المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مقابلة خاصة مع المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية

أثار قيام صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الجمعة الماضي، بنشر تقرير عن "مسودة اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين"، حرجا كبيرا لرئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، المعروف بتصريحاته المتعنتة ضد الفلسطينيين ورفضه التقدم في المفاوضات التي جرت قبل سنوات. لكن المسودة المسربة أدت إلى هجوم قادة اليمين على تنياهو لكونها تضمنت موافقة على انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي المحتلة العام 1967، مع تبادل أراض بحجم ضئيل وبنسبة 1:1، وإقامة دولة فلسطينية وحل قضيتي اللاجئين والقدس.

وجاء هذا التسريب في توقيت بالغ الحساسية، قبل عشرة أيام تقريبا من انتخابات الكنيست التي ستجري يوم الثلاثاء المقبل، وفي الوقت الذي لا ينجح فيه نتنياهو وحزب الليكود في رفع قوتهما في الاستطلاعات وتفوق "المعسكر الصهيوني" على الليكود، الأمر الذي دفع نتنياهو إلى الإعلان، أول من أمس، عن تنصله من خطاب بار إيلان، الذي ألقاه في العام 2009، وعبر فيه عن موافقته على "قيام دولة فلسطينية تعترف بإسرائيل كدولة يهودية".

والملاحظ في المعركة الانتخابية الإسرائيلية الحالية أن نتنياهو، وكذلك "المعسكر الصهيوني" ورئيسه إسحاق هرتسوغ، عملا على تغييب الموضوع الفلسطيني وحل الصراع عن أجندة الانتخابات، في مقابل تركيز نتنياهو على البرنامج النووي الإيراني والتخويف من أنه برنامج عسكري يهدف إلى صنع سلاح نووي، بينما ركز هرتسوغ على القضايا الاجتماعية، وخصوصا أزمة السكن وارتفاع أسعار الشقق بشكل مبالغ فيه، وهما موضوعان محل إجماع لدى الجمهور اليهودي في إسرائيل، في الوقت الذي لا يوجد فيه إجماع أبدا بين الإسرائيليين حول الموضوع الفلسطيني.

حول موضوع الانتخابات العامة للكنيست ومواقف الحزبين الكبيرين، الليكود و"المعسكر الصهيوني"، من الموضوع الفلسطيني، أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة خاصة مع المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية والسفير السابق في جنوب إفريقيا وتركيا، الدكتور ألون ليئيل.

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى الوثائق المسربة التي نشرت في الصحافة الإسرائيلية في الأيام الماضية، وتحدثت كما لو أن نتنياهو وافق على انسحاب إلى حدود العام 1967 وعلى تسوية معينة في القدس وقضية اللاجئين؟

ليئيل: "أرى بذلك أنه نشر يميز عشية الانتخابات للكنيست. وتوجد هنا محاولة من جانب أحد ما، وحتى أنه ربما هذه محاولة من جانب الأميركيين، للمس بنتنياهو عشية الانتخابات، باعتبار أن نشرا كهذا سيجعل ناخبين يبتعدون عن حزب الليكود، ويصوتون لأحزاب يمينية أخرى. وعندما أنظر إلى الأمور بشكل موضوعي، فإننا نعرف تقريبا ما الذي حدث في المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. ورغم أننا نعرف بشكل أقل عن قناة المفاوضات الخلفية التي أجراها مبعوث نتنياهو، يتسحاق مولخو، لكننا نعرف كيف انتهت المحادثات. فهي لم تنته بتحقيق شيئ، وإنما انتهت بتحطم، ونتائج المحادثات التي أجراها كيري انتهت بفقدان مطلق للثقة بين طرفي المحادثات. وهذا يعني أن وثيقة كهذه أو مسودة كتلك لا يمكنها تغيير الصورة بأن الطرفين ليس فقط لم تقترب مواقفهما من بعضها، بل ابتعدت عن بعضها. لذلك فإني أعتقد أن الأمر الأهم هو النتيجة وليس وثيقة كهذه أو تلك. وما نراه في الشأن الإسرائيلي – الفلسطيني، هو أن الفروق في مواقف الجانبين آخذة بالاتساع، وأنه نشأت فجوة غير مسبوقة لدى الجمهور الإسرائيلي، بين الذين يؤيدون الانسحاب وقيام دولة فلسطينية وبين أولئك الذين يعارضون الانسحاب والدولة الفلسطينية".

(*) الذين يعارضون قيام دولة فلسطينية يشكلون الأغلبية في إسرائيل.

ليئيل: "الخط المركزي في اليمين هو ضد الانسحاب وضد الدولة الفلسطينية. وهناك كتلة يسار، وإذا ضممنا إليها المواطنين العرب في إسرائيل، فإنهم يشكلون ربع السكان، وبدون الجمهور العربي ربما يشكلون 10% من السكان، وهؤلاء يؤيدون الانسحاب وإقامة دولة فلسطينية وتقسيم القدس على أساس حدود العام 1967 وما إلى ذلك. وهناك أحزاب الوسط، التي تقول إنها تريد تسوية ومستعدة لتنفيذ انسحاب، ولكنها، على سبيل المثال، لا توافق على تقسيم القدس. وهذا يعني أن نسبة اليهود في إسرائيل الذين هم على استعداد لدفع ثمن الانسحاب من الضفة الغربية على أساس خطوط 1967 وتقسيم القدس، أي إقامة دولة فلسطينية يمكن أن يوافق عليها الفلسطينيون، لا تتعدى 15% من الجمهور اليهودي. لكني مع ذلك أعتقد أن تسريب الوثائق أعاد الموضوع الفلسطيني، لمدة 24 ساعة على الأقل، إلى صدارة المعركة الانتخابية. قبل ذلك تركزت المعركة الانتخابية على إيران وأسعار السكن، والآن ظهر فجأة الموضوع الفلسطيني. وبإمكانك أن ترى أنه خلافا للموضوع الإيراني وموضوع أسعار السكن، فإن الجمهور الإسرائيلي منقسم حيال الموضوع الفلسطيني، لكنه ليس منقسما حيال إيران والسكن. ولذلك فإن نتنياهو حاول بكل ما أوتي من قوة إخفاء الموضوع الفلسطيني، وكذلك فعل رئيس المعسكر الصهيوني هرتسوغ. وكلاهما لم يذكرا كلمة ’سلام’ طوال الحملة الانتخابية. والآن نصل إلى الانتخابات، وهي استفتاء شعبي على أن تكون دولة فلسطينية أو لا تكون. وهذه الانتخابات تجري حول الموضوع المنقسم بشأنه الجمهور الإسرائيلي. فالجميع يوافقون على أن إيران هي تهديد على إسرائيل، والجميع يوافق على أن أسعار السكن مرتفعة جدا، لكن الشعب في إسرائيل منقسم بين يمين ووسط يسار في الموضوع الفلسطيني. وبإمكاني أن أقول بشكل واضح إن نتائج هذه الانتخابات، التي ستجري بعد أسبوع، وعلى فرض أن الحكومة المقبلة ستبقى في ولايتها أربع سنوات، هي انتخابات هامة وستقرر ما إذا كانت ستقوم دولة فلسطينية أم لا كما أنها ستقرر كيف ستبدو دولة إسرائيل".

(*) هل تعتقد بوجود احتمال لتغيير الحكم في إسرائيل؟

ليئيل: "أنا أستمد المعلومات من استطلاعات الرأي، التي تشير إلى نتيجة غير واضحة أبدا. وهناك 11 حزبا وجميعها أحزاب متوسطة عمليا، وليس معروفا شكل الائتلاف الحكومي المقبل من هذه الخريطة الحزبية. ويوجد عنصر جديد في الانتخابات الحالية ولم يكن موجودا في الماضي، وهو عنصر الرهان. إذ أنه بسبب رفع نسبة الحسم إلى 25ر3% فإنه يكفي ألا يتجاوزها حزب واحد، سواء حزب ’ياحد’ (اليميني المتطرف) أو حزب ميرتس، لكي يتم حسم الانتخابات".

(*) كيف ترى برنامج "المعسكر الصهيوني" في الموضوع الفلسطيني بأن الأمن هو الشرط للتسوية؟

ليئيل: "لقد قرأت برامج الأحزاب كلها، ويوجد لدى المعسكر الصهيوني برنامج حول الموضوع الفلسطيني أفضل من برنامج حزب يش عتيد (يوجد مستقبل). إذ أن يش عتيد يعتبر أن القدس هي عاصمة إسرائيل إلى الأبد ولن تُقسم أبدا. بينما المعسكر الصهيوني يلتف على ذلك ويقول إنه يجب الاهتمام بتعزيز الطابع اليهودي للقدس، ولا يقول إنها لن تُقسم. وأعتقد أنه بسبب ميل الجمهور الإسرائيلي نحو اليمين، فإن جميع الأحزاب تجعل برامجها تميل نحو اليمين. وعلى الأقل أرى في برنامج المعسكر الصهيوني أنه يؤيد حل الدولتين بالاستناد إلى حدود العام 1967. لكن السؤال المركزي هو شكل الائتلاف ومن هي الأحزاب التي ستشارك فيه؟".

(*) تركيز نتنياهو على إيران، هل يعكس أمرا حقيقيا أم أنه مجرد ذريعة للتهرب من الموضوع الفلسطيني، خصوصا في أعقاب تصريحات مسؤولين أمنيين حول ضرورة حل الصراع؟

ليئيل: "هذا دمج بين الأمرين. نتنياهو هلع فعلا من إيران، وليس هو فقط وإنما أغلبية الجمهور الإسرائيلي هلعة من الخيار النووي الإيراني. أي أنه يوجد هنا أمر حقيقي، وهذا الأمر الحقيقي يندمج جيدا في الانتخابات. إذ ما هي الطريق الأفضل لرئيس الحكومة من أن يوحد الشعب حول موضوع لا خلاف حوله. لكن في الوقت الذي يركز فيه على إيران، أخفى موضوعين آخرين وغير مريحين بالنسبة له، الأمر الأول هو ارتفاع أسعار السكن وحقيقة أن أزواجا شابة في إسرائيل لا يمكنها شراء شقة، والأمر الثاني هو الموضوع الفلسطيني والذي لا يشعر نتنياهو حياله بالراحة، لأن إسرائيل تتجه نحو مواجهة مع المجتمع الدولي حول هذا الموضوع. ومن هذه الناحية، فإن تسريب الوثيقة من خلال ’يديعوت أحرونوت’ تسبب بلعبة معاكسة للعبة التي يريدها نتنياهو الآن. إذ أن نتنياهو كان يريد تأجيل الانتخابات لأسبوع آخر كي يستمر في الصراخ ’إيران، إيران، إيران’. لكن هذا التسريب نقل الخطاب إلى الموضوع الفلسطيني، وهذا غير مريح له. وبالمناسبة فإن هرتسوغ أيضا لا يذكر الموضوع الفلسطيني لأنه يشعر أنه ليست لديه أغلبية مؤيدة لحل الصراع، وفي المقابل يتجه إلى المواضيع الاجتماعية لأنه يشعر بأنه سيكسب التأييد في هذه الناحية لأن هناك إجماعاً في إسرائيل حول ضرورة حل أزمة السكن، وهذا موضوع مريح له لأن الجمهور يعتبر أن نتنياهو فشل في حله".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات