المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

استقبلت إسرائيل بالترحاب فوز ايمانويل ماكرون بانتخابات الرئاسة الفرنسية على منافسته، مرشحة كتلة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، مارين لوبان. ورغم أن ماكرون لا يرأس حزبا، وأعلن عن نيته خوض انتخابات الرئاسة قبل عام فقط، لكنه كان معروفا كرجل اقتصاد، وتولى في حكومة الرئيس فرانسوا هولاند السابقة منصب وزير المالية. كما تعهد بإخراج بلاده من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها فرنسا منذ عقدين ونيّف. رغم ذلك، قال الكثيرون من ناخبيه إنهم صوتوا لصالحه ليس بسبب مواقفه، وإنما كي يلجموا لوبان ومنعها من الوصول إلى رئاسة ثاني أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا.

 

واستبعد الدبلوماسي الإسرائيلي فريدي إيتان، الذي عمل في السفارتين الإسرائيليتين في باريس وبروكسل، وكان أول سفير إسرائيلي في موريتانيا، أن يغير ماكرون بشكل كامل سياسة أسلافه الخارجية، لكن يتوقع أن يركز على عدد من القضايا الداخلية والخارجية التي باتت ملحة.

ويتوقع أن يركز ماكرون على العلاقة بين فرنسا وألمانيا خصوصا، في إطار الحفاظ على تماسك الاتحاد الأوروبي، بعد خروج بريطانيا منه. والتقى ماكرون غداة انتخابه المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وبحثا في توثيق العلاقات بين الدولتين وتعزيز الاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية والأمنية لدول الاتحاد الأوروبي.

وأشار إيتان، الباحث في "مركز القدس للشؤون العامة والدولة"، وهو مركز دراسات إسرائيلي يميني، إلى أنه "يسيطر على الاتحاد الأوروبي موظفون في بروكسل وليس السياسيين" من الحكومات الأوروبية الأعضاء في الاتحاد. واعتبر أن "هذا الأمر يسبب فصلا بين جهاز الموظفين السقيم وبين أمنيات ورغبات الزعماء بإصلاحات واتخاذ قرارات شجاعة".

وأردف إيتان أن "هدف ماكرون هو تغيير هذا الوضع ومنح الزعماء صلاحيات أكثر من أجل اتخاذ قرارات جريئة وبلورة سياسة موحدة على ضوء تدهور الوضع الاقتصادي وتزايد المهاجرين والهجمات الإرهابية، وكذلك من أجل التوصل إلى تفاهمات حول خطوات مقبلة مقابل روسيا والصين والولايات المتحدة".

وبدا ماكرون، خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة، أنه عازم على تشديد الحرب على "الإرهاب الإسلامي"، وزيادة الموارد المخصصة لهذه الغاية. وكرئيس لكافة الأجهزة الأمنية والجيش في فرنسا، زار ماكرون القوات الفرنسية في مالي، التي يبلغ عددها قرابة أربعة آلاف جندي فرنسي، تم إرسالهم في حزيران العام 2013. وتتلقى هذه القوات مساعدات ودعما من قوات وأجهزة استخبارات ألمانية.

وبحسب إيتان، فإن "ماكرون يؤمن بأنه ينبغي اجتثاث الإرهاب من جذوره ومهاجمة قواعده ومن يوجهونه وعزله عن أي اتصال محتمل مع السكان المحليين. ومن أجل تطبيق هذا الأمر، قرر زيادة الموارد التكنولوجية والقوة البشرية والميزانيات للقوات المسلحة، وأقام وحدات مختارة ومتنقلة لتنفيذ مهمات خاصة".

فقد أوقعت الهجمات التي نُفذت في الأراضي الفرنسية حتى الآن 238 قتيلا ومئات الجرحى. كما أن الهجوم الأخير في مانشستر في بريطانيا عزز الحاجة لدى الأوروبيين إلى التعاون في المجالين الأمني والاستخباراتي مع بريطانيا أيضا.

ويسعى ماكرون إلى تشكيل "منظومة أمنية أوروبية" من أجل محاربة الإرهاب، إضافة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي مهمته الأساسية الحفاظ على أوروبا أمام "التهديد الروسي". ولفت إيتان إلى أن الناتو، الذي تشارك فيه دول من المعسكر السوفييتي السابق، ليس جاهزا بعد لخوض قتال في إطار حرب عصابات.

كذلك يسعى ماكرون إلى إنعاش الأجهزة الأمنية والجيش الفرنسي، بهدف مواصلة الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية والعراق، والتمكن من ملاحقة عناصر التنظيم الذين يحملون الجنسية الفرنسية أو البلجيكية وقد يعودون إلى موطنهم خصوصا أو إلى أوروبا عموما. والخبراء الأوروبيون مقتنعون بأنه حتى في حال هزم "داعش" والقضاء عليه، فإن الهجمات في الأراضي الأوروبية لن تتوقف، بل ربما تتصاعد. وهذا الأمر يستوجب تعاونا استخباريا.

وتوقع إيتان أن ماكرون سيواصل قيادة فرنسا في ظل حالة الطوارئ السارية فيها، من خلال سن قوانين أكثر صرامة ضد "التحريض" على العنف والتطرف المتزايد في السجون الفرنسية. وستتواصل مشاهد أفراد الشرطة والجيش الفرنسيين المسلحين الذين يتجولون في الشوارع والأماكن العامة.

مستقبل العلاقات الفرنسية - الأميركية

وفقا لقراءة إيتان، فإن فرنسا تابعت انتخابات الرئاسة الأميركية بقلق، وكانت تفضل فوز هيلاري كلينتون وليس دونالد ترامب. ووصف إيتان فوز ترامب بأنه جاء "كعاصفة رعدية في يوم صاف" على أوروبا، التي لم تكن قد صحت من صدمة قرار البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي. وساد فرنسا، وأوروبا عموما، تخوف كبير من تأثير فوز ترامب على الانتخابات الفرنسية، بأن تفوز لوبان. وينظر الأوروبيون إلى ترامب على أنه عديم الخبرة في السياسة عموما والسياسة الخارجية خصوصا.


يسود التخوف في أوروبا، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، من المواجهات المسلحة والثورات وانعدام الاستقرار وتغيرات متطرفة. ويرى إيتان أن فرنسا بطبيعتها هي دولة محافظة وتحتقر الشعبوية والديماغوغية والحركات الانفصالية والفوضوية. "والأوروبيون والفرنسيون خصوصا محبطون من انعدام تأثيرهم السياسي على حل نزاعات في العالم". إلى جانب ذلك توجد خلافات بين دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب مشاكل أخرى، بينها الوضع الاقتصادي المتردي ونسب بطالة مرتفعة وتراجع قوة العملة الأوروبية، اليورو. كذلك فإن أزمة الهجرة من دول الشرق الأوسط وأفريقيا تضع تحديا ليس سهلا أمام أوروبا، وبضمنها فرنسا.
وأشار إيتان إلى أن "الرئيس ماكرون مثل الرئيس ترامب جاء من الوسط التجاري والاقتصادي، وهما لا ينتميان إلى أي حزب أيديولوجي. وكلاهما سئما السياسة القديمة والمؤسسة السياسية المترهلة والمحافظة والأحزاب التقليدية. وماكرون مهني بتطوير العولمة في إطار الاتحاد الأوروبي والشبكات الاجتماعية. وماكرون وترامب يتطلعان إلى اقتصاد حر وديناميكي".

وأضاف أن "ماكرون يعي جيدا أنه في إطار الحرب على الإرهاب، فرنسا ليست قادرة على خوض هذه الحرب وحدها وأنها بحاجة إلى مساعدة كبيرة من جانب الولايات المتحدة. وقد قرر الجانبان أن يوثقا التعاون بينهما في كافة المجالات وخاصة في المجال الاستخباري".

وأشار إيتان إلى أن ماكرون وترامب متفقان على وجوب التوصل إلى حل سريع ووقف الحرب الأهلية الدائرة في سورية ومنع انهيار لبنان. وتابع أن "سياسة فرنسا تستند إلى منح مساعدات إنسانية للاجئين، والتوصل إلى حل دبلوماسي وإبعاد الأسد عن الحكم، وحرب بدون هوادة ضد إرهاب داعش". إلى جانب ذلك، تتطلع فرنسا، وذلك منذ اتفاقية سايكس – بيكو، إلى لعب دور مؤثر في مستقبل سورية، بينما تأثيرها في لبنان واضح.

وفيما يتعلق بالاتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران، فإن الموقف الفرنسي هو رفض إلغاء هذا الاتفاق، كما تطالب إسرائيل. كذلك ينظر ماكرون إلى إعادة انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني لولاية ثانية، أنه تعبير لانتصار المعتدلين في إيران. وتشير التقديرات إلى أن العلاقات التجارية بين الدولتين ستتواصل، رغم أن فرنسا لن تتردد في الانضمام إلى عقوبات دولية تفرض على إيران في حال خرق الاتفاق النووي.

ووفقا لإيتان، فقد تلاشى التخوف الفرنسي من أن يفضل ترامب التعاون المباشر مع روسيا على توثيق العلاقات بين الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية.

فرنسا والشرق الأوسط

اعتبر إيتان أن "فرنسا لن تغير مواقفها المعلنة تجاه الشرق الأوسط، وأنها ستستمر في التطلع إلى أن تكون شريكة في أية عملية سياسية، وخاصة حل القضية الفلسطينية. ورغم ذلك، فإنها تعي أنه من دون تدخل أميركي قوي لن يحل السلام في منطقتنا". ففي عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، كانت فرنسا نشطة جدا، وطرحت مبادرة سلام في مجلس الأمن الدولي، ورأت بامتناع الولايات المتحدة عن معارضة هذه المبادرة تشجيعا لها. كذلك طرحت فرنسا مبادرة لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، وعقدت مؤتمرا دوليا في باريس، في 15 كانون الثاني الماضي، لهذا الغرض. وكان الاعتقاد السائد في فرنسا في حينه أن كلينتون ستفوز بالرئاسة الأميركية وستواصل خط أوباما السياسي.

وبحسب إيتان، فإن "جولة الرئيس ترامب الأخيرة في منطقتنا أحبطت هذا التوجه ودفعت فرنسا إلى الزاوية. وزادت جولة الرئيس الأميركي الناجحة إلى السعودية وإسرائيل مخاوف فرنسا من استمرار البناء في المستوطنات وتخليد ’الاحتلال الإسرائيلي’ بعد خمسين عاما على حرب الأيام الستة. ويوجد قلق فرنسي من نقل السفارة الأميركية إلى القدس. ففرنسا تعارض توحيد المدينة وتؤيد تدويلها لأنه توجد لها عقارات وأماكن مقدسة وعلاقة قوية مع المدينة، كما أنها ملتزمة بالحفاظ على مكانة المسيحيين الكاثوليك. وهذه علاقة متواصلة منذ الفترة الصليبية. ويذكر أن بين أسباب اندلاع حرب القرم، في الأعوام 1853 – 1856، كانت الخلافات حول الأماكن المقدسة في القدس".

ورأى إيتان أن "سياسة ماكرون تجاه إسرائيل لم تُبلور نهائيا، لكن لا شك في أنه سيحاول الفصل بين العلاقات الثنائية والعلاقات المتعددة الأطراف". وعيّن ماكرون إدوارد فيليب، من الحزب اليميني الجمهوري رئيسا للحكومة، وجان إيف لودريان وزيرا للخارجية، بعد أن تولى وزارة الدفاع في السنوات الخمس الماضية.

وأشار إيتان إلى أن "لودريان يعتبر حازما في محاربة الإرهاب الإسلامي، لكنه يتطلع في المقابل إلى تعزيز العلاقات مع الدول العربية وخاصة دول شمال أفريقيا ودول الخليج. وليس مستبعدا أن يتفق ماكرون معه ومع مبلوري الدبلوماسية في وزارة الخارجية الفرنسية، وأن يبقى الخط مؤيدا للعرب والفلسطينيين بشكل بارز. وسيستمر ماكرون في دفع حل الدولتين للشعبين. لكنه تعهد بألا يملي أي خطوة ولن يعترف بالدولة الفلسطينية بصورة أحادية الجانب".

من الجهة الأخرى، توقع إيتان أن "يواصل ماكرون العلاقات الثنائية الحميمة والمفتوحة مع إسرائيل". وكان ماكرون قد زار إسرائيل كوزير مالية، في آب العام 2015. ووفقا لتصريحاته، فإن ماكرون سيتبع سياسة خارجية مشابهة لتلك التي اتبعها سلفه فرانسوا هولاند، وأنها "ستكون على ما يبدو دمجا للسياسة الاشتراكية – الديمقراطية التي اتبعها فرانسوا ميتران وفرانسوا هولاند. وستتأثر هذه السياسة بنتائج الانتخابات البرلمانية التي ستجري في 18 حزيران".

وتشير التقديرات في إسرائيل إلى أن ماكرون سيواصل معارضة فرنسا لنزع الشرعية عن إسرائيل ومقاطعتها. كذلك فإنه سيواصل التنسيق الاستخباري مع إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالحركات الجهادية وفي مقدمتها "داعش"، وذلك رغم تقارير ترددت مؤخرا حول محاولة الاستخبارات الإسرائيلية تجنيد جواسيس فرنسيين من دون علم أجهزة الاستخبارات الفرنسية.

كذلك يتوقع أن يشجع ماكرون توثيق العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية بين فرنسا وإسرائيل، والتركيز على تطوير العلوم والهايتك والتكنولوجيا الحديثة. ولفت إيتان إلى علاقة ماكرون مع عائلة روتشيلد، التي تسيطر على قسم من البنوك الفرنسية، وأن الخبير الاقتصادي الفرنسي – اليهودي جاك أتلي هو الذي أدخل ماكرون في حينه إلى بنك روتشيلد. وأتلي لا يزال اليوم أيضا مقربا جدا من ماكرون.

وخلص إيتان إلى أنه "لن يحدث تغير جوهري في السياسة الخارجية الفرنسية. ورغم ذلك، فإن سياسة ماكرون ستكون أكثر انتعاشا وديناميكية وطموحا. والهدف هو إعادة بريق باريس الثقافي والسياسي والاقتصادي".

المصطلحات المستخدمة:

باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات