المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

النسب في نتائج استطلاع "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية- 2015" تتحدث عن نفسها وتشفّ عن دلالاتها.

ويبقى في مقدمها نشوء أغلبية يهودية تؤيد مطلب إعلان الولاء لدولة إسرائيل ورموزها القومية كشرط لا غنى عنه لممارسة حق الانتخاب والترشّح للكنيست. كما تؤيد حرمان مواطنين "غير مخلصين للدولة" ومواطنين لا يؤدون الخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية من حق التصويت في الانتخابات الإسرائيلية العامة. وتعارض إشراك الأحزاب العربية وممثليها في مؤسسات الحكم وفي الائتلاف الحكومي في إسرائيل، بما في ذلك تعيين وزراء عرب.

حتى رئيس الدولة الإسرائيلية نُقل عنه بعد الاطلاع على هذه النتائج، أنه قلق حيال نظرة الجمهور العريض إلى الديمقراطية. وقال إن هذه النتائج يجب أن تقض مضاجع المؤسسة السياسية نظرًا إلى أن الديمقراطية يجب أن تكون لجميع المواطنين من دون تمييز.

هذه هي السنة الثالثة عشرة على التوالي التي يُجرى فيها استطلاع "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية".

وسنة تلو سنة يتم التأكيد أن أغلبية اليهود الإسرائيليين تؤيد الديمقراطية من الناحية النظرية فقط.

وما تزال إلى الآن تتردّد أصداء "مؤشر الديمقراطية- 2004" الذي ركز، بصورة خاصة، على استطلاع مواقف الشبيبة الإسرائيلية.

ونتيجة لتلك المواقف التي انعكست في "المؤشر"، ارتسمت ملامح عامة للشاب الإسرائيلي في صلبها أنه "امتثالي ومطيع، يسير في التلم، ولا يختلف كثيرًا عن جمهور الكبار".

ومع أن الشبيبة الإسرائيلية أبدت مواقف اعتبرها القيمون على المؤشر في ذلك الوقت "أكثر تقدمًا" من مواقف جيل الآباء، وتحديدًا من حيث مدى ثقتها بالديمقراطية الإسرائيلية، إلا إنه في باطن الأمر لم تتجاوز مقاربة تلك الشبيبة لهذه الديمقراطية النظرة التي ترى أنها شكلية (رسمية) أكثر من كونها ماهية أو قيمية. "وهذا المفهوم الذي يشدّد على الإطار لا على الجوهر يضع علامات استفهام حيال طابع الديمقراطية الإسرائيلية في المستقبل"، حسبما ورد في توكيد القيمين، في إلماح صريح إلى أن في ذلك ما يجعل الشبيبة تبيح لنفسها عدم ممارسة القيم الأصيلة التي تنطوي عليها الديمقراطية في التطبيق العملي، أولا ودائمًا.

وقال المسؤول عن "المؤشر" آنذاك إن تطلع الشبيبة إلى "زعيم قوي" (وهو معطى ملفت من نتائج استطلاع 2004) "يجب أن يُشعل ضوءًا أحمر. فالتطلع إلى زعيم قوي يشير إلى عدم الرضى من السياقات الديمقراطية القائمة. والجيل القادم بالتأكيد يعرب عن عدم رضاه من الوضع القائم" .

كما أكد أن ضوءًا أحمر يجب أن يُشعل أيضًا بالنسبة للتفهم والتطرق إلى انعدام المساواة بين العرب واليهود في إسرائيل، "فإن بعض الشبيبة لا يفهم أن الديمقراطية معناها المساواة في الحقوق للجميع، وهذا البعض يتمكن من العيش هنا وكأن الآخرين غير موجودين!".

بطبيعة الحال يمكن تناول الموضوع من عدة جوانب. لكن استهوتني طريقة تناول التجأ إليها "المؤرخ الإسرائيلي الجديد" توم سيغف قبل أكثر من عشرة أعوام بالارتباط مع إحياء مناسبة مرور 60 عامًا على تحرير معسكر الإبادة النازي في "أوشفيتس" (بولندا).

كتب سيغف أن المحرقة النازية كانت عبر السنين "عنصرًا جوهريًا من عناصر الهوية الإسرائيلية"، ولكن كثيرين يستغلونها لتبرير إدعاءات سياسية، سواء بين اليمين أو بين اليسار. وقال إن ذلك يشكل ظاهرة منفرة وسخيفة وتشتمل على عناصر لإنكار المحرقة، وثمة شك في كونها تعكس المواجهة الأخلاقية الحقيقية التي أحدثتها المحرقة في إسرائيل، أي المواجهة بين الدروس القومية والإنسانية لها. فإسرائيل القوية- أكد- هي ليست فقط لضمان تأمين ملاذ لكل يهودي مضطهد، وإنما لردع العداء للسامية. والدولة التي كثير من مواطنيها هم من الناجين من المحرقة يفترض فيها أن تكون حريصة في كل ما يتعلق بالمحافظة على الديمقراطية وعلى حقوق الإنسان.

وبرأيه ثمة توتر ما بين هذه الدروس، وهو في أساسه توتر سياسي، إذ إنه لا تناقض كبيرًا بينها، ولكن خلال السنوات العشر الماضية، منذ احتفال العالم بمرور خمسين سنة على تحرير "أوشفيتس"، تدنت أهمية القيم الإنسانية التي افتخرت إسرائيل بها في الماضي. فالبلديات لا تسارع إلى إزالة شعارات "الموت للعرب" التي تظهر أكثر فأكثر على جدران المنازل. وقبل عشر سنوات (من الآن قبل عشرين سنة) كان مثل ذلك يحدث ضجة. ولا يوقف أحد لعبة كرة قدم بسبب هذه الهتافات. لقد تحولت كراهية العرب إلى أمر مشروع. والتمييز ضد العرب في إسرائيل ازداد في عدد من المجالات إلى حد الدعوة إلى طردهم سواء بالفعل أو عبر تعديلات حدودية، هناك من يدعم الفكرة وهناك من يرفضها، ولكن النقاش حولها يبدو كما لو كان مشروعًا.

وهناك أمور رهيبة تجري في المناطق (الفلسطينية)، مثل هدم أحياء سكنية كاملة، فلا تحظى بأكثر من تغطية عادية، وتوقف النقاش حول جدران الفصل التي حولت الضفة الغربية وغزة إلى سجون كبيرة. والقمع في هذه المناطق والإهانات على الحواجز وتجاهل الحاجات الإنسانية تعدّى كثيرًا ما هو مطلوب لمحاربة "الإرهاب".

وما يثير السخرية، باعتقاده، أن القمع في المناطق الفلسطينية يشجع على العداء للسامية، ويهدد في مناطق أخرى من العالم سلامة اليهود، والمجلس الوزاري الأمني يأخذ في الاعتبار ردود فعل البيت الأبيض و"نيويورك تايمز" والاتحاد الأوروبي لكن تأثير العمليات في هذه المناطق على حياة اليهود لا يدخل إجمالاً في الحسبان.

ويصل سيغف إلى بيت القصيد عندما يكتب ما يلي:
تشير العديد من الأبحاث إلى انخفاض الوعي الديمقراطي لدى الإسرائيليين. وهناك بحث يدل على أن الألمان نجحوا في تعليم أبناء الجيل الشاب في بلدهم الالتزام العميق بالأخلاق الإنسانية أكثر مما فعله الإسرائيليون. بعد مضي 60 سنة على تحرير "أوشفيتس" بإمكاننا القول إن العديد من دول العالم تعلمت من المحرقة أكثر مما تعلمه الإسرائيليون، و"ينبغي أن تكون هذه مهمتنا المقبلة قبل حلول الذكرى السبعين"!.

للتذكير: الذكرى السبعون حلّت هذا العام 2015. وتحذير سيغف ظلّ أشبه بصرخة في واد.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات