المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وقعت إسرائيل والولايات المتحدة، في واشنطن يوم الأربعاء الماضي (14 أيلول)، على الاتفاقية الجديدة بشأن المساعدات العسكرية ـ الأمنية الأميركية لإسرائيل، وذلك بعد أشهر طويلة من المفاوضات الشاقة التي شهدت حالات كثيرة من الصعود والهبوط، برسم العلاقات المتوترة بين رئاسة الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، رغم أن المصالح الاستراتيجية الكبرى المشتركة لكلا الدولتين هي التي تحسم وحسمت الأمور في نهاية المطاف.

وتنص الاتفاقية الجديدة، التي يسري مفعولها لعشر سنوات ابتداء من العام 2018 (بعد انتهاء مفعول الاتفاقية الحالية، التي تسري حتى نهاية العام 2017) على أن تقدم الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل مساعدات أمنية ـ عسكرية بقيمة 38 مليار دولار خلال السنوات العشر المذكورة (2018 ـ 2027)، بمعدل 8ر3 مليار شيكل في السنة الواحدة.

كما تنص ـ في رسالة تعهد مرفقة، أُلزِم نتنياهو بالتوقيع عليها ـ بأن لا تتقدم إسرائيل خلال السنوات العشر المذكورة بأي طلب جديد إلى الكونغرس للحصول على مساعدات إضافية، كما كان يحصل في السابق تكرارا، وعلى أنه إذا ما حصل هذا وأقر الكونغرس تحويل أية مبالغ مساعدات إضافية إلى إسرائيل (تحت ضغط مجموعات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة)، فعندئذ تقوم إسرائيل ـ وفق رسالة التعهد التي أُلزِم نتنياهو بالتوقيع عليها ـ بإعادة جميع هذه المبالغ إلى وزارة الخارجية الأميركية.

يشار هنا إلى ما ذكره إيهود باراك (رئيس الحكومة ووزير الدفاع الأسبق) في مقالته المذكورة أعلاه في "واشطن بوست" عن أن الكونغرس الأميركي كان قد صادق في السابق على مساعدات عسكرية إضافية لإسرائيل، منها مثلا زيادة بمبلغ 700 مليون دولار في كل سنة لتمويل مشروع "القبة الحديدية" ومنظومات دفاعية أخرى. لكن، وفق الاتفاقية الجديدة سيتم تقليص أكثر من 750 ميلون دولار في السنة من تمويل مشاريع جديدة في الصناعات العسكرية الأميركية.

وتنص الاتفاقية الجديدة أيضا على ما اشترطه البيت الأبيض: خلال ست سنوات (منذ بدء سريان مفعول الاتفاقية الجديدة، في 2018) ينتهي مفعول التسوية الخاصة التي أتاحت لإسرائيل تحويل جزء من أموال المساعدات الأميركية (النقدية)، بنسبة 3ر26%، إلى شواكل لكي تستطيع أن تشتري بها بضائع ومعدات من الصناعات الأمنية الإسرائيلية، إلى جانب استخدام جزء آخر، بنسبة 13%، لشراء وقود للطائرات. هذه التسوية سينتهي مفعولها وسيتم إلغاؤها، تدريجيا، بحيث يتم استخدام جميع أموال المساعدات الأميركية (النقدية) لشراء معدات وتجهيزات أميركية، من الولايات المتحدة، دون القدرة على تحويل أي مبلغ منها إلى شواكل.

ودحض المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر (الأحد، 18/9) ما تباهى به ديوان نتنياهو والمقربون منه بأن اتفاقية المساعدات الجديدة "ستمنح إسرائيل مبلغ 8ر3 مليار دولار في السنة، مقابل 1ر3 مليار في الاتفاقية السابقة"، مؤكدا أن "الحقيقة هي أن الاتفاقية الجديدة تعكس انخفاضا في المساعدات، وليس ازديادا" وموضحاً أن هذا ما يثبته "ارتفاع جدول الغلاء في الولايات المتحدة، إلغاء الزيادات الخاصة وتقليص المساعدات النقدية".

وفي دحض ادعاء نتنياهو والمقربين منه بأن اتفاقية المساعدات الجديدة "هي الأكبر من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة"، أكد بلوتسكر أنه "ادعاء غبي تماما" لأن الولايات المتحدة تقدم مساعدات عسكرية للدول الأوروبية الأعضاء في حلف "الناتو" بقيمة سنوية تزيد عن 100 مليار دولار! وأضاف أن "شهراً واحدا من القتال في الكويت بين 1990 و 1991 كلف دافع الضرائب الأميركي، بالقيمة الحقيقية، أكثر من تكلفة عقد كامل من المساعدات العسكرية لإسرائيل"! وقال: يمكن الادعاء هنا، في الرد على مثل هذه الحالات، أن الحديث لا يجري عن مساعدات أمنية لغرباء، وإنما عن مصروفات للدفاع عن الولايات نفسها وحماية مصالحها. وإلا، لما كان الكونغرس، بصفته المعبر عن إرادة الشعب الأميركي، قد صادق عليها. ولكن هذا الادعاء نفسه، يمكن استخدامه هنا أيضا، في ما يتعلق بإسرائيل: "الولايات المتحد تجني من مساعداتها الأمنية لإسرائيل فوائد ذاتية كبيرة تعادل، في التعريف، حجم المساعدات كلها. وكما هو متبع في العلاقات بين الدول، فهي مجرد صفقة تبادلية وليست عمل خير وإحسان"!


وفي معرض تبيانه ما سجله عن "انخفاض قيمة الدعم، وليس ازدياده، من خلال المقارنة بين اتفاقية المعونات من العام 2007 (وهي الاتفاقية المتعددة السنوات الأولى التي تم التوقيع عليها بين البلدين) وشملت مساعدات أمنية أميركية لإسرائيل بمبلغ 1ر3 مليار دولار للسنة الواحدة حتى العام 2017، وبين الاتفاقية الجديدة (الحالية) التي تشمل مساعدات كهذه بمبلغ 8ر3 مليار دولا للسنة خلال السنوات العشر القادمة (ابتداء من 2018)، أوضح بلوتسكر: منذ 2007 وحتى الآن، ارتفع جدول غلاء التجهيزات العسكرية الأميركية بنسبة 18%. ومن هنا، فمن أجل المحافظة على القيمة الحقيقية للمساعدات، كان ينبغي للاتفاقية الجديدة أن تقوم على أساس مبلغ 65ر3 مليار دولار في السنة. لكن الاتفاقية تقوم، فعليا، على أساس مبلغ 8ر3 مليارات دولار في السنة، ما يعني أن هنالك زيادة حقيقية بنسبة 4%. "في الظاهر، يبدو الأمر إنجازا. لكن، في الظاهر فقط"، يقول بلوتسكر، "لأن الواقع أن إسرائيل حصلت وستحصل، حتى نهاية فترة الاتفاقية القائمة (في 2017) على 5ر4 مليار دولار إضافية "كمساعدات متراكمة لتمويل احتياجات أمنية دفاعية خاصة". غير أن هذه المساعدات الإضافية "اختفت" من الاتفاقية الجديدة، التي نصت صراحة (من خلال رسالة التعهد التي وقع عليها نتنياهو) على منع إسرائيل من طلب أية مساعدة إضافية من الكونغرس، بل وإذا ما قرر الكونغرس منحها تلتزم إسرائيل بإعادتها! ومن هنا، يصل بلوتسكر إلى النتيجة بأن "رزمة المساعدات الجديدة تقل بنحو 5ر9% عن القيمة الحقيقية لرزمة المساعدات القديمة/ الحالية"! ولكي تبقى قيمة رزمة المساعدات كما هي، كان ينبغي للرزمة الجديدة أن تقوم على أساس مبلغ 2ر4 مليار دولار في السنة الواحدة، على الأقل! علاوة على أنه "ثمة أثمان اقتصادية غير قليلة لمنع إسرائيل من التوجه بطلبات مساعدة إضافية إلى الكونغرس"!

تشمل الاتفاقية الجديدة قسمين اثنين: المساعدات العينية، أي بالتجهيزات العسكرية الأميركية وبالنفط الأميركي، والمساعدات النقدية (بالمال)، أي بالدولارات التي يمكن تحويلها إلى شواكل بصورة حرّة. وكلما كانت درجة الحرية في استخدام أموال المعونات أكبر، كانت الفائدة الاقتصادية الحقيقية منها أكبر. ولذلك، فإن المساعدات العينية (بالمنتجات) هي أقل قيمة من المساعدات النقدية (المالية).

في الاتفاقية الحالية (القديمة)، مركّب المساعدات النقدية للاستخدامات الأمنية المحلية من قبل حكومة إسرائيل ("أموال التحويل"، أي الدولارات التي يمكن تحويلها إلى شواكل في إسرائيل) كان يشكل 27% من مجموع المساعدات، بينما كان مركّب المساعدات العينية (المعدات العسكرية والنفط المستوردة من الولايات المتحدة) يشكل 73% من مجموع المساعدات. أما في الاتفاقية الجديدة، فقد انخفض مركّب المساعدات النقدية (أموال التحويل) إلى نحو 18% فقط من رزمة المساعدات في البداية، على أن يؤول إلى الإلغاء التام لاحقا، وهو ما يقلل من قيمة رزمة المساعدات كلها بصورة حادة. ومن أجل تعويض إسرائيل عن هذه الخسارة الكبيرة، كان ينبغي زيادة حجم المساعدة السنوية بمبلغ 40 مليون دولار في السنة، وهو ما لم يحصل.

وفي الإجمال، كما يوضح بلوتسكر، لكي تكون الاتفاقيتان (القديمة / الحالية والجديدة) متساويتين من حيث الفائدة الاقتصادية المرجوة لإسرائيل، كان على الاتفاقية الجديدة أن تضمن لإسرائيل مساعدة بمبلغ إجمالي يصل إلى 46 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة (ابتداء من 2018). لكن الرزمة الحقيقة التي تضمنها الاتفاق الجديد (38 مليار دولار) تقل عن ذلك بـ 8 مليارات دولار، تشكل 18%. وهي نسبة الانخفاض الذي حصل في حجم المساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل خلال العقد اللاحق.

المصطلحات المستخدمة:

باراك, رئيس الحكومة, يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات