المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لا يمكن الرهان على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي زار البلاد كعاصفة استمرت 30 ساعة، قادر على إحداث اختراق جدي في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ناهيك عن التوصل إلى حل دائم، خلال فترة ولايته، التي ليس مضمونا ان تكتمل وفق التقارير الأميركية. فالعنصر الأساس الذي يمنع الاختراق هو وحدة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في رفضه لقيام الدولة الفلسطينية. وعلى الرغم من هذا، فإن أمرا بارزا بتنا نلمسه، وهو أن حماسة اليمين الاستيطاني الإسرائيلي لدخول ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت تشهد برودا. وتصريحات قادة المستوطنين اليوم ليست كتلك التي سمعناها فور انتخاب ترامب، أو مع دخوله إلى البيت الأبيض.

 

ففور انتخاب دونالد ترامب المفاجئ لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، في مطلع تشرين الثاني العام الماضي، انفلت اليمين الأكثر تشددا في الحلبة الإسرائيلية في تصريحات، تقول إن المخلص قد جاء، وإن القضية الفلسطينية قد انتهت من ناحية الإدارة الأميركية، ولن يكون ذكر بعد للدولة الفلسطينية. وسارع العديد من أعضاء الكنيست إلى تقديم مشاريع قوانين تدعو إلى فرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على الضفة المحتلة، أو على مناطق فيها.

ووفق رصد القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، في مركز "مدار" للدراسات الإسرائيلية في رام الله، فإنه خلال العامين الأخيرين، أي منذ انتخابات الكنيست في ربيع العام 2015، تم ادراج 31 قانونا، تدعو إلى فرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على الضفة أو على المستوطنات، بهذا الشكل أو ذاك. إلا أن 14 قانونا من هذه القوانين تم ادراجها بعد أسبوعين من انتخاب ترامب وحتى منتصف شهر آذار الماضي. وهذا يعني أن وتيرة هذه القوانين تضاعفت بعد انتخاب ترامب.

كذلك، فإن الكنيست وبقرار من الحكومة كان قد أقر بالقراءة النهائية ما يسمى "قانون التسوية"، الذي يجيز سلب الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة في الضفة، التي استولت عليها عصابات المستوطنين، واقامت عليها بؤرا. ويذكر أن هذا القانون دخل في مسار تشريع سريع، في الأسابيع القليلة قبل بدء ولاية ترامب، وانتهت العملية، بعد أسبوعين من دخوله إلى البيت الأبيض، وقبل عقد اللقاء الرسمي الأول مع بنيامين نتنياهو. والآن بات واضحا أن اليمين الاستيطاني بزعامة نتنياهو أراد استغلال تلك الفترة الرمادية في عمل الإدارة الأميركية.

غير أن سقف توقعات قادة اليمين الاستيطاني من ترامب كان أعلى بكثير من "قانون التسوية"، فهم توقعوا خطابا أميركيا يُسقط قيام الدولة الفلسطينية، وحتى الآن هذا لم يتم. كذلك فإن الوعد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، هو أيضا ابتعد الآن عن جدول الأعمال على الأقل لستة اشهر اضافية، بعد التمديد الرئاسي الجديد لتأجيل تطبيق قانون الكونغرس هذا المقر منذ سنوات التسعين، ويتم تأجيله تباعا كل ستة اشهر.

وبعد انتخاب ترامب، طالب نواب اليمين الاستيطاني، من حزب "الليكود" وكتلة تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، بطرح قانون ضم مستوطنة "معاليه أدوميم" الجاثمة على أراضي شرقي مدينة القدس والعيزرية وتصل أطراف "نفوذها" لمشارف البحر الميت، على الهيئة العامة لغرض التصويت على القانون، بادعاء أن هذا قانون يحظى بشبه اجماع صهيوني. إلا أن هذا الطلب غاب عن جدول الأعمال، على الرغم من تقارير صحافية إسرائيلية تحدثت عن ممارسة ضغوط على نتنياهو للدفع قدما بهذا القانون.

المستشارون وترامب

من الواضح أن دونالد ترامب يتبنى مواقف يمينية صقرية، هي الأقرب لليمين الإسرائيلي الأكثر تشددا. وحسب التسميات الإسرائيلية، فإذا كان الرئيس جورج بوش الابن هو الأكثر إسرائيلية من بين الرؤساء، فإن ترامب هو الأكثر صهيونية من بين الرؤساء الأميركان. وأحد دوافع هذا التقدير، هو أن ترامب أحاط نفسه بمستشارين من التيار الصهيوني الأشد تطرفا بين الأميركان اليهود، وكلهم من خريجي معاهد التيار الديني الصهيوني، إن كان زوج ابنته جاريد كوشنير، أو مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، أو السفير الأميركي الجديد في تل أبيب، ديفيد فريدمان، وقد يكون هذا الأخير الأكثر تطرفا من بينهم. وليس هم فقط، بل إن هذا التيار نشر العديد من أتباعه في الوزارات الهامة، مثل الخارجية والعدل وغيرهما.

إلا أنه حتى الآن، فإن المستشار غرينبلات، على الأقل، ووفق تقارير إسرائيلية، يسعى للظهور بمواقف أكثر انضباطا من توجهاته السياسية المعروفة، في حين أن التوقعات منه كانت غير ذلك. وهذا الأمر انعكس في مقالات لكتّاب ومحللين إسرائيليين، من بينهم بن كسبيت، الذي كتب في صحيفة معاريف" يوم 26 أيار الجاري: "في الخلاصة، فإنه بكل ما يتعلق بخطابات وتصريحات ترامب في إسرائيل، كان متكاملا (من ناحية اليمين)، وحتى الوزير نفتالي بينيت ما كان سينجح في أن يكتب له خطابات افضل على طريقته. فهو لم يقل دولتين، ولم يتحدث عن البناء في المستوطنات. وشدد على العلاقة التاريخية لشعب إسرائيل بالقدس. وسافر إلى بيت لحم وقال لابو مازن، عنده في البيت، ان عليه التوقف عن تمويل الارهاب. وتحدث عن الشعب اليهودي وكأن هذه هي الهدية الالهية الاكبر والاهم للانسانية منذ الازل".

ويتابع بن كسبيت كاتبا "ولكن يمكن لنا أن نرى أيضا النصف الفارغ من الكأس: حقيقة أنه رفض بعناد كل مؤشر إلى السيادة الإسرائيلية على شرقي القدس، ذهب إلى حائط المبكى (البراق) وحده، وواصل مستشاروه التشوش والتعلثم في كل مرة سئلوا عن السيادة على حائط المبكى. والدليل على ذلك أن وزير خارجيته تيلرسون روى للصحافيين أن الرئيس مارس ضغطا على نتنياهو وأبو مازن. والدليل ان إسرائيل في حالة لجم للبناء في المستوطنات، بناء على طلبه. والدليل أن الأميركيين طلبوا من إسرائيل نقل مناطق من المنطقة (ج) إلى المنطقة (ب) في شمال السامرة، وهذا يعني نقل أراضٍ من مسؤولية إسرائيلية إلى مسؤولية بلدية فلسطينية".

ونقلت مراسلة صحيفة "يديعوت أحرونوت" في واشنطن، أورلي أزولاي، في مقال موسع لها، يوم 26 أيار الجاري، عن مقربين من الرئيس ترامب قولهم "إن مبادرة ترامب التي سيتم طرحها بعد تهيئة الاجواء هي أنه سيتم تحديد موعد للقاء ثلاثي وتبدأ العملية. الحل سيكون دولتين تعترفان ببعضهما البعض. وستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وسيتم الاعتراف بالقدس الغربية كعاصمة لإسرائيل، وشرقي القدس سيكون عاصمة لفلسطين وستكون هنا حرية وصول للاماكن المقدسة لجميع أبناء الديانات. ترامب لم يخترع الدولاب. فقد قدم كلينتون وبوش وأوباما صيغة مشابهة قبله. ولكن ترامب يراهن على قدرته غير العادية في ادارة المفاوضات وادراكه بأن إسرائيل والفلسطينيين لن يقولوا له لا. وهو يؤمن أن الخوف من غضبه سيردعهما، وهكذا يستطيع التقدم".

وتضيف أزولاي "قبل ذهاب ترامب إلى الشرق الأوسط بيوم شاركت في لقاء مع أحد المسؤولين في البيت الأبيض. وردا على سؤالي قال المسؤول إن ترامب لا يعتبر المستوطنات عقبة في طريق السلام، لكنه قلق من البناء خارج حدود المستوطنات القائمة. وفي زيارته يتوقع الحصول على اشارة من نتنياهو تفيد بأن إسرائيل أدركت قلقه. يمكن القول إنه لو لم يحصل ترامب على هذه الاشارة لما كان سيعبر عن التفاؤل حول امكانية انجاز الصفقة".

هذه التقارير، حتى وإن كانت لا توحي بشيء للجانب الفلسطيني، إلا أنها من ناحية اليمين الاستيطاني تعني أن الانفلات الذي كانوا يخططون له، لن يكون بالحجم الذي توقعوه، وفي خلفية هذا حسابات أميركية في الشرق الأوسط، استوعبها ترامب مع دخوله إلى البيت الأبيض، كغيره من الرؤساء، وخاصة سلفه باراك أوباما، الذي توقع أن يُحدث اختراقا كبيرا باتجاهات أخرى لتلك التي صرّح بها ترامب، وفي نهاية المطاف فإن كل الرؤساء يعملون وفق مصالح أميركية عليا، يدركونها أكثر مع بدء مزاولتهم منصبهم.

أداء اليمين في المرحلة المقبلة

على الرغم مما نلمسه من برود في حماسة اليمين الاستيطاني في ما يتعلق بتوقعاته الجديدة من إدارة ترامب، إلا أنه حقق شيئا في الأشهر الأخيرة، فقد أقدم على "قانون التسوية" وأقره نهائيا. وبالإمكان الاعتقاد بأنه في ظل إدارة أوباما السابقة، كانت حكومة نتنياهو قد تتأخر في اقراره. كذلك فقد صادقت الحكومة من حيث المبدأ على قانون ما يسمى "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"، بالصيغة التي واجهت تحفظات من إدارة أوباما، حينما ظهر القانون لأول مرة. أضف إلى هذا، أن رد الفعل الأميركي الرسمي على بعض المشاريع الاستيطانية كان رماديا جدا، مقارنة مع الخطاب الأميركي الذي سمعناه في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن ذلك الخطاب لم يردع ولم يصد.

في المرحلة المقبلة، من المفترض أن تكون أحزاب اليمين، وخاصة مركبات اليمين الاستيطاني، في حالة ترقب، لمعرفة توجهات الإدارة الأميركية برئاسة ترامب عن قرب والتأكد منها، ولذا فقد تتراجع عن الضغط الجدي على الائتلاف ليطرح مشاريع ضم، خاصة مشروع ضم مستوطنة "معاليه أدوميم" إلى القدس المحتلة، وبذلك سريان ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" عليها. وعلى الأغلب فإن رئيس الحكومة نتنياهو سيطلب من وزيرة العدل أييليت شكيد، من تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، ومن وزير السياحة ياريف ليفين، من حزب "الليكود"، تجميد مبادرتهما لسن قانون حكومي يجعل من كل قانون إسرائيلي أمرا عسكريا، يفرضه الحاكم العسكري على مستوطنات الضفة، لأن هذا سيكون بمثابة ضم فعلي للمستوطنات.

لكن في حال ظهرت قلاقل في الحكومة، توحي باحتمال تقديم موعد الانتخابات، فإن مشاريع قوانين الضم ستظهر من جديد على السطح، بمبادرة كتلة "البيت اليهودي" وزعيمها وزير التعليم نفتالي بينيت، الذي قال لإذاعة الجيش الإسرائيلي، بعد يوم من انتهاء زيارة ترامب، إن على إسرائيل أن تسارع في المشاريع الاستيطانية في كافة أنحاء الضفة، دون الحصول على إذن من أحد. وهذه صيغة مختلفة عما كان يصرّح به بينيت في الأشهر الأخيرة، مثل: الآن لدينا إدارة صديقة، ولن تعترض على البناء في المستوطنات، أو مثل مقولته إن دخول ترامب إلى البيت الأبيض يعني انتهاء حل الدولتين، وغيرها من التصريحات.

حتى الآن ليس واضحا أي تحرك فعلي ستبادر له الإدارة الأميركية، ولكن في المقابل يجب الانتباه إلى حقيقة أن الائتلاف الحاكم، بأغلبيته البرلمانية التي ترتكز على 66 نائبا، موحد في رفضه المبدئي لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قادرة على الحياة. وهذه الأغلبية قد يضاف لها 36 نائبا، هم نواب كتلتي "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" المعارضتين، ومعهم النائبة أورلي ليفي المستقلة، بمعنى 102 نائب من أصل 120 نائبا، في حال كانت الصيغة "أن الوقت ليس مناسبا لقيام دولة فلسطينية"!.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات