عادة ما تميل أجهزة السلطة ونخبها الإسرائيلية إلى التقليل من أثر الفقر على ظواهر اجتماعية سلبية ومضرة وخطيرة، بنظرها هي أيضاً. فآخر ما تريده هو طرح مسائل تقود إلى شكل توزيع الخير العام، ومراكز السيطرة عليه، ولون المسيطرين وأصلهم وفصلهم. المركز الحاكم كأنه يقول: تعاطوا وتناولوا كل شيء ما عدا ما تفوح منه روائح الصدامات الطبقية. ليس صدفة بالتالي أن يكون التهويش والتحريض لهذه الفئة على تلك في المجتمع الإسرائيلي أبرز ملامح السياسة السلطوية. وليس هذا بعيداً عن النهج الكولونيالي: فرّق تسُد.

 

قضية الإدمان على المخدرات والكحول تندرج في هذا الإطار. فعلى الرغم من كثرة الدراسات والأبحاث التي تشير إلى العلاقة القوية بين الفقر والبطالة وبين الإدمان، لا تخصص السلطات الإسرائيلية سبل معالجة تضع في المركز المكانة الاقتصادية المنخفضة – نتيجة القمع الطبقي – للنسبة الكبرى من المدمنين.

في أواخر العام الماضي تم تسجيل خطوة نادرة على طريق كشف تكتيكات التملّص الحكومي من الاعتراف بالجانب الطبقي لأزمة الإدمان. أهميتها تكمن في أنها خطوة جرت في أروقة السلطة نفسها، ربما لأن هناك أجلا محدودا لإمكانية مواصلة التستّر والتشويه. وقد تم تقديم تقرير أعده مركز أبحاث الكنيست إلى اللجنة البرلمانية الخاصة لمكافحة آفة المخدرات والكحول، وموضوعه وضعيّة أطر وأدوات مساعدة المدمنين على المخدرات والكحول ممن ينتمون لطبقة اجتماعية اقتصادية منخفضة. حاول البحث قياس حجم مجموعة المدمنين على المخدرات والكحول من الفقراء، وتقييم الخطط والبرامج التي تضعها السلطات من أجلهم.

يتضح من مقابلات أجريت مع جهات في جمعيات مختلفة ترعى وتعالج المدمنين، وكذلك من معلومات وزارة العمل والخدمات الاجتماعية، أن معظم المدمنين على المخدرات والكحول ينتمون للطبقة الفقيرة. مع ذلك فهذه التقديرات تستند أكثر إلى انطباعات الخبراء والمهنيين الذين يعالجون المدمنين، في حين تصعّب المعطيات الرسمية القليلة المتوفرة من معرفة الوضع الاجتماعي الاقتصادي الدقيق لجميع المدمنين. المعلومات التي وفرتها وزارة العمل والرفاه مصدرها أقسام الخدمات الاجتماعية في السلطات المحلية وكذلك الخدمة المقدمة للإقلاع عن الإدمان في الوزارة نفسها. وهنا توجد شبه ازدواجية في الحالات المسجلة في فروع السلطات المختلفة، وبالتالي يبقى غير واضح عدد المسجلين وعدد المعالجين فعليا. وفقا لأقسام الخدمات الاجتماعية، في عام 2015 كان عدد المسجلين من المدمنين على المخدرات أو الكحول او القمار 20476 مواطنا بينهم 61% من المدمنين على المخدرات و 35% على الكحول؛ 80% من المسجلين كمدمنين هم رجال وعدد المسجلين الأكبر هم من فئة العمر 46- 55 عاما وتقدر نسبتهم بـ 26% من مدمني المخدرات والكحول. واتضح من تحليل معطيات مكتب الإحصاء المركزي (الرسمي) أن الغالبية الكبيرة من المدمنين على المخدرات يسكنون في سلطات محلية جرى تدريجها ضمن مجموعات اقتصادية مختلفة، ولكن النسبة في البلدات المسجلة على أنها أقوى اقتصاديا هي الأدنى، بينما كانت النسبة في المجموعات الأضعف اقتصاديا هي الأعلى.

تفيد معطيات خدمة معالجة الإدمان أن 40% من المعالجين وطالبي المساعدة من بين المدمنين، هم ذوو تحصيل علمي تحت ثانوي حتى 10 سنوات تعليمية، و 37% منهم ذوو تحصيل حتى 12 سنة تعليمية.

ليس هناك أي برنامج علاجي خاص لمن ينتمون للطبقة الأفقر

في إطار محاولة قياس حجم مجموعة المدمنين من الطبقة الأضعف اقتصاديا فحصَ البحث أيضاً معطيات مؤسسة التأمين الوطني، وطلب الحصول على معلومات حول عدد المدمنين الذين يتلقون مخصصات وذلك افتراضاً بأن هذه المخصصات تدفع لهم بسبب وضعهم الاقتصادي. وقد أكدت وزارة العمل أيضا أن هذا النوع من المعلومات يمكنه أن يساعد في إعادة تأهيل المدمنين ووعدت بأنها ستبدأ بجمعها خلال هذا العام.

المعلومات التي طُلبت من التأمين الوطني كانت مخصصات ضمان الدخل ومخصصات الإعاقة. تبيّن أنه ابتداء من العام 2007 لا يتم دفع مخصصات الإعاقة على الإدمان بل على عواقب الإدمان، وبالتالي لا يمكن معرفة عدد المدمنين الذين يتلقون مخصصات. أما بالنسبة لضمان الدخل فهو يدفع لمن تم تشخيصه كمدمن وفقا لمعيارين: الأول هو الإدمان، والثاني إعادة التأهيل. وعلى الرغم من أن المعطيات الرسمية تحدثت عن انخفاض في عدد حالات الإدمان بين العام 2013 وحتى مطلع العام 2016 فان عدد متلقي مخصصات الدخل بسبب الإدمان على المخدرات والكحول ارتفع وكانت نسبة هؤلاء من بين متلقي المخصصات بين الأعوام 2013- 2015 هي 2% ثم ارتفعت في الشهور الخمسة الأولى عام 2015 إلى 3%. وبالأرقام: عدد متلقي مخصصات ضمان الدخل بسبب الإدمان عام 2015 وصل إلى 3123 شخصا بينهم 91% مدمنون على المخدرات والباقون مدمنون على الكحول. وعدد المسجلين حاليا في أقسام الخدمات الاجتماعية هو 20476 وعدد المسجلين كمن يتلقون العلاج هو 13335.

حاول البحث فحص الأطر والبرامج المخصصة لإعادة تأهيل المدمنين، فتوجه إلى الوزارة المذكورة ومؤسسة التأمين القطرية. قالت الوزارة إنه على الرغم من وجود أطر وبرامج تتوجه إلى مجموعات مختلفة من السكان مثل نساء، شبيبة، عرب، ومهاجرين جدد، فليست هناك أية أطر أو برامج خاصة معرّفة لمجموعة المدمنين وفق المعيار الطبقي للشرائح الفقيرة. وقالت مؤسسة التأمين إنها تفعّل مع جهات أخرى أو لوحدها عددا محدودا من البرامج ولكن لا يوجد أي برنامج خاص لمن ينتمون للطبقة الأفقر. علماً بأنه كما سبقت الاشارة: غالبية المدمنين من الفقراء. طرح البحث التساؤل بصيغة مخففة جداً حين كتب معدوه: في ضوء حقيقة أن الأجسام المذكورة تفعّل برامج وأطرا مختلفة إلا للفقراء، يُطرح السؤال عما إذا كانت هناك حاجة لتفعيل خطط وأطر لهذه المجموعة بالذات؟ لقد ترك البحث هذا السؤال لقرار السياسيين ، ممثلين باللجنة البرلمانية المتخصصة بهذا الشأن ومنها للأعلى، إلى السلطة التنفيذية – الحكومة.

البحث يعترف بالمصاعب المتعلقة بتحديد وتشخيص مجموعة المدمنين على الخلفيات المختلفة المذكورة أعلاه، وذلك بسبب عدم الوضوح في التسجيلات الرسمية وعدم إجراء تشريح داخلي للمعطيات المتعلقة بهم. كذلك فإن الأبحاث المتخصصة لا تساعد على القياس الدقيق لمجموعة المدمنين اقتصادياً، والسبب الذي يتم إيراده عادة هو أن استعمال المخدرات والكحول والإدمان عليهما هو ظاهرة كونية تتخطى القطاعات والشرائح، مما لا يسمح بتحديد شريحة الفقراء من بين المدمنين. فعلى سبيل المثال - تقول رواية السلطة - تبين من استطلاعات أجريت لفحص استخدام الكحول والمخدرات أن الرجال يستخدمونها أكثر (فحص السلطة لمحاربة المخدرات والكحول عام 2009). ومن ناحية الأعمار تصل ذروة استخدام المخدرات والكحول في جيل 18- 25 عاماً ولكن هذه النسبة تأخذ بالانخفاض لاحقا. وهذا يعكس جيل المدمنين المسجلين لاحقاً كطالبي علاج، ويتمركزون في الشريحة العمرية 46- 55 عاما. وهناك طبعا من لا يتوجهون لتلقي العلاج وهذا يصعب على تحديد الأعداد والمكانة الاجتماعية الاقتصادية.

استخدام المخدرات لدى المجموعات المستضعفة أعلى من غيرها

 

يشار في العادة إلى وجود عوامل بيولوجية ونفسية وبيئية واجتماعية اقتصادية تؤدي إلى استخدام المخدرات والكحول إلى درجة الإدمان. ويقال عادة إن تعدد أسباب المشكلة تصعب على الإشارة إلى علاقة سببية محددة بين كل واحد من تلك العوامل وبين الإدمان. وهناك أيضا الطرح المعاكس المتجسد بالسؤال ما الذي أدى إلى ماذا؟ هل أدت الظروف الاجتماعية الاقتصادية إلى الإدمان أم أن الإدمان هو ما أدى إلى تلك الظروف؟. لكن وجد في أبحاث واستطلاعات أنه لدى المجموعات السكانية المستضعفة يكون استخدام المخدرات أعلى من غيرها وبالتالي احتمالات الإدمان أيضا.

المقصود بالمستضعفين الفئات التالية: الفقراء، المحرومون من العمل (الذين تسميهم السلطات "عاطلين عن العمل" لتتهمهم بتقصيرها وفشلها)، من لا يملكون سكناً بملكية أو إيجار منتظم، المهاجرون، والسجناء وغيرهم. بالطبع ليس كل مهاجر مهدد بالإدمان، ولكن اجتماع الظروف مثل وضعية ومكانة المهاجر والمكانة الاجتماعية الاقتصادية المتدنية قد يدفع إلى ذلك. يقول البحث إنه من خلال مجمل اللقاءات التي أجراها مع شخصيات رسمية ومع مختصين وناشطين في جمعيات علاجية مختلفة، تبيّن أن مجموعة المدمنين في إسرائيل هي مجموعة مستضعفة تنتمي إلى الطبقة الاجتماعية الاقتصادية المنخفضة. وهي تشمل نساء بعضهن أحاديات الأسرة أو نساء سبق أن تم تشغيلهن في الدعارة، مهاجرين جدد، وهناك قسم من المدمنين لديه ماضٍ جنائي وتحصيل علمي منخفض.

لقد تناول البحث بناء على مصادر المعلومات التي توجه اليها عدداً من المقاييس لفحص مجموعة المدمنين ضحايا المخدرات والكحول، وهي كالتالي:

الجندر: يتضح من استعراض الخدمات الاجتماعية عام 2015، أن الغالبية الساحقة من المسجلين لتلقي خدمات اجتماعية على جميع أنواع الإدمان كانوا من الرجال. 82% من المدمنين على المخدرات من الرجال (10436 رجلا مقابل 2332 امرأة) والنسبة مشابهة في حالة الإدمان على الكحول.

الجيل: النسبة الأعلى للمدمنين المسجلين كما ذكرنا هي بين جيل 46- 55 عاماً لكنها عالية أيضا بدرجة أقل بقليل في المجموعتين العمريّتين 36- 45 عاماً و 26- 35 عاماً. وهي المعطيات نفسها التي تقدمها الجهات الرسمية وتلك الشعبية.

القومية: لقد جمعت المعطيات الأكثر تحديثا بخصوص قومية المدمنين من خلال استعراض معطيات الخدمات الاجتماعية للعام 2013. في تلك السنة كان 938900 (أي نحو 71%) من مجمل المسجلين في أقسام الخدمات الاجتماعية هم "من اليهود وآخرين"، بينما 380500 (نحو 29%) هم من العرب. أي أن نسبة المسجلين اليهود في هذه الأقسام كانت أكبر بـ 5ر2 من عدد المسجلين العرب. مع ذلك ففي حين أن ربع السكان العرب مسجلون في أقسام الخدمات الاجتماعية لتلقي الدعم بسبب سوء أحوال وظروف عيشهم اقتصادياً، كانت النسبة لدى اليهود 6ر14% فقط. وبالنسبة للمدمنين على المخدرات من الذين كانوا مسجلين في أقسام الخدمات الاجتماعية عام 2013، يتضح أن عدد المسجلين اليهود والآخرين بلغ 10106 مواطنين وهو أكبر بثلاث مرات من عدد المسجلين العرب وهو 3019 مواطناً. مع ذلك، فنسبة المسجلين من العرب (1ر2 لكل 1000 نسمة من السكان العرب) أعلى من النسبة في الوسط اليهودي (6ر1 لكل 1000 نسمة من السكان اليهود). وبالنسبة للمتضررين من الإدمان على الكحول كان عدد المسجلين "اليهود والآخرين" (5066) أكبر بنحو مرتين من عدد المسجلين العرب (2305). ومع ذلك فان نسبة المسجلين من العرب أعلى بمرتين من نسبة المسجلين من اليهود – 6ر1 لكل 1000 عربي مقابل 8ر0 لكل 1000 يهودي.

بخصوص المهاجرين الجدد كانت النسب الأعلى بين الأثيوبيين وتصل إلى 9ر2 لكل 1000 نسمة، والروس- 2ر2 لكل 1000 نسمة. أما بخصوص المهاجرين القدامى فإن أعلى النسب وجدت لدى من هاجر أهلهم من أفريقيا (7ر2 لكل 1000 نسمة). وهذا يشمل بالطبع كل الدول العربية في شمال أفريقيا، أي نحن نتحدث عن اليهود العرب!

مناطق السكن: تبين من استعراض المعطيات لعام 2015 أن النسبة الأعلى للمدمنين على المخدرات موجودة في مركز البلاد ويبلغ عددهم 4898 وبعده الشمال ويبلغ عددهم 4359 ثم منطقة القدس- 1919 والجنوب- 1592. وبالنسبة للكحول كانت النسبة الأكبر في الشمال ثم تل أبيب ثم القدس وبعدها الجنوب.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, التأمين الوطني