وقّعت كل من روسيا وإيران وتركيا، في الخامس من أيار الحالي، على اتفاق في أستانا، عاصمة كازاخستان، أطلق عليه اسم "مذكرة التفاهمات لمناطق وقف التصعيد في سورية". وجاء هذا الاتفاق، برعاية وضمان الدول الثلاث، في ظل اليأس والفشل في التوصل إلى وقف إطلاق نار في الحرب الأهلية في السورية الدائرة منذ أكثر من ست سنوات. وهذا الاتفاق هو المحاولة الرابعة لوقف إطلاق النار في سورية خلال أقل من سنة.

 

واعتبرت ورقة موقف صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أول من أمس الأحد، أن على إسرائيل التأثير على اتفاق كهذا، من خلال الإشارة إلى "المخاطر والفرص" الكامنة فيه.

وأشارت ورقة الموقف إلى أن الأمر الجديد في الاتفاق الأخير هو الحديث عن تهدئة ووقف التصعيد في أربع مناطق في أنحاء سورية. المنطقة الأولى والأكبر تشمل محافظة إدلب وأجزاء من المحافظات المجاورة لها في شمال سورية وبالقرب من الحدود مع تركيا، وتتركز فيها تنظيمات معارضة كثيرة ومليون مواطن تقريبا. والمنطقة الثانية عبارة عن جيب يقع بين مدينتي حماة وحمص، يسكنه نحو 200 ألف مواطن. والمنطقة الثالثة عبارة عن جيب يقع شرق العاصمة دمشق، ويسكنه قرابة 700 ألف مواطن. والمنطقة الرابعة تقع جنوب سورية، وتشمل أجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة، ويسكنها قرابة 800 ألف مواطن، وقريبة من الحدود مع الأردن وهضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل وتعتبر أن خط وقف إطلاق النار فيها من العام 1974 هو حدودها مع سورية. وفرضت إسرائيل قوانينها على الجولان، في العام 1981 واعتبرت أنها بذلك ضمته إلى سيادتها.

وأعلنت الدول الثلاث الراعية أن أهداف الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ غداة توقيعه، هي تخفيف قوة القتال وحجمه، وتخفيف الأزمة الإنسانية قدر الإمكان، والسماح ببدء عودة اللاجئين إلى سورية، بينما الهدف الأهم هو وضع أسس حل شامل للحرب والأزمة السورية، من خلال الحفاظ على سلامة أراضيها. وجرى تحديد مدى الاتفاق لعام ونصف العام، مع إمكانية تمديده، على أن يتوقف القتال بين قوات النظام والمعارضة المسلحة في مناطق منع التصعيد، بما في ذلك منع الغارات التي ينفذها سلاح الجو السوري. وفي المقابل، فإن الاتفاق نص على استمرار القتال في مناطق منع التصعيد الأربع، ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقا) وتنظيمات تنظيمات إسلامية جهادية أخرى.

ووفقا للاتفاق، فأنه سيتم إدخال مساعدات إنسانية إلى المناطق الأربع، واستئناف الخدمات التي يزودها النظام السوري، مثل تزويد الماء والكهرباء، وإنشاء ظروف تسمح بعودة اللاجئين والمهاجرين طوعا. وستنتشر قوات عسكرية من جيوش الدول الثلاث الراعية للاتفاق في نقاط عبور وتفتيش ومراقبة على طول حدود المناطق الأربع بهدف تطبيق الاتفاق ومراقبة تنفيذه.

وأشارت ورقة الموقف إلى أنه على الرغم من إعلام النظام السوري بأنه ملتزم بالاتفاق وسيعمل على تطبيق بنوده، "إلا أنه لا يوجد ضمان بأن يفي بتعهده"، إذ أن النظام ليس طرفا في الاتفاق. كما أن تنظيمات المعارضة ليست طرفا في الاتفاق، وعبرت عن معارضتها لسريان وقف إطلاق النار في أجزاء من سورية فقط ورفضت الاعتراف رسميا بدور إيران، حليفة النظام، ووصفتها بأنها "كالذئب الذي سيحرس الحملان". ودعت المعارضة إلى وجوب ضلوع الولايات المتحدة والدول العربية السنية، وفي مقدمتها السعودية، وهي دول برز غيابها عن محادثات أستانا. ورغم حضور مندوب أميركي في هذه المحادثات إلا أنه لم يشارك بشكل فعال فيها. ولم تستبعد ورقة الموقف أن يكون لقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في البيت الأبيض، في العاشر من أيار الحالي، مؤشرا على انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاق أستانا في وقت لاحق.

إسرائيل واتفاق أستانا
تدعي إسرائيل إنها اتخذت جانب الحياد في الحرب الأهلية السورية طوال السنوات الست الماضية، لكنها لا تنفي أنها شنت غارات عديدة استهدفت مستودعات وقوافل أسلحة في الأراضي السورية، ادعت أنها كانت على وشك نقلها إلى حزب الله في لبنان. وتصف إسرائيل هذه الأسلحة بأنها "كاسرة للتوازن"، وأنها تشمل صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ شاطئ – بحر مضادة للبوارج العسكرية.

واعتبرت ورقة الموقف الصادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" أن اتفاق أستانا يزيد من الحاجة إلى إعادة تقييم هذه السياسة الإسرائيلية، "لأن هذه الخطوة الأخيرة هي مرحلة أخرى في بلورة مستقبل سورية وتنطوي على تحديات ومخاطر بعدة مستويات بالنسبة لها".

وأضافت الورقة أنه "في مستوى الدول العظمى والإقليمي، غياب الولايات المتحدة من إطار الاتفاق يبقي قيادة بلورة مستقبل سورية بأيدي روسيا وإيران والمحور الراديكالي، وأيضا بأيدي تركيا، التي تتخذ مواقف إشكالية من إسرائيل، ولذلك فإن المصالح الأمنية الإسرائيلية بقيت من دون تمثيل لائق".

وتابعت الورقة أنه "في المستوى العسكري – الإستراتيجي، يوفر الاتفاق لإيران، طالما أن الأمور متعلقة بروسيا، مكانة رسمية ومعترف بها في سورية في المستقبل ويمنحها شرعية الاستقرار العسكري فيها. وذلك، في تناقض شديد لموقف المعارضة السورية وكذلك للخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة وإسرائيل بهذا الخصوص. ووفقا للاتفاق، فإنه يتوقع أن تشارك قوات إيرانية في مهمات مراقبة وتنفيذ الاتفاق، ومن خلال ذلك ستُمنح إيران إمكانية نشر قوات في الأراضي السورية واستخدام ’كافة الوسائل المطلوبة’ من أجل تنفيذ المهمة. والتفاصيل غير واضحة تماما، في هذه المرحلة، وهل ستشارك القوات الإيرانية في مراقبة تطبيق الاتفاق في المناطق المحاذية لحدود إسرائيل".

واعتبرت الورقة أنه "في المستوى المحلي، ثمة خطر آخر يكمن في الاتفاق وهو احتمال عودة قوات نظام الأسد تدريجيا إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرته اليوم، من خلال إعادة الخدمات الأساسية التي يزودها النظام لمناطق وقف التصعيد. ومن شأن حدوث تطور في هذا الاتجاه أن يزيد من تعلق المناطق المختلفة بالنظام، الأمر الذي سيعزز من تأثيره فيها وعليها. وفي الوقت الذي سيحظى فيه النظام بالراحة لمصلحة ترميم الجيش واستمداد القوة، وبغياب مساعدة خارجية لتعزيز القدرات الدفاعية الذاتية للقوى المحلية، إضافة إلى عدم تحسين قدرة الصمود الاقتصادي والاجتماعي للسكان، فإن مناطق وقف التصعيد قد تجد نفسها بسرعة في موقع متدن، ومعرضة لمحاولات عودة النظام، ومعه حلفاءه المعادين لإسرائيل".

كذلك اعتبرت الورقة أن عودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى المناطق الآمنة "هي قضية معقدة أخرى وتضع تحديا" أمام إسرائيل. وأردفت أنه "من دون رد ملائم، فإن عودة اللاجئين والمهجرين إلى مناطق الدمار، غير الجاهزة لاستيعابهم، يمكن أن تؤدي إلى تدهور الوضع إلى درجة أزمة إنسانية شديدة، ستعود وتنعكس بطرق مختلفة على الوضع الداخلي في سورية وأيضا على الدول المجاورة، وبينها إسرائيل والأردن".

وتابعت الورقة أنه "في المستوى التكتيكي، فإن الإعلان عن وقف القتال بين النظام والمتمردين (أي المعارضة السورية) وخلال ذلك استمرار القتال ضد التنظيمات الإرهابية، يتوقع أن يؤدي، مثلما حدث في اتفاقيات التهدئة السابقة، إلى استمرار مهاجمة المتمردين والسكان من جانب قوات نظام الأسد وروسيا، تحت غطاء الحرب على التنظيمات الإرهابية".

ورأت الورقة أنه "من أجل الامتناع عن تطورات سلبية وعن بلورة أحادية الجانب لسورية المستقبلية من قِبل المحور الروسي – الإيراني، سيكون من الصواب من جانب إسرائيل أن تعمل في مسارين موازيين: الأول، إظهار حزم مقابل روسيا ومواصلة إظهار القوة والقدرة على إلحاق الضرار من جانب إسرائيل بالجهود الروسية في المنطقة وذلك من أجل تحسين موقع المساومة؛ والثاني، هو تشجيع الولايات المتحدة والأردن والسعودية على التدخل بشكل أكبر في المحادثات الإستراتيجية المتعلقة بحل الأزمة في سورية، ودفع المبادئ التالية:

"ألا يتم التوصل إلى اتفاق من دون تدخل الولايات المتحدة ودول الخليج، وهو أمر مطلوب من أجل إحداث توازن في صورة المصالح في سورية".

"احترام ’الخطوط الحمراء’ الإسرائيلية، وفي أساسها منع استقرار قوات إيران وحزب الله في جنوب غرب سورية، وخاصة في هضبة الجولان (داخل الأراضي السورية)، وكذلك حظر استخدام الداخل السوري من أجل نقل أسلحة إلى أيدي حزب الله".

"بلورة اتفاقيات تتعلق بالمناطق المحاذية للحدود بالتنسيق مع الدول المجاورة. ومثلما تركيا هي طرف في الاتفاقيات المتعلقة بشمال سورية، فإن مصالح الأردن وإسرائيل يجب أن تحصل على رد في جنوب سورية".

"البحث في توسيع انتداب ’أندوف’ (قوات الأمم المتحدة في الجولان) كجهة مسؤولة عن مراقبة واستقرار منطقة هضبة الجولان السورية وأيضا لمساعدة السكان المدنيين".

"تنظيم قوات محلية براغماتية بدعم إقليمي ودولي في أطر عسكرية ناجعة، ويحظون بخطط تدريب وتسليح لأهداف دفاعية ولأهداف قتالية مشتركة ضد تنظيمات جهادية في مناطقهم".

"أن تعمل دول الغرب والمنظمات الدولية، بدعم الدول المجاورة لسورية وبينها إسرائيل، من أجل تعزيز العلاقات مع السكان المحليين في جنوب سورية، ونقل مساعدات إنسانية ودعم بواسطة إعمار وتطوير مناطق وقف التصعيد، بهدف منحها قدرا من الاستقلال في مجالات الطاقة والإسكان والغذاء والزراعة والتعليم والصحة".
"تحديد حصص وتدريجات لاستيعاب لاجئين ومهجرين بما يتلاءم مع وتيرة الإعمار، وإقامة أجهزة سيطرة ومراقبة".

"تشكيل جهاز تنسيق مشترك مؤلف من إسرائيل والأردن والولايات المتحدة، تتم في إطاره بلورة إستراتيجية مشتركة تجاه محادثات ترتيب الوضع السوري وكذلك من أجل إدارة الجهود العسكرية والمدنية في جنوب سورية" أي المنطقة المحاذية لإسرائيل.

وخلصت الورقة إلى أن "اتفاق مناطق وقف التصعيد يشكل محاولة من أجل بلورة واقع مستقبلي في سورية وبضمنها مناطق ذات اهتمام كبير لإسرائيل والأردن، ومن دون أخذهما بالحسبان في هذه المرحلة، ومن خلال احتمال نشوء تهديدات وواقع أمني جديد في جنوب سورية. وهذا مؤشر آخر لإسرائيل بأن تعيد دراسة سياسة عدم التدخل في الأزمة السورية وإبداء حزم في الدفاع عن مصالحها الحيوية".