المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ثمة في إسرائيل اجتهادات من الصعب حصرها حول بنيتها الحزبية الراهنة المتأثرة أكثر شيء بالتغيرات الديمغرافية والسياسية التي طرأت عليها خلال العقود القليلة الفائتة.

ويتفق جلّ أصحاب هذه الاجتهادات على أنه من الناحية السياسيّة، يبدو أنّ وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ما يزال أفضل كثيرًا من جميع منافسيه المحتملين داخل حزبه وفي أوساط سائر الأحزاب. فهو يحظى بنسب دعم مرتفعة بين الجمهور العريض، وبكيفية ما يظهر استطلاع تلو آخر أنه لا شخصية سياسية أخرى في إسرائيل ينظر إليها "الشعب" كملائِمة لتولّي رئاسة الحكومة.

ويُرجع البعض أحد أسباب ذلك إلى ما يسميه "الانضباط الإعلامي الصلب" الذي يقوده نتنياهو، ويفضي إلى تنسكّه عن الإعلام الإسرائيلي. وفي المقابلات القصيرة التي تُجرى معه يتّضح السبب، فهو "مقتنِع" أنّ الإعلام يسعى فقط إلى ملاحقته والحطّ من قدره ولذلك لا يحاوره، ولا حتّى يقدّم تقارير إلى الشعب في مسائل غير المسائل السياسيّة.

خلال كلّ هذا الوقت ضعفت كثيرًا مكانة وسائل الإعلام في إسرائيل. فسلطة البث، التي يُفترَض أن تكون هيئة حيادية، يتهدّدها خطرُ الإغلاق (بحجة تنفيذ إصلاحات). أمّا صحيفة "هآرتس"، المعارضة الوحيدة الجدّية بين وسائل الإعلام، فتواجه مصاعب اقتصادية خطرة جاهرت بها أخيرًا.

تجدر الإشارة أيضًا إلى أن إسرائيل تدهورت في آخر "مؤشر عالمي لحرية الصحافة" الذي تنشره مؤسسة "فريدَم هاوس- مراسلون بلا حدود"، إلى المكان الـ 112 من بين 179 دولة شملها المؤشر، وهو الأكثر تدنياً في تاريخها، وكانت قد احتلت المكان الـ 92 في مؤشر العام الذي سبقه.

وهكذا من دون نقد، ومن دون تحقيقات صحافيّة، ومن دون مقابلات أو مؤتمرات صحافية، يُتوقَّع أن لا تعترض أي عوائق سبيل نتنياهو لمواصلة ولايته الحالية أو حتّى للظفر بولاية جديدة. وفي محادثات مغلقة معه يقول نتنياهو إنّه سيستمرّ رئيسًا لحكومة إسرائيل خلال الانتخابات المقبلة والسنوات التي تليها.

يوم الأربعاء الفائت ألغت محكمة حزب الليكود الانتخابات الداخلية لرئاسة هذا الحزب التي كان مقررًا إجراؤها يوم 23 شباط المقبل. وقرر أعضاء هذه المحكمة بالإجماع أن رئيس الحكومة نتنياهو هو الرئيس المنتخب للحزب وسيبقى كذلك. ويأتي قرار محكمة الليكود في إثر عدم وجود أي مرشح منافس لنتنياهو على رئاسة الحزب. وأشير في قرار المحكمة إلى أن دستور الليكود ينص على أنه في حال عدم وجود أكثر من مرشح لرئاسة الحزب فلا حاجة لإجراء انتخابات داخلية.

قبل هذا القرار قررت لجنة الانتخابات المركزية في الليكود أن تُجرى هذه الانتخابات من خلال بطاقتين: الأولى لنتنياهو، والثانية بيضاء، أي حتى ليس بطاقة "ضد" كي لا يُتاح لأحد أن يقول "لا" ضد الزعيم القائم الوحيد.

أحد المحللين الإسرائيليين سكّ في توصيف هذا الذي حدث مصلح "النظام الديمكتاتوري"، وأشار إلى أن الدكتاتوريات لا تقوم في المعتاد بين عشية وضحاها. وبشكل عام تكون هذه مسيرة زاحفة، تتقدّم بسرعة متغيرة على مدى فترة إلى أن تصل في مرحلة معينة، من دون أي إعلانات وطقوس، إلى النُضج.

وتابع يقول: "بعض منا لا ينتبه، بعض آخر لن يولي أهمية، آخرون يعتقدون أن لا مفر، وكثيرون سيكونون ببساطة لا مبالين. ويخيل لي أننا في ذروة مثل هكذا مسيرة ويحتمل جدًا أن نكون اجتزنا نقطة اللاعودة. نحن في مرحلة حتى الظاهري بات زائدًا فيها. والمرحلة التالية ستكون انتخاب نتنياهو زعيمًا لليكود على مدى كل أيام حياته، وبعد ذلك القول إنه يقرر خليفته (ابنه يائير مثلًا). ونحن غير بعيدين عن هناك".

خلال السنوات الفائتة ركزت تحليلات قليلة على ظاهرة وجود ديكتاتوريات داخل الأحزاب الإسرائيلية، كما انعكس الأمر لدى تشكيل القوائم للانتخابات العامة، أو لدى إقامة التحالفات.

ويصح هذا على نتنياهو كما تبيّن بوضوح حينما فرض على الليكود قراره الشخصي بشأن توحيد الحزب مع حزب "إسرائيل بيتنا". وقد وعد من غير أن يعرض اتفاق الوحدة على أعضاء حزبه أفيغدور ليبرمان بالمحل الثاني في القائمة الموحدة، وخصص لناس هذا الأخير أماكن واقعية في قائمة الحزب للكنيست الـ19.

ويحكم ليبرمان نفسه حزبه حكمًا من دون أي ضوابط، فقد شكل وحده قائمة الكنيست، وقرر ماذا سيكون البرنامج الحزبي، ومن سيتولون الوزارة، ومن سيكونون أعضاء كنيست عاديين.
ويسلك يائير لبيد أيضًا هذا السلوك. فهو منذ أن أنشأ حزبه "يش عتيد (يوجد مستقبل)" يقرر وحده ما يحدث فيه، ولن يتغير هذا النهج كما يقول.

وفي حزب شاس كان الحاكم المطلق زعيمه الروحي الراحل الحاخام عوفاديا يوسيف، والآن خليفته.

وإيهود باراك (هل تذكرونه؟) كان الحاكم الفرد في حزب "عتسماؤوت"، وعندما اعتزل الحياة السياسية اختفى هذا الحزب من الخريطة السياسية كليًا.

ومع أن الوضع في حزبي العمل وميرتس يبدو أفضل في الظاهر، نظرًا إلى إجراء انتخابات تمهيدية فيهما، إلا إن رئيسي الحزبين ينتهجان طريقًا شبيهًا.

وسبق لأستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس البروفسور غابي شيفر، أن رأى أن النتيجة المباشرة لحكم الأفراد داخل الأحزاب، من ناحية النظام الديمقراطي، هي أنه ما عدا التصويت في الانتخابات العامة ليس للمواطنين أي تأثير على المؤسسة السياسية كلها في ما يتعلق بالسياسة المنتهجة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي واقع الأمر، ليس المواطن هو مصدر السلطة في إسرائيل، كما يقتضي جوهر النظام الديمقراطي، بل رؤساء الأحزاب. وهذا يؤثر في السياسة وفي تنفيذها أيضًا. وفي قراءة هذا الأستاذ الجامعي فإن فشل حملة الاحتجاج الاجتماعية- الاقتصادية (2011)، وسياسة الحكومتين السابقة والحالية، يشكلان إثباتًا على أنه ليس لمواطني إسرائيل أي تأثير فيما يجري في الدولة، ورؤساء الأحزاب الذين يفوزون في الانتخابات ويشكلون الائتلافات يفعلون ما يحلو لهم، ويبدو أن هذا هو ما سيكون أيضًا بعد أي انتخابات عامة مقبلة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات