المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يدور في الفترة الأخيرة جدل حادّ بين المستوطنين وحكومتهم حول حجم البناء في المستوطنات في ظل ولاية الحكومة الحالية، إذ تعلن الحكومة، برئيسها ووزرائها، أنها الأكثر بناء في المستوطنات، والأكثر في وضع المخططات المستقبلية. وتصريحاتهم هذه تلقى "اسنادا" في تقرير حركة "السلام الآن"، الذي أشار إلى أن البناء الفعلي في المستوطنات شهد في العام الماضي 2016، ارتفاعا بنسبة 34% مقارنة مع العام الذي سبقه. وفي حال ثبتت صحة تصريحات وزير الدفاع أفيغدور

ليبرمان، فإن النصف الأول من هذا العام شهد قفزة غير مسبوقة. وفي المقابل، فإن قادة المستوطنين يتهمون الحكومة بأنها تتلكأ، وتستعيد مشاريع كان أعلن عنها سابقا، والأهم من ناحيتهم أن الحكومة لا تستغل فترة ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتعزيز الاستيطان.

ورأينا في الأيام الأخيرة أن وزراء في الحكومة، ورئيسها بنيامين نتنياهو، شرعوا بالتباهي بحجم البناء الاستيطاني في ظل حكومتهم الحالية بالذات، إن كان على مستوى البناء الفعلي الجاري، أو على مستوى المخططات المستقبلية، التي يقال إنها ستدخل إلى حيز التنفيذ من حيث التخطيط في الفترة القريبة جدا، ومن بينها مخطط لبناء 67 ألف بيت استيطاني في كافة أنحاء الضفة المحتلة، إضافة إلى مخطط لبناء 15 ألف بيت استيطاني في القدس المحتلة منذ العام 1967، من بينها 10 آلاف بيت على أراضي مطار قلنديا. وكل هذا في حين أعلن نتنياهو أن جميع المستوطنات في الضفة ستبقى ثابتة مع بيوتها، كما أكد مجددا على نية عدم الانسحاب من مرتفعات الجولان السورية تحت أي ظرف كان.

فقد أعلن وزير البناء يوآف غالانت في الآونة الأخيرة عن تبنيه مشروعا أعده مجلس المستوطنات لبناء 67 الف بيت استيطاني في قلب الضفة، لتخفيف الاكتظاظ في منطقة تل أبيب الكبرى. وقد عرض غالانت الخطوط العريضة للمشروع أمام لجنة الداخلية البرلمانية، وقال إنه سينفذ في المنطقة الممتدة من جنوب منطقة نابلس وحتى شمال القدس المحتلة. وهي منطقة مقابلة جغرافيا لمنطقة تل أبيب الكبرى، المركز السكاني والاقتصادي الإسرائيلي الأكبر.

ويهدف المخطط، إلى جانب نهب المزيد من الاراضي الفلسطينية، والقضاء على أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية، إلى نقل مئات آلاف المستوطنين من منطقة تل أبيب إلى قلب الضفة. وقال غالانت إن "البناء في سلسلة الجبال الغربية للسامرة (منطقة نابلس) هو حاجة امنية استراتيجية، وستساعد جدا في حل مشاكل السكن في وسط البلاد".

وجاء هذا بعد الكشف عن اتفاق بين الحكومة الإسرائيلية وبلدية الاحتلال في القدس، لبناء 28 الف بيت، من بينها أكثر من 15 ألف بيت في القدس المحتلة منذ العام 1967. وأكبرها حي استيطاني جديد سيقام على أراضي منطقة مطار قلنديا الفلسطيني، في شمال المدينة. وهو المشروع الذي كشف عنه النقاب لأول مرة قبل أقل من عام، إلا أن الوزير غالانت كان قد قرر في نهاية شهر نيسان تبني المشروع، وتعهد بالعمل مع رئيس حكومته على الدفع به إلى الأمام.

ويجري الحديث عن مخطط ضخم، سيمتد على مساحة 550 دونما، هي منطقة مطار قلنديا، التي استولى عليها الاحتلال منذ العام 1967، وأقام هناك منطقة صناعية. وسيشمل هذا المخطط بنايات سكنية شاهقة. واقامة الحي من شأنه أن يخنق الضواحي والقرى الواقعة شمال المدينة، لمنع توسعها على أراضيها.

ويستهدف الاحتلال تلك المنطقة الشمالية للقدس المحتلة في عدة مواقع، كل واحد منها يهدف إلى محاصرة الضواحي والقرى هناك، مثل مشروع ما يسمى "الحديقة الوطنية" الذي سيمتد على مساحة تزيد عن 750 دونما، ابتداء من جبل المشارف وغربا، على أن يتم منع البناء فيها، ما يعني محاصرة ضاحيتي بيت حنينا وشعفاط وغيرها.

كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان في تصريحات اعلامية الأسبوع الماضي، أن حكومته هي الحكومة الأكثر بناء في المستوطنات، والأكثر في وضع المخططات الاستيطانية المستقبلية منذ العام 1992. وقال إنه منذ مطلع العام الجاري 2017، تم اقرار 8345 بيتا استيطانيا، من بينها 3066 بيتا للبناء الفوري، وقال إنه عدد البيوت الأكبر في فترة زمنية من خمسة أشهر، منذ العام 1992. وهذه المعطيات لا تشمل مدينة القدس.

وتابع ليبرمان قائلا إنه فقط في يومي السادس والسابع من حزيران الجاري، اقرت لجنة التخطيط العليا المختصة في سلطات الاحتلال، بناء 3651 بيتا من بينها 671 بيتا للبناء الفوري. وانتقد ليبرمان أوساط اليمين والمستوطنين الذين ينتقدون الحكومة، بادعاء أنها لا تبني كفاية في المستوطنات، وقال "إن من يدعي أنه بالإمكان فعل أكثر، فإنه لا يدعو إلى شد الحبل أكثر وإنما إلى قطعه كليا، وبذلك يتم تشكيل خطر على الاستيطان كليا". وأضاف "إنني على علم تام باحتياجات المستوطنات من البناء، ولكن أنا على علم أيضا بالقيود والمحدوديات، وأيضا الضغوط التي تصل من الحلبة السياسية الدولية. ولم تكن ولن تكون حكومة أفضل من هذه الحكومة، من حيث اهتمامها بالاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة، وايضا تطويره"، حسب تعبير ليبرمان.

تصريحات ليبرمان تلقى "اسنادا" غير مباشر من تقرير حركة "السلام الآن"، الصادر في نهاية الشهر الماضي أيار، بمناسبة الذكرى السنوية لعدوان حزيران واحتلال الضفة، إذ يقول التقرير إن عدد البيوت الاستيطانية التي بدأ بناؤها في العام الماضي 2016، شهد ارتفاعا بنسبة 34% مقارنة مع العام الذي سبق 2015. وتقول الحركة إنه في العام الماضي بدأ فعليا بناء 1814 بيتا استيطانيا في مستوطنات مختلفة، ما يعني أن العام الجاري سيشهد قفزة ستكون أكبر بكثير، إذ ثبت ما قاله ليبرمان بأنه منذ مطلع العام الجاري صودق على الشروع فورا ببناء 3066 بيتا استيطانيا، وكل هذه معطيات لا ذكر فيها للقدس المحتلة.

وقال تقرير "السلام الآن"، إن 70% من البيوت التي بدأ بناؤها في العام الماضي، كانت في المستوطنات الصغيرة الواقعة خلف جدار الاحتلال، أو حسب التسمية الإسرائيلية "مستوطنات صغيرة ومعزولة"، وكانت إسرائيل قد أبلغت الحلبة الدولية مرارا في السنوات الماضية، أن هذه المستوطنات سيتم اخلاؤها في اطار الحل الدائم. إلا أن صحيفة "هآرتس" كانت قد ذكرت في الأسبوع الماضي، أن نتنياهو طلب من إدارة الرئيس دونالد ترامب أنه في أي مخطط مستقبلي لحل الصراع، تبقى كافة المستوطنات جيوبا إسرائيلية في قلب الضفة المحتلة.

نتنياهو يتباهى والمستوطنون يردون

وكان نتنياهو قد قال في "حفل" أقامه مجلس المستوطنات، في قاعة المسرح في الكنيست، في الشهر الجاري، إنه رئيس الحكومة الأول منذ سنوات طوال الذي يقر بناء مستوطنة جديدة في الضفة (لمستوطني بؤرة "عمونه"). وقال: "يشرفني أن أكون رئيس الوزراء الأول بعد عشرات السنين، الذي يبني بلدة جديدة في يهودا والسامرة. وأقوم بما هو لازم للحفاظ على الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة. وأؤكد لكم أنه لا أحد كانت له مساع أكبر من المساعي التي أبذلها للقيام بذلك. لقد عقدنا اجتماعاً لمجلس الوزراء واتخذنا قراراً بالإجماع مفاده أننا نبني في كل أنحاء يهودا والسامرة. هذا الشيء الأول، كما أننا نعد الخطط للبناء في كل أنحاء يهودا والسامرة. سنواصل الحفاظ على الاستيطان، سنواصل الحفاظ على بلادنا وسنواصل الحفاظ على دولتنا".

وأضاف نتنياهو أيضا في ذلك الخطاب "لقد عقدنا جلسة لمجلس الوزراء واتخذنا قرارات بالإجماع. وتم نقلها للآخرين بعدما اتخذناها. ويقضي قرارنا بما يلي: لقد قلنا إننا نبني في كل أنحاء يهودا والسامرة، وهذا أول شيء، كما نعد الخطط في كل أنحاء يهودا والسامرة – ونبني من الداخل للخارج، بمعنى أننا نبني داخل المستوطنات عندما يكون هناك مكان كافٍ للقيام بذلك، وإذا اقتضت الحاجة بالتوسع نظراً للاحتياجات اليومية، وإنجاب الأطفال، وزيادة مجموع السكان في المستوطنات، فنحن نقوم بالبناء بجوار المباني القائمة وهكذا نخطط كذلك. هذه هي القاعدة التي اعتمدناها وهي شيء يمنحنا فوائد كثيرة جداً باعتقادي، فلدينا الكثير مما يمكننا ربحه وكذلك الكثير مما يمكن خسارته".

إلا أن كل هذا لم يقنع قادة المستوطنين، الذين هاجموا الحكومة ورئيسها والوزير ليبرمان، بادعاء أنهم لا يطرحون الحقيقة، وأن حجم البناء الفعلي هو أقل بكثير. وقد لقي قادة المستوطنين دعما لادعاءاتهم من قادة تحالف "البيت اليهودي" الشريك في الحكومة، وحتى من نائبة وزير الخارجية تسيبي حوطوبيلي من حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو.

فقد قال رئيس مجلس مستوطنات منطقة نابلس المحتلة يوسي داغان إن المعطيات التي يعرضها الوزير ليبرمان ليست دقيقة. وأضاف: "إنني احترم جدا الوزير ليبرمان، ولكن للأسف فإن الأعداد التي ذكرها ليست صحيحة، فالغالبية الساحقة من البيوت (الاستيطانية) التي ذكرها، تم تكرار ذكرها خمس مرات، والأعداد الحقيقية هي أقل بكثير".

وانضم إلى داغان عدد من قادة المستوطنين، الذين قالوا في تصريحات إعلامية إن الحكومة لا تستفيد بالقدر الكافي من ولاية الرئيس دونالد ترامب، وهي عمليا، تلجم البناء في المستوطنات، بحسب زعمهم.

وساند قادة المستوطنين نير أورباخ، مدير عام تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي" الشريك في الحكومة، إذ حسب ادعائه فإن ما أقر فعليا في جلسة لجنة التخطيط في السادس والسابع من الشهر الجاري، هو بناء 465 بيتا استيطانيا جديدا، وأن كل الأعداد الأخرى مكررة، وكان قد صودق عليها من قبل. واعتبر أورباخ أن هذا يعد نقضا للاتفاقيات الائتلافية بين حزبي "الليكود" و"البيت اليهودي".

واللافت كان وقوف نائبة وزير الخارجية تسيبي حوطوبيلي من حزب "الليكود" إلى جانب قادة المستوطنين، حيث قالت في تصريحات إعلامية "إنه لا يعقل أن لا يقر بناء بيوت في غوش عتسيون"، وتقصد التكتل الاستيطاني غربي وجنوبي مدينة بيت لحم.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات