المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يتبيّن من آخر التصريحات التي أدلى بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (خلال جلسة الحكومة الأسبوعية أول من أمس الأحد) أنه متمسّك بقرار إعلان الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي برئاسة الشيخ رائد صلاح غير قانونية والذي يعني أن أي شخص ينتمي إلى هذه الحركة من تاريخ اتخاذه (يوم 17/11/2015) فصاعدًا أو يقدّم لها خدمات يعتبر مخالفًا للقانون وقد يتعرّض إلى عقوبة السجن.

كما يتبين أنه بموازاة ذلك، ينوي رئيس الحكومة الدفع قدمًا بإجراءات سن مشروع القانون الذي يعرّف إسرائيل بأنها "دولة قومية للشعب اليهودي".

وقال نتنياهو إن الدافع وراء الهبّة الشعبية الفلسطينية التي وصفها بأنها "إرهاب" هو رفض وجود إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي مهما تكن حدودها، مشيرًا إلى أن "العنصر الذي ينضم إلى هذا الرفض الآن هو التطرّف الإسلامي الذي ضرب باريس ولندن ومدريد ومالي حيث لا توجد مستوطنات أو أراض متنازع عليها بل يوجد رفض أساس لوجود تلك المجتمعات الحرة والمستقلة والديمقراطية".

وتابع: "إننا نصر على حقنا في العيش في دولة يهودية وديمقراطية- دولة يهودية بصفتها الدولة القومية لشعبنا ودولة ديمقراطية تحترم جميع مواطنيها بغض النظر عن ديانتهم وعرقهم وجنسهم" (موقع رئيس الحكومة الإسرائيلية على الشبكة).

وقد يُصاب البعض بالدهشة من جرّاء أوجه التشابه إلى درجة التطابق شبه الكامل بين مُعظم ردات الفعل الإسرائيلية الأخيرة على مشاركة الفلسطينيين في الداخل في الهبّة الشعبية الحالية، وبين أغلبية ردات الفعل على مشاركتهم في هبّات شعبية سابقة وخاصة دورهم في الانتفاضة الثانية العام 2000.

غير أن أوجه الشبه هذه تشكل دليلًا آخر على أن جوهر تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين في الداخل لم يتغيّر، وتُعتبر المقاربة الأمنية السمة الأبرز المسيطرة عليه منذ ما بعد نكبة 1948.

ينسحب هذا الأمر على ردات الفعل الرسمية بقدر ما ينسحب على ردات الفعل الصادرة عن كثير من المحللين ومعاهد الأبحاث في إسرائيل.

ويتجاهل أصحاب هذه الردات في شبه إجماع حقيقة أن قضية الفلسطينيين في الداخل جزء من القضية الفلسطينية.

على الرغم من ذلك بالوسع أن نشير إلى أن بعض أصحاب ردات الفعل شخصوا أن إسرائيل فشلت في القضاء على الهوية الوطنية المشتركة بين السكان في حيّزات الوجود الفلسطيني داخل إسرائيل وخارجها. وثبت مرة أخرى أنه على الرغم من "التطورات المستقلة" لمجالات هذا الوجود، فقد بقي ارتباط الفلسطينيين قويًا بماضيهم التاريخي وبهويتهم الفلسطينية وبالعلاقات العائلية، التي تولد معًا شعورًا بالتضامن يوضع موضع اختبار في كل مرة ينشأ وضع يُلحق أذى كبيرًا بحياة الفلسطينيين أو برموز وطنية ودينية مثل المسجد الأقصى.

ولقد ورد مثل هذا التشخيص، على سبيل المثال وليس الحصر، في سياق "تقدير موقف" جديد صادر عن مجموعة باحثين في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب في أواخر تشرين الأول 2015.

بيد أن هذا التشخيص لم يُفضِ إلى أي استنتاج خارج عن المألوف، واكتفت مجموعة الباحثين تلك بدعوة الحكومة الإسرائيلية إلى أن تدرس من جديد سياستها العامة حيال "الأقلية العربية في إسرائيل"، وبصورة خاصة أن تسرّع وتوسع تنفيذ الخطوات التي بُدئ بها من أجل "زيادة الاندماج الاقتصادي للسكان العرب". وأشارت في الوقت ذاته إلى أن هذه الموضوعات جرى بحثها في الاجتماعات التي جرت في 21 أيار 2015 بين رئيس الحكومة ورئيس القائمة المشتركة وعلى أساسها جرى وضع جزء لا بأس به من الخطط التي تنتظر التنفيذ.

ومثل هذه الدعوة صدرت أيضًا عن بعض الأصوات العربية في الداخل إلى درجة تحميل أعضاء الكنيست العرب ولجنة المتابعة العليا مسؤولية تبعات هذه السياسة الإسرائيلية.

ويثبت إعلان نتنياهو الآن أنه ماض قدمًا في إجراءات سن "قانون إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي" أن إسرائيل لا تملك رغبة حقيقية في إنهاء حالة العداء بينها وبين المواطنين الفلسطينيين، كونها تعرف أن إنهاء هذا العداء يتطلب منها التخلي عن صيغة النظام الحالي للدولة وإقامة نظام عادل وديمقراطي مكانه.
من هنا تعمل إسرائيل في مسارين ثابتين ومتوازيين لكبح المطالب القومية والسياسية للسكان الفلسطينيين: المسار الأمني (العصا) ومسار المكافآت الاقتصادية (الجزرة).

ومثلما برهنا في أكثر من مناسبة، تتعلّق وتيرة استعمال هذين المسارين/ الأداتين بالتصرف السياسي للفلسطينيين في إسرائيل من جهة، وبالأوضاع السياسية والأمنية العامة من جهة أخرى.

ولم يعد خافيًا أن ترجمة المسار الأمني تتم بالملاحقة السياسية والأمنية الفردية للقيادات الفلسطينية وبالملاحقة الجماعية، خاصة في أوقات التوترات الأمنية كما حدث إبان فترة الحرب الأخيرة على غزة وما يجري خلال الهبة الحالية وصولًا إلى قرار إعلان الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي غير قانونية.

ويتمثل الهدف الأساس من وراء هذا التعامل في منع قيام وحدة نضالية بين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر والفلسطينيين في الضفة الغربية، قد تكون بداية لالتحام النضال السياسي لكل فئات الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية. وبالتوازي تلجأ إسرائيل إلى سياسات الاحتواء بواسطة مسار السياسات الاقتصادية- الاجتماعية، خاصة مع رؤساء السلطات المحلية العربية وعدد من رجال الأعمال العرب بغية إيجاد نماذج نجاح على المستوى البلدي وعلى مستوى رجالات الأعمال، ويكون هذا الأمر مشروطًا دائمًا بالموقف السياسي.

ويجب ألا ينخدع أحد بصيغة "الدولة اليهودية الديمقراطية" التي طرحها نتنياهو، وفقًا لما اقتبسنا أعلاه، نظرًا إلى أنها هي أيضًا تسعى إلى رفع هوية إسرائيل كدولة يهودية إلى مستوى دستوري عالٍ ومحصّن، وبالتأكيد دون أن يشمل ذلك هويتها الديمقراطية في المرتبة نفسها.

ولا شك في أن "الديمقراطية" هنا ستكون شكلية تكرّس سلطة الأغلبية، وتخلو عمليًا من أي التزام تجاه قيم كونية عامة مثل حقوق الإنسان والمساواة، وبالتالي من الواضح أن مثل هذه "الديمقراطية" ليست حقيقية بتاتًا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات