم احتواء الدولة والمجتمع للآخر والمختلف، والتمييز ضدهما في كافة المستويات، السياسية والاجتماعية والثقافية. والمظاهرات الأخيرة هي رد فعل، ربما متأخر، لقمع مستمر منذ ثلاثة عقود".


(*) هل تعتقد أن هذه الاحتجاجات ستؤدي إلى تغيير التعامل مع الأثيوبيين؟
إلباز: "على المستوى الشخصي آمل أن يحدث هذا الأمر، ولكن بنظرة أوسع، فإنه واضح تماما أن احتجاجا واحدا، حتى لو كان فظا، لن يكون بإمكانه تغيير الوضع من أساسه، وإنما بإمكانه تقويض أفكار ومصطلحات وربما سياسة، لكن لا شك في أنه سيحدث تغييرا، رغم أنه يصعب معرفة طبيعة تغيير كهذا. وحتى لو تقرر تغيير سياسة فإن نتائج ذلك ستظهر بعد عدة سنوات. ويصعب جدا رؤية تغير يحدث في المدى الآني. ولعل السؤال الأهم هو ما إذا كنا سنرى تغييرا في سلم الأولويات في أعقاب هذه الاحتجاجات. وأعترف أنه تصعب الإجابة على هذا السؤال في المرحلة الحالية، رغم وجود توقع عام بأن يحدث أمر كهذا".


(*) الانطباع هو أن الشروخ في إسرائيل تتسع، وهناك الشرخ بين العرب واليهود وهناك احتجاجات الأثيوبيين وهناك أيضا "الرواية الشرقية الجديدة" لليهود الشرقيين، الذين يطالبون أيضا بإعادة كتابة تاريخ الدولة. ما رأيك؟
إلباز: "واضح تماما أن المجتمع في إسرائيل، لكونه مجتمعا متنوعا ومتعدد الثقافات، توجد فيه اختلافات بين السكان. وأنت ذكرت عددا من الشروخ البارزة جدا في المجتمع الإسرائيلي. وأعتقد أن التنوع في المجتمع الإسرائيلي، وكونه مبنيا من مجموعات مختلفة ومتناقضة، وعلى خلفية تاريخ الشعب اليهودي، فإن التوقع هو أن تبدي مجموعة تسامحا سياسيا ودينيا تجاه الأخرى. وما يحدث هو عكس ذلك، وبشكل متطرف. وأعتقد أنه في المعركة الانتخابية الأخيرة اتسع الشرخ الديني. وهناك بالطبع الشرخ العربي – اليهودي، وهو بنظري الشرخ الأهم، الذي ينتج موجة كراهية وبات من الصعب أن يتم احتواؤه".


(*) دعوت إلى ما أسميته "نيو صهيونية" في مقال نشرته في نهاية الأسبوع الماضي. ما هو المقصود؟
إلباز: "لقد كتبت هذا المقال على خلفية كوني إنسانا وليس كباحث. وهدفي هو محاولة التفكير في كيف يمكن أن ننجح بالجسر بين أفراد ومجموعات ذات خلفية دينية وثقافية واقتصادية واجتماعية مختلفة جدا، وكيف يمكن أن ننجح بالعيش بتفاهم واحترام متبادل تجاه الآخر. وفيما يتعلق بما أسميه بـ’نيو صهيونية’، فإن الصهيونية هي الأساس الأخلاقي لقيام دولة إسرائيل كدولة يهودية. وأنا أعرّف الصهيونية بجملة واحدة، وهي إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في إسرائيل، ومن دون التطرق الآن إلى موضوع الحدود. ونشهد، خصوصا في العشرين عاما الأخيرة، نشوء مصطلح دولة جميع مواطنيها، الذي جاء ليقوض مصطلح الدولة اليهودية بموجب الفكر الصهيوني. ومن طرح هذا المصطلح بداية هو عزمي بشارة، وبعده أخذ يطرح هذا المصطلح سياسيون من المجتمع العربي وكذلك أكاديميون في هامش الأكاديميا الإسرائيلية، وهم يهود ما بعد صهيونيين. وقد تبنى هؤلاء مصطلح دولة جميع مواطنيها انطلاقا من الاعتقاد بأن دولة يهودية لا يمكنها أن تحتوي غير اليهود، أي أنها لا تستوعب غير اليهود في مؤسساتها ولا تمنح تعبيرا لغير اليهود. والسؤال الذي واجهته هو كيف بالإمكان الدمج بين الأمرين، لأن غالبية الجمهور اليهودي لن توافق على تبني ’دولة جميع مواطنيها’. وكيف بالإمكان جعل الأقلية غير اليهودية تؤثر في الحياة العامة. لذلك اعتقدت أنه يجب تطبيق كلا المصطلحين، دولة يهودية ودولة جميع مواطنيها، بتعريف واحد".


(*) هذا يستدعي اعتراف إسرائيل بوجود أقلية عربية في داخلها.
إلباز: "هذا صحيح، وأنا أدعو إلى ذلك. بل أعتبر أنه يجب منح الشرعية لكافة الأقليات في إسرائيل. والوضع اليوم هو أن الدولة تفضل منح امتيازات للأغلبية اليهودية، لأن هوية الدولة تمنح أفضلية للجمهور اليهودي مسبقا".


(*) هل تعتقد أنه توجد جهوزية في إسرائيل لتقبل فكرتك؟
إلباز: "أساس الأفكار التي أطرحها تم نشرها في الماضي، والجديد الذي أطرحه هو مصطلح نيو صهيونية. لكن كانت هناك في الماضي محاولات لإعادة تعريف الصهيونية من جديد، كما فعل على سبيل المثال البروفسور حاييم غانتز، ومحاولة احتواء الهوية الطائفية والثقافية لليهود والعرب ومحاولة منحها تعبيرا ما، من خلال تعريف الدولة وهويتها ورموزها. واستخدامي لمصطلح نيو صهيونية يهدف إلى إحداث علاقة تواصل، بمعنى هذه دولة يهودية ويجب أن تكون دولة الآخرين الذين يعيشون فيها من غير اليهود، ومن هنا فإن تعاملها مع المجموعات الأخرى غير اليهودية يجب أن يتغير. رغم ذلك فإني لا أتوقع أن تستوطن هذه الأفكار في قلوب غالبية اليهود، لكنها يمكن أن تشكل نقطة أولية للتفكير والنقاش. وربما في نهاية المطاف سيكون الواقع أقوى من أي شيء. لأنه من دون أن يحدث تغيير كالذي أطرحه داخل إسرائيل، وأن يكون هذا تغييرا جوهريا، وليس تجميليا، تجاه العرب في إسرائيل، فإنه يصعب رؤية حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني".


(*) بالنسبة لحل الصراع، هناك قضية أهم، بنظر الفلسطينيين على الأقل، وهي قضية اللاجئين.
إلباز: "أنا أتحدث ضمن الفكرة النيو صهيونية عن تغيير رموز الدولة والتعبير عن التراث العربي فيها. وهذه فكرة سيكون تطبيقها أسهل من عودة اللاجئين الفلسطينيين. وأعتقد أنه في ظل ظروف سياسية مختلفة عن الظروف السائدة في إسرائيل اليوم، سيكون من السهل تطبيق مسألة الرموز. والأمر الأصعب هو محاولة تغيير قانون العودة (لليهود). وفي هذه الحالة أيضا ينبغي القيام بذلك بصورة تدريجية، لكي لا يدخل اليهودي العادي في إسرائيل إلى حالة ذعر ويعتقد أنه تجري محاولة تقويض حقه بدولة لديها صبغة يهودية أيضا. وأعتقد أن بالإمكان جعل قانون العودة بصورة متساوية، بحيث مقابل كل 6ر3 يهودي يهاجرون إلى إسرائيل يكون بإمكان فلسطيني لديه انتماء من الدرجة الأولى للبلاد العودة إلى إسرائيل. وهذه المعادلة لن تزعزع التوازن السكاني بين اليهود والعرب. وبالطبع يجب حل موضوع اللاجئين الفلسطينيين بصورة أشمل وبالتعاون مع جهات دولية، لأنه لن يكون بإمكان جميع اللاجئين العودة إلى دولة إسرائيل، بينما بإمكانهم العودة إلى المناطق المحتلة. وهذه برأيي محاولة براغماتية، ولا أعتقد أنها محاولة أخلاقية مثالية لأنه ليس كل من يريد العودة سيتمكن من ذلك".

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات