تطرح الدراسة الصادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، حلا لحق العودة للاجئين الفلسطينيين من خلال توطينهم في المنطقة ج في الضفة الغربية، التي تشكل مساحتها 60% من مساحة الضفة. وبموجب الاتفاقيات المرحلية، اتفاقيات أوسلو، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فإن هذه المنطقة تخضع للسيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية.

 

وأشارت الدراسة إلى أنه يتم التعبير عن السيطرة المدنية الإسرائيلية على المنطقة ج من خلال ممارسة سياسات الأرض والتطوير، والسيطرة على توزيع الأراضي، ووضع مخططات ومنح تصاريح لبناء مساكن وبنية تحتية. ورغم أن خدمات التعليم والصحة في هذه المنطقة توفرها السلطة الفلسطينية، لكن المسؤولية عن إقامة البنية التحتية لهذه الخدمات خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

ويسكن في المنطقة ج، بحسب الدراسة، 70 ألف فلسطيني في قرى تقع داخل هذه المنطقة، وهناك 110 آلاف فلسطيني يسكنون في حوالي 300 قرية جزء من مساحتها يقع في المنطقة ج والأجزاء الأخرى من هذه القرى تقع في المنطقة أ أو ب. والمنطقة ج هي الوحيدة من بين مناطق الضفة الغربية التي يوجد فيها تواصل جغرافي.

لكن توجد في المنطقة ج جميع المستوطنات في الضفة الغربية، البالغ عددها 125 مستوطنة، أقيمت في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967. كذلك توجد في هذه المنطقة أكثر من 100 بؤرة استيطانية عشوائية، كما تقع في هذه المنطقة معظم شبكة شوارع الضفة الغربية ومعظم مناطق غور الأردن. ويسكن فيها، بموجب إحصائيات العام 2015، 356 ألف مستوطن، وهذا لا يشمل سكان المستوطنات في القدس المحتلة.

وتبلغ مساحة المستوطنات والبؤر الاستيطانية العشوائية وشبكة الشوارع في المنطقة ج حوالي 2ر1 مليون دونم، وتشكل 37% من مساحة الضفة. وتوفر "الإدارة المدنية"، وهي ذراع دولة الاحتلال الإسرائيلية، التي أقيمت في العام 1981، بادعاء أنها بديل للحكم العسكري ولتمهيد لحكم ذاتي فلسطيني بموجب محادثات السلام بين إسرائيل ومصر، الاحتياجات المدنية للمستوطنين.

وبحسب الدراسة، فإن "مهمة الإدارة المدنية هي إدارة الشؤون المدنية في هذه المنطقة، وتوفير الخدمات العامة وتشغيلها. وتخضع الإدارة المدنية لمنسق أعمال الحكومة في المناطق (المحتلة) التابع لوزارة الدفاع (الإسرائيلية). ولذلك فإن سيطرة وسياسة إسرائيل في المنطقة ج لهما تأثير حاسم على مجمل سكان الضفة الغربية، في أعقاب تقسيم المناطق (أي الضفة الغربية) إلى مناطق مختلفة في إطار الاتفاق المرحلي".

وشددت الدراسة على أن المنطقة ج، التي يسكنها عدد قليل نسبيا من الفلسطينيين، تشكل احتياطي الأراضي الأساسي في الضفة، لأن المنطقة أ والمنطقة ب تشملان التجمعات السكانية الكبرى. فـ"في المنطقة ج يوجد احتياط الأراضي للسكان الفلسطينيين وإمكانية تطوير المدن والبلدات والقرى الفلسطينية واقتصاد الضفة الغربية، وتشمل الكسارات ومصادر المياه والزراعة ومناطق الرعي والمناطق الصناعية والسياحية".

وأضافت الدراسة أن "الإدارة المدنية تؤثر على نشاط الفلسطينيين في المنطقة ج بأشكال مختلفة: 63% من الأراضي في المنطقة ج تقع ضمن مناطق نفوذ المجالس الإقليمية الإسرائيلية (المستوطنات) وتسد الطريق أمام التطور الفلسطيني؛ قسم كبير من الأراضي- حوالي 1ر3 مليون دونم- معلن عنه كأراضي دولة، وغالبيتها العظمى تم تحويلها لاستخدام الهستدروت الصهيونية والوزارات الإسرائيلية وشركات عامة وخاصة ومجالس إقليمية ومحلية للمستوطنات؛ 8700 دونم فقط (من أصل 3ر3 مليون دونم) تم تخصيصها لجهات فلسطينية منذ العام 1967؛ مناطق إطلاق النار تمتد على مساحة تعادل 30% من مساحة المنطقة ج؛ الخارطة الهيكلية للشوارع (التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي) أنشأت وضعا جعلت فيه 70% من مساحة المنطقة ج خارج قدرة التطوير الفلسطينية".

إضافة إلى ذلك، أكدت تقارير لمنظمة "بمكوم" الحقوقية الإسرائيلية أن "الإدارة المدنية" فرضت قيودا كثيرة على التطوير حتى في المناطق التي بالإمكان تنفيذ أعمال تطوير فلسطينية فيها. وعمليا، يسمح للفلسطينيين بتنفيذ أعمال تطوير في جزء صغير جدا في المنطقة ج لا تتعدى مساحته 5ر0% من مساحة المنطقة ج. وقالت المنظمة إن "الإدارة المدنية" تعرقل وضع خرائط هيكلية لحوالي 90% من القرى الفلسطينية في المنطقة ج، وتمنع بشكل فعلي تطويرها. وحتى العام 2016 جرى إعداد 108 خرائط هيكلية، وصادقت "الإدارة المدنية" على ثلاث خرائط منها فقط. لكن المنظمة أشارت إلى أنه حتى هذه الخرائط التي صادقت عليها "الإدارة المدنية" تم وضعها من دون التشاور مع سكان القرى الفلسطينية ومن دون إمكانية تطوير المجتمعات فيها.

وأشارت الدراسة إلى أنه بسبب الاحتمال الضئيل لحصول السكان الفلسطينيين في المنطقة ج على تصاريح بناء فإن البناء غير القانوني تحول إلى ظاهرة واسعة الانتشار. ونقلت الدراسة عن معطيات "الإدارة المدنية" أنه خلال السنوات 2000 – 2012، قدم الفلسطينيون 3750 طلبا للحصول على تصاريح بناء، تمت المصادقة على 211 طلبا منها فقط. في المقابل، فإن عدد أوامر هدم بيوت الفلسطينيين في المنطقة ج خلال هذه السنوات كان بمعدل 766 أمر هدم سنويا، وتم هدم 3000 منزل تقريبا خلال هذه الفترة.

كذلك تعرقل إسرائيل بواسطة "الإدارة المدنية" تنفيذ مخططات لبناء بنية تحتية وتقديم خدمات تعليم وصحة من جانب السلطة الفلسطينية وجهات دولية إلى السكان الفلسطينيين في المنطقة ج، وهذا يشمل عرقلة بناء مدارس وعيادات وحفر آبار ونقل مياه ومشاريع صرف صحي وشق شوارع. وتؤثر هذه الممارسات الإسرائيلية على أعمال تطوير في المنطقة أ والمنطقة ب، لأنه في حالات عديدة يستوجب تطوير البنية التحتية خطط إقليمية وتواصل تخطيطي.

"المستوطنات ليست لسكن اللاجئين"!

اعتبرت الدراسة أن المستوطنات التي قد يتم إخلاؤها لا يمكنها أن تشكل حلا سكنيا للاجئين العائدين، رغم أن الكثير من المنشغلين في قضية اللاجئين يعتقدون أنه في حال إخلاء إسرائيل لمستوطنات في إطار اتفاق إسرائيلي – فلسطيني دائم، يمكن استخدامها لسكن اللاجئين الذي يقررون العودة إلى الضفة الغربية.

وقالت الدراسة في هذا السياق إنه "على الرغم من أنه في حالات معينة يمكن أن تشكل المستوطنات حلا لضائقة السكن التي قد تتطور مع عودة اللاجئين، إلا أن منح هذه المساكن للاجئين ينطوي على إشكالية وذلك لعدة أسباب: أولا، عدد المساكن في المستوطنات التي سيتم إخلاؤها في أسوأ الاحتمالات هو حوالي 35 ألفا، وتشكل 25% فقط من التقديرات حيال الطلب الفلسطيني لحلول السكن. ثانيا، توزيع كهذا سينشئ فجوات وانعدام مساواة جوهري، لأن مواصفات بناء المساكن في المستوطنات أعلى بكثير من المواصفات الفلسطينية، وسيكون من الصعب تفسير حصول لاجئين على بيوت توجد فيها مكيفات هوائية، وساحات خضراء، وبرك سباحة أحيانا، بينما يبقى لاجئون آخرون في مخيمات اللاجئين المكتظة".

وبحسب الدراسة، فإن "أي برنامج حكومي ’لتوزيع’ أملاك المستوطنين على اللاجئين قد يتحول بسهولة وبسرعة إلى حلبة فساد. في المقابل، ينبغي النظر إلى مخزون البيوت في المستوطنات على أنه جزء من مخزون الأراضي القومي ودمجه في إستراتيجية التطوير الوطني للدولة الفلسطينية. ومثال لذلك هو بيع محتمل لهذه البيوت في السوق الحرة وتمويل بنية اجتماعية ومادية. وفي جميع الأحوال، تتطلب إدارة هذه القضية التعامل بحساسية بالغة وشفافية مطلقة وإشراف خارجي".

واعتبرت الدراسة أن "تفكيك مخيمات اللاجئين ليس ممكنا وليس عقلانيا، وفي أي سيناريو مستقبلي للحل الدائم، سيستمر عدد معين من اللاجئين بالسكن في مكانهم الحالي، في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن، ولا ينبغي التخطيط لنقلهم إلى مدن وأحياء جديدة. ورغم ذلك، يتوقع أن يموّل سكان المخيمات إجراء تحسين معين لسكناهم. كذلك سيكون بالإمكان، بواسطة أموال التعويضات، تمويل أعمال ترميم وتحسين البنية التحتية في مخيمات اللاجئين الموجودة".

وادعت الدراسة أنه "في حالات كثيرة، باتت مخيمات اللاجئين جزءا عضويا من النسيج الحضري الموجود، وجرى ربطها بشبكات المياه والكهرباء والبنية التحتية الأخرى، وتشكل ردا لائقا على احتياجات السكن لسكانها. كما أنه توجد فيها سوق عقارات متفاعلة. ويتعين على خطة اقتصادية لعودة اللاجئين أن تأخذ بالحسبان دمج هذا المخيمات بها على النحو الأمثل، من خلال وضع خطة للأمد الطويل تتولى تنظيم الملكية على الأملاك والشقق فيها وتحافظ على الشبكات الاجتماعية والتجارية داخلها".