أكثر ما يبرزه ويؤكده قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأخير بشأن تعيين أيوب قرا وزيراً للاتصالات، أنه (نتنياهو) لا يبذل أي جهد، ولو في الحد الأدنى، لإخفاء وستر رغبته الهوسيّة المحمومة في مواصلة الإمساك بزمام الأمور في كل ما يتعلق بالسلطة الحكومية المباشرة وصلاحياتها الواسعة والمختلفة في مجال الاتصالات والإعلام في إسرائيل، وهو المعروف بهوسه الاستحواذيّ القديم في السيطرة على الإعلام ووسائله، بأقصى ما يتيحه له القانون، بل أكثر، حتى بات مجال الإعلام ووسائله ومؤسساته المختلفة يشكّل ـ في نظر معظم المراقبين والمحللين الإسرائيليين ـ "اللعبة المفضلة لدى نتنياهو"، مع التأكيد على أن لديه "برامج وخططاً كبيرة في هذا المجال"!

 

فمنذ اضطراره إلى التخلي عن حقيبة الاتصالات في حكومته الحالية، قبل ثلاثة أشهر، كان من الواضح تماما أن نتنياهو لا ينوي التنازل عن هذه الحقيبة الوزارية نهائيا ووضعها تحت تصرف شخص قد تكون لديه نزعة استقلالية تقوده إلى تنفيذ ما لا يريده نتنياهو ويرضاه في مجال الاتصالات والإعلام، من جهة، أو إلى عدم تنفيذ ما يطلبه (نتنياهو) ويسعى إليه في هذا المجال، كم جهة أخرى.

كان هذا واضحا، تماما، حين اضطر نتنياهو إلى إيداع حقيبة الاتصالات بين يدي الوزير الليكودي المقرب منه، تساحي هنغبي، في أعقاب موقف المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت، بأنه لن يكون في مقدوره الدفاع عنه في وجه الالتماسات التي قُدّمت إلى المحكمة العليا الإسرائيلية آنذاك بدعوى وجود نتنياهو كوزير للاتصالات في حالة من "تناقض المصالح" المحظورة قانونيا، بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطه برجل الأعمال أرنون ميلتشين، على خلفية التحقيقات الجنائية الجارية ضده في ما يسمى "ملف 1000" (هدايا ميلتشين لنتنياهو وزوجته) و"ملف 2000" (محادثاته مع صاحب وناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أرنون موزيس).

طوال الأسابيع التي انقضت منذ اضطرار نتنياهو إلى التخلي، المؤقت، عن حقيبة الاتصالات نشطت بورصة التكهنات حول هوية الشخص الذي سيوكل إليه نتنياهو هذه الحقيبة الوزارية التي يعتبرها البعض "الأهمّ، على الإطلاق، بالنسبة لنتنياهو". وبينما رجحت أوساط واسعة في "الليكود" وغيره أن يعود نتنياهو ويعيّن هنغبي وزيرا دائما للاتصالات فيكافِئه على ما أبداه من إخلاص وولاء كبيرين له، كان نتنياهو يحاول إقناع وزير ليكودي آخر، لا يقل ولاء وإخلاصاً لنتنياهو شخصيا، هو وزير السياحة الحالي، ياريف ليفين. لكن الأخير رفض تولي هذه الحقيبة.

أما الفرق بين هنغبي وليفين، وفق ما سرّبه المقرّبون، فهو أن نتنياهو يشترط توفر معيارين اثنين أساسيين في من يتولى هذه الحقيبة: الولاء (والإخلاص) والقدرة على التنفيذ. وبينما توفر شرط المعيار الأول، دون الثاني، في هنغبي (وهو ما تبين لنتنياهو بوضوح في مسألة "هيئة البث العام" الجديدة، التي انطلق بثها قبل أقل من أسبوعين)، رأى نتنياهو أن ليفين هو "أكثر ولاء وأكثر قدرة على التنفيذ"، حسب المقربين.

قرا "مُحَبَّب على قلب سارة ويائير نتنياهو"!

قالت الأنباء إنه في أعقاب رفض ليفين تسلم وزارة الاتصالات، رغم الضغوط الشديدة التي مارسها نتنياهو عليه، سرى الاعتقاد في أوساط المقربين من نتنياهو بأنه "لا بد من إبقاء الحقيبة الوزارية بين يدي هنغبي، ولو اضطرارا"! لكنّ نتنياهو نسف جميع التوقعات والتوصيات حين اتصل سكرتير الحكومة الإسرائيلية إلى الوزير بلا حقيبة أيوب قرا، في ساعة مبكرة من صباح يوم أمس الأول الأحد، وابلغه قرار نتنياهو تعيينه وزيراً للاتصالات!
ورجحت جهات مختلفة، صحافية وسياسية، أن يكون قرار تعيين قرا هذا قد اتخذ في "الجلسة العائلية" في منزل نتنياهو نهاية الأسبوع الأخير، خاصة وأن قرا "محبَّبٌ على قلب زوجة رئيس الحكومة، سارة نتنياهو، وابنهما البكر، يائير"!! وأضافت أن هذا المنصب الجديد لن يزيد قرا إلا إخلاصا وولاء لنتنياهو شخصيا، وهو المعروف بولائه وإخلاصه الكبيرين له، وهو ما عبّر عنه في أية فرصة سنحت له منذ تعيينه نائبا لوزير "تطوير النقب والجليل" في حكومة نتنياهو الحالية، ثم ترقيته وزيرا بلا حقيبة، حتى تعيينه الآن وزيرا للاتصالات. فقد قال قرا، في أكثر من مناسبة، إنه "مُعجب برئيس الحكومة ومؤيد له، حتى النهاية" ووصف نتنياهو بأنه "قائد من النوع الذي يظهر مرة واحدة كل جيل"!

ويمكن، بسهولة، ملاحظة الرأي السائد في إسرائيل، إعلاميا وسياسيا ـ حزبيا، كما نقلته صحيفة "معاريف" عن شخصيات قيادية في "الليكود" نفسه بالقول إن وظيفة قرا ستنحصر في "تنفيذ التعليمات والتوجيهات التي تصدر من مكتب نتنياهو" وأنه "لن يكون أكثر من دمية يحركها نتنياهو، مباشرة، من خلال مدير عام وزارة الاتصالات، شلومو فيلبر، الذي يعتبر من أكثر الموالين والمخلصين له".

صدمة وغضب في الليكود ونتنياهو يحاول التعويض

شكّل قرار التعيين المفاجئ لأيوب قرار في هذا المنصب الوزاري "صدمة" للغالبية الساحقة من وزراء الليكود ونوابه في الكنيست، إذ عبر كثيرون منهم عن "مفاجأتهم" و"صدمتهم" من هذا التعيين. وثارت موجة من الغضب والاستياء بين هؤلاء الوزراء والنواب، وخاصة بسبب ما وصفوه "إقصاء تساحي هنغبي" بعدما "دفع ثمنا غاليا بإظهاره ولاءً غير مسبوق لنتنياهو في ساعة حرجة"!

وحيال هذا الغضب والاستياء، حاول نتنياهو "تعويض" وزراء الليكود بما وُصف بأنه "جوائز ترضية" للبعض منهم، تمثلت في محاولته ضم الوزراء ميري ريغف (وزيرة الثقافة) ويوفال شتاينيتس (وزير "البنى التحتية القومية، الطاقة والمياه") وياريف ليفين (وزير السياحة) إلى المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية- الأمنية، غير أن محاولته تلك باءت بالفشل بسبب معارضة شركائه في الائتلاف الحكومي لهذه الخطوة. وهذا ما سيضطر نتنياهو إلى التفتيش عن بديل آخر لتعويض هؤلاء وإرضاء حزبه وما ظهر فيه من معارضة وانتقادات بسبب تعيينه قرا.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أقرّت تعيين أيوب قرا وزيرا للاتصالات، وذلك بالإجماع خلال جلستها الأسبوعية أمس الأول الأحد.