رأت أوساط سياسية ـ حزبية مختلفة في إسرائيل، أمس الإثنين، أن إعلان رئيس حزب "يوجد مستقبل" (يش عتيد)، يائير لبيد، أمس الأول الأحد، تأييده لمبادرة "تقييد التشريعات الفردية"، يشكل "مفاجأة" قد تشي بما يجريه لبيد من حسابات سياسية ـ انتخابية تجرّه نحو اليمين أكثر فأكثر، وخاصة على خلفية استطلاعات الرأي الأخيرة التي تكهنت بتحقيقه تقدماً لافتا في الانتخابات البرلمانية القادمة.

وكان لبيد قد كتب على حسابه الخاص على موقع "تويتر"، مساء أمس الأول، أن "المبادرة لتقييد التشريعات الفردية هي بداية مسار ممتاز يرمي إلى تقوية الكنيست وتعزيز مكانته وهيبته"! مضيفاً أنه "حان الوقت لأن يتصرف أعضاء الكنيست كمبعوثي جمهور، بدلا من التلهي الدائم بتقديم مشاريع قوانين لا حاجة لها ولا جدوى منها"!

واعتبرت هذه الأوساط موقف لبيد هذا "مفاجأة"، بشكل خاص، على ضوء الموقف الذي عبر عنه رئيس الائتلاف البرلماني، عضو الكنيست دافيد بيتان، إذ رفض هذه المبادرة نظراً لخلوها من "أية كوابح أو عوامل موازِنة" ولأن "أعضاء الكنيست ليسوا في حاجة إلى الحكومة لممارسة حقهم القانوني والجماهيري في التشريع"!

وفي تعقيبه على ذريعة "كثرة اقتراحات القوانين الفردية"، قال بيتان: "صحيح أن اقتراحات قوانين فردية كثيرة تُقدّم إلى إدارة الكنيست، لكن جزءا قليلا فقط منها، نسبيا، يصل إلى اللجنة الوزارية لشؤون التشريع".

وهذه المبادرة الرامية إلى "تقييد التشريعات الفردية" هي مبادرة مشتركة طرحتها وزيرة العدل الإسرائيلية، أييلت شاكيد (البيت اليهودي) سوية مع وزير السياحة ياريف ليفين (الليكود)، بدعم مباشر من رئيس الكنيست، يولي إدلشتاين (الليكود). وهي ترمي إلى إجراء تقليص حاد في عدد اقتراحات القوانين الفردية التي يستطيع أعضاء الكنيست طرحها بصورة شخصية فردية، وذلك من خلال فرض قيود مختلفة.

وتقضي هذه المبادرة، التي كشف النقاب عنها موقع "واي نت" الإسرائيلي أمس الأول الأحد، بتمكين كل عضو كنيست من تقديم 4 – 5 اقتراحات قوانين فردية فقط في السنة الواحدة، وهو ما يمثل تغييرا جذريا وجوهريا للوضع القانوني القائم اليوم، حيث لا تقييد ولا تحديد على عدد اقتراحات القوانين الفردية التي يستطيع أي عضو كنيست تقديمها. وتقضي، أيضا، بتقليص عدد اقتراحات القوانين التي يتم التصويت عليها في الكنيست بالقراءة التمهيدية إلى 250 اقتراح قانون فقط في السنة الواحدة، بدلا من 750 اقتراح قانون يتم طرحها اليوم للتصويت بالقراءة التمهيدية في السنة الواحدة، يتم رفض غالبيتها الساحقة عادة.

كما تقضي المبادرة، أيضا، بتحديد عدد اقتراحات القوانين التي تُطرح للمناقشة في جلسات "اللجنة الوزارية لشؤون التشريع" وتقليصها إلى 15 فقط في كل جلسة (أسبوعية)، مقابل نحو 40 اقتراح قانون أسبوعيا كما هو اليوم.

وفي مقابل ذلك، تقضي المبادرة بتخويل الكنيست صلاحية مراقبة ميزانيات الوزراء وإلزام المرشحين لأشغال وظائف رفيعة في القطاع الحكومي بالمثول إلى "جلسات استماع" في لجان خاصة في الكنيست.

ويطرح صاحبا المبادرة مبادرتهم التشريعية هذه بوصفها "برنامجا إصلاحيا سيُحدث ثورة في عمل الكنيست وفي الرقابة التي يمارسها الكنيست على الحكومة وعملها"! وتأتي "لمعالجة هذه الحالة من التضخم التشريعيّ"، كما وصفته الوزيرة شاكيد، التي أضافت: "إن جنون التشريع القائم اليوم لا يخدم القيم الديمقراطية، بل العكس تماما هو الصحيح: إنه يخونها"! بينما قال الوزير ليفين: "إننا نطلق اليوم إجراء ضروريا وحيويا لتعزيز الديمقراطية الإسرائيلية، في مركزه تعزيز قوة ومكانة الكنيست بكونه الذراع الذي يتولى مهمة إجراء الرقابة المتواصلة على الحكومة عملها"!

وكما كان متوقعاً، أثارت مبادرة شاكيد ـ ليفين هذه رفضا واستياء عارمين في صفوف الكتل والأحزاب البرلمانية المعارضة، التي اعتبرتها محاولة لإخراس أعضاء الكنيست والحد من قدرتهم على ممارسة أحد أهم أدوارهم، بل واجباتهم، البرلمانية الأساسية من خلال تقليص قدرتهم التشريعية الفردية، بما يخدم جمهور منتخِبيهم وقطاعات واسعة من الجمهور لا تجد في التشريعات الحكومية ما يسعفها أو يخدم مصالحها. واعتبرت أحزاب المعارضة وكتلها البرلمانية أن هذه المبادرة "تنطوي على خطر جسيم على الديمقراطية الإسرائيلية".

وقالت عضو الكنيست ميراف ميخائيلي (رئيسة كتلة "المعسكر الصهيوني" البرلمانية) إن هذه المبادرة هي بمثابة "كم أفواه حقيقي للكنيست بشكل عام، وللمعارضة بشكل خاص". وأسفت ميخائيلي على التأييد الذي أبداه رئيس الكنيست لهذه المبادرة "من دون التشاور مع أحزاب وكتل المعارضة"، مشيرة إلى أن "الديمقراطية التي يتغنى بها أصحاب المبادرة هي طريقة لا يفضلها رئيس الحكومة الحالي ويبدو أن مبادرتهم هذه هي خطوة أخرى في مسعاه لتقليص الديمقراطية وتقييدها".

وذكّرت ميخائيلي بأن "التشريعات الفردية الخاصة تأتي باقتراحات قوانين هامة جدا تخدم مصالح قطاعات واسعة من المواطنين، وهي مصالح تتجاهلها الحكومة وتخونها. ولم تعد الحكومة تكتفي بأنها تجند ائتلافها لإسقاط اقتراحات القوانين الفردية هذه بصورة أسبوعية، بل تريد الآن منع مجرد طرحها على طاولة الكنيست".

ورأت عضو الكنيست المحامية رفيطال سويد ("المعسكر الصهيوني") أنه "بعد تنظيف هذه المبادرة من جميع عناصر الزينة المكدسة عليها، تبقى النية الحقيقة عارية تماما وهي إضعاف الكنيست وإدخال الحزبية الفظّة على دستوره وأنظمة عمله، من خلال فرض قيود شديدة وقاسية جدا على التشريعات الفردية التي تمثل قلب عمل الكنيست وجوهره".

واعتبر عضو الكنيس دوف حنين (القائمة المشتركة) مبادرة شاكيد – ليفين هذه "مبادرة خطيرة جدا تطلقها حكومة تنقض بالهجوم على كل ما يدور حولها"! وقال حنين، في مقال خاص كتبه في صحيفة "معاريف"، إن المبادرة الجديدة "تضع الكنيست هدفاً واضحا، في مسعى للمس بكل ما من شأنه أن يشكل تحديا للحكومة الحالية، سياساتها وممارساتها".

وكان "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" لفت إلى أن المعطيات التي جمعها في هذا الصدد تشير إلى أن "إسرائيل تضرب رقما قياسيا دوليا في مجال التشريعات الفردية"، بواقع نحو 22 ألف اقتراح قانون خاص تم تقديمها خلال السنوات الـ 15 الأخيرة.

ومع إقرار "المعهد"، في "ورقة موقف" خاصة كان أصدرها حول الموضوع في الماضي، بأن هذا الوضع "يمسّ بمهمة الكنيست وأدائه في مجال مراقبة السلطة التنفيذية وبمدى ثقة الجمهور بالكنيست وأعضائه"، إلا أنه أكد ـ في المقابل ـ أن "التشريعات الفردية تشكل حجر أساس في عمل البرلمان وهي أحد المركّبات الجوهرية الأساسية في عمل المشرّعين الذين ينتخبهم الجمهور".