تفجرت في الأسابيع الأخيرة فضائح تحرش جنسي داخل جهاز الشرطة الإسرائيلية، لتنضم إلى فضائح أخرى في هذا الجهاز، تم الكشف عنها في العام الماضي. وأدى ذلك إلى إقالة أو الدفع لاستقالة سبعة ضباط شرطة برتبة نقيب، وقائد الشرطة في مدينة بئر السبع. ولا تزال التحقيقات في قسم من هذه القضايا مستمرة ويتوقع أن يجري التحقيق مع نقيب آخر.

وفي موازاة ذلك تكشفت فضائح فساد سلطوي، يشتبه بضلوع ثلاثين شخصية على الأقل فيها، وغالبيتهم العظمى من حزب "يسرائيل بيتينو" ("إسرائيل بيتنا") الذي يتزعمه وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان.

وفي أعقاب ذلك تم الكشف عن فضيحة فساد أخرى في "دائرة أراضي إسرائيل"، وفي مقدمة المشتبهين في هذه القضية رئيس الدائرة، بنتسي ليبرمان. واللافت في كلتا القضيتين الأخيرتين أنهما مرتبطان باختلاس أموال تم تحويلها إلى المستوطنات، والحصول على رشاوي من هذه الأموال.

ويأتي الكشف عن قضايا الفساد هذه في خضم المعركة لانتخابات الكنيست، التي ستجري في 17 آذار المقبل.

وحول هذه المواضيع، أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع المحاضر في قسم تاريخ إسرائيل في جامعة حيفا، البروفيسور داني غوطفاين، وهو ناشط سياسي في حزب العمل الإسرائيلي أيضا.

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى الفضائح في الشرطة الإسرائيلية، وما هي أسباب سلوك كهذا من جانب ضباط كبار؟

غوطفاين: "يبدو لي أن ما يحدث في شرطة إسرائيل هو أنهم لم يحرصوا على التغيرات التي طرأت على المفاهيم، وكيف يجب أن تكون العلاقات اللائقة في أعقاب سن قانون منع التحرش الجنسي. وهذا أمر مذهل للغاية أنه في جهاز الشرطة بالذات لا يستوعبون التغيير الحاصل في القانون، الذي تم سنه قبل أكثر من عشر سنوات، علما أن أجهزة أخرى، مثل الجيش، استوعبت هذا الأمر جيدا منذ سنين. وما نراه في هذه الحالة هو استمرار ضباط شرطة بالتصرف بشكل لم يعد المجتمع يوافق عليه. والآن تم كشف هذه الأمور وبشكل واسع جدا، وأعتقد أنه بعد انتهاء هذه القضايا فإن ضباط الشرطة أيضا سيبدؤون بالتصرف بموجب القانون".

(*) هل تؤثر هذه الفضائح على أداء الشرطة؟

غوطفاين: "يصعب القول، لأن الآراء تشير إلى أنها تؤثر وهناك آراء أخرى تقول إنها لا تؤثر. ولكن عندما يغادر جهاز الشرطة عدد كبير من قيادته وبصورة فجائية، فإنه واضح أن هذا يضع صعوبات أمام قيام الشرطة بدورها. ومن الجهة الثانية، يقولون إن المدافن مليئة بأشخاص لا بديل لهم، ولكن الحاصل الآن سيؤدي إلى نشوء قيادة جديدة للشرطة وتتحلى بقيم أفضل، وهذا سيقود إلى جهاز شرطة أفضل من الحالي".

(*) تعالت دعوات تطالب المفتش العام للشرطة، يوحنان دانينو، بأن يتحمل المسؤولية عن وضع الجهاز والاستقالة من منصبه. هل توجد ثقافة كهذه في إسرائيل؟

غوطفاين: "في السبعينيات، استقال إسحق رابين من رئاسة الحكومة بعد الكشف عن وجود حساب دولارات باسمه في خارج البلاد. لكن في إسرائيل لا توجد في إسرائيل ثقافة تحمل المسؤولية والاستقالة، إن لم يتم إرغام المسؤول على الاستقالة. وفي حالة دانينو، فإن ولايته توشك على الانتهاء، ولذلك فإن الاستقالة، من الناحية العملية، لا توجد قيمة كبيرة لها. والسؤال هو كيف سيتعامل خليفة دانينو في منصب المفتش العام للشرطة مع الوضع الحالي وكيف سيضبط الأمور ويمنع التحرش الجنسي".

(*) كيف تصف مستوى الفساد في إسرائيل في أعقاب تفجر قضيتي الفساد الكبيرتين في حزب "يسرائيل بيتينو" و"دائرة أراضي إسرائيل"؟

غوطفاين: "واضح جدا أنه يوجد فساد في السلك العام وأنه توجد محاولات لاجتثاثها. ورغم تزامن الكشف عن الفساد والفضائح في الشرطة، إلا أنه لا يوجد هنا فساد ومحاولات تغطية عليه من جانب الشرطة. وما ينقص هنا هو وجوب فرض معايير قانونية أكثر من جانب أجهزة تطبيق القانون. ويبدو أن أجهزة تطبيق القانون ليست ناجعة بالشكل الكافي، لأننا نشهد بين الحين والآخر حدوث أداء سلطوي معيب وفضائح فساد. والموضوع برأيي هو ليس ما إذا كانت إسرائيل دولة فساد أم لا، وإنما المشكلة هي في المعايير التي تسمح منذ البداية بسلوك كهذا. والوضع هنا مشابه تماما للوضع في الشرطة، ووجود حاجة إلى تربية على معايير سليمة. ومن الجائز جدا أن جميع هذه القضايا، من قضية رئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت، وحتى الفضائح الحالية، تحتاج إلى تطهير كبير في السلك العام. وهذا صراع يجب خوضه وهو ليس سهلا".

(*) جزء كبير من كلتا هاتين الفضيحتين، في حزب "يسرائيل بيتينو" و"دائرة أراضي إسرائيل"، مرتبط بالمستوطنات كما أنه ضالع فيهما أشخاص معروفون بين المستوطنين. هل يدل هذا على شيء؟

غوطفاين: "الأمر الأول هو أن ما تقوله صحيح من حيث الحقائق، لكني أعتقد أن التحليل مختلف. إذ أن منظومة الحكم في إسرائيل أصبحت مبنية على الخصخصة. وكلما يخصخصون مجالات أكثر تنمو أجهزة قطاعية وتمول بأشكال مختلفة وغريبة من جانب جهات مقربة منهم. والمستوطنات هي أحد هذه القطاعات. وما نراه هنا عمليا، هو أداء منظومة سياسية قطاعية بموجب مصالح قطاعها وعلى حساب المصلحة العامة. وبهذا المفهوم فإن المستوطنات ليست التفسير لما يحدث وإنما هي جزء من المنظومات القطاعية التي تشكل تفسيرا للفساد في القطاع العام".

(*) هل تتوقع حدوث تغيير في الحكم في أعقاب انتخابات الكنيست المقبلة؟

غوطفاين: "هذه انتخابات غريبة جدا. من جهة، هناك أجواء عامة نقدية تجاه الحكم، ومن الجهة الأخرى، حسبما تدل الاستطلاعات، لن يحدث انقلاب في الحكم. ويبدو لي أنه خلال شهر منذ الآن ستحسم الأمور. وتغيير الحكم يبدو ممكنا في الوضع الحالي، رغم أنه لا يتم التعبير عن ذلك من جانب الناخبين، وحدوث هذا الأمر منوط بأداء قادة الأحزاب وشكل حملاتهم الانتخابية. ويبدو لي أن الأحزاب التي تريد تغيير نتنياهو لا تقوم بالحملة الإعلامية الصحيحة، وهذا الأمر يصب في مصلحة نتنياهو".

(*) هل تعتقد أن "المعسكر الصهيوني" يميز نفسه عن نتنياهو من الناحية السياسية؟

غوطفاين: "أعتقد أنه يميز نفسه عن نتنياهو من الناحية السياسية بالذات. لكني أعتقد أنه يوجد هنا خطاب يحاول فيه الجميع أن يظهر وطني وهذا الأمر ربما يطمس الفروق السياسية. وواضح أن البرنامج السياسي لكتلة المعسكر الصهيوني مبني على وجوب التوصل إلى حل الدولتين من خلال مفاوضات مع الفلسطينيين، وليس بالإمكان القول إن نتنياهو يريد هذا الأمر. وموقف هرتسوغ وليفني وغيرهما في المعسكر الصهيوني هو موقف واضح ويدعو إلى التفاوض مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين. وحقيقة أن المفاوضات التي جرت في الماضي لم تسفر عن اتفاق هي بحث آخر. لكن واضح تماما أن هناك فرق كبير جدا بين المعسكر الصهيوني وحزب الليكود واليمين عموما. وأعتقد أن الأجدر بالمعسكر الصهيوني أن يشدد في حملته الانتخابية على هذا التناقض في المواقف السياسية بينه وبين اليمين. ومحاولة طمس هذا الفرق لن يؤدي إلى إحداث التغيير في الحكم.