وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، زيارة نظيره الهندي إلى إسرائيل، ناردندرا مودي، الأسبوع الماضي، بأنها تاريخية. وقال نتنياهو خلال لقائه مودي، يوم الأربعاء الماضي "أنا ومودي تحدثنا حول مجالات كثيرة سيكون بإمكاننا إحداث تغير فيها. في الزراعة والصناعة والمياه وصناعة الصحة. ونحن نتحدث عن تعاون إسرائيلي – هندي في دول أخرى أيضا. وبإمكاننا أن نحسّن معا حياة الناس الذين يسكنون في أفريقيا".

 

من جانبه، اعتبر مودي أن "إسرائيل هي إحدى الدول الرائدة في العالم في تجددها في مجالات المياه والتكنولوجيا والزراعة. وسيجد العلماء والباحثون الهنود والإسرائيليون الحلول سوية. وتعيش الهند وإسرائيل في منطقتين معقدتين. واتفقنا على فعل المزيد من أجل محاربة الراديكالية في العالم والتعاون بين الدولتين في مجال السايبر".

وجاءت أقوال نتنياهو ومودي بعد توقيعهما على مجموعة من اتفاقيات التعاون بين الدولتين. وإحدى هذه الاتفاقيات وُقعت بين وزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية والسلطة الإسرائيلية للتجديد حول إقامة صندوق هندي – إسرائيلي للاستثمار في الأبحاث والتطوير والمبادرة المشتركة باستثمار حجمه أربعين مليون دولار. كذلك جرى التوقيع على اتفاقية بين وزارة المياه والصرف الصحي الهندية ووزارة البنية التحتية والطاقة الإسرائيلية حول دفع حملة للحفاظ على المياه في الهند. وتتعلق اتفاقية أخرى بخطة لتطوير الزراعة خلال ثلاث سنوات، 2018 – 2020. كما تم الاتفاق على خطة للتعاون بين وكالة الفضاء الإسرائيلية والوكالة الهندية على تطوير مشترك لساعات ذرية، وعلى خطة تعاون بين وكالتي الفضاء في الدولتين من أجل تطوير وسائل بصرية والكترونية للأقمار الاصطناعية للدولتين.

وقالت نائبة السفير الهندي في تل أبيب، الدكتورة أنجو كومر، في تصريحات لوسائل إعلام إسرائيلية إن "التوقعات في الهند هي ارتفاع مستوى العلاقات بين الدولتين. والعلاقات بين الدولتين قوية بكل ما يتعلق بالزراعة والأمن. والآن نريد نفس المستوى بما يتعلق بالتكنولوجيا. والاقتصاد الإسرائيلي صغير ومبني على المبادرة. والهند هي إحدى الدول الصاعدة اقتصاديا في العالم. وبإمكاننا أن نصنع منتجات استنادا إلى التكنولوجيا الإسرائيلية". وأشارت إلى أن أغلبية سكان الهند هم شبان وأنه "إذا اعتمدتم علينا بالإنتاج، فإن التكلفة عندنا منخفضة وجودة المنتجات عالية. وإذا دمجنا قدراتنا ومبادراتكم سيكون بإمكاننا العمل لصالح تعاون أكاديمي وحتى في مجال الفضاء أيضا".

تبادل تجاري متنام

خلال زيارة مودي إلى إسرائيل، افتتح رئيس اتحاد الصناعيين الإسرائيليين، شراغا بروش، ورئيس غرفة التجارة والصناعة الهندية، سري فانكج فتال، منتدى المدراء العامين الإسرائيلي – الهندي، وهدفه رفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين من أربعة مليارات دولارات اليوم إلى عشرين مليار دولار في المستقبل.

وجرى هذا الافتتاح تحت رعاية نتنياهو ومودي. وسيركز هذا المنتدى على الزراعة وصناعة المياه والنقل والطب والصيدلة والصناعات الالكترونية وحراسة المعلومات والسايبر ودفيئات الهايتك والصناعات الأمنية. وكانت التوصية المركزية التي قدمها المنتدى لكل من نتنياهو ومودي، استئناف المفاوضات حول التجارة الحرة بين الدولتين.

وأفاد اتحاد الصناعيين الإسرائيليين بأن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الهند بلغ 5ر1 مليار دولار في العام 2016، وهو أقل بـ8ر12% من حجمه في العام 2015. وتوزعت هذه الصادرات، من دون احتساب صادرات الألماس، على النحو التالي: 37% الآلات والمعدات الكهربائية، 26% منتجات صناعية كيميائية، 18% معادن بسيطة و5ر11% أجهزة وأدوات بصرية. ويشار إلى أن الصادرات الأمنية تشكل ثلث الصادرات الإسرائيلية إلى الهند. وفي المقابل، فإن حجم الصادرات الهندية إلى إسرائيل بلغ 800 مليون دولار في العام 2016، وهو أقل بنسبة 6ر12% عن العام 2015، وشملت هذه الصادرات مواد للصناعات الكيميائية ونسيجا وبلاستيكا ومطاطا وأدوات كهربائية.

عمر العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية – الهندية صغير، ولا يتجاوز 25 عاما، لكن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين تنطوي على أهمية كبيرة بالنسبة للدولتين على حد سواء. وارتفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين من 200 مليون دولار في العام 1992 إلى 17ر4 مليار دولار في العام 2016. وبذلت إسرائيل جهودا كثيرا من أجل تطوير علاقاتها مع الهند، كونها ثاني أكبر اقتصاد آسيوي بعد الصين، ورابع أكبر اقتصاد في العالم. ويبلغ الناتج المحلي الهندي 25ر2 تريليون دولار، وحقق العام الماضي نموا بنسبة 6ر7%.

وقالت وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية إنه على الرغم من الأجهزة البيروقراطية الهندية، إلا أنه يلاحظ وجود توجه في السنوات الأخيرة نحو تحسين في أداء السلطات والسعي إلى تحويل المصالح التجارية المحلية إلى مصالح تنافسية أكثر في السوق العالمية.

ووصف رئيس اتحاد الصناعيين الإسرائيليين، شراغا بروش، زيارة مودي إلى إسرائيل بأنها "زيارة تاريخية"، وكتب في مقال نشره في موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، الأسبوع الماضي، أن الزيارة تشكل "فرصة ذهبية للصناعة الإسرائيلية وللارتباط مع شركاء هنود والنمو معا، سواء داخل السوق الهندية أو في السوق العالمية. ويجب استغلال الزيارة من أجل فتح صفحات أخرى في العلاقات الاقتصادية والصناعية والتجارية بين الدولتين، لأن الهند هي دولة عظمى صاعدة في الاقتصاد العالمي، وبإمكان إسرائيل المشاركة في حملة النمو الاقتصادي هذه".

وأشار بروش إلى أنه يتوقع أن تتجاوز الهند الصين قريبا من حيث تعداد سكانها، "لكن الأهم، من حيث التركيبة السكانية، هو أن السكان الهنود أكثر شبابا ودينامكية، بينما يتجه السكان في الصين نحو الشيخوخة. وفي أعقاب النمو الاقتصادي المرتفع في الهند، فإن الإمكانيات أمام الصناعة والاقتصاد الإسرائيلي هائلة، ولا يمكن تجاهل هذه التطورات الاقتصادية".

وأضاف بروش أنه "إذا كانت التجارة حتى اليوم هي بالأساس في مجالي الماس والأمن، فإن التحدي الآن هو في توسيعها إلى مجالات مدنية، وخاصة في مجالات الزراعة والمياه والطب والسايبر والطاقة المتجددة".

ولم يُخف بروش استياءه من سياسة "اصنع في الهند"، المدعومة بقوانين بادرت حكومة مودي إلى سنها وتلزم الشركات الأجنبية بنقل إنتاجها إلى الهند مع شركاء هنود إذا أرادت بيع بضائعها إلى الهند. ووصف بروش هذه السياسة بأنها تشكل تحديا، لأنها تؤدي إلى نشوء أماكن عمل في الهند وليس في إسرائيل. وأشار إلى أن الحكومة الهندية تخطط لمشاريع بنية تحتية بحجم كبير للغاية، ودعا إلى أن تأخذ الشركات الإسرائيلية حصة فيها. كما دعا بروش وزارة الاقتصاد والصناعة إلى تقديم المساعدة للشركات التي تحاول اختراق السوق الهندية، لافتا إلى أن "التسلل إلى السوق الهندية هو عملية طويلة وبطيئة وتستوجب موارد كثيرة، والدولة التي تريد تطوير السوق عليها التعاون مع شركات تخاطر بدخول هذه الأعمال".

حلف إستراتيجي

اعتبرت ورقة موقف أعدها الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب والدبلوماسي، الدكتور عوديد عيران، أن زيارة مودي إلى إسرائيل من شأنها أن تشكل علامة في الطريق في خريطة العلاقات الدولية الإسرائيلية، والتي "تشمل منظومة جديدة من التحالفات الرسمية وغير الرسمية". وأضاف أن "علاقات إسرائيل مع الصين والهند تشكل تحولا في وزن العلاقات الخارجية في الميزان الإستراتيجي الإسرائيلي الشامل"، مشيرا إلى أن "كلتا الدولتين العظميين الآسيويتين تختلفان عن بعضهما بشكل ملحوظ وتضعان معضلة أمام إسرائيل، تستوجب تعاملا ماهرا وإدارة مدروسة في المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والعامة والتجارية".

ولفت عيران إلى أن العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين يتميز "بتغييرات هائلة في خريطة علاقات إسرائيل الدولية، وبحجم قد يتطور باتجاه منظومة جديدة من التحالفات الرسمية وغير الرسمية. وزارة مودي إلى إسرائيل، بين الرابع والسادس من تموز الجاري، قد تعتبر لاحقا أنها واحدة من علامات الطريق في هذا التحول".

وأشار عيران إلى التحولات في السياسة الخارجية الهندية، بعدما كانت الهند مؤيدة دائمة لكتلة الدول العربية بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية لدى طرحها في المؤسسات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة، معتبرا أن هذه السياسة ناجمة عن وجود أقلية مسلمة كبيرة، وعن كون الهند دولة مؤسسة لمنظمة دول عدم الانحياز، ومن أجل منع الدول العربية من تأييد أعمى لعدوّتها باكستان، وعلى ضوء تعلقها بالنفط العربي وتحويل العمال الهنود في دول الخليج الأموال إلى موطنهم.

لكن التطورات الحاصلة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، مثل انهيار الاتحاد السوفييتي، عقد مؤتمر مدريد في العام 1991، وبعد ذلك انطلاق المحادثات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، أدت إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الصين والهند وبين إسرائيل. وبرغم ذلك، لم يتغير بصورة جوهرية شكل تصويت هذين العملاقين الآسيويين على قرارات تتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني في المنظمات الدولية، بينما استمرت إسرائيل في توجيه جل اهتماماتها وجهودها الدبلوماسية والاقتصادية باتجاه الولايات المتحدة وأوروبا. وكانت مبيعات الأسلحة والعتاد الأمني استثنائية في علاقات إسرائيل مع هاتين الدولتين، وهي مستمرة في حالة الهند حتى اليوم، بينما توقفت في حالة الصين منذ العام 2000، بسبب معارضة أميركية لتصدير إسرائيل خبرات أمنية إلى الصين.

وبحسب عيران، فإن "انتخاب مودي رئيسا للحكومة الهندية سرّع تحسين العلاقات بين الهند وإسرائيل وكشفها أمام الجمهور. وعندما صعد مودي إلى الحكم، في العام 2014، كانت الهزة في العالم العربي قد قوضت المفهوم الذي اعتبر الدول العربية كتلة واحدة وتستخدم قوتها السياسية والاقتصادية بنجاعة، ما مكن الهند من تفسير الفصل في التعامل الذي تمارسه تجاه إسرائيل والفلسطينيين". لكن الآن، زار مودي إسرائيل ولم يشعر بوجود حاجة لإجراء توازن بين علاقات حكومته مع إسرائيل والفلسطينيين، ولم يزر رام الله.

ورأى عيران أن التطورات الحاصلة في العالم العربي في السنوات الماضية "ساعدت، بصورة غير مباشرة، في تقدم العلاقات بين الهند وإسرائيل، التي استندت حتى الآن على ثلاثة اهتمامات مركزية هندية، هي الحاجة إلى توسيع الأساس الاقتصادي للدولة ومحركات النمو فيها، وتحسين مستوى حياة السكان في الهند، ومحاربة الإرهاب".

يشار إلى أن الاقتصاد الهندي يستند بشكل كبير إلى قطاع الخدمات وخصوصا تكنولوجيا المعلومات، الذي يشكل قرابة 60% من الناتج المحلي الخام. بينما تشكل الصناعة أقل من ربع الناتج والصناعة أقل من ذلك، علما أن هذا القطاع هو المشغل الأكبر. ووفقا لعيران، فإنه "إذا كانت الهند تتطلع إلى تطوير اقتصاد متوازن أكثر، بإمكان إسرائيل مساعدتها في ذلك، في مجالات هامشية رغم كونها ليست عديمة القيمة، مثل إدارة موارد المياه، واستخدام مزروعات معينة وتطويرها، وإنتاج مياه للشرب بواسطة التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة لتحلية المياه، الأمر الذي سيحسن جودة حياة سكان الهند، وخاصة في المناطق القاحلة... والاتفاقيات السبع التي جرى توقيعها خلال زيارة مودي لإسرائيل، تشكل سقفا جديدا لتوسيع العلاقات بين الدولتين".

وأضاف عيران أن التعاون في المجال الأمني انتقل من مرحلة مبيعات الأسلحة والعتاد العسكري والتكنولوجيا الأمنية الإسرائيلية للهند إلى مرحلة الإنتاج المشترك. "وخطر وقف المبيعات الإسرائيلية بشكل كامل هو خطر ماثل بالطبع، لكن بإمكان الدولتين وضع حلول تستند إلى روح التجديد الإسرائيلية في تطوير الأسلحة، وكذلك تطوير أسواق جانبية ثالثة أو البحث عنها. وثمة موضوع آخر في مجال التعاون الأمني وهو التعاون في الحرب ضد الإرهاب، الذي يشغل الدولتين. وبالرغم من الظروف المختلفة السائدة في كل من الدولتين، إلا أن المنهج والعتاد هما موضوعان بإمكان إسرائيل والهند التعاون فيهما".

ورأى عيران أن زعيمين آخرين تواجدا في خلفية لقاء مودي ونتنياهو، رغم أنهما لم يكونا حاضرين، وهما الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس الصيني، شي جين بينغ. "سيجد الزعيمان الإسرائيلي والهندي لغة مشتركة مع الرئيس الأميركي الجديد بسهولة أكبر من سلفه في المنصب، وبسعيها لتعزيز مكانتها في مناطق هامة في العالم ستكتشف الولايات المتحدة أن إسرائيل والهند مستعدتان للمشاركة في ’ائتلاف الدول الموافقة’ غير الرسمي. وبإمكان هذا الاستعداد، على سبيل المثال، أن يشكل خطوات عملية أولى في وجود حوار إستراتيجي حول المنطقة الممتدة من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي وحول مواضيع أخرى ذات اهتمام مشترك. وفعلا، البيان المشترك للزعيمين يذكر ’شراكة إستراتيجية’ لدى وصفه العلاقات بين الدولتين".
وأضاف عيران أن "العامل الصيني معقد أكثر من وجهة نظر إسرائيل، التي تبذل جهدا موازيا من أجل دفع علاقاتها الاقتصادية والعلمية مع الصين. والتعاون الواسع بين الهند وإسرائيل يتناقض كليا مع انعدام النشاط المطلق في هذه المجالات بين إسرائيل والصين، الذي فرضته الولايات المتحدة على إسرائيل. واختارت الصين حتى الآن تجاهل هذه المعادلة، لكنها ربما لن تتعامل بالطريقة نفسها مع الحوار بين الهند وإسرائيل، خاصة عندما يجري تحت رعاية الولايات المتحدة، وفيما هو مرتبط بمنطقة مصالحها الأمنية المباشرة".

ورأى عيران أن "العلاقات التي نجحت إسرائيل في بلورتها مع الهند والصين تمثّل تحولا هاما في علاقاتها الخارجية وميزانها الإستراتيجي. فكلتا الدولتين العظميين مختلفتان جدا عن بعضهما وتضعان معضلات متنوعة أمام إسرائيل. لكن يبدو أن من شأن اللغة، والشبه الكبير في المؤسستين السياسيتين، أو وجود مجموعات سكانية يهودية وهندية في الولايات المتحدة، أن تساعد في تطوير العلاقات مع الهند بسهولة أكبر وبشكل أسرع بكثير مما مع الصين. وتطرح الصين فرصا اقتصادية كبيرة وجذابة أكثر في الأمدين القريب والمتوسط. والطريق بين الصين والهند، والتمييز الدقيق بين ساعاتهما الاقتصادية المختلفة ووضعها قبالة بعضها، تتطلب مهارة وإبداعا وتنسيقا من جانب مؤسسات دبلوماسية واقتصادية وأمنية، سواء كانت هذه مؤسسات عامة أو مؤسسات القطاع المحلي الخاص. وفي حال توفرت هذه القدرات بأيدي إسرائيل، فإنها ستكون مساعدة كثيرا على إدارة علاقاتها المعقدة مع الهند والصين".