المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لتحديد سياق وربما "إحداثيات" قصّة ملاحقة الرسام يائير غاربوز في خارطة السياسة الإسرائيلية السائدة اليوم، من المفيد النظر إلى التكريم الرفيع لواحد من كبار مهندسي مشاريع الاستيطان الاستراتيجية، والرؤى التوسعية عمومًا التي تسعى لدحر الفلسطيني وإبعاده عن أكثر ما يمكن من أرض.

دافيد بئيري، مستوطن قاد ما يسمى ترميم "مدينة داود" في حي سلوان الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة. الوزير بينيت الذي اغتال بهدوء منح "جائزة إسرائيل" لغاربوز، عبّر بكلمات شديدة الدفء عن سعادته بمنحها لهذا المستوطن من العيار الثقيل. وقال بينيت: "إن عام الذكرى الخمسين لتوحيد القدس هو فرصة رائعة لتكريم دافيد ’دافيداليه’ (وهذا إسم الدلع! - الكاتب) بئيري، أحد أعظم بناة القدس في العصر الحديث. منذ عدة سنوات، حاربنا، صلينا وحلمنا بالعودة إلى المدينة التي سكنها الملك داود، وبإعادة اعمارها. دافيد حوّل هذا الحلم إلى عمل".

وبئيري المختص في السيطرة على أرض الفلسطينيين، بشتى الوسائل الملتوية، وبتعصّب قومجي يلغي الفلسطيني كوجود وكمجموع، ومن تم تصويره عام 2010 وهو يدهس اطفالا فلسطينيين في سلوان بينما كان يتم رشق سيارته بالحجارة، لم يزرع السعادة في قلب المستوطنين في الأراضي المحتلة عام 1967 فقط. فقد انضمّ إلى طابور التبريكات زعيم "المعسكر الصهيوني" المعارض الذي يطرح نفسه بديلا: عضو الكنيست إسحاق هيرتسوغ. وهذا ما كتبه في تغريدة تهنئة عبر موقع "تويتر": بئيري هو "كاشف أسرار القدس".

لكن الكاتب غدعون ليفي كتب ردًا على تخصيص الجائزة للمذكور: "لأول مرة في تاريخ الدولة تقرر منح التقدير الأكبر والأسمى للاحتلال. لم يسبق للدولة أن فعلت ذلك، لا سيما بهذا الشكل الفظ، بدون أي خجل وتردد أو غموض. الجائزة ستمنح للمحتل ومتعاونيه".

وعن نشاط هذا المستوطن قال ليفي: "في دولة سليمة كان من المفروض أن يكون مكان دافيد بئيري في المحكمة. تاريخ الجمعية التي أقامها- "إلعاد"- مليء بالخداع الاستيطاني. تصادف فيه شركات وهمية ومتعاونين ووثائق مزورة وابتزازات تحت التهديد ورشوة وركضا وراء المال، اضافة إلى شركات الحراسة العنيفة والمليشيات التي تزرع الرعب والارهاب. هذا العفن يفوز الآن بالجائزة، وهدف بئيري غير الاخلاقي يبرر كل الوسائل. وتحت غطاء الآثار والحفاظ على جودة الطبيعة والسياحة، فان هدفه الشفاف والحقير هو التهويد. وبكلمات اخرى التطهير العرقي والترحيل في القدس. والجهاز القضائي صادق ودولة إسرائيل تعاونت، والآن هي تؤدي التحية. لمن تؤدي التحية، أيتها الدولة؟ لمن قام بطرد آلاف السكان من منازلهم ونغص حياتهم، لمن حول قرية فلسطينية إلى موقع سياحي يهودي؟". وبسخرية غاضبة ومرّة يختتم الكاتب: إن صانع الترانسفير هو "مكتشف أسرار القدس" وهيرتسوغ هو "مكتشف أسرار إسرائيل": كلها جمعية إلعاد.

برنامج تخويف شبه أوتوماتيكي

هناك شيء عفن، ليس في حكومة إسرائيل فقط، وإنما في مجتمعها أيضًا. هناك مجتمع مجرور من أنفه خلف سياسة تنهكه وتقتل أبناءه في ميادين "الأمن" (اللاأمن") المقدّس بوثنية مشتقة من عصور غابرة مضت. لم يعد الفلسطيني أو اليساري غير الصهيوني وحده من يحذّر من تنامي الفاشية الإسرائيلية الحديثة. بل بات بالإمكان قراءة تحذيرات مشابهة على صفحات الصحف العبرية المهيمنة، ونسمعها هنا وهناك ممن يعرّفون أنفسهم كصهاينة. هناك رابط متين بين اتساع الشرائح المؤيدة للسياسات العنيفة التي تنتهجها الحكومات ضد الفلسطينيين والعرب عمومًا، وبين الانحدار العنصري المتسارع بدرجات خطيرة. في الحالتين يوافق المجتمع الإسرائيلي على صياغة أفكاره بل ومشاعره وفقًا لبرنامج تخويف شبه أوتوماتيكي تشغّله المؤسسة الحاكمة متى شاءت، أيضًا، لخدمة مصالح الطبقة السياسية- الاقتصادية- الاعلامية المسيطرة. منسوب النقد والتفكير النقدي والمختلف في أحطّ درجاته. واتخاذ المواقف بناء على الغرائز الواطئة بدلا من إعمال العقل، بات سمة عامة وعلامة فارقة وماركة مسجلة لهذا المجتمع.

صورة قاتمة. المخرج كان ولا يزال يبدأ بفرض تسوية سياسية على هذه المؤسسة منفلتة السياسات والعنان. فالمعطيات المذكورة تشير إلى جهة الحاجة في العلاج بالصدمات. فلا يمكن التعويل على التعاطي بعقلانية مع غير العقلانيين المزكومين بالاستعلاء.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات