المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

رفع إخلاء بؤرة "عمونه" الاستيطانية وما تخلله من صدامات بين المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية، بل اعتداءات مختلفة نفذها المستوطنون ضد أفراد هذه القوات ـ رفع إلى السطح ما يدور تحته في إطار "صراع الأجيال" على قيادة المستوطنين في الضفة الغربية، والذي يتمثل عنوانه العلني في ما تصرّح به أوساط من بين المستوطنين بأنه "لا معنى ولا أهمية، بعد، لمجلس المستوطنات".

والمقصود هنا هو "مجلس المستوطنات اليهودية في يهودا، السامرة وقطاع غزة"، باسمه الرسمي الكامل، والذي شكل حتى الفترة الأخيرة القيادة المركزية الرسمية، الوحدوية الوحيدة، للمستوطنين والمستوطنات في المناطق الفلسطينية.

وهذا "المجلس" هو جمعية جماهيرية، لا يتمتع بمكانة قانونية، يضم في عضويته غالبية رؤساء "السلطات المحلية" في مستوطنات الضفة الغربية. ومن ضمن أهداف هذا "المجلس"، ورد على موقعه على الشبكة: "تعزيز وتوسيع مشروع الاستيطان في مختلف أنحاء يهودا والسامرة (الضفة الغربية) بوسائل سياسية، قضائية وإعلامية، من منطلق اعتباره جزءا مركزيا في تحقيق الصهيونية خلال الأجيال الأخيرة".

وقد عكست عملية إخلاء "عمونه" عمق الشرخ الحاصل بين "قيادة المستوطنين"، من المستوطنين الأوائل حتى الجيل الثاني، من جهة، وبين "الجيل الشاب" من جهة أخرى، حيث كان مئات الشبان قد "اعتصموا" في المباني الاستيطانية، ثم في الكنيس ورفضوا إخلاء المكان حتى تم إخلاؤهم "بالقوة".

لكن هذا الشرخ ـ الذي عالجته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في تقرير خاص ضمن ملحقها الأسبوعي (6/2/2017) ـ كان قد ظهر خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت عملية الإخلاء، أيضا، حينما خبا صوت "القيادة القديمة" كليا تقريبا.

وأعاد تقرير الصحيفة التذكير بـ"مظاهرة واحدة غابت عن الأنظار، لكنها روت قصة العلاقات المركّبة بين قيادة المستوطنين والمستوطنين أنفسهم". وهي مظاهرة نظمها مستوطنو "عمونه" في شهر كانون الأول الأخير قبالة مكاتب إدارة مستوطنة "عوفرا"، حيث كان يُعقد اجتماع ضم جميع قادة ومسؤولي "مجلس المستوطنات" الكبار للبحث في "إيجاد منطقة بديلة" لنقل المستوطنة (عمونه) إليها. وحين اقتحم المتظاهرون غرفة الاجتماع عنوة، تصدى لهم أحد قادة هذا المجلس فأنبهم وحذرهم من "اللعب بالنار"، بينما انهال المتظاهرون على المجتمعين بالصراخ والتوبيخ واتهموهم بـ"التواطؤ".

وفي أعقاب هذه الحادثة، نقلت بعض وسائل الإعلام عن أوساط بين المستوطنين قولها إن "مجلس المستوطنات فقد معناه وأهميته" وإنه "كان يشكل قيادة ذات مرة، لكنه لم يعد كذلك اليوم". وأكد هؤلاء، كما ذكّرت "معاريف"، أن "أعضاء مجلس المستوطنات وقادته فقدوا مكانتهم القيادية ولم يعد لهم أي تأثير على الجيل الشاب (من المستوطنين)، كما فقدوا تأثيرهم على الصعيدين السياسي ـ الحزبي أيضا". وأضافوا، أيضا: "لقد أصبح هؤلاء مجرد جسم قديم لا قيمة له... جميعهم أشخاص رسميون جدا ولا يستطيعون كسر قواعد اللعبة مقابل الدولة... كانت طريقتهم، منذ الأزل، "دونم آخر وعنزة أخرى" (وهو شعار دافيد بن غوريون، مؤسس دولة إسرائيل)... إنهم يدّعون بأن علينا أن نأخذ المتاح، المتوفر، لكنهم قادوا إلى ما لا يؤتي النتائج المرجوة... فما حاجتنا إليهم، إذن؟"!

"الجيل الشاب يعرّض المشروع الاستيطاني برمّته للخطر"

في المقابل، حذر بنحاس فالرشطاين، أحد مؤسسي الاستيطان في الضفة الغربية، من أن "الجيل الشاب بين المستوطنين يخاطر بالمشروع الاستيطاني برمّته ويعرّضه لخطر جسيم"، وذلك في سياق مقابلة صحافية معه نُشرت في شهر تشرين الأول الأخير، بينما ترى دانيئيلا فايس، إحدى الشخصيات القيادية الأولى بين المستوطنين ومن رؤساء حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية سابقا والتي انضمت إلى "الجيل الشاب" في "معركة عمونه"، أن "التحدي الأكبر أمامنا هو إعداد جيل آخر من القيادة"!

وردا على سؤال عن حقيقة ما يحدث الآن بين "القيادة القديمة" وبين المستوطنين، قالت فايس: "ليس هنالك شرخ أو قطيعة، وإنما مواجهة حادة بين التوجه البراغماتي، الذي يقوده رؤساء المستوطنات وقادة مجلس المستوطنات، وبين التوجه الأيديولوجي".

وفي محاولتها تفسير موقف "القيادة القديمة" وتوجهاتها البراغماتية، تقول فايس: "أشغلت مناصب رسمية طيلة 15 عاما وأعرف، تماما، معنى أن تكون معتمدا على الميزانيات الحكومية وعلى ما يمكن للحكومة أن تعطيه... ثمة بين رؤساء المستوطنات من اختار المسار البراغماتي بصورة واضحة، بمعنى الاهتمام بالحصول على بضع وحدات سكنية جديدة كل مرة... كان هذا وضعا ممتازا بالنسبة لهم".

أما الشرخ الذي ظهر في "عمونه" الآن، فتفسّره فايس بأنه نتج عن "تعهدهم (القيادة القديمة) بتقديم عمونه للحكومة على طبق من فضة، بهيئة الإخلاء الاختياري الطوعي، لكنهم فشلوا في ذلك، لأن الشباب الذين تبنوا التوجه المثالي، الخالص والطاهر، كانوا هناك وحاربوا بشراسة". وتؤكد فايس أن "مجلس المستوطنات" يدرك حقيقة ولادة جيل جديد من المستوطنين، ولهذا "فهو لا يستطيع السماح لنفسه بأن يقول تجاه الخارج: "نحن نعمل بصورة براغماتية"، وهذا ما يجعله غير ذي أهمية".

فوز اليمين لم يحسّن صورة المستوطنين

ويقول الجنرال (احتياط) شلومو بروم، الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي"، إن "الادعاء بأنهم (القيادة القديمة) قد فقدوا تأثيرهم هو ادعاء صحيح، كما يبدو". لكنه يضيف: "من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح، يجدر التذكير بأن وجود فئات متطرفة بين المستوطنين ليس أمرا جديدا، بل كانت هنالك كل الوقت، بدءا من المجموعات السرية المختلفة التي استخدمت العنف، مرورا بشبان التلال".

ويرى بروم أن "قيادة المستوطنين تعتمد الازدواجية المنافقة. فهي تصدر من حين لآخر بيانات تعارض ظاهرة "تدفيع (جباية) الثمن"، لكي تبدو بصورة إيجابية جيدة في نظر الرأي العام الشعبي، بينما لم تقم بأية خطوة عملية بغية إخراج هذه المجموعات من بين صفوفها ونبذها إلى الخارج، أو العمل على تسليم نشطاء "تدفيع الثمن" إلى الشرطة، على الأقل". ويؤكد بروم إن قيادة المستوطنين تريد أن تحظى بإعجاب جمهورها، جمهور المستوطنين، من جهة، فيما تحارب في الوقت نفسه ومن جهة أخرى على الرأي العام في إسرائيل عامة، وذلك لأنه "رغم فوز اليمين الواضح في الانتخابات البرلمانية العامة في إسرائيل، إلا أن المستوطنين لا يتمتعون بصورة إيجابية في نظر الجمهور الإسرائيلي ولا يحظون بتأييد شامل".

وشكلت "خطة الانفصال" عن قطاع غزة، التي نفذها أريئيل شارون في العام 2005، نقطة الانكسار الأولى بين القيادة والمستوطنين، حسبما يعتقد البروفسور أودي ليفل، الخبير في علم الاجتماع السياسي، الأستاذ في "جامعة أريئيل" (في مستوطنة أريئيل) والباحث في "مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية". فمثلما يحدث اليوم، كذلك كان "الجيل الشاب" من المستوطنين يسعى آنذاك إلى "تحقيق حلم أرض إسرائيل الكاملة"، ولو حتى بثمن المواجهة العنيفة والمباشرة مع الدولة ومؤسساتها، بينما كانت القيادة تؤمن بقدرتها على التوصل إلى تفاهمات مع المؤسسة تضمن بقاء المستوطنات هناك (في قطاع غزة) وازدهارها. لكن القيادة منيت بفشل ذريع في معركتها تلك، "حتى الشعار الذي رفعته وروجته آنذاك عن "الاستيطان في القلوب" (بمعنى، جعل المستوطنين يستوطنون في قلوب الإسرائيليين) مني بالفشل، إذ لم يدفع الإسرائيليين إلى احتضان المستوطنات والمستوطنين بالطريقة والدرجة اللتين كانتا متوقعتين، ولم يجعل الإسرائيليين يعتبرون المستوطنات والمستوطنين جزءا من الوجدان الصهيوني، فلم نر خروجا جماهيريا مكثفا من الإسرائيليين، ولا حتى من المتدينين في وسط البلاد، للتعبير عن معارضة الانفصال والمطالبة بعدم تنفيذه"، كما يؤكد ليفل ويضيف: "العكس هو الصحيح، فقد فرضت القيادة على الجيل الشاب التعامل معها بصورة متناقضة وبقطيعة واضحة... كانت تلك خيبة أمل كبيرة قادت إلى ابتعاد المستوطنين عن القيادات التقليدية".

القيادات المحلية محلّ القيادة الجماعية

ويتفق شمعون ريكلين، الصحافي في القناة التلفزيونية 20 (وهي قناة يمينية يسيطر عليها اليمين المتدين)، مع القول بأن "الانفصال (عن قطاع غزة) شكل نقطة الانكسار، إذ ظهرت أزمة القيادة وعجزها عن منع إخلاء المستوطنين، رغم أن الناس (يقصد المستوطنين) كانوا يؤمنون بها ويثقون بقدرتها على ذلك". ومنذ ذلك الوقت ـ يقول ريكلين ـ ثمة بين المستوطنين من يقول "ما حك جلدك مثل ظفرك"، وهي فئات تتسع وتزداد يوما بعد يوم.

ويرى ريكلين سبباً إضافيا آخر لهذا الصراع يعود إلى حقيقة أن الاستيطان في الضفة الغربية "اتسع وتكثف بصورة كبيرة جدا" وأن "هذا الازدياد يخلق، بصورة طبيعية، تقسيمات فئوية مختلفة. فحين كان الاستيطان في بداياته ومحدودا، عدديا وجغرافيا، كان مجلس المستوطنات يقرر في كل شيء، في كل كبيرة وصغيرة. أما اليوم، ففي كل مستوطنة قيادة محلية هي صاحبة القرار، من خلال محاولة التعاون والتنسيق مع المجلس أحيانا... وهي محاولات غالبا ما تبوء بالفشل".

ويقول البروفسور ليفل إن استطلاعات الرأي التي يجريها "تُظهر توجها مثيرا"، إذ يعتبر المستوطنون أن "الجهة التي تمثلهم أفضل تمثيل" هي "الطواقي المنسوجة (اليمين المتدين ـ حزب "البيت اليهودي") والجيش، وليس رؤساء المستوطنات أو الحاخامين". ويوضح ليفل قائلا: "يبدو واضحا أنهم قد أدركوا، بالتجربة، أن أوضاعهم ومكانتهم الجماهيرية تكون أفضل بكثير حين يمثلهم هؤلاء، وليس القيادات القديمة".

ويقول ليقل إن الغالبية من بين الجيل الشاب في مستوطنات الضفة الغربية "سئمت حالة القطيعة وتأطيرها ضمن شبان التلال، بل ترغب في أن تشعر بأنها جزء من المجتمع الإسرائيلي... لأن القيادة القديمة قد وجّهتهم إلى المحاربة على أرض إسرائيل الكاملة، لكن هذا الهدف قد انهار وتحطم مع تنفيذ خطة الانفصال". وينقل ليفل عن "أوساط في الجيل الشاب بين المستوطنين" قولها إن "أرض إسرائيل هي جزء من هويتنا، لكن علينا أن نحارب أولاً كي نكون جزءا من المجتمع الإسرائيلي".

وتتفق دانيئلا فايس مع هذا العرض وإن "بصورة جزئية فقط"، لأن "الشباب في عوفرا قد يقولون هذا، لكن الشباب الذي يصارع في عمونه لا يمكن أن يقول هذه الجملة"! ويؤكد الجنرال (احتياط) بروم على رأي فايس هذا فيقول إن "عوفرا تتكون من أشخاص يحملون آراء ومواقف مستقرة ويتميزون بكونهم مؤسساتيين ورسميين".

وفي المقابل، يرفض نائب مدير عام "مجلس المستوطنات"، يغئال ديلموني، أي حديث عن قطيعة بين القيادة وبين المستوطنين و"مَن يقول مثل هذا الكلام، فهو لا يفهم ما يقول". ويوضح ديلموني أن "ما يحدث على أرض الواقع لا يدل على وجود قطيعة، وإنما على وجود قطاع قد نضج ووصل مرحلة البلوغ، فاستطاع التغلب على العديد من التحديات وتجاوزها".

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات