المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ترتكب القيادات الإسرائيلية الرسمية، السياسية والأمنية، خطأ استراتيجياً فادحاً في تركيز معركتها وجهودها، خلال العقود الأخيرة وعلى مدار السنوات المقبلة كما يبدو، ضد "العدو الشيعي، الواضح، المحدد والمنظّم"، عوضاً عن "العدو السنّي، غير الواضح، غير المحدد وعديم العنوان" – هذه هي الفكرة المركزية التي تطرحها مقالة نشرها موقع "ميداه" اليميني الإسرائيلي (يوم 17 تموز الجاري)، تحت عنوان: "الفهم الإسرائيلي الخطير: استخفاف بالخطر السنّي"!

 

يُدعى كاتب هذه المقالة ألون ليفي ـ ناحوم. لم نعثر له على أية مقالة أخرى كتبها أو نشرها في الموقع المذكور أو سواه على الشبكة، كما لم نعثر على أي تعريف له في الموقع نفسه، بل في مواقع أخرى كثيرة تقول إنه "جندي سابق في كتيبة رقم 51 من لواء غولاني، متطوع حاليا (في الاحتياط) في لواء حرمون، يشغل حاليا منصب نائب مدير التسويق في شركة "مونداي" للمواد الغذائية وكان أشغل في السابق منصب مدير التسويق في شركة "تنوفا" الإسرائيلية لمنتجات الحليب".

"حساب دموي مع الشيعة"!

يبدأ الكاتب مقالته بالتذكير بما يعتبره درساً كان ينبغي أن يُستفاد مما حصل في ثمانينات القرن الماضي حين وضعت أجهزة المخابرات الأميركية والبريطانية تقارير استخبارية كثيرة جدا عن الاتحاد السوفييتي السابق ودول "المنظومة الاشتراكية" في أوروبا الشرقية، فيما رُصدت ميزانيات ومنح بمبالغ لأبحاث ودراسات أعدها "خبراء الشؤون السوفييتية". ولكن، "في العام 1989 تبيّن أن هذا المجهود الإنساني الهائل كان عديم القيمة والجدوى، إذ سقط جدار برلين تحت أنوف عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي. آي. إي) وأساتذة العلوم السياسية المصدومين... مرة أخرى، كانت أجهزة الاستخبارات آخر من يعلم"!


وينتقل، بعد هذا التذكير مباشرة، إلى تذكير آخر بـخلفية "الحساب الدموي التاريخي بيننا وبين المحور الشيعي"، فيقول إن بداية هذا الحساب كانت، بالأساس، قبل 38 عاماً، مع صعود آية الله الخميني إلى رأس السلطة في إيران. فمنذ ذلك العام، أصبح "الشيعة على اختلافهم"، "العدو الرئيسي": من الطموح الإيراني المعلن للقضاء على دولة إسرائيل وحتى صعود حزب الله في لبنان وتحوله إلى "تنظيم إرهابي مركزي" يعزز ترسانة أسلحته باستمرار وينفذ عمليات جدية ضد إسرائيل. ويضيف: "صحيح أن أيدي شيعية تلطخت بدماء يهود وإسرائيليين كثيرين، بما في ذلك في العملية الدموية التي طالت مؤسسات يهودية في الأرجنتين في العام 1994، ثم اختطاف الجنود الإسرائيليين الثلاثة في جنوب لبنان في العام 2006". وعلى هذا، رأت الاستخبارات الإسرائيلية، على اختلاف أجهزتها وتنظيماتها، أن "الشيعة هم الخطر المركزي المحدق بنا" فرصدت الجزء الأكبر من إمكانياتها وقدرتها، المادية والبشرية، سواء في مجال جمع المعلومات، الأبحاث أو الإحباط، "للمحور الشيعي ـ إيران، سوريا وحزب الله". لكن النماذج الاستخبارية "قد تنهار بصورة فجائية وصادمة"، كما حصل في إسرائيل في حرب "يوم الغفران" (تشرين 1973) وفي الغرب مع انهيار جدار برلين والكتلة الشرقية. وذلك "لأنّ الاستخبارات تميل إلى النظر إلى الجهة المريحة لها، عادة، وإلى غض الطرف عن معطيات مناقضة لرؤيتها. فرجال الاستخبارات قد يحصلون على معلومات كثيرة وهامة، لكن قد تفوتهم تماما سيرورات اجتماعية وثقافية مختلفة".

ويؤكد كاتب المقال أن "الشيعة يقصدون، تماما ودون أدنى شك، كل ما يقولون ويعملون بإصرار لتحقيق أهدافهم. ولكن، مع ذلك، يبقى الحديث هنا عن فهم خاطئ لأنه يتجاهل تهديداً آخر، لا يقل خطورة"!

 "التحوّل السنّي"!

يرى الكاتب أن "القوة المحرّكة في العالم السنّي اليوم" تتمثل في فكر حركة "الإخوان المسلمين" التي أسسها حسن البنا في مصر في العام 1928، والتي تولدت منها لاحقا حركات وتنظيمات إسلامية عديدة، مثل "حماس" في قطاع غزة و"الحركة الإسلامية ـ الجناح الشمالي" في داخل إسرائيل، "جبهة النصرة"، "القاعدة"، "الدولة الإسلامية" (داعش) و"أي تنظيم إرهابي آخر في الفضاء السني"!

ويقول إن "فكر الإخوان المسلمين يجرف العالم السني بأكمله، وليس الدول العربية فقط. وهو فكر يقوم على كراهية عميقة وحقد شديد ضد الغرب، لكن نقده الأساس موجه ضد الأنظمة العربية التي تعاونت مع التوجهات والسياسات الغربية، وفي مقدمتها نموذج الدولة القومية". ويدلل على هذا بقوله إن مؤسس "الإخوان المسلمين"، حسن البنا، لم يوجه نقده للتأثيرات الغربية على الشرق الأوسط فقط، وإنما ـ وبصورة أساسية ـ لحقيقة تبني المسلمين أفكارا وقيما غربية "تقوم على الكفر وتشد بهم إلى نمط حياتي مختلف".

حيال هذا وبتأثير منه، "مرّ العالم السنّي بعملية تحول بعيدة الأثر": من تيار مركزي، وسطي ومعتدل، تحول إلى تيار عنيف ورجعي. ورغم "صعوبة تحديد نقطة البداية لسلسلة التطورات التي أدت إلى الوضع الراهن"، كما يقول الكاتب، إلا أنه يشير إلى عملية اغتيال الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، باعتبارها "النقطة الأولى التي شعرنا فيها، عن كثب، بالإرهاب السني" الذي أنتجه حركة "الإخوان المسلمون"، وهو ما تنامى واتسع منذ ذلك اليوم "حتى أصبح عقيدة سنية متشددة". ويشير، في هذا السياق، إلى عمليات حركة "طالبان" في أفغانستان (بدعم أميركي كبير آنذاك) والتي "شكلت محفزا لتكريس وتعزيز قوى دينية عسكرية"، ثم إلى عملية 11 سبتمبر في أميركا "والتي شكلت مرحلة مؤسِّسة في هذه السيرورة"، مما فتح "صندوق باندورا سنيّاً" قاد العالم الغربي إلى حقيقة أن ثمة دولا سنية "معتدلة" تمول تنظيمات سنية متطرفة وتمنحها دعما كبيرا، ماديا وإيديولوجيا.

"الربيع العربي" ـ فشل استخباري آخر

يصف الكاتب أحداث "الربيع العربي"، التي انطلقت في العام 2011، بأنها كانت "دلو المياه الباردة الثاني الذي سُكب على رأس أجهزة الاستخبارات المختلفة، إذ شكلت مفاجأة مدوية لجميع هذه الأجهزة التي "لم تصحُ من صدمتها تلك إلا بنتائج الانتخابات التي جرت في مصر وأسفرت عن صعود "الإخوان المسلمين" إلى السلطة، لتوقن (هذه الأجهزة) بأن توقعاتها لم تكن صائبة في اعتبار هذه الانتفاضات الشعبية فجر عصر جديد من الديمقراطية في الشرق الأوسط".

خلافا للشيعة "المتمركزين في دول محددة ودون لاعبين آخرين على الخارطة"، كما يقول الكاتب، "ينتشر فكر الإخوان المسلمين ويتسع باستمرار. فمن أصل 5ر1 مليار مسلم في العالم، يشكل الشيعة 15% فقط، بينما يشكل السنة الـ 85%. وعليه، فنحن نتحدث إذن عن أكثر من مليار إنسان يمرون في مرحلة من التغيير الفكري الحاد، والفتيّ من الناحية التاريخية".

ثمة في أنحاء العالم المختلفة اليوم ـ يسجل الكاتب ـ عشرات المنظمات السنية ومئات التنظيمات الصغيرة التي "تسعى إلى تحقيق الرؤية الإسلامية بشأن اجتثاث الأديان الأخرى بوسائل العنف المختلفة، نشر "الدعوة الإسلامية"، الهجرة والتمدد. وتجتمع هذه المنظمات والتنظيمات على هدف تأسيس "الخلافة الإسلامية العالمية" كنموذج للدولة غير القومية، من خلال الاستعداد الكامل لقتل مجموعات سكانية أخرى، بما يفوق كثيرا ما يفعله الشيعة".

"عدو بلا عنوان"!

يقول الكاتب إن "التنظيمات السنية، كلها، لا ترى أي احتمال لبقاء الأقليات المسيحية واليهودية في الحيز العام، لا كمجموعات دينية ولا كدولة قومية بالتأكيد"! ويسوق، مثالا، ما حصل ضد المسيحيين في العراق "حيث هرب أكثر من مليون ونصف المليون مسيحي منذ بداية الربيع العربي"!

يشكل الشيعة في نظره "عدواً واضحا، محددا ومنظماً"، يتركزون في تجمعين مركزيين أساسيين هما إيران ولبنان. وإذا ما نشأت الحاجة، بإمكان إسرائيل "توجيه ضربة قاصمة للشيعة، سواء بالوسائل التقليدية أو غير التقليدية"!! أما السنة، في المقابل، "فهم عدو بلا عنوان"، إذ يدور الحديث عن عدد كبير من التنظيمات "التي لا يمكن ضربها والقضاء عليها بصورة ناجعة"، خاصة وأنها "تحارب بعضها البعض في كثير من الأحيان والمواقع"!


"كي نفهم حجم هذا الخطر"، يقول الكاتب، "لنتخيل أن حزب الله ينهزم ويختفي أمام التنظيمات السنية، لتستيقظ إسرائيل على واقع سيطرة التنظيمات الإرهابية السنية على جنوب لبنان"! ثم يتساءل: "في مثل هذا الوضع، من هي الجهة التي سيقصفها طيارونا الأشاوس في حال اختراق خلية إرهابية الحدود الشمالية لإسرائيل؟ ماذا سيحدث على الحدود مع سورية في حال سيطرة التنظيمات السنية عليها؟ ماذا سيكون مصير السلام مع مصر إذا لم تنجح في القضاء على "ولاية سيناء" ("أنصار بيت المقدس" سابقا، ذراع "داعش" في سيناء)؟ كيف ستتصرف إسرائيل حيال عمليات إرهابية كبيرة تنطلق من سيناء؟ وكيف ستتصرف إسرائيل إذا ما أقدم تنظيم إرهابي سني على استخدام أحد أسلحة الدمار الشامل؟"!

ويخلص الكاتب في نهاية مقالته إلى القول إن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وخاصة "الموساد" و"شعبة الاستخبارات العسكرية" (أمان)، "تحبّ الشيعة لأنهم يشكلون هدفا سهلا ومريحا للمراقبة والرصد، نظرا لتواجدهم في مناطق جغرافية محددة، لكون قادتهم شخصيات معروفة وبالإمكان معالجتها عند الحاجة (أنظروا مثال عماد مغنية) ونظرا لإمكانية رصد ومراقبة وسائلهم القتالية وترسانة أسلحتهم... إيران، كجار على الحدود مع سورية، ليست مشهدا مريحا ومفرحاً، لكن ضرب إيران وإيذاءها أسهل بكثير جدا مما يمكن أن يعترف به، أو أن يتخيله، "الموساد" و"أمان"... ذلك أن الحقيقة الاستخبارية، كما كان في العام 1989، موجودة في الميدان، لدى المؤذن في المسجد ولدى الكهربائي في مصنع بناء السفن في غدانسك (في إشارة إلى نقابة العمال هناك، التي قادت تغيير الحكم في بولندا) وليس لدى صناع السياسات المختلفة في المكاتب المكيفة"!

 

المصطلحات المستخدمة:

الموساد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات